الروح في الجسد والذكريات
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
صحيفة المثقف ، 19/7/2019
............
إن أهمية اللغة تكمن في قدرتها على جمع
شظايا المعاني الرمزية التي تتفجَّر في الحروف والكلمات . وهذه القدرة اللغوية
الذاتية لها دلالات فكرية وأشكال اجتماعية . وكُلما اقتربَ الفكرُ الذهني من بُنية
المجتمع الواقعية، اقتربت الرموز اللغوية من العلاقات الاجتماعية المُعاشة. أي إن
الرموز تأخذ أشكالًا اجتماعية واقعية ، وتُصبح على تماس مباشر بحياة الإنسان
القائمة على التفاصيل والمشاعر والأحداث اليومية .
وكُل إنسان يعيش
حياتَيْن معًا:حياة في جِسمه ( الحياة الداخلية)، وحياة في مجتمعه ( الحياة
الخارجية ) . وعليه أن يجد القواسم المشتركة بين هاتَيْن الحياتَيْن ، كي يُحافظ
على التوازن بين الأشياء ، ويحميَ نَفْسَه من فقدان المشاعر والأحاسيس . وهاتان
الحياتان تسيران جنبًا إلى جنب ، وتتوازيان حِينًا ، وتتقاطعان حِينًا آخر . ولا
يُمكن السيطرة عليهما إلا بإيجاد فلسفة ( التزامن / التعاقب ) ، وتحديد مدى
تغلغلها في النسق الحياتي والفكر الذهني .
والتزامنُ هو حُدوث
العلاقات الاجتماعية في نفْس اللحظة ، أمَّا التعاقب فهو حدوث العلاقات الاجتماعية
علاقةً بعد أُخرى . وهذه المنظومة الفلسفية ( التزامن/ التعاقب ) في غاية الأهمية
، لأنها تكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية ، وتُميِّز الوجوهَ مِن الأقنعة ،
وتُفرِّق بين المشاعر الحقيقة والمشاعر المصلحية . والإنسانُ كائن مُحايد ، ووجوده
سابقٌ على جَوهره . وما يُحدِّد جوهرَ الإنسان هو علاقاته بنفْسه والناس والبيئة
والطبيعة . ووَفْق هذه العلاقات ، تتحدَّد شخصية الإنسانية ، وتتشكَّل منظومته
القِيَمِيَّة ، وتتكرَّس صفاته وأخلاقه وفلسفته في الحياة ، ويتَّضح مساره ومصيره
، لأن المسار يَكشف طبيعة المصير ، وكُل جوهر له مَظهر . ولا يُمكن فصل المُرتكزات
الإنسانية عن سياقها التاريخي ، وطبيعتها الاجتماعية ، ونظامها اللغوي ، وإطارها
المشاعري .
وكُلما سيطرَ الإنسانُ
على نفْسه بكل تناقضاتها وتشابكاتها ، سيطرَ على العناصر المحيطة به ، والمنتشرة
حَوْله ، لأن الذات الإنسانية هي الأساس في عملية ولادة العلاقات الاجتماعية ،
وتشكُّلِ الوعي الذهني، الذي ينعكس على المنظومة الإنسانية بكل تفاصيلها .
وإذا اعتنى الإنسانُ
بنفْسه سيظهر في المِرآة جميلًا، ولكنه إذا اعتنى بالمِرآة ونَسِيَ نَفْسَه ، فلن
يتغيَّر شيء ، لأن الأصل _ وليس الصورة _ هو أساس القيم المعرفية ، والعلاقاتُ
الاجتماعية صورة مُنعكسة عن الأصل . ومهما كانت الصورة في المِرآة جميلةً
وبرَّاقة، ستظل صورةً، والإنسانُ الواقف أمام المِرآة هو الأصل، والتَّعويل عليه ،
وهو المصدر ( المنبع ) . ومنبعُ النهر هو الذي يُحدِّد اتجاه روافده وطبيعتها .
ومهما كان البرواز أنيقًا وغاليًا ، سيظل إطارًا خشبيًّا أو بلاستيكيًّا بلا رُوح ،
لأن الروح في الجسد ( الأصل ) والذكرياتِ
( المصدر ) .