الآنَ ينتهي حُكْمُ الجواسيس في عواصم الرماد المثخنة بالقياصرة . تنكمش ممالكُ القُمامة ، وجُمهورياتُ الدَّيناصور في علب السردين الفارغة . بريدُ الفُستق هو تحدي جنون الأكاسرة . أَستعد لأن أُسَرِّحَ باريسَ من حقيبة ماري أنطوانيت المصنوعةِ من جلود الأفارقة . أعقد اتفاقيةً مع جفوني لأدفنَ مملكةَ الزَّبد في السَّاحل الذي يكون فيه الراعي عدوَّ الغنم !. ترعى المغاراتُ الصقورَ وأعوادَ الثقاب المخصَّصةَ لشموع الضحك . تتسلق طفولةُ المساء أناشيدَ الرعاة لتبلغَ طُفولتي التي رَمَتْها السُّلطانةُ في غرفة الألعاب الخاصة بأبنائها ! .
أزرع مذكراتِ التوقيف الصادرة عن بنات آوى على سياج حديقتي لأتعلم تعب الشموس الفضية في المحاكم العسكرية . لم يعد الرملُ يُفرِّق بين بنات آوى وبنات أفكاره . في مُخَيِّلتي تنمو أغصانُ النسيان ، ويختلط ظمأُ شفاه الوداع بأوجاع السيول. في رَاحَتَيْكِ يا نافذتي أوراقٌ للخريف المولود في دمائنا . الطريقُ إلى المدينة التي استعارها الملوكُ من ظلي بالقوة تمر عبر دمي. أماه لا تنتظريني خلف جَذْر الشموس الجريحة وأصفادِ نحيبي لأن السجونَ التي بَلعت الشَّجرَ الأخضر تجري ورائي . أيها السجانُ ، لا تَبِعْ قَلْبَكَ للقُرْصان الذي يتجسَّس على الملح الأسود في دموع التماسيح . الغُزاة يأتون من الجهات المحروسة بالصدى الزَّعفراني . يحملون أسماءنا ويسرقون ألسنتنا .
أنا والموتُ شقيقان في الطريق ، والأيتامُ حَوْلنا يلعبون بجثث أُمَّهاتهم . وهذا البحرُ سوف يَفنى كخَوْخةٍ هَشَّة . أَجمعُ مُفْرداتِ ثَوْرة اليانسون على ممالك أحزاني . أَحْفِرُ دمي في خشب المراكب المكسَّرة كي تستخرجَ قَشَّةُ الطريق اللوْزَ من عِظام البحَّارة الغَرْقى . أُفَتِّشُ عن ذكريات النَّار في القيود الحديدية الصدئة ، وحَبَّاتُ الرَّمل تسأل معدةَ الرَّصيف : (( من أين يأخذ السَّجانُ الرَّمادي راتبَه ؟! )) . أُجيب عن أسئلة المحقِّق في زاوية الغرفة . ومُسدَّساتُ العَدُوِّ التي تستحِمُّ على مكتبي بدماء الشهداء أعرفها كأزهار الطفولة التي نسفها المخبِرون والسلاطين الذين رَمَوا شعوبَهم في السكوت المحاصَر . كُلُّ شيءٍ في غرفتي سوف يُقاوِمهم: (( الجدران والبلاط وصورة جَدِّي )) .
صَوْتي مِنْجنيق يحرس الصوتَ والصدى . أناشيدُ الفجر تفور في أهدابي. أُقاوم الرمالَ المتحركة التي تتناوب على حراثة الأنهار الرومانسية. أَنا النُّطْفةُ المتشكِّلة في ذاكرة الإعصار .
أَسأل رمالَ الشَّفق : كم جثةً لهنديٍّ أحمر رماها الرجالُ المدجَّجون بالأرصفة ؟. كم بِنْتاً وَأَدَهَا أعضاءُ نادي الجاهلية ؟! . كم أميراً سرق براءةَ البرتقال في جثث الأطفال ؟! .
وطَبَّاخُ الأمير ما زال يبحث عن ذُلِّه. مِنْ حَقِّ مقاصلِ الحشائش أن تعيش في جوربي ! . ما أشقاني حينما أفتخر ببصري أمام العُميان ، وما أغباني حينما أمشي مُختالاً أمام البغايا . عُمُرُ الثلوجِ ياقوتُ المساء على مداخن أكواخ المنافي. الطَّحينُ شِعْرُ العواصف. وكان طفلُ المرعى يُحْتَضَرُ على كتف جدته القتيلة. خِنجري جمهوريةُ البطيخ العاري في أجساد الرفض الدائم .
هذه قصورُ الذئب التي شيَّدوها على جثثنا هي لونهم الزائل ، والطوفان لا يستأذن من البشر . السماء سوف تَنْشَقُّ وتكون وردةً كالدِّهان ، أين سيهرب القتلةُ الذين يقضون إجازة الصيف خلف رَبطات العُنُق ؟! . قطاراتٌ تحمل الدِّيناميتَ تَسْبح في معدتي الصحراوية . هل سيفتحون الزنازين للسائحات العاريات ؟! . اتركوا العصافير تُسَبِّحْ صَانِعَ أرواحِها وقابضَها. اتركوا النَّحل في البرية يُغَازِلْ حبوبَ اللقاح . لنحبَّ النخلةَ عَمَّتنا . لنحبَّ صورَ الخيل في كلام السَّحاب .
قيل لي إن اللصوصَ صَرَّحوا بضرورة إنشاء نَقَابةٍ لقطاع الطريق لتكون أعمالُهم موافقةً لدستور جمهورية أسماك القِرْش الذي استوردوه مع باقي البضائع ! . وتعجبتُ من ثقافة المخبِرين النابعة من الجرائد الصادرة على كوكب الشَّنقِ. تتسابقُ اللبؤاتُ في شراييني لفرض ضرائبَ جديدةٍ مُنَسَّقةٍ وملفوفة ببكاء الأيتام .
ملاحظةٌ كَتَبَتْهَا رئتي قبل اعتقالها : (( من مظاهرِ الديمقراطية عند حكومات الأدغال الدموية : مظاهراتٌ للشواذ جنسياً في طرقات الحيض . فتاةٌ تضع على وجهها نِصْفَ طُنٍّ من المساحيق تقود سيارةَ مَرْسيدس . مسابقةٌ لطلبة الهندسة في الجامعات الذَّابلة لتصميم أَفضلِ مقصلة رومانسية ! . ملابسُ البارونةِ تتوهج على جثامين الثائرين . تصاميمُ هندسية ممتازة لسجون عَصْرية ! . الانتخاباتُ التي حَقَّق فيها القَيْصر 99% والبقية تأتي ! ، والعدالة على طريقتهم : إذا سرق الشريفُ تركوه ، وإذا سرق الفقيرُ أقاموا عليه الْحَدَّ )) .
مزاجُ الضفدعةِ المتقلِّب ، وزَوْجها الذي لا يتفقد حفرَ المجاري إلا عند قدوم المصوِّرين لتكون الذكرى محفورةً على جلد الماعز ! . مَزارعُ تقوم بخَصْخَصة أجسادِ النوارس وملامحِ المراهقات ، وتناقش عَوْلمةَ ذبحِ النِّساءِ في المساء . أَشُمُّ روائحَ المنفى من شُرفتي المطلَّة على الطوفان . والحقول الخضراء ينهبون لونَها ليقيموا حضارة البارود. لم تعد دولةُ المرتزقةِ إِلا إِسْطبلاً لخيل زوجةِ الإمبراطور .
إِنَّ المسيحَ تاريخٌ من المحبة لم يُصْلَبْ ، لَكِنَّ الخائنَ يَهُوذا والخرافةَ صُلِبَا . يحاولُ النَّمرُ المستبدُّ حقنَ ظلالِ البحر بأكاذيب الغربان في الأيام النحسات . إِنَّ الفطرَ السامَّ خَدَمُ الهذيان في معسكرات الأرواح المتناقضة. وكانت الفئران تنهش دِهانَ الدروب الصاعدة إلى المواجهة الحتمية بين الصوت والصدى . فمتى يقتلعُ الصَّدى الورقيُّ عُمُرَ الإسفلتِ من قش الجنون ؟! .
وهذه صكوكُ الغفرانِ أَخْشابُ طيف الهلوسة . والأرضُ تَلْفِظُ جراحي لكيلا تتسممَ . أُصيبت جيوشُ الهذيانِ بالتخمة المائية . رمى النَّخاسون إِخْلاصَ الجنود عبر الأبواب . سحقوا الشُّرفاءَ من أبناء جِلْدتنا ، وخلعوا جِلْدتنا، وفتحوا في أمعائنا ممراً لسَيْل هادر . أيها الجنونُ الذي يسكب عيونَ الشيوخ والأطفالَ في ابتسامته ، أُبَشِّرك بأنك ذاهب في أفلاك الندم. فلتعيِّن فأساً لتنظيم الحسرات الملائمة لإجرامك المقنَّع ! .
وَقَوْلُ النَّبي مُحِيطٌ من الشُّموس تَجرف الأساطيرَ . الديمقراطية لعبةٌ يتسلى بها بوابُ محكمةِ التفتيش في وقت فراغه قبل أن يُمارس هوايته في تلميع أوسمة الهوس . يا فلاحي بلادي ، احْرُسوا القمحَ بالذكريات والفرح . نحن الذين ننزع الأوسمةَ عن صدور الأوثان البشرية . القراصنة يُلقون المِرْسَاةَ في مدخل الملهى الليلي .
وَحْدي مع المسافِرين من اغتيال الخوخ في بستاني إلى مُدنٍ باعها حُكَّامها للصدى . لَسْتُ من سلالة قياصرة ولا أنتمي لقطيعِ الجلادين ولستُ الحقدَ . عَلَّمَني عَظْمِيَ المسحوقُ أن أَمحوَ كلماتِ الشعير من لافتات شوارع عمودي الفقري ، وألا أَفتحَ جُرحي مرعى لإِبِلِ الخلفاء غير الشرعيين .
أيتها النساءُ اللواتي يَضَعْنَ لحومَهنَّ أثاثاً للمسرح المكسور . أيتها النساء اللواتي يَغْرِسْنَ أعضاءهنَّ في أغلفة المجلات السياسية . أيتها النساء اللواتي يَكْتُبْنَ ذُلَّهُنَّ على ثياب عارضات الأزياء في عواصم الانهيار . أيتها النساء اللواتي يَفْرُشْنَ أجسادَهنَّ على إعلانات زيادة الضرائب . أيتها النساء اللواتي يُعلِّقْنَ على عُرْيهنَّ لافتةَ الثقافة . أُنظُرْنَ إلى المرايا في غرف نومكن مكياجاً ثقيلاً على قماش الدُّمى .
قفصي الصدري ليس فارغاً ، قد سكن فيه أطفالُ العشب الذين تَلهث خلفهم آلاتُ القتل . أيها القياصرةُ الذين يعطون بائعاتِ الهوى دكتوراة فخرية في البِغاء . أيها الذابلون الذين يبيعون الجنسية الوحشيةَ للبرقوق المحاصَر. كُنْتم محارِبين فاتحين في غرف نومكم أو موتكم . لا تَعْتَقِلوا التفاحَ ، وتحقِّقوا معه في قاعات الرقص المخصَّصة للضفادع الممتلئة بالبحيرات .
المنافي التي تنبع من المساء العسكري رصاصٌ في جَيْب الرَّعد. ولوس أنجلوس تُهَرِّبُ أبناءها في لحم الخنازير المعلَّب، وترسلهم لينكسروا كالديدان المخدوعة في فراش الزَّوْجية ! .
نقابةُ المومسات الديمقراطية . الأقسامُ المخصَّصة للحوامل سِفَاحاً في المدارس الثانوية للبنات. إنها جرادةٌ عمياءُ تأسرُ عنبَ الجزائر في النبيذ المفروش على طاولات الجنرالات قرب جبال الألب. أنا مُسْتَودعٌ مليء بتوهُّجات الفيضان . لُغتي سُطوع فراشات لا تستسلم للشَّبَكة . وحَواجِبي أَصُفُّهَا خنادقَ تبلع الجيوش التي ترفع خُشونةَ تواريخ الأوثان رايةً . قال الزَّبدُ المدفون في معدة المطر : (( أضمن أن يكون جسدي مع زوجتي، لكني لا أضمن أن يكون قلبي معها )).
يا حُرَّاسَ الغبار، اغسلوا وجوهكم حين تكسرون المرايا لكي تَرَوْا أقنعتكم خارج يانسون الأمطار . أعوادُ المشانق في الساحات العامة الممتدة في صدور الثائرين . أيها المنفيون في ساحل الجراح الساكنون في الحنين إلى بنادق الثوار في الميادين الأسيرة ، خُذوا قلبي سَدَّاً أَمَامَ زحف الجراد المتحضِّر ! .
أطمح أن أُسْقِط النظامَ الجمهوري في شراييني. أرضٌ جرداء كأعلام القراصنة . تاج مرصَّع بنزيف بلاد البروق . عَجوزٌ هَرِمةٌ في قصر رخامي من بقايا الحقد الإمبراطوري لتسميم كشمير . امرأةٌ تفتح كهوفَ مِكْياجها أمام عدسات المهرِّجين .
صديقي النِّسْيان ، حَاوِلْ أن تتذكرني ! . أنا فتىً من الشَّرق ، أخذوا الصنوبر من ثياب جَدِّي. وأبي ما زِلْنا نبحث عنه . أَدخل زنزانتي الخاصة مسلَّحاً بالذِّكريات . أخذوا أوراقي والأقلام حتى العنكبوتَ في الزاوية ، أخذوه ! .
تلقيتُ البارحةَ رسالةً من الصَّدى المسافر في ورود الدَّرْب اليتيم يخبرني أن عشيرة الجليد تخطط لخطف حبة رمان في أحضان الحقل . وكان ثلجٌ نائماً إلى جانبي على عشب مناجل يُحْتَضَر ويَستجوبُ القضبانَ : (( هل الحزنُ ضمن المقامرة التي يقودها إمبراطورُ الغبارِ في البار ؟! . هل الشعب ضمن أوراق اللعب على طاولة الإمبراطورة ؟! )) .
أنتعل أطيافَ الأنقاض . الصولجان يقتفي أثري على الرمال القاسية . لم أقضِ شبابي في ملاحقة الممثلات ، بل قَضَيْتُه مُؤَذِّناً في طبقة الأوزون ، فيلاحقني المخبِرون وحرسُ المطار .
عَرَّابَ المافيا الصاعدَ إلى الأرشيف الرمادي ، لماذا تأخذ شَعْري الفضي إلى قاعة الإعدام ؟! . لا تكن بائعاً متجولاً في مقاهي بنكرياسي المنثور على صنوبر العُشَّاق . لا تكن حطَّاباً لأشجارنا الدموية في الخريف الشَّاعري مثل الموظفين الجدد في ممالك رياح الخماسين . لا تُطْلِق على نعوش إخوانك لقب " مستقبلك السياسي" . اذهب إلى المقبرة لترى مستقبلكَ السياسي ! .
هذا الحطبُ القرمزي يسير على السجاد الأحمر في معتقلات إبادة الهنود الحمر . فيا سائقي سيارات نقل الجنود ، أَمْهِلوا قطتي العرجاء بعض الوقت للعبور إلى الرئة الثانية للزقاق . مزرعةُ خنازير برية في ثياب ممثلات هوليود . غرناطةُ زمردةٌ في أكف أصحاب الحانات والمراقص في مدريد الانهيار . وها هي أوروبا المهرولة في نداءات قتلاها القرابين . مملكةُ الشيطان في أوج احتضارها . أعضاء في جمعية مخترعي صكوك الغفران . قارة تقفز من غابة النفط إلى غابة النفط كقردة مبتدئين ضلوا طريقهم ، واحتاجوا إلى دليل سياحي ! .
المرتزقةُ كاتم صوت الشعوب مُرَكَّبٌ على مسدَّس خشبي . احتفال بذكرى ميلاد الدُّوقةِ يشارك فيه المرتزقة والصحفيون واللصوص الأنيقون ونسوة لتسلية العُميان . القاعة تغرق في تبادل الهدايا ، والمشرَّدون في الخارج يبحثون عن القش ليناموا عليه ! . ينام الميناءُ على ذراعي اليمنى . وأوسمةُ القش يُلمِّعها خنجرُ الذكريات . أُطهِّر عواصمَ رئتي من الديدان التي تسرق ظلالَ البابونج على رخامِ المجازر . يلاحقني الرعدُ في مراعي الكوليرا من كوخٍ إلى كوخ ، ويُلقي الألغامَ في نُعاس الياسمين . أَسألُ جثمانَ أبي : عندما تغفو على وسادتي الحيتانُ الزرقاء هل ستشهد رمالُ المحيط ضد الضحية ؟ .
قد يرمي الجلادُ أصابعي على أخشاب المرفأ . قد تُوزِّع السلطاتُ صُوَرَ الزنابق على الحمَام الزَّاجل ليبحث السُّلُّ عن خطوات الريح على الرخام الملوَّث باكتئاب الشطآن . تمشي السنابلُ حافيةً على رخام القبور الخالية ، ولكنَّ ألوانَ الحزن تُقاتِل .
جُرحي إشارة مرور لتعبر الدلافين إلى عروقي النحاسية . والأغرابُ مشغولون بترتيب غرف نومهم كجرذان في مقتبل العمر تتعاطى مضادات الاكتئاب . يَلمع البارودُ على الإسفلت الرصاصي المنتشر على لحوم الفرسان . أنهارٌ بلا أظافر على ساعة يدي ، ورمالٌ تركض في زفيري تُدَرِّبُ البعوضَ على السباحة في جماجمنا . المدنُ الذبيحةُ مرآةٌ مخدوشة على قماش أكفان البجع .
قَبْلَ أن يَصُبُّوا نُعوشَ أهلي في البئر المجاورة للوداع ، بَحَثوا عن عُكازة أبي تحت الركام الهابط في رئة ذئب الهزيمة . قبلَ أن يَنْصُبوا الفِخاخَ لعصافير الحي في حناجر المصلِّين . قبلَ أن يبيعوا سريري وأظافري ليشتروا مكياجاً لبنات كِسْرى وبعضَ فساتين السهرة الليلية المضاءة بأضواء السيارات المارة على أجسام الفراشات. قبلَ أن تلتقيَ صديقاتُ السُّلطانة على أجزاء كَفَن وردة . قبلَ أن يرموا المذابحَ على شاشات التلفاز. قبلَ أن يبنوا شركةَ حفاري القبور على جلودنا. قبلَ أن يحبسوا دخانَ المصانع في شرايين الفتيات المغتصَبات في سراييفو ، أَطْلَقوا سراحَ الحدائق الأسيرة في خيامنا المرقعة لِتَكُون مَرْكباتُ نقلِ الجنود أَقلَّ تلويثاً للبيئة ! .
جنودُ العارِ دببةٌ سمينة . جيوشُ الصَّدى الرهيب مستنقعاتٌ مسعورة على الطرق الصحراوية ملتصقة على جدران النوم . تتمرد العصافيرُ في قسمات وجه المرعى . أيها الصَّيادُ الذي يتقيأ القياصرةَ في دفتر جمع الطوابع ، لا تَأْسِر الكروانَ بأغلال المطر الحمضي . لا تُرشِد العوانسَ إلى أشلائي في طرقات النسيان. لا تَعْرِضوا أظافري في المتاحف أمام الذباب المعدني . لا تُعطوا رئةَ جارتنا الأرملةِ هديةً لبنات الإقطاعيين المدمِنات على الكحول .
وحَفَروا الأحكامَ العُرْفية على أمعاء الشهداء التي تُقاتِل الأشواكَ المزخرفة . قِطَّةُ البكاء التي تُضْرِبُ عن تقبيل الفئران حَقَنُوها برمال المنفى . واللصوصُ الشُّرفاءُ يفتتحون في كبد حمامة معرضاً للمسامير الجديدة . والمراهقاتُ العاشقاتُ يُعَلِّقْنَ شبابَهنَّ على بوَّابات العمى . هيكلٌ من عظام بشرية . قلادةٌ مُعلَّقة في رقبة صنمٍ اسمه المنفى .
مُجَمَّعٌ لمحاكم التفتيش . جُحر الأكاذيب . مُلتقى الزبد والعمى . أجسامٌ خاوية ثعلبٌ ذو فراء وسخ . العواصم الخالية إلا من رِجال المافيا . إِنَّ الدَّمعَ شاهدُ قَبْرٍ للبرتقال الغريب . والرصيفُ مهرِّجٌ طُحلبٌ يتزلج على جدران أوردتي ، على حيطانِ بئرٍ مُسيَّجةٍ ببكاء البغايا تدعى رُوما .
حَاضِناً الكرز المهجور في دماء الشعوب المطحونة . والأرستقراطياتُ يُحضِّرْنَ رسائلَ الدكتوراة عن ديمقراطية المجزرة ، ودموعِ أُمِّي في خريف الرعود .
ربما يصبح اغتيالي خبراً رومانسياً في نشرة أخبار صادرة من مذياع على طاولة نظيفة في مطعم للوجبات السريعة . إما أن نَبصقَ قاتلينا في سلة المهملات تحت شبابيك غرف التعذيب المفتوحة على لعابنا من الأُذن اليمنى إلى اليسرى ، أو أن نبصق قاتلينا في أرشيف البوليس السِّري قرب أزهار النار . أزف إلى التراب أعضائي . هذه الشَّجراتُ المختبئة في سريري تنتظر الأكسجينَ .
وصالاتُ الرقص مفتوحةٌ أمام العشَّاق الذين صَمَّموا المذابحَ في قلوبنا . جان دارك ، أَمعكِ مرافقون سوى جِرذان عينيكِ ؟ . والقراصنةُ المهذَّبون يبحثون إمكانيةَ توسيع المعتقلات المارة أنهاراً من توابيتَ صنعها عُمَّالُ نظافةٍ محترفون في ورشة الخليفة . دمي يعشق الأندلسَ . يغرس رصيفُ الليل أنيابَه في كَفِّي . يذهب النخيلُ إلى المدرسة مُسرعاً. مطرٌ يُبَلِّل أعشابَ المذبحة ، والمجرمُ صار رومانسياً في حكومة انقراض المرجان البحري . يضع الموجُ حِزامَ الأمان بعد أن يدهسَ القصورَ الرملية . تَقَدَّمْ أيها الشاطئُ القرمزي. أنا وأنتَ فراشتان تحومان على ضفاف الجرح الممتد من غروزني إلى سراييفو جُثثاً وبساتين شابة .
تندلع المجازرُ في لون السنابل . والعشبُ منتدى للحوار مع أغنامي ، وساعدي كوخٌ لأسراب الدجاج المهاجر من الندى المذبوح في زنزانتي الانفرادية . قد يحتاج الغزاةُ إلى الكثير من الصابون بعد حروب الإبادة المصنوعة لملء وقت الفراغ ! . يقوم النَّرجسُ بعملية إنزال جوي في بطن رصاصة بِكْر . كُلُّ ممالكِ الإبادةِ أدغالُ هَوَسٍ . وجهي نهارٌ قادمٌ ساجدٌ لِلْمَلِكِ .
سِجْنٌ عجوزٌ يمتص طيرانَ العُقبان في الخريف . وكان ضفدعُ المذبحة يُخَزِّنُ أسناني في عُلب السجائر الأجنبية . نَعْشي صار مقهىً لراقصات النفط . يُداهمني القمحُ أُقبِّله لأنه سَيْفي .
بين كربلاءَ وجروحِ الفارس دمعيَ الشَّفاف . أُشاهد خيولَ الخليفة غير الشرعي تسقط كبيض النَّعام . ورأسُ الحسين لا تَسقط . عَبَر إلى غده الواضح سَيِّداً ، في جَنَّةٍ بلا شمس ولا زمهرير . أنيناً كان قَصْرُكَ أيها الولدُ الأُموي المتجول على إشارات المرور لبيع غثيان الصحراء . سراباً كان اختباؤك يا سارق الندى من نظرات طيور البحر بين الحيطان المدهونة بالقتل ومرآتكَ .
كرياتُ دمي نسورٌ في فُوَّهة القتال . طَلَّقْتُ خوفي من محكمة قُضاتها يتقاضون رماحَهم من حكومة على أُهبة الهذيان . أُحب الصهيلَ حين يجتاحني في ربيع التوابيت . وشوارعُ روما تركض في عظامنا الموزَّعة بالتساوي على رجال الأمن . ومُفاجئاً كندم الزوجات الخائنات في موسكو جاء اعترافُ الفرنجة : (( بِعْنا نساءنا للذي دفع أكثر ! )) .
جراحاتي زيتونةُ الأيتام ، ورموشي مُنْتَجَعٌ سياحي في إجازة آخر الأسبوع . إبليس ومارغريت تاتشر يتناولان غداءَ عملٍ سريعاً مُعَطَّراً بنعوش الجيش الجمهوري الإيرلندي . وكان الصربُ يشربون الويسكي في مقابر المسلمين في سراييفو عند شواهد قبور الشُّموس ، ويُلقون الزُّجاجاتِ الفارغة في برلمان الصحراء التي كانت يوماً ما رَوْضةً للبنات الصغيرات الرافعات الهلال شعاراً .
أحزانُ الأعشاب طائرةٌ ورقية . لن أَتركَ رَقَبتي مائدةَ غَداء لكسرى . الطيورُ المرتعشة مظلةُ المروج الغاضبة . والغزاةُ يأخذون الصور التذكارية عند الخراب المتدفق في أعصاب الجنرال فرانكو. والقواعدُ العسكرية في أمعائنا هي جواز سفر للفطر السام كي ينمو على واجهات لحومنا. التهمُ الجاهزة تنتظرُ السِّنجابَ المندهشَ في بلدته التي هدمها مَلِكُ الجنونِ الرماديِّ ليقيم إمبراطوريةً أكثرَ انفتاحاً على الجراد.وعندما يُذبَح الموتُ أكون في الجنة أو النار .
بلدتي المفتوحةَ للأشباح المغلقةَ أمامي ، قَبِّليني لأني ذاهب لكي أتزوج التُّرابَ. أصعد من قبري بأمر سَيِّدي. تعلمتُ كيف أُضَمِّدُ جراحي قبل أن تتعلمَ الإسبانيات قيادة السيارات في أندلسنا . أرى التوتَ البري ينشر صورَ لصوص البلاد ، وأرى النَّحلَ يهاجم بركَ السباحة المستعدة للهروب إلى عواء الحجارة في صحراء سيبيريا. لا الخيمةُ أُمِّي ولا الثورةُ البلشفية ثورتي. دمعي الثأرُ زاحفاً . وأصوات بلدتي تجرف نباحَ حطب الموقدة . ويُجَمِّعُ مجرمو الحرب أرصدتهم من الجماجم في معدةِ برميل البارود .
أنا حارسُ حدود الأسماك في الشفق البعيد عن خَيْمتي . حدود دولتي من القطب الشمالي إلى الجنوبي . ورأسي أرجوحةٌ لأطفال البرقوق يحملون تاريخ عمودي الفقري في الصحاري الجليدية . الغَسَقُ ابن عمي ، والوضوءُ نهرٌ يَغْسِلني . المِئذنةُ رايةٌ عالية تنير جبهةَ الصُّبح ولا تسقط .
في ذلك الصمت البنفسجي تُولَد مدينتي المعدنية في ضحكة الصنوبر . أَفتح قلبي للذكرياتِ الغريبة كي تدخلَ مياهُ البحر في نخاعي الشوكي . إن عيوني هي غُربتي ، فلا تبكِ عليَّ يا أنا . سأحتفل بأشكالِ ذبحتي الصدرية لأن الرعدَ طَهَّرَ خيوطَ نزيفي من حضارةِ دم الحيض . وتحت إبطِ الذاكرة مشنقةُ الأعشاب السامة . قد بِعْنا فلسطين وصِرْنا رومانسيين .
لم يَخْلُقْنِي الله لأفرشَ دمي سِجَّاداً أحمر للفرنجة. لم أتعلم القرآنَ لأَتْلُوَه على ضريح الطاغوت . لم أكتب الشِّعر لأمدح السيافين الذين يركضون وراء جذور الزيتون . لم أزرع في رئتي حقولَ الصَّوْت لأُقدِّم الزهورَ للعشاق في حانات بنسلفانيا . لم أُنظِّف بلاطَ زنزانتي ليمشيَ عليه فقهاءُ البلاط . لم أدرس الفلسفةَ لأُصفِّق للفلاسفة الألمان . لم أكتب القصائد لأتغزل بانكماش الراهبات في الحكايات . لم أُعَانِقْ لغتي لأخطَّ المراثي على أطلال الحزن المتدفق من شقوق الدولة البوليسية .
حين يأخذ الأباطرةُ أشجارَنا إلى التجنيد الإجباري في الجيش الذي يحارب نفسَه ، أجلس مع الأمواج ندرس بصماتِ البلابل على الحجارة البعيدة . أحترم أبجديةَ مَوْتي في أُمسياتِ صَوْتي .
قِطَطَ الوادي ، لا تبحثي عن وطن . أحزاني وَطَنُكِ . قد يرحل المرءُ عن الغرفة التي وُلد فيها، ويأخذ معه أشجارَ الحِبر ، ويترك الحصيرَ باكياً على كتف البلاط ، ثم يُقتَل في الغرفة التي وُلد فيها.
وحيداً كأرملةٍ خَلَعُوا حِجَابَها وبَنَوْا على ضفائرها ممالكَ السُّكوت، كان اليانسونُ الذي يُغطِّي رُفاتي . أنا المطارَدُ في بلاد الزَّرْنيخ ، في زجاج غرف التحقيق ، في الشوارع الموحلة التي تفضي إلى مغامرات أمراء الحروب المدوَّنة على جنازة الديناصورات . كلما فحص النرجسُ حيطانَ المعتقَل تكسرت ظلالُ الخنجر الأثريِّ .
ماحياً آثار مايكل أنجلو على أجساد الشَّحاذين في ممالك الانتحار شمال المتوسِّط. قُرى الجرذان البشرية التي حَوَّلوها إلى مدافن هي أضلاع النبيذ . يجرحون الفُلَّ الذي يُزَيِّن نافذةَ بَحَّار في عَكَّا .
صديقاتي نُجومَ السماءِ البعيدةِ عن جلود العُقبان، قد اختلط هديرُ محرِّكات الطائرات بدم الينابيع الساخن . أكواخٌ لطيور البحر تجمع الأكياسَ الورقية على الشاطئ ، هَيَّا نُخَزِّنُ في ريش دجاجةٍ أحزانَ شِبَاك الصيد الفارغة . البحرُ أقربُ مِنِّي إلى رموشي ، ويغارُ عليَّ مِنِّي . جُلودُنا تحرسُ أعداءنا ، والضبابُ يمضي إلى ثكنته العسكرية في هاوية القصور الرملية .
في إحدى الليالي نامت الليالي فِيَّ . وعندما يتفجر حُبُّ الصيد في عيون النوارس ، ويلتقط أطفالُنا الصورَ الفوتوغرافية لحركة البرق على الرمال الكُحْلية ، أشعرُ أن جِلْدي كوخٌ للشطآن تقضي فيه شهرَ العسل . وحين تموت النوارسُ تكون أجنحتها هي أكفانها .
لم أُشارِكْ في حفلة زِفاف حَبَّة رملٍ إلى الصدى . جَرَفَ السَّيْلُ ذكرياتِ النَّسر فوق رؤوس العبيد المتدحرجة على زنود السَّيَّافين . قال لي الخريفُ في يوم ربيعيٍّ : (( دمعاتكَ ليست بيئةً مناسبة لتكاثر الآبار )) . هناك نملةٌ تتحدى المرسوم الأميري القاضي بحرق مدن النمل . تسكب رِجْلُ المستنقع روائحَها في مسامات بطن التمساح . بِطْريقٌ يجمع أشلاءَ أُسْرته في كفيه الصغيرتين، ويذهب ليدفنها في قيعان المحيطات المتَّسعة . وذبابةٌ تَنْقل على جناحها ثوراً مكتئباً إلى عيادة الطبيب البيطري .
أعطاني مفتاحَ كهفه عُصْفورٌ ، ورحل إلى قمة العزلة قرب الهاتف النَّقال للنبع . إِنَّ الليمونةَ التي تَكْبر في شريان الأرض تكتب يومياتها على ذبول القراصنة . وأُمراءُ الأنقاض المأجورون يُنَظِّفون السُّفنَ في أحشاء شعوبهم التي قذفوها في الدروب .
وطني، تأخذ الغِربانُ ثماري المنكسرة، وتُلقي بها في مواسم خوف البِحَار. وطني دافِعْ عَنِّي . نَاشَدْتُكَ الله أن تَضُمَّني إليكَ .
غَطَّى سَيَلانُ قطرات الماء من جوف الصخور في مراكب الرَّاحلين سِيقانَ حُلْمِ نَمِرٍ . سألني الليلُ عن اسمي ، فلم أُجبه ، ومضيتُ ألتقط عَبَراتِ التلال، وأضعها في صندوق خشبي بسيط . أنا راعي غنم في المنافي التي شَيَّدوها لي في الجُزُر النائية . قد لا أَجِدُ من يدفنني إذا مِتُّ في منفاي .
جلستُ يوماً مع أغنامي نأكل الحشائش فسألتني لماذا لا تتزوج ؟، فأجبتها بكل صراحة : (( ليس لي مكان سكن سوى كهوف المنافي )) . أُناسٌ يُحمَلون إلى المقابر ، وأُناس يذهبون إلى المدرسة . في المنفى لا توجد ساعةُ حائط ، ولا يوجد جرسُ مدرسة .
شَوْكُ الضياع يثقب تجاعيدَ السلاحف . إن ممالكَ الغروب عائدةٌ مع قاربي من جَنْي الرؤوس المقطوعة . أمواجُ الشَّفق ليست نَبتةً يُمزِّقها الكهنةُ . أَمْسَكَتْني يمامةٌ ثم أَطْلَقَتْني لتطير مبتعدة عن خناجر الفيضان .
تَمُوجُ فَوْقَ الحقول أُغنيةٌ تسخر من لصوص النفط . غَزَالٌ يخلع جواربَه ويَعُدُّ أَرْجُلَه ، يُوَدِّعُ زوايا المغارة . يقود الزَّيتونُ في الشارع مظاهرةً في وجه الأحكام العُرفية . لسنا أثاثاً يُبدِّله أُمراءُ الجريمة متى شاؤوا .
مِنْ أوراق فهدٍ منبوذ : (( حكومة الحشائش السامة مصنوعة في الخارج ! )) . لماذا تعشقين سفكَ أعصاب المشرَّدين على ذيل الحيتان الرشيقة ؟! . لماذا تنقلين طلاءَ ناطحات السَّحاب اللزج على ظهور الجواميس النحيلة ؟! . مُخَنَّثون غارقون في التثاؤب ، ينامون على السِّيراميك البارد كصوف النعاج على مرآةٍ تحتاج لترى نفسها إلى مرايا أخرى . كأنَّ روائحَ الثوم تشنق فيروساتٍ بحجم محاكم التفتيش ، فيروساتٍ قِناعُها السَّيفُ المهووس .
إِنني أعيش في قلب لغتي الماحية . زَيتونةٌ هي رفيقةُ السِّلاح في الصراع مع الصدأ . أُفَتِّشُ عن جذورها لأرى امتداداتِ عُمُرها في جسد السَّحاب . محبةُ اللهِ تجمعنا حيث يُفرِّقنا المخبِرون . وَكُلُّ الشُّموسِ التي ترتدي الحجابَ تَاريخِي ، وذلك القمرُ يضحك لي ويقتلني . فتيات بغداد أنتن شجر أخضر في ربيع دم الأضرحة .
إنه الإنسان اللانهائي. الترابُ يستعدُّ لاستقبالنا . إلى التراب هذا اتجاهُ حواسنا . فهل جماجمنا ستصيرُ بعد إبادتنا إشارةَ مرورٍ في شارع مزدحم مقابل مصانع البيرة ؟ .
الزَّنازين مسقطُ رأس السنونو ، إبادةُ الزَّهر الذي يصعد من جثمانه . تُفتِّش دُموعي عن مساحة للكتابة لتحريض الحيطان المشققة على القتال لتحريض صدأ الحديد على الحديد ، لدفع قلبي إلى خلع قلبي . أتجوَّل في صحراء دمي كالسُّنبلة المشنوقة . ولا دراهم تحمل صور الخليفة غير الشَّرعي . وذلك السجين يتفكر في ضوء أبجدية النار . والفراشات تُكلِّم الحائطَ ، لكنَّ ثعالب الرجفة هي فقاعة صابون تخرج بعد أن يُعلِّق السَّجَّانُ أظافرَ إخوانه على حبل الغسيل الطويل . فلا تمنحوا الفراشاتِ تصاريحَ الدخول إلى انسياب الغدير ، ولا تسمحوا لأُمِّي أن ترى جُثَّتي المنثورة في أكواب الشاي الأخضر .