سطو مسلح على قلبي / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
أَقتلُ نَفْسي لأُحْيِيَ نَفْسي / رائحةُ
ثِيابِ السَّيافين في غُرفة الإِعدامِ بالغازِ / وبَناتُ العائلاتِ الأرستقراطيةِ
في المراقِصِ/ يُبَدِّلْنَ أقنعتهنَّ وكِلابَهنَّ وعُشَّاقَهنَّ/ لَيْسَ للضَّبابِ
المشْلولِ حَبْلُ غَسيلٍ/ أُصيبَ النهرُ بِسَرطانِ الجِلْدِ/ما فائدةُ
الرُّومانسيةِ إذا كانت المرأةُ مِمْسَحةً لِحِذَاءِ زَوْجِها ؟/
يَتيماً أنتشلُ حَضاراتِ البَرْقوقِ مِن
غَيْبوبةِ الرَّصاصِ / يَجُزُّ
الضَّوْءُ أجسادَ الصَّبايا في حَظائرِ الخنازيرِ / زُجاجاتُ وِيسكي في الدُّروبِ
المسْحوقةِ / كَجِرَارِ الأعرابياتِ الخارجاتِ مِن غُرفِ النَّوْمِ إِلى الفيديو
كليب / وَقَتَلةُ الحسَيْن يُعلِّموننا طَريقةَ البُكاءِ على الحسَيْن / استهلاكُ
أثداءِ الرَّاقصاتِ العائداتِ مِن ثلاجةِ الموْتى / مُضادَّاتُ الاكتئابِ التي
تتناولها الزَّوْجاتُ / اللواتي اكْتَشَفْنَ خِيانةَ أزواجهنَّ / مَا الفرقُ
بَيْنَ قُبورِ الملوكِ وقُبورِ اللصوصِ ؟ / وَقْتُ البُرتقالِ يَضيعُ في ضِحْكةِ
العَارِ / وَعَصيرُ الليمونِ يُخفي وَراءَ ابتسامته حُقولَ المأساةِ / سَيَموتُ
اليَمامُ في مَجَرَّاتِ الرَّمْلِ / كأنني مَمنوعٌ مِن دُخولِ قَلْبي / وَذَلِكَ
أنا / أُحِبُّ البُحيرةَ لأنها تُشْبِهُ أُمِّي/ رُوحي
مُشقَّقةٌ تَتشبثُ بِأستارِ الكَعْبةِ/ كُلما اقتربتُ مِن جُروحي ابتعدتُ عَن
نزيفي / والقَادةُ يَرْفَعون أجسادَ عشيقاتهم رَاياتٍ للدُّولِ اللقيطةِ / هل
أَذهبُ إِلى عَظْمي أَم أنتظرُ عَظْمي يأتي إِلَيَّ ؟ / ضَابِطُ مُخَابَراتٍ
شَابٌّ يَأخذُ إِجازةً / كَي يَتزوجَ شَريكةَ انتحارِه / أَصعدُ على أنقاضي /
وأبتسمُ أمامَ هَلْوستي / لِتَعْرفَ الشَّلالاتُ أنها لم تَهْزِمْني / مِيراثُ
اللهيبِ لا يَجِدُ مَن يَأخُذُه / أُحَرِّرُ الفَراشةَ مِن نَفْسِها / وأُحَرِّرُ
الموْجَ مِن البَحرِ / جِلْدي الثاني قِلاعٌ في عَرَقِ السَّنابلِ / أنا والحضارةُ
انْكَسَرْنا / وَصَعَدْنا مِن انتحارِنا عُرُوسَيْن/ لَسْتُ أبَاً / وَلَيْسَتْ
أُمَّاً / الموْتُ عَائِلةُ الزَّنابقِ / والظِّلالُ تُهاجِرُ /
كَيْفَ سَيَعيشُ الضَّبابُ وَقَدْ فَقَدَ
الثِّقةَ بِزَوْجته وَطَبِيبِه النَّفْسِيِّ ؟ / يَزْرَعُنا الليلُ وَيَحْصِدُنا /
تُقْتَلُ الأفيالُ مِن أجْلِ العَاجِ / وَأُقْتَلُ مِن أجْلِ الذِّكرياتِ /
الجثامينُ أوتارٌ في رَبابةِ السُّيولِ / يُنَقِّبُونَ في حَناجِرِهم عَن بَريقِ
السُّيوفِ/ تَهْرُبُ الغاباتُ مِن المعركةِ/ والأوسمةُ مَنْسيةٌ أمامَ مَوْقدةِ
الخريفِ / الذِّكرياتُ تُسيطرُ عَلى الفَراغِ / والفَراغُ يُسيطرُ عَلى بَنكرياسِ
الأمطارِ / وَحْدَه خَشَبُ التَّوابيتِ سَيَذْكُرُ أُغنياتِ الفَيَضانِ / مَاءٌ
يُنَظِّفُ رِجْلَيْهِ بالنارِ / أُنثى تبتسمُ لِذَابِحِها / الجرادُ في المزهرياتِ
/ وَما زَالتْ أُمِّي تَبحثُ عَن جُثةِ أبي / قُلوبُنا أطلالٌ بِلا شُعراء /
صَهيلُ دُموعِنا أفلاكٌ تَدورُ فِينا ونَدورُ فِيها / نَتركُ ضَحِكاتِنا عَلى
قِرْميدِ أكواخِنا / وَنَرْحَلُ / نَتركُ جَدائلَ أُمهاتِنا عَلى أوْتادِ خِيامِنا
/ ونَبكي عَلى سَراييفو /
أيها الوَطَنُ الضَّائعُ في الجِنازاتِ
الْمَهِيبةِ / أيها المطرُ التَّائهُ في ثِيابِ الحِدَادِ الأنيقةِ / كُلُّنا
جَالِسُونَ في مَأتمِ العَصافيرِ / أصابعُ الموْجِ مَزَارِعُ الماريجوانا /
نَحْرُسُ أهدابَنا لِيَتقاتلَ وَرَثَتُنا على اقْتسامِها / نَحْنُ رَاكِضُونَ في
أغاني الجثثِ المتحلِّلةِ / اقْتَطَعْنا الأحجارَ الكريمةَ مِن أعصابِنا /
وَبَنَيْنَا لَمعانَ الحزنِ الوَحْشِيَّ / أَرْمي كُرياتِ دَمي في مَلْعَبِ كُرةِ
القَدمِ لِتَسْليةِ الأرستقراطياتِ / وَتُجَّارُ الرَّقيقِ الأبيضِ يُزيِّنونَ
مكاتبَهم بالعَدساتِ اللاصقةِ /
إِلى أيْنَ تأخذُ تابوتَ الحمَامةِ أيها
السَّرابُ ؟ / سَأُصبحُ مُواطِناً صَالحاً / عِندما تَصيرُ الدَّوْلةُ سُوقَ
نِخَاسةٍ / الشَّواطِئُ مُرتعشةٌ لأنَّ الرَّمْلَ مُصابٌ بالباركِنْسون /
والقوارِبُ المكسَّرةُ في أدغالِ القلوبِ المكْسورةِ / وَالبَحَّارةُ يَتشمَّسونَ
في الهدوءِ الذي يَسْبِقُ الصُّراخَ / تُخَزِّنُ دُودةُ القَزِّ الطباشيرَ في
عِظَامِنا / وَنَظَلُّ عُراةً في حَريرِ المذابِحِ / الذابحُ والمذبوحُ
يَمْشيان على السَّجادِ الأحمرِ مَعاً / ولا أقواسُ نَصْرٍ فَوْقَ بُكائِنا / ولا
صُوَرٌ تِذْكاريةٌ عَلى جُدرانِ المحاكِمِ العَسكريةِ /
سَأَعْقِدُ مُصالَحةً بَيْنَ الأُمويين
والعباسيين في طَريقِ ستالينغراد / رُبَّما تُصبحُ دِمائي مَزْهرياتٍ مُعْفاةً مِن
الجماركِ / تِلْكَ الأقفاصُ مَطْليةٌ بِعَرَقِي المقاوِمِ للصدأ / والمخبِرُونَ
يُفكِّرونَ في الجِنْسِ / الذي تَطْبُخُه الذُّباباتُ عَلى نَارٍ هادئةٍ / والقُضاةُ
يَرْتَدونَ زِيَّاً مُوحَّداً / فَصَّلَهُ رِجالُ المخَابَراتِ / سَيَأكلُ الهلعُ
الدِّيدانَ الباحثةَ عَن طُفولتها / ذَهَبَ الذين كَانوا يَبْكُونَ عَلَيَّ /
الليالي قَارورةُ السُّمِّ / والصَّبايا يَكْتُبْنَ وَصَايا الانتحارِ عَلى
زُجاجةِ العِطْرِ / كُلما أحببتُ مِشْنقةً / أَحببتُ ظِلالي الواضحةَ كَخَريطةِ
السُّعالِ / تتزلجُ الأرستقراطياتُ عَلى البَنادقِ الآليةِ/ والصُّراخُ يتزلجُ في
قُرْحةِ مَعِدتي / كالمحارِبِين الذين يَكْتبونَ الرَّسائلَ لِزَوْجاتهم / أيها
الوَطَنُ الضائعُ بَيْنَ كَبْسولةِ السِّيانيدِ وَمُعادَلاتِ الرِّياضياتِ / لماذا
يَبْكي العِنَبُ في مَوَاسِمِ الضَّحِكِ ؟ / الزَّوابعُ تتثاءبُ عَلى حِبَالِ
خِيَامِ السَّبايا / ولم يَسْتَقْبِلْني في كُلِّ مَطَاراتِ العالَمِ غَيْرُ
صُداعي / الذي يُلَطِّخُ زُجاجَ غُرَفِ الانتظارِ / رَمَيْنا مَشَاعِرَ النِّساءِ
عَلى الموكِيتِ الغامِضِ في غُرفةِ التَّوْقيفِ /
وَعَقَارِبُ السَّاعةِ سِيَاطٌ تَهوي عَلى أغاني البَدْوِ الرُّحَّلِ / وأنا
المنبوذُ / عِشْتُ كَي أُؤرِّخَ للخَرَابِ /
الحزنُ أكثرُ اللصوصِ أناقةً / جَاءَ مَوْعِدُ الشَّنْقِ
/ وَلَم يَجِئْ مَوْعِدُ الحصادِ / سأبكي حتى أتلاشى في قَناديلِ العاصفةِ /
يُجَامِعُ الرَّمادُ أكفانَهُ / والزَّوابعُ تُكفِّنني بأجفانِ الذاكرةِ / لأني
أَعْشَقُكِ يا قُرْطُبة / أَطلبُ مِنكِ أن تَرْحلي عَن رُموشي / تَتوهجُ الرِّيحُ
في خَريفِ اللوْزِ/ وَتُولَدُ في بَراميلِ البَارودِ جُسورٌ/ تَنمو عَلَيْها
الأشلاءُ القَديمةُ / وَشْمٌ آيِلٌ للذَّوَبانِ في يَدِ المجاعةِ / وَشُموعُ
الظهيرةِ تُبَخِّرُ دِماءَ السَّناجبِ المنبوذةِ / أُقْتَلُ عِندَ إِبريقِ
الوُضوءِ / وَمَخَدَّتي المقطَّعةُ نَشيدٌ وَطنيٌّ لِقِطَطِ الشَّوارعِ / أنا
والحضارةُ ننامُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ مَعَاً / ارتعشتُ كالمرْمَرِ / ازددتُ
ثِقَةً بِجُرُوحِ الطوفان / فَقَدْتُ طَعْمَ الشَّاي الأخضرِ في حُمْرةِ دِمَائي /
أدغالٌ رُخاميةٌ تَخلو مِن سُكَّانِها الدُّمى / نَجْلِسُ في مَقْهى العَواصِفِ /
نَعُدُّ خُطُواتِ قَاتلينا الأنيقين / الليلُ والنَّهارُ مَصْلُوبانِ على ذَرَّاتِ
الهيدروجين / وَلَمْ يَعُد التاريخُ سِوَى ضِفْدعةٍ تُخَطِّطُ لانقلابٍ عَسْكريٍّ
/
عِندما يَضيعُ الوَطَنُ والمنفَى مَعاً /
أَبني قَصيدةً لأعيشَ فِيها / أجفانُ الصَّحراءِ صَوْلجانٌ لِلْمَلِكِ المخلوعِ /
الحضارةُ جُثةٌ هَامِدةٌ / وأنا حَفَّارُ القُبورِ / الزَّنازينُ الإلكترونيةُ /
يُحْقَنُ السُّجناءُ بِفَيْروساتِ الحاسوبِ / ويُقتَلونَ بالبَريدِ الإلكترونِيِّ
/ وَالمغولُ نائمون في أقفاصِنا الصَّدْريةِ / مَزْهريةٌ لأطيافِ الأسرى /
والكَرَزُ يَخْدَعُ ظِلالَ رُموشي / سيأتي الهديلُ مِن صَوْتِ الرَّصاصِ /
ذِكْرياتي تُلغي ضَحِكاتي / أَستلُّ خُيوطَ الصهيلِ مِن زُجاجِ مَقَاهي المنفَى /
إِنها الملاجِئُ / يَسيلُ دَمُ الأنهارِ على العَدَساتِ اللاصقةِ/ والنِّسيانُ
مَشْغولٌ / لأنهُ يُرتِّبُ انقلاباً عَسْكرياً ضِدَّ البُحيراتِ / صَارَ السُّعالُ
مِنديلاً لِعَرَقِ الغاباتِ / وتِلْكَ أسناني المنشقَّةُ عَن حُكومةِ قَلْبي /
كُوخٌ لِصَكِّ العُمْلةِ التي تَحْمِلُ صُورةَ البَحْرِ المقتولِ /
أنا البَراعِمُ المحتَرِقةُ / لكني أُشْرِقُ
في خُدودِ الإعصارِ / نزيفي المعلَّبُ أدغالُ المساءِ الجارحِ / مَرْفأُ الموْتى
عَلى أراجيحِ رِمْشي / وَطَابورُ الإِمَاءِ أمامَ نافذةِ الاحتضارِ / قُرْصُ
الفلافلِ مُدَوَّرٌ كَوُجوهِ الحزانى / ولم تَسْلَمْ جُثثُ الخادماتِ مِن
التَّحرشِ الجِنْسِيِّ / أنا حَبَّةُ الرَّمْلِ المزيَّفةُ / التي تتذكرُ أُنوثةَ
الشَّجراتِ في هَواجِسِ اليَاقوتِ / المرايا تَنْزِفُ بُرتقالاً للأغرابِ /
وأبجديةُ شَقائقِ النُّعمانِ تَنْزِفُ شَظَايا / دَخلتُ في صُراخِ الحِبْرِ
حُلْماً لِلعَاطِلِين عَن العَمَلِ / الشَّوارعُ نائمةٌ في تابوتٍ / تَصعدُ
حِجارةُ النَّيازكِ مِن بُلْعومِ لَيْمونةٍ ذَبيحةٍ/ في أعماقِ الغابةِ المختفيةِ
بَيْنَ دَمعاتي/ فَيَا أيها الحزنُ الراكضُ في حُقَنِ الجراثيم / أنتَ بَعوضةُ
الصَّرْخةِ / أشلائي خَرائطُ مَنقوعةٌ في حَوْضِ الأسماكِ / والغزاةُ مَدَافِعُهم
خَرائِطُهم / وتاريخُ ذُبابِ الحضارةِ / أغشيةُ بَكارةٍ متآكلةٌ في أزقةِ الطاعون
/ تُقيمُ سِلالُ القُمامةِ نِظاماً دِيمقراطياً / لا يَنْقُصُه إِلا شَعْبٌ تافهٌ
/ وَنَجْماتُ السِّينما عائشاتٌ بَيْنَ الماريجوانا وَدَوْراتِ المِياهِ /
كُن غَامِضاً كالعُشْبِ الأزرقِ / ولا
تَقْلَقْ عَلى جُثماني الْمُلْقَى في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / إِنَّ
الحضارةَ مَنْسِيَّةٌ بَيْنَ الأسمنتِ المسلَّحِ والكِفاحِ المسلَّحِ / فَلا
تُشْفِقْ عَلَيَّ أيها الوَحْلُ الأُرجوانِيُّ / إِنَّ حَبْلَ مِشْنقتي مِن
السِّيراميكِ الفَاخِرِ / وَحِبَالَ خَيْمتي مِن الزَّمهريرِ المعلَّبِ / سَأَحْرِمُ
التِّلالَ مِن الميراثِ / تُشْنَقُ الهِضَابُ بالليزرِ / وَتَدخلُ الملِكاتُ في
فَتْرةِ الحيْضِ / أُهَرْوِلُ في الصَّوْتِ الموحِشِ الصَّدى المتوحِّشِ / يا
أحزاني المصْلوبةَ على أجنحةِ الحمَامِ/لا مَساميرَ في جَسَدِ الحضارةِ/ سِوَى
الدَّمعاتِ القُرْمزيةِ/ دَمِي زَيْتُ المصابيحِ / وَكُثبانُ الرَّمْلِ مُتعطِّشةٌ
لِدَمْعي/ رَكَضَت الأزقةُ في الاحتضارِ/ وَبَقِيَتْ رَائحةُ القُمامةِ عَلى
المرايا / لا تُفكِّري في الخطيئةِ يَا جَارتي الأرمنية / لَقَدْ كَسَرْتُ
الصَّليبَ / وَكَسَرْتُ كُرْسِيَّ الاعْترافِ / وَحَرَّرْتُ الصَّدى مِن الصَّدى /
أيتها الرَّاهبةُ المصْلوبةُ عَلى لَيْمونةٍ
أثريةٍ / بَيْنَ العَهْدِ القَديمِ والعَهْدِ الجديدِ / انتهت اللعبةُ / وانكسرَ
الصَّوْلجانُ / والجرادُ يُوَقِّعُ عَلى صُكوكِ الغُفرانِ / جاءَ الحزنُ الباهرُ
مِن جُفونِ الرِّياحِ / القَناديلُ تَشربُ رَائحةَ الجوَّافةِ في سَقْفِ
الزِّنزانةِ / تَسكنُ المراهِقاتُ في الذِّكرياتِ / والمنفَى تُفَّاحةٌ تَحتَ
السِّياطِ / تمتطي البَراري قِلادةَ المطرِ / والنباتاتُ البلاستيكيةُ تُزَيِّنُ
أسمنتَ السُّجونِ /
في ذَلِكَ الشِّتاءِ الفُسْفوريِّ /
ضَيَّعْنا جُرْحَنا الأوَّلَ / ولم نَجِدْ حُبَّنا الأوَّلَ / وَجَدْنا قَبْرَنا
الأوَّلَ / وأزهارُ الجوعِ تَنْبُتُ عَلى رُموشِ الفَجْرِ / قَد يَرْمي الجنودُ
رُتَبَهُم العَسكريةَ في بَراميلِ النِّفطِ / ويُصبحُ البَارودُ قَميصاً
لِلْفَيَضانِ العَاري / رُبَّما يأتي عُمَّالُ النَّظافةِ مِن مَملكةِ الجثثِ /
ويُكَنِّسُونَ سُعالَ القِطَطِ بَيْنَ أوْردةِ الصَّقيعِ /
كَفِّنِيني أيتها البُحَيْراتُ بِشَعْرِكِ /
مَاتت الحضارةُ في عُلْبةِ السَّرْدين / والتاريخُ لم يَكْتُبْهُ المنتَصِرُونَ
ولا المهزومون / انقرضَ التاريخُ في أشلاءِ الزَّيْتونِ / بُرتقالةٌ باكيةٌ عِندَ
أساوِرِ البُحيرةِ / والجثامينُ جَوَازُ سَفَرٍ للإِمَاءِ /
لِي رِياضياتٌ صَاعِدةٌ مِن أعْوادِ
المشانِقِ / لَيْسَ فِيها الخوارِزمي أو فيثاغورس / لِي رِياضياتٌ تَنْبُعُ
أرقامُها مِن كُرياتِ دَمِي السَّجينةِ / المرقَّمةِ تَصَاعُدِيَّاً حَسَبَ عَدَدِ
الجثثِ / لِي جُغرافيا تُولَدُ تَضاريسُها مِن أجسادِ الجواري في أسْواقِ
النِّخاسةِ / لِي آلَةٌ حَاسِبةٌ تُحصِي عَدَدَ مَرَّاتِ بَيْعي في مَمَالِكِ
الصَّدأ / لم أَحْضُرْ حَفْلةَ تنصيبي مَلِكَاً عَلى السُّجناءِ المشْنوقين / مَن
سَيَطْفُو أوَّلاً عَلى طَاولةِ النَّهرِ / بُقَعُ النِّفْطِ البشريةُ أَم
كَستناءِ الظِّلِّ الأسيرِ ؟ / مَن يَتذكرُ ضَوْءَ النِّسيانِ تَحْتَ رُكامِ
القلوبِ المهْجورةِ ؟ /
تتأرجحُ المنافي بَيْنَ العُيونِ العَسَليةِ
والمسدَّساتِ / أهدابي فَتَحاتُ التَّهْويةِ في الملاجِئِ / مُدُنٌ تَنتظرُ
الكُوليرا في مَحطةِ القِطاراتِ / كُنَّا للمَجَاعَةِ أجنحةً / وَطَنٌ دَخَلَ في
السَّرابِ ولم يَخْرُجْ / عُرُوقي مَرَايا تَحْرِقُ أشلائي وَتَعْكِسُ صُداعي/
وَدِماءُ الأرستقراطياتِ على الأحجارِ الكَريمةِ / لِلبَراري قَناديلُ الرِّيحِ في
الأُغنياتِ / وجُنونُ الغُبارِ في الأُمْنِيَّاتِ / يَا لَيْلاً مَرَّ عَلى كُلِّ
الحواجِزِ الأمنيةِ / ولم يُصَبْ بِطَلْقةٍ أو مَوْجَةٍ / القُرى المدفونةُ تَحتَ
أجفاني / والنَّوارِسُ تَغرقُ بَينَ البَحرِ والحزنِ / فَيَا عَصافيرَ الهلَعِ /
إِنَّ سُعالي مِثْلُ النَّهْرِ / كِلاهما ضَعيفانِ أمامَ إِغراءِ عُودِ المِشْنقةِ
/ وَذَلِكَ الضَّوْءُ الغامِضُ هُوَ أنا / أَزرعُ القَمْحَ في حَنْجرةِ الشَّعيرِ
/ وأَعشقُ الذِّكرياتِ لِكَي أَهربَ مِن وَجْهي /
عِندما أَنزِلُ إلى مُسْتوى الملوكِ /
يُصبحُ الزَّمانُ مَكَاناً للزَّنابقِ المحتَرِقَةِ / شَراييني تَنتقمُ مِن
كُرَياتِ دَمِي / والدِّيدانُ تَضعُ بُيُوضَها في هَيْكلي العَظْمِيِّ / يَجْلِسُ
الحطابونَ في لَمَعَانِ السَّنابلِ/ التي تُغَطِّي بَقايايَ/ سَأَعُودُ إلى
حَبيبتي الرِّياحِ / في مَسَاءٍ يَعْطُسُ كالأحزانِ / وَيَغْسِلُ مَساميرَ نَعْشي
بِمَاءِ الزَّهْرِ / وَيَسْحَبُ صُداعي مِن مَناديلِ الوَدَاعِ / بَقَايا العِشْقِ
في رُفاتي / زَمَنٌ لِلمَكَانِ الهارِبِ في أَوْعِيتي الدَّمويةِ / أَغلقَ المطرُ
إِسْطبلاتِ الذاكرةِ بالشَّمْعِ الأحمرِ / لأنَّ دَمَ الفِضَّةِ أكثرُ صَفاءً مِن
دَمْعِ الخيولِ/ حَوَاجِبي سَاعةُ حَائِطٍ في المعركةِ الخاسِرةِ/ والرِّماحُ
عَرُوسٌ يَتيمةٌ / فَيَا سَجَّاني القتيلَ / لا تُقارِنْ حُزْنَكَ بِحُزْني /
إِنَّ مِشْنقتي مِن الألمنيومِ / وَمِشْنَقَتَكَ مِن الرُّخامِ /
اترُكْني أَحْرِقْ عِظَامَ البُرتقالِ
بِدُموعي / سَأمشي في طَريقِ النَّمْلِ في مَمالِكِ الرَّعْدِ / أظافري خَوْخٌ
لَيْسَ للصَّدى / وَلَيْسَ لِي رُموشٌ سِوى غَيْمةٍ / تَجُرُّ قِطَارَ الدَّمْعِ /
فَكَيْفَ سَتُوقِّعُ أُمِّي الأُمِّيةُ عَلى أوراقِ استلامِ جُثماني ؟! / أَحْمِلُ
في عُروقي دَمَ المجرَّاتِ / وَكِيمياءُ دُموعي تُشْبِهُ فِيزياءَ دُموعِ أَبي /
أَموتُ كُلَّ يَوْمٍ / لِكَي تُولَدَ الشَّمْسُ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ /
وَبَيْنما كُنتُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / كَانتْ ظِلالي تَلعبُ الشِّطْرنجَ مَعَ
الحشَراتِ / أيتها الدَّجاجاتُ التي تَسْحَبُ جَدَائلَ الملِكَاتِ في الليالي
الماطِرةِ / عَرَقي آيِلٌ للانفجارِ / والسُّيوفُ تَركضُ وَراءَ أبراجِ عَصيرِ
الدَّمِ / حَدائقُ الجماجِمِ بَينَ أصابعِنا / والْحُلْمُ مَمنوعٌ مِن السَّفَرِ
في أوْردتي /
تَحترقُ حَقيبةُ السَّفَرِ بِكُحْلِ
البَراري / استقالةُ الضَّبابِ في جَيْبِ مِعْطَفِهِ / فادْفِن الحدائقَ في أزقةِ
نعشي / حِينَ تُقَبِّلُ الكُوليرا وَجْهَ الوردةِ/ ارْمِ رُفاتَ الجنودِ في
البَحْرِ / سيتذكرُ الذبابُ وُجوهَ الموْتى / والبَحْرُ ذَاكرةُ مَن لا ذَاكرةَ
لَهُ / أَنسحبُ مِن حَياةِ المِيناءِ / أَقتربُ مِن حُفرتي / تَهربُ حَياتي مِن
حَياتي / والبَرْقوقُ يَمشي إلى الغروبِ / نَسِيَ الجنودُ قُبورَ أطفالِهم عَلى
سَلالِمِ الطوفان / والهِضابُ تَختبئُ في تفاحِ الحروبِ / بَنَيْتُ قِلاعاً مِن
تصريحاتِ النَّهْرِ / والتَّوابيتُ الخرْساءُ هِيَ أبجديةُ الإِوَزِّ .