الموت قبل مجيء الموت / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.............
اختلطَ النُّحاسُ بِنَحيبِ المكانِ /
أشباحُنا تَقودُ كِلاباً بُوليسيةً / وَحُزْنُنا الكريستالِيُّ يتذكرُ أسرارَ
النِّساءِ في لَيالي الشِّتاءِ / تَسقطُ الذِّكرياتُ كالأعلامِ المنكَّسةِ/
والعُيونُ الحزينةُ تَلْهَثُ في شَظايا الوَدَاعِ/ الجدرانُ المحايِدَةُ تَكتبُ
اعترافاتِها بِعَرَقِ الصَّنَوْبَرِ / وَنَظَراتُ المخْبِرِينَ تَلْتقي مَعَ
نَظَراتِ الكلابِ / في بُؤرةٍ مُسَلَّطةٍ عَلى قَلْبِ الجثةِ / الأسلاكُ المجدولةُ
مِن شَعْرِ النِّساءِ / تُطَوِّقُ أعناقَ الكلابِ/ والصَّليلُ يَأكلُ الجثثَ
الملقاةَ في إِسطبلاتِ الفِرَاقِ / سَتَمُوتِينَ أيتها القَاتِلةُ الرَّقيقةُ /
وَتَظَلُّ آثارُ أقدامِكِ عَلى الرُّخامِ / أَموتُ يَوْمِيَّاً كَي أستعدَّ لمجيءِ
الموْتِ / لم أَعُدْ أَشعرُ بأطرافي / أجفاني مَفتوحةٌ رَغْماً عَنها / وَمِفْتاحُ
سِجْني ضَاعَ إلى الأبدِ / لا شَعْري مِعْطَفٌ لِخُيولِ عَرَباتِ الإمبراطورِ /
ولا مَزْهرياتُ الأميرةِ صَوَامِعُ لِلحُبُوبِ / قُتِلْنا في طَريقِ البنفسجِ/
وأَكَلَت الحشَراتُ عَشَاءَنا عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / الزَّنازينُ بَينَ أصابعي /
وجِلْدي مَسْرَحٌ لِلعَوَانِسِ / أنا الموْجُ في عُروقِ الزَّيْتُونِ / وَدَمْعي
شَمْسٌ للغرباءِ/ وَقَوْسُ قُزَحَ يَنْحِتُ وَجْهَ المساءِ على فُحُولةِ البَحْرِ/
الشَّوارعُ تبكي كالبَرْقوقِ عَلى أجسادِ الأيتامِ/ كُلُّنا أيتامٌ / والليلُ
تزوَّجَ أُمَّ النَّهْرِ / أَرْضَعَتْني النَّيازكُ الثورةَ / وأَسْمَعُ وَقْعَ
أقدامِ البُحيرةِ في غاباتِ الرَّحيلِ / رَقْصَةُ البَحَّارةِ قَبْلَ الغَرَقِ /
جَسَدي مَزْروعٌ بالسَّنابلِ / تَنْبُتُ الزَّنابقُ بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري /
أظافري انتخاباتٌ مُزَوَّرةٌ / يَزْرَعُني البَرْقُ في بُكاءِ الشَّفَقِ /
وَيَحْصِدُني الرَّعْدُ عِندَ حِجَارةِ قَرْيَتي/ هَذا العَذابُ اللذيذُ / ذَلِكَ
الألَمُ الشَّهِيُّ /
أَدْخُلُ في الاكتئابِ / مِثْلما تَذهبُ
المجرَّاتُ إلى الموْتِ / تَنكسرُ الحضاراتُ كأباريقِ الفَخَّارِ/ جِلْدي المحفورُ
عَلى جَسَدِ النَّيازكِ / يُجَهِّزُ حَقائبَ السَّفَرِ / ولا مَنفَى في أشلائي
سِوَى البَحْرِ / أنا المنْسِيُّ في خِيَامِ الغَجَرِ / جَسَدي
مَملكةُ البَعوضِ / وَاسْمي شَجرةٌ في أرشيفِ الاغتيالاتِ / أنا
المذنَّبُ العابِرُ في الأُفقِ الحزينِ/ دَمِي كَوْكبٌ بِلا مَدَارٍ/ أَفُكُّ
شِيفرةَ الحيطانِ المتكاثِرَةِ في الزَّنازينِ العَقيمةِ / الأجسادُ الذابلةُ عَلى
الأرصفةِ القَذِرَةِ / أستمعُ لأشعاري في ثلاجةِ القَتلى / بُكائي تفاحةٌ يَتيمةٌ
بَينَ رِمَاحِ القَبائلِ / أَقِفُ في شَوارعِ جُثتي / أنتظرُ مَقْتَلَ الغَزالِ /
كَي يَسِيلَ مِسْكُ دَمِهِ عَلى مَزْهرياتِ الفَيَضانِ / أَجْمَعُ تِذْكاراتِ
البَحَّارةِ الغَرْقى / وَمَدَايَ أخضرُ كالطُّوفانِ /
تاريخُ العَصافيرِ حِجارةٌ تتساقطُ عَلى
مَسْقَطِ رأسي / كَمْ حُلْماً ضاعَ في نشيدِ الصَّحراءِ الوَطنيِّ ؟ / مُقَيَّدٌ
أنا بالمطرِ / والأحصنةُ تَجُرُّني إلى المذْبَحِ / وتَحتَ ضَفائرِ النِّساءِ
تُسْحَقُ قَوْميةُ دُودةِ القَزِّ / التفاحُ المضِيءُ / والأظافرُ اللامعةُ /
وَرَاياتُ القَبائلِ المنكَّسةُ/ صَدِّقْني أيها الزَّبدُ المخملِيُّ / عِندما
يَأتي النهارُ/ لَن أَكونَ مَوْجوداً / هذا الغُموضُ هُوَ جِلْدي/ وَذَلِكَ
وَجْهي/ شَاهِدٌ عَلى مَوْتِ سَنابلِ خُدودي / الهيْكَلُ العَظْمِيُّ للأناناسِ /
والانتظارُ القاتلُ يُحْييني / يَغْرَقُ شَهيقي في زَفيري / ولم تَعْرِفْني دِمائي
المسْكوبةُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / وَالفَراشةُ التي
أَحْبَبْتُها سَوْفَ تَلْدَغُني/ أُصِيبتْ عَازِفةُ البيانو بالشَّلَلِ/ واحتلَّ
الصَّمْتُ البَنَفْسَجِيُّ غُبارَ البَراويزِ في البَيتِ المهجورِ/ مَقتولٌ أنا في
الهديلِ الفِضيِّ / وَقَاتِلتي لَم تُولَدْ بَعْدُ /
غُبارُ أُرجوانِيٌّ على زُجاجاتِ العِطْرِ /
والنُّعوشُ عَلى السَّريرِ / قُبورُ الأطفالِ عَلى الأثاثِ / وَنَصُبُّ دُمُوعَنا
الكِلْسيةَ في المزهرياتِ الأثريةِ/
قَصيدةٌ لم تَكتملْ لأني شُنِقْتُ / لا أُقاتِلُ كَي أَنتصرَ / أُقاتِلُ كَي
أُقْتَلَ / أشجارٌ تُغادِرُ خِيامَها لِتَجْرَحَ دَهْشةَ القَمرِ / يَرتفعُ
مَنْسوبُ الرَّصاصِ في عَرَقِ المجموعةِ الشَّمْسيةِ / كِلابٌ بُوليسيةٌ تَرْسُمُ
صُورتها عَلى حِيطانِ زِنزانتي / وأظافري حَديقةُ حَيَواناتٍ مُنْقَرِضَةٍ /
ستنامُ أكواخُ الكَهْرمانِ عَلى سَريرِ المذبحةِ / وَتِلْكَ أوْردتي
المسْتَهْلَكَةُ تَحتَ قُبَّعاتِ الجنودِ الخاسرين / فيا وَطَني العابِرَ في
شَظايايَ / مَن أنتَ ؟! / غَريبٌ صَوْتُكَ المائِيُّ / هَل أنتَ قِناعُ المجرَّةِ
وَهِيَ تَجْمَعُ حَشَائشَ الغِيابِ أَم لَقَبي فَوْقَ بُرتقالاتِ الذبحِ ؟ / كَم مَرَّةً سَتَقْتُلُني
لِتَفْرَحَ الرَّاقِصاتُ في شَظايا الخريفِ ؟ / الذُّعْرُ يأكلُ المِكياجَ عَلى
وُجوهِ النِّساءِ / والبَرقوقُ يَزرعُ الألغامَ الأرضيةَ في ثقوبِ جِلْدي / أَكتبُ
دَمِي المكشوفَ للبَعوضِ بالحِبْرِ السِّريِّ / والبُرتقالُ يَسألُ عَن هُوِيَّةِ
النِّساءِ السَّائراتِ في جِنازتي / المزهريةُ المخدوشةُ مِشْنقةٌ للسَّناجبِ
العَمياءِ / والفَريسةُ أُنشودةٌ لأزهارِ الضَّبابِ / والآبارُ تَمْشي عَلى
جُلُودِ الأنهارِ / عِشْنا
مَعَاً في غُرَفِ الفَنادقِ كَالْبَدْوِ الرُّحَّلِ / وَطَني لَيْسَ قَاتِلاً
مَأجوراً / نَحْنُ قَتَلْنَاه / والجرادُ لا يُمَيِّزُ بَيْنَ النِّساءِ وَصُحُونِ
المطبخِ / القَتلى يَحْرِقُونَ خُبْزَ قَوْسِ قُزَحَ بَعْدَ أن يَأكلوا / والخوْخُ
يَصُبُّ دِمَاءَهُ في وَريدي / لا أبناءَ لِي يُلَمِّعونَ مِقْصلةَ أبيهم /
وَيَسيرون إلى القَمرِ المجروحِ عَاطِفياً / أَوْصَتْني الزَّنابقُ أن أبتسمَ
عِندما يَنْصِبونَ لَها عُودَ المِشْنقةِ / فاشْكُر الغرباءَ الذينَ يَنْتشلونَ
جُثتي مِن أكوامِ القُمامةِ / وَسَلِّمْ عَلَيْهم نِيابةً عَنِّي / أَدخلُ في
تاريخِ الاكتئابِ / كَما تَدخلُ الهِضابُ في فَترةِ الحيْضِ / نِساءٌ كالأحذيةِ /
يَبْذُرْنَ أجنحةَ الفَراشاتِ في وَحْلِ الذاكرةِ/ رِجالٌ كالكلابِ البُوليسيةِ /
يَغْسِلُونَ خَواتِمَ بَناتِ آوَى في النَّبْعِ الأُرجوانِيِّ / تَاهَت البُحيراتُ
بَينَ فَساتينِ السَّهْرةِ / وأنا صَوْتُ الغريقِ عَلى حافَّةِ الخنجرِ المسْمومِ
/ أُرَوِّضُ كُرياتِ دَمِي / وقَلبي يَرْفَعُ الرَّايةَ البَيضاءَ أمامَ
اللازَوَرْدِ الجارِحِ / لَيْمونةٌ تَقتحمُ عُزلةَ الرُّخامِ / وَسَوْفَ يُلَمِّعُ
الملِكُ المخلوعُ أوسمته بِدُموعِهِ / هَذا حُلْمٌ / فَلْتبدأ الذِّكرياتُ
بِحَرْثِهِ / هَذهِ أجندةُ السَّرابِ/ فَلْنبحثْ فِيها عَن أسماءِ قَاتِلينا/
دَخَلْتُ دَمِي مِن أوْسَعِ أبوابِهِ / وَضَبابُ شَراييني يَخْلَعُ جُنونَهُ
الموْسِمِيَّ / دَمُ القِطَطِ يَضْرِبُ زُجاجَ السَّياراتِ / والشَّوارعُ تتفجرُ
بَينَ أصابعي / والصَّبايا يَرْقُصْنَ التَّانغو عِندَ سُورِ مَقْبرتي / أَصنعُ
مِن سُعالي مَناراتٍ للسُّفنِ والحمَامِ / وأُغنياتي عَلى الشَّاطِئِ هَديلٌ
خَارِجٌ مِن الاحتضارِ / أُعَلِّقُ قِلادةَ الذِّكرى في عُنقِ الفَيَضانِ /
والخرابُ يَحْتفلُ بِعِيدِ مِيلادي مَعَ البَجَعِ المنفِيِّ / والتِّلالُ تَسيلُ
أوْردةً للبَراري التي تُولَدُ مِن احتضاري / يا جُثتي المضيئةَ بَينَ رِماحِ
القَبيلةِ وأجفانِ القَتيلةِ / إِنَّ مَساميرَ نَعْشي زَيْتٌ لِتَلْميعِ مِقْصلتي
/ وأضرحةُ الصَّبايا قناديلُ مُعلَّقةٌ في سَقْفِ القصيدةِ /
أيتها التفاحةُ النَّازِفةُ بَيْنَ خَشَبةِ
المسْرحِ وَخَشَبةِ الصَّليبِ / أنا نهاياتُ الخريفِ وبِدايةُ الصَّدى / قَارورةُ
عِطْرِكِ تَدُلُّني عَلى ضَريحِكِ / فَأَطْلِقْ يَا قَمَرَ الخريفِ رَصاصةَ
الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ / كَي تَرْحَمَني عُيُونُ النِّساءِ عَلى رَصيفِ
الميناءِ / سَيَكتبُ الخريفُ أسماءَنا عَلى رَصاصةِ الحبِّ الأوَّلِ / والضَّبابُ
سَيَعودُ إلى كُوخِه في شَمالِ بُكائي / ولن يَجِدَ امرأةً تَنتظرُهُ / المتاجرُ
الأجنبيةُ / والمدارسُ الأجنبيةُ / والوجوهُ الأجنبيةُ / والدِّماءُ الأجنبيةُ /
لم يَعُدْ للسُّنونو وَطَنٌ / أنا وَطَنُ الاحتضارِ / وقلبي بَينَ الصدأ والصدى /
أَغيبُ في قُرْحةِ مَعِدَةِ الغابةِ / والقمرُ يَنتظرُ شُروقَ الحزنِ في أوْردتي /
زِنزانةٌ بِحَجْمِ عَيْنٍ دَامِعةٍ / تَتَنَزَّهُ عَلى غُصونِ بُحَيْرةٍ/
والبَدْوُ الرُّحَّلُ يَضَعُونَ آخِرَ نَظرياتهم في الفَلسفةِ/ يتدفَّأُ الأغرابُ
في أثداءِ نِسائهم / وأتدفَّأ في أطيافِ مُذكَّراتِ اعتقالي / وفي ذِكْرى هِجْرةِ
الرِّمالِ إلى الرِّمالِ / كَشَفَتْ أوحالُ الشَّوارعِ خُطَطَ تَصْفيتي جَسَدياً /
ماتت الدَّوْلةُ / فما فائدةُ مَحْكمةِ أمْنِ الدَّوْلةِ ؟! / العُشَّاقُ
يُمارِسُونَ الجِنْسَ في الإسطبلاتِ / والقَشُّ يَحترقُ /
مِثْلَ شاعرةٍ تَنتحرُ في المطبخِ بَينَ
الحبِّ الأوَّلِ ورائحةِ البَصَلِ / كانتْ ضَحِكاتي/ فاكتشفْ ضَوْءَ السَّنابلِ في
المقابرِ / أشياءُ انكسرتْ فِيَّ / والموتى سَيَعْرِفُونها / يا وطني المشقَّقَ
مِثْلَ أحاسيسِ الصَّبايا / صِرْنا في عَالَمٍ لا يَتَّسعُ
لَنا نَحْنُ الاثنين / فَخُذْ مَوْتي حَياةً لَكَ / وَمَجْداً لأشجارِكَ /
اقْتُلْنِي رَمْلاً / أَرِحْني مِن بُكاءِ الضَّائعاتِ في شوارِعِكَ المطفأةِ /
جُذورُ السَّرابِ تَنمو بَيْنَ أسناني / وَدَهْشةُ الوَردِ تَقْضِمُ جَدائلَ
بائعةِ العِلْكةِ على إشارةِ المرورِ / يتقاطعُ الشَّهيقُ والزَّفيرُ في أزقَّةِ
شَراييني / وطُرقاتُ بَلْدتي تتجمَّعُ في خُطوطِ يَدِي / صَارتْ رُقْعةُ
الشِّطْرنجِ قَبْراً جَمَاعياً لأدغالِ الصُّراخِ /
جُرِحْتُ في مَعْركةِ
الخيَالِ/ والمراعي تنتخبُ غُصْنَ الشَّفَقِ نائِباً عَن ذَبْحتي الصَّدْريةِ /
أَمشي مَعَ الصَّدى المعدنِيِّ/ أبحثُ عن أنقاضي في أحلام الطفولةِ/ وأبحثُ عن
الطفولةِ في سُعالِ الحِجارةِ /
أَحْمِلُ مِيراثَ الشَّمْسِ لأَصيرَ قَمَراً
في شِتاءِ الأراملِ / انتحرت البَجَعَةُ / وَبَقِيَتْ رَائحةُ البَصَلِ عَلى
قَميصِ نَوْمِها / صُداعي سَطْوٌ مُسَلَّحٌ عَلى نزيفِ السنابلِ / وإِن
افْتَرَقْنا تَحتَ صَنَوْبَرِ المقبرةِ/ سَنَلْتقي عَلى رُخامِ الإعدامِ/ رُبَّما
تُصْبِحُ مَشَاعري بَيْضةً لِنَسْرٍ غَامِضٍ / سأمشي لأَعْرِفَ أنَّ رُموشي قُبورٌ
للأطفالِ / فَكُنْ يا دَمْعي رَشيقاً / كَشَمْعٍ يَنتظرُ الإعدامَ بالكُرْسِيِّ
الكَهْربائيِّ / يَنتشرُ مَساءُ سَراييفو عَلى رُؤوسِ الرِّماحِ / فيا وَطَني
المقتولَ في الحزنِ البُرتقالِيِّ / الصاعِدَ مِن التَّطهيرِ العِرْقِيِّ /
المجروحَ في مُعادَلاتِ الكِيمياءِ / حَمَّلْتَني مَسؤوليةَ الأخْذِ بثأرِكَ
مُبكِّراً / فَلَمْ أَعِشْ طُفولتي قُرْبَ أراجيحِ اللوْزِ / عِشْتُها في
الدِّماءِ المعجونةِ بِرَاياتِ القَبائلِ/ كُلما قُتِلْتُ قَشَّرَ السرابُ أظافري
/ وَبَيْنما كُنَّا نَبيعُ الوَطَنَ / كُنَّا نترنَّمُ بالأناشيدِ الوَطَنيةِ عَلى
ضَريحِ قَوْسِ قُزَحَ / اعْذُرْني أيها الوَهْمُ/صَارَ اللازَوَرْدُ مُشْتَبَهَاً
بِهِ/وَصِرْتُ مُشْتَبَهَاً بِهِ/
أيها المحارِبُ المقتولُ بَينَ صدأ أوسمته
وحليبِ زَوْجته / إِنَّ الدِّماءَ مَسْقوفةٌ بِعُلَبِ السَّرْدين/ والقوائمُ
السَّوداءُ في الشَّاي الأخضرِ/ اضحكْ أيها الوَحْلُ المعدَّلُ وِراثياً /
سَتَلْمَعُ أظافري تَحتَ قناديلِ الزِّنزانةِ / وأنا زِنزانتي خَارِجَ مرايا
الصَّدى / فادفعْ ضَريبةَ الدُّموعِ عَلى حافَّةِ الشُّموعِ / قَد نستخدمُ
العِطْرَ نَفْسَهُ / لكننا سَنَمْشي في طَريقَيْنِ نَحْوَ المقبرةِ / خُدُودُ
الصَّبايا تَنْزِفُ نِفْطاً / والإِمَاءُ يَنْتَظِرْنَ نُزولَ الوِيسكي مِن أثداءِ
الأبقارِ / سأركضُ في مَداراتِ النَّعناعِ / لأرى زَيْتَ الزَّيْتُونِ يَسيلُ
بَيْنَ قُبورِ عائلتي / الشُّطآنُ تَركضُ إلى جُثَثِ الفُرسانِ/ والطاعونُ
يَقْضِمُ الغَيماتِ المنثورةَ على أهدابي / أَبحثُ عن دُموعِ النِّساءِ بَينَ
المحكمةِ العسكريةِ والجِنازةِ العسكريةِ / فَكُنْ يَا حَبْلَ مِشْنقتي ذَكَرَاً /
كَي أكتشفَ أُنوثةَ المِشنقةِ / حَقائبُ السَّيداتِ تَدْريبٌ على الذخيرةِ
الحيَّةِ / والهديلُ المرُّ يَجْلِدُني / قَمَرٌ أعمى يُولَدُ في الصَّهيلِ
كأحاديثِ الغرباءِ / وَتَمُرُّ الشُّهبُ فَوْقَ رُؤوسِنا المقْطوعةِ / تَسيلُ
الدِّماءُ الرَّشيقةُ عَلى وَشْمِ المذبحةِ / وَقُيُودُنا مَاركةٌ مُسجَّلةٌ /
أُصيبَ بالزُّكامِ مَوْجٌ رَاكِضٌ عَلى جِلْدِ قِطٍّ أعْوَر / ونِساءُ قَرْيتي
يَحْفِرْنَ عَلى السَّلاسلِ لُغةَ النَّخيلِ /
انتظريني عَلى شَاطئِ السُّعالِ / لأني
سَأُبَلِّطُ البَحْرَ بالسِّيراميكِ / انقسمَ ظِلِّي كالدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ /
أُنَقِّبُ عَن عِظَامِ اليتامى في صَحْنِ العَدَسِ / جِلْدي مَطْلِيٌّ بالعَناكبِ
/ وَضعتُ ثِقتي في غُبارِ الأضرحةِ / ولا شَيْءَ في دِمَاءِ الغريباتِ يَدُلُّ
الفَراشاتِ على أحزانِ أُمِّي / هَلْ دُموعي عِشْقٌ أَم سُوقٌ سَوْداءُ لِبَيْعِ
الأعضاءِ البشريةِ ؟ / أنا وَحُزْني المشرَّدُ عَائِشانِ في السَّرابِ / قَتيلانِ
في تاريخِ اليَمامِ / أرتدي جُمجمةَ الرِّياحِ / وَجَسَدي مَدارٌ يَطُوفُ فِيهِ
بُرتقالُ المستحيلِ / سَيَزْرَعُ الرَّمْلُ الطعناتِ في صَدْرِ الجِنرالِ / وَهُوَ
يُبَدِّلُ طَقْمَ أسنانِهِ في الحمَّامِ الرُّومانِيِّ /
الجرحُ الاعتيادِيُّ / والسِّجْنُ
الانفرادِيُّ / تَشربُ الأمواجُ الصَّدى في جِلْدِ خِنْزِيرٍ بَرِّيٍّ / شَجَرةٌ
خَجُولةٌ اسْمُها الذاكرةُ في حُقولِ الجِنْسِ / تهاجرُ أسماءُ السُّجناءِ مِن
دَفاترِ العاصفةِ إلى أحلامِ العَوانِسِ / نَسْكُبُ الزَّنجبيلَ في السَّرابِ /
أنا جُثةٌ هَامِدةٌ / والأُنثى جُثةٌ هامدةٌ / فَكَيْفَ تُمَارِسُ الجِنْسَ جُثتان
؟!/ أنا شَعْبُ الأضرحةِ/ أَمُرُّ في سَنَوَاتِ الغَيْمِ رُمْحاً/ تَمُرُّ
النَّيازكُ فَوْقَ هَاويةِ الفِضَّةِ / والتاريخُ وَاقِفٌ عَلى حَافَّةِ
البُرتقالِ / كُسِرَتْ إِبْرَةُ النَّحْلةِ / والحضارةُ ضَاعَتْ في أدغالِ
البُكاءِ / للتفاحِ مَواعيدُ الثوارِ / وَقَبْري يَزْحَفُ باتِّجاهِ أبجديةِ
الصَّليلِ / نَسِيَ المطرُ القصائدَ المحنَّطةَ عَلى أكياسِ القَمْحِ /
والشَّلالاتُ تَلْمَعُ كالدِّماءِ مَنْزُوعةِ الدَّسَمِ/ أُخَزِّنُ دَمِي في
رَحِمِ الأرضِ/ كَي يَنامَ المخبِرُونَ عَلى الرُّفاتِ / ويُهاجِروا مِن
الزَّوابعِ المنسِيَّةِ بَيْنَ المرايا والتَّنانيرِ القَصيرةِ / سَيَخْرُجُ
البُوليسُ السِّياسِيُّ مِن خُدودي / هذه أرْضي / وأنا رُموشُها الجارحةُ /
أيتها
الملكاتُ التائهاتُ بَيْنَ الرِّيجيمِ وَالعَرْشِ المفقودِ / إِنَّ النوارسَ
نَسِيَتْ لُغةَ الترابِ / امرأةٌ تَفتحُ ثدْيَيْها للكلابِ الذهبيةِ / ثُمَّ
تُنَظِّرُ في حُقوقِ المرأةِ / تَشربُ الحِجارةُ قَهْوتي / ولا شَيْءَ يُؤْنِسُ
وَحْشتي سِوَى حَضارةِ البَعوضِ/ تَنكسرُ القلوبُ كالمزهرياتِ/ وَضَوْءُ القَمرِ
سَيَقْتُلُكَ أيها الغريبُ /
كَعَاهرةٍ مُحْتَرِفةٍ وَضَعَتْ ثِقَتَها
فِيكَ لِتَجْرَحَكَ/كانتْ أحزانُ الشوارعِ/ اشتريتُ الملِكاتِ مِن سُوقِ
النِّخاسةِ / والطريقُ إلى مَملكةِ جُرْحي مُغْلَقٌ / فلا تتحرَّشْ يا ضَوْءَ
الجِنازاتِ بِقِرْميدِ كُوخي / التمسْ لِي عُذراً / إِنَّ جُثتي في حُفَرِ المجاري
/ وتابوتي طاولةُ شِطْرَنْج/ والجِرذانُ تَلْعَبُ كُرَةَ المِضْربِ عَلى نَعْشي /
سَقَطَ التاريخُ في بِئرِ العِشْقِ / أَسيرُ على الشاطئِ الباكي / والجثثُ تَطْفو
على سَطْحِ البَحْرِ / وَالليلُ ما زَالَ يَبْكي / فيا
أيها الْحُلْمُ المزروعُ بالحواجِزِ الأمنيةِ / انظرْ إِلَيَّ لِترى الموْتَ / أنا
الموْتُ الذي لا يَموتُ / ذَهَبَ جسدي إلى الْحُفْرةِ /
وَبَقِيَتْ دُموعي عَلى سَجَّادةِ الصلاةِ / أنا الْمُصَلِّي وَسَجَّادةُ الصلاةِ
/ أنا السَّاجِدُ والمسجِدُ /
أَكلت النسورُ الهياكلَ العَظْميةَ / وَلَن
تتعرَّفَ أُمِّي على جُثتي / أَسيرُ في حَنجرةِ حَمَامةٍ / وَحِبالُ المشانقِ
تَرِنُّ في أُذني/ أيها التَّائهُ في حَطَبِ الكَلِمَاتِ/ قَد صَدَرَ حُكْمُ
إعدامِكَ قَبْلَ المحاكَمةِ / فلا تُدافِعْ عَن ظِلالِكَ المعدنيةِ وَرَجْفةِ
أُمِّكَ / اقْتُلْ أطيافَ رُمُوشِكَ / وَعِشْ في رُوحِ امرأةٍ / حِينَ تَموتُ
رُوحُ الحضارةِ / تاريخي مُزَيَّنٌ بالعناكبِ / سَقَطَت الأحلامُ في مَعِدَةِ
بَعوضةٍ / يَسيرُ دَمُ الرَّعْدِ في شراييني / أَحْمِلُ تُراثَ الشَّمْسِ في رِعشتي
/ لكني المقتولُ بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / أَنقذتُ النهرَ مِنَ الاكتئابِ /
وَسَقَطْتُ في الاكتئابِ / يتفرقُ دَمي بَيْنَ القبائلِ / كَما تتفرَّقُ أحلامَ الصبايا
في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وَيَمشي المهرِّجونَ عَلى حِبالي الصَّوْتيةِ / وَاثِقينَ
مِن السُّقوطِ / ولم يَكُنْ دَمْعي غَيْرَ مُسْتَنْقَعٍ للضفادعِ .