الموتى يستحوذون عليَّ / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
تتشمَّسُ الضفادعُ في استراحةِ المحارِبِ/
نهرُ الدَّهْشةِ بَيْنَنا/ وَالحِبْرُ يَدْفِنُ مَلامِحَنا الزِّئبقيةَ/ قد
يَحتاجُ النخيلُ إلى وَقْتٍ/ لكي يَنسى غُرفةَ التشريحِ / العيونُ الخائفةُ على
أسوارِ المطرِ / والحمامةُ تصيحُ في صَوْتِ العاصفةِ / لُحُومُ النَّيازكِ تسقطُ
في الغَيْمِ / الذي يَقْطَعُ أوردةَ الشفقِ / أنا الشاهِدُ المذبوحُ / والثلوجُ
ماتتْ بِذَبْحةٍ صَدْريةٍ / القلقُ الأُسطوريُّ/ وَشَواهِدُ القُبورِ تَركضُ
تَحْتَ ظِلالِ الفجرِ / أنا والنهرُ نتقاسمُ الاحتضارَ / نَقْتُلُ الشَّمْسَ /
ونسألُ أرقامَ الزنازين / أيْنَ الشمسُ ؟ /
يا أظافري المغروسةَ في
لَحْمِ الإعصارِ/ إِنَّ شَبَحَكِ ماتَ/ المدافِنُ مِيلادُنا الجديدُ/ والشوارعُ
تتكاثرُ في بَنْكِرياسي / الأطفالُ يأكلونَ جُثةَ الأمواجِ / والقُصورُ
الرَّمْليةُ ماتت في النشيدِ الوَطَنِيِّ وماتَ فِيها/ أسألُ الموْجَ الأطرشَ/متى
سَتَقْتُلُني يا صديقي؟/ متى ستأكلُ الرِّمالُ أشلائي / لِتَفْرَحَ أميراتُ
الرُّكامِ وَهُنَّ يَلْعَبْنَ القِمَارَ ؟ /
ذاكرةُ الشمسِ تمتلئُ
بانتحاراتِ البنفسجِ / والمسدَّساتُ تَسقطُ في صَحْنِ الملوخِيَّةِ/ أنا الأرضُ
التي رَأت الصَّوْلجان/ العناكبُ الضَّوْئيةُ/ وقوافِلُ الذبحِ المتكرِّرِ/ يا
امرأةً مَرَّتْ في الرِّياحِ / قَبْلَ انتحارِ القَراصنةِ في القوارِبِ المطاطيةِ
/ سَيَرْمي الجنودُ أعقابَ السجائِرِ في صُدورِ زَوْجاتِهم / فاظْهَرْ يا حُزْنَ
الأزقةِ في أحاسيسِ القِرْميدِ / كَي تَسْتَجْوِبَ الظِّلالُ عُيونَ البحَّارةِ
وفِئرانَ الموانِئِ /
انتظِرْ أيها البحرُ
النائمُ في سُعالِ الزَّوْبعةِ / لا تُسَجِّلْ جَريمةَ قَتْلِ الذاكرةِ ضِدَّ
مَجْهولٍ / التِّلالُ تتناولُ عَشَاءَ أحزاني/ على ضَوْءِ الشُّموعِ/ مَا لَوْنُ
عُيونِ الذبابةِ التي تجمَّدتْ في أكواخِ الصفيحِ ؟/ انتحارُ المرافِئِ الفِضِّيةِ
في الفراغِ الممتلِئِ بالصَّعْقِ الكهربائيِّ / أضاعَ الرَّمْلُ جَوازَ سَفَرِهِ /
في حقيبةِ الصَّحراءِ الكريستاليةِ / وأشلائي مُتَكَلِّسَةٌ في قاعِ الأعاصيرِ
كعقاربِ الساعةِ / سَيَعْرِفُ تابوتُ الرَّعْدِ طَريقَهُ تَحْتَ نوافِذِ الدَّيْرِ
/ جدائلُ الراهباتِ مِن نُحاسٍ / والشَّاي السَّاخِنُ يَسيلُ على الصليبِ الباردِ
/ أطيافُ الشفقِ تُوَزِّعُ العَطَشَ على وَجَعَ المذنَّباتِ / سِحْنتي مَداراتٌ /
وأعضاؤنا الطينيةُ تَحِنُّ إلى أوحالِ النيازِكِ / صناديقُ البريدِ مُغْلَقَةٌ
مُنْذُ قُرونٍ / وساعي البَريدِ مَصْلوبٌ على شَجرةِ الوَدَاعِ / افْرَحْ أيُّها
اللوْزُ الأعمى / سَوْفَ يَخُونُكَ الدَّمعُ في ذِكْرى احتضارِ البراري / سَوْفَ
يُعَلِّقُ الجرادُ أُنوثةَ العاصفةِ على حائطِ المعْبَدِ / أضربَ الحمَامُ عَن
الطعامِ / احتجاجاً على بَيْعِ الهواءِ للشَّعْبِ / والأحزانُ تمشي في الشوارعِ
الخلفيةِ / التي اكتشفَها عَالِمُ آثارٍ أجنبيٌّ / زِيرُ نِساءٍ مَكْسورٌ /
أكوامُ الجثثِ في مَدارٍ
شَمْسِيٍّ / يتأرجحُ بَيْنَ ذِكْرى البَيْلسانِ والرصاصِ الحجَرِيِّ / وَشْمُ
العَبيدِ تَحْفِرُهُ الفَيَضاناتُ على بَلاطِ الزنازين البارِدِ / يَنْحِتُ الشفقُ
الذِّكرياتِ في جَبينِ الغَيْمةِ / والمِنْجَلُ مَغْرُوسٌ في صَدْرِ السُّنبلةِ
اليَتيمةِ / مَقْبرةٌ مِنَ البَلاتين / تأكلُ أبناءَها وتَبْكي عَلَيْهم /
والقائدُ المهزومُ يأخذُ رَاتِبَهُ التقاعديَّ في نِهايةِ المعركةِ / كانت
الظِّلالُ تتوزَّعُ على الأجسادِ النَّحيلةِ في الهواءِ القاتِلِ / والنَّهْرُ
يَبْحَثُ عَن اسْمِهِ في صَفْحةِ الوَفَيَاتِ / نَسْرٌ مَشْلولٌ لا يَستطيعُ
إطعامَ فِرَاخِهِ / والظِّلُّ الجريحُ لم يَغتْسِلْ بِدَمِ الوِلادةِ /
بِعْنا الوطنَ في
السُّوقِ السَّوْداءِ / واشْتَرَيْنا أبجديةً للأغاني الوطنيةِ / الوُجوهُ
المذعورةُ تتكاثرُ كَإِبَرِ الخِيَاطةِ/ والخناجرُ تتناسلُ في الدَّوْرةِ
الدَّمويةِ/ وجُدْرانُ عُروقِنا تُشْبِهُ جُدْرانَ سُجُونِنا / الأسلاكُ الشَّائكةُ
تُؤْنِسُ أشلاءَنا المهجورةَ / والدَّمْعُ صارَ كُحْلاً بِلا طَعْمٍ ولا رائحةٍ /
لم أُرَافِق الملِكاتِ إلى السِّينما / ولم أفترِسْ بَناتِ آوَى في أحواضِ
السِّباحةِ / كان القمرُ شاهِداً على اغتيالي / وكُنتُ الشَّاهِدَ على بُكاءِ
المزهرياتِ في الخِيَامِ / أَعودُ إلى قلبي / أَزُورُ جُثماني في بَيْتي المهجورِ
/ وَرِئتي مَفْتوحةٌ للقِطَطِ الشريدةِ / تتوهَّجُ الشظايا في ضَحِكاتِ أولادِ
الشَّوارعِ / طَريقُنا مُبْتَلٌّ بالدُّموعِ/ التي تُعيدُ صِياغةَ الأوحالِ في
شتاءِ المقابرِ / تُهاجِرُ كُرياتُ دَمي مِن أحزاني إلى إعدامي / والوطنُ ضَريحٌ
يتجوَّلُ في مِزْمارِ الراعي /
الأزهارُ تَنْبُتُ
بَيْنَ قُضْبانِ الزِّنزانةِ / وأقنعةُ الوُرودِ على ثِيابِ الحِدَادِ / أيها
الغريبُ على ضِفافِ الرَّعْدِ / سَوْفَ تنساكَ العيونُ الخائفةُ / التي أحَبَّتْكَ
في الحاراتِ المنسيَّةِ / أجراسُ الكنيسةِ جِيفةٌ تتقاتلُ عَلَيْها النُّسورُ /
وأنا البحَّارُ الغريقُ / رأيتُ أساوِرَ الفَراشةِ في ضَوْءِ القمرِ / وكانت
الخناجِرُ تَلْمَعُ / فابتعِدْ عَنِّي أيها السرابُ المقدَّسُ / قَبْلَ أن
يَسْرِقَ الشتاءُ قُلوبَنا /
أيتها الراهبةُ العمياءُ
في المساءِ الجليديِّ / يَغْتَصِبُكِ ضَوْءُ المرايا الجارحُ / والنملُ يَغْتَصِبُ
فُرشاةَ أسنانِكِ / وأشجارُ مَقْبرتي تَصْعَدُ مِن حُقولِ الاغتصابِ / ولم أجِد
امرأةً أبكي في حِضْنِها في ليالي الشِّتاءِ / ستنامُ الغاباتُ في خَلاخيلِ
النِّساءِ / لكنَّ دَمي مَغروسٌ في سَقْفِ غُرْفتي / جُرُوحي تَجْرِفُ الشَّوارعَ
/ وَتَخْلَعُ حُفَرَ المجاري / الأرستقراطياتُ الْمُحَنَّطاتُ في سَيَّاراتِ
المرسيدسِ / يَضْحَكْنَ عَلَيَّ / لكني أبكي عليهنَّ / لأنَّ العَصْفَ
يَبِيعُهُنَّ لِمَن يَدْفَعُ أكثَرَ / رَسَمْنا أشكالَ الرِّجالِ على أشباحِنا/
والموؤداتُ في صَالةِ الرَّقْصِ/ حَوَاجِبُهُنَّ رَصاصٌ مطاطِيٌّ/ وأكفانُهُنَّ
ضَوْءُ الشُّموعِ /
جِنازاتٌ عَسكريةٌ
يَمْشي فِيها رِجالُ المخابراتِ معَ الراقصاتِ / وأظلُّ رَقْماً على بابِ زِنزانةٍ
غامضةٍ / لا يَعترفُ بِها البنفسجُ والعواصِفُ / وَجْهُ سَجَّاني زُقاقٌ مجهولٌ في
دِمَاءِ الزوابعِ/ نَحْنُ القتلى الذينَ قَتَلْنَا النهرَ / وبايَعْناهُ مَنبوذاً
/ نتبرَّأُ مِنهُ / ونسألُ عَرْشَ الرمادِ / هَل مَرَّتْ مَلامِحُنا في صَقيعِ
الأدغالِ ؟ /
حِكَاياتُ العِشْقِ
عابرةٌ كالأسلحةِ الأُوتوماتيكيةِ / قَبِّلِيني أيتها الأعاصيرُ / قَبْلَ أن
يَكْسِرَ الخريفُ مَزْهرياتِ الوَداعِ / أُصيبَ البُرتقالُ بِصَدْمةٍ عَصَبيةٍ /
والريحُ تتوكَّأُ على عَصايَ/ سَوْفَ نُدرِّبُ ذِكْرياتِنا المهشَّمةَ على نِسيانِ
اللوْزِ / وَرَمْلُ البَحْرِ يُدَرِّبُ الكِلابَ البوليسيةَ على التقاطِ عِظَامِ
البحَّارةِ / سَنَخْلَعُ المطرَ مِن عُروقِنا المعدنيةِ / كما تَخْلَعُ الحمَامةُ
زَوْجَها / رَجلٌ جاءَ وذَهَبَ / مَن يُكَلِّفُ نَفْسَهُ عَناءَ الذِّكرياتِ ؟ /
السَّبايا مَشْغولاتٌ في المطبخ بِإِعْدادِ المعكرونة / والموظَّفونَ يُحاوِلُونَ
حَلَّ الكلماتِ المتقاطِعةِ في العاصفةِ الثلجيةِ / نُفَرِّغُ تَاريخَنا مِن
دِمَاءِ الفاتِحين / ونَفتحُ أشلاءَنا أمامَ لمعانِ الرِّمالِ / يَسيلُ عَرَقُ
الراقصاتِ عَلى سُيوفِ الفُرْسان / والجِنرالُ مُنْتَصِرٌ على شاشةِ التِّلفازِ /
مَهْزومٌ في المعركةِ /
أيها الناسُ / يا
حَمَلَةَ الأوسمةِ على سُفوحِ الملاريا / قَد مَاتَ الْحُلْمُ / ماتَ / أُزيلت
الصخرةُ مِن طَريقِكم / ناموا معَ نِسائكم بِكُلِّ هُدوءٍ / بِيعوا بناتِكم
بِكُلِّ هُدوءٍ / ارْقُصوا في طُرقاتِ الشَّكِّ بِكُلِّ يَقين / ولا يَقِينَ
تَحْتَ أشجارِ المقابرِ سِوى زَخْرَفَةِ شَواهِدِ القُبورِ / اشْرَبُوا أنخاباً
جديدةً / وَزِّعُوا قِطَعَ الحلوى على المارَّةِ / شَاهِدُوا مُبارياتِ التِّنسِ
للسَّيداتِ /
لَن نُشارِكَ في جِنازةِ
الزَّيتونِ السِّريةِ / وَجَدْنا قَلْبَ الطوفان / لكنَّ الدفاتِرَ المدرسيةَ
انتصرتْ على جُثَثِ التلاميذِ / وَقَطيعُ السُّنونو أَعْلَنَ العِصْيانَ المدنِيَّ
على رُخامِ الرِّعشةِ / كَانتْ غَاباتُ البُكاءِ أشباحاً مِن كَهْرمانِ الإبادةِ /
تبكي الشوارعُ العاصِفةُ كأطفالِ الخِيَامِ / والمجاعاتُ تأكلُ حُروفَ الأبجديةِ /
دَمي مَنْشورٌ سِياسِيٌّ تُلْقِيهِ البُروقُ في أريافِ الألمِ / حَيْثُ يَختلطُ
صُراخُ النِّساءِ بماءِ البِئرِ / والكُلُّ يَعْرِفُ الطريقَ / ولا أحدَ يَمْشي
فِيه /
أنا والضفادعُ نُحاولُ
انتشالَ جُثتي مِن المستنقعِ الفُسفوريِّ / وَقْعُ أقدامِ السبايا يَحْفِرُ
الرُّخامَ/ وَدُموعي تَحْفِرُ بَلاطَ غُرْفتي / الجيوشُ البَدويةُ / وَعَشيقاتُ
الكاهِنِ في الخريفِ الدامي / وَدَمُ الأراملِ يَسيرُ في عُروقِ الرعدِ/ وَطَنٌ
مَجْهولُ النَّسَبِ / وَجُثةٌ مَجْهولةُ الْهُوِيَّةِ / وأنا الجنديُّ المجهولُ في
المعركةِ الخاسرةِ / فارحميني يا أحزانَ أبي الفِضِّيةَ / كُلُّ معاركي خاسرةٌ /
لكنَّ الأوسمةَ تُزَيِّنُ أسوارَ مَقْبرتي / أحزاني ذُبابةٌ مَكْسورةُ الجناحِ /
فأطْلِقْ عَلَيْها رصاصةَ الرحمةِ أيها القنَّاصُ الأعمى /
لا تُناوِليني كأسَ
السُّمِّ أيتها الراهبةُ العمياءُ / سَيَخْرُجُ الأمواتُ مِنَ البَراويزِ ذاتَ
مَساء / العيونُ المندَهِشةُ وَراءَ الأسلاكِ الشائكةِ / والعصافيرُ سَجينةٌ في
أعمدةِ الكهرباءِ / والضبابُ اليَتيمُ يَسْقُطُ في مَسْقَطِ رأسِهِ / كانت غاباتُ
الحِبْرِ تَسيرُ إلى الضَّوْءِ / وُجوهُ الغريباتِ مَنْسِيَّةٌ على مَقاعِدِ محطةِ
القِطاراتِ / والباعةُ المتجوِّلونَ يَموتونَ بَيْنَ عصيرِ الأحزانِ وقانونِ
الطوارِئ / الشُّطآنُ تَعْرِفُ مَوْسِمَ انتحاراتِ البحرِ / يَلتفُّ الصدى حَوْلَ
جسدِ العاصفةِ / مِثْلَ جَدائلِ الساحرةِ / النوارسُ تَصْرُخُ في جبيني / وأنا
أصرخُ في أوردتي / والذينَ كانوا يَسْتَمِعُونَ إلى صُراخي ذَهَبوا / فلا تستسلِمْ
لِطُوفانِ الذِّكرياتِ / الأشجارُ في شَوارعِ رِئتي خناجرُ / وَدُموعُ السِّنديانِ
يَذْرِفُها بُلْبُلٌ مَطْرودٌ مِن عُشِّهِ / فاصْعَدْ إلى الحبِّ التَّائهِ في
الوطنِ التائه / وكُن أرشيفاً للذكرياتِ المتكرِّرةِ في المذابحِ المتكرِّرةِ /
لَن تتغيَّرَ انتحاراتُ السُّنونو / حتَّى لَو فَهِمَت الأشجارُ أبجديةَ الغروبِ /
أبكي على حافَّةِ العِشْقِ / مِثْلما تبكي الأمطارُ في خِيَامِ الغجرِ /
كَيْفَ يَخونُ النهرُ
الأحْوَلُ زَوْجَتَهُ ؟ / خَشَبُ التوابيتِ يَحترقُ في إطاراتِ الكاوتشوك /
وأربطةُ الجروحِ في يَدِ الغَيْمةِ تتمزَّقُ / كالفخَّارِ الأُرجوانِيِّ على
أغصانِ المطرِ المكسورةِ / نَحْمِلُ بِلادَنا في جُلودِنا زِنزانةً ونَشيداً
لليتامى / تركضُ الصحراءُ نَحْوَ مَوْجٍ أقلَّ عُنفاً / والحزنُ بوَّابةٌ
كهربائيةٌ في القُرى التي لا تَعْرِفُ الكهرباءَ / إِنَّهُ الجوعُ يا ذاكرةَ الظمأ
/ والكَهَنةُ يَختارُونَ القرابينَ بِعِنايةٍ فائقةٍ / الأصابعُ تنغمسُ في الصهيلِ
كبراميلِ بَارودٍ / تَختبئُ فِيها فَراشاتٌ لا سِيرةَ لها سِوى التطهيرِ العِرْقِيِّ
/ أُنشودةٌ عَذْراءُ ضَلَّتْ طَريقَ الرَّعْدِ / كأنَّ كُرياتِ دَمي إجاصٌ خَشِنٌ
/ تَنتحرُ العاشِقاتُ في ضَوْءِ الكاتدرائياتِ الباهتِ/ وذلكَ الهديلُ الحامضُ
يَكتشفُ أسرارَ حياتنا بَعْدَ مَوْتِنا /
أراجيحُ الأطفالِ القتلى
على الشاطئِ البعيدِ / والبحرُ مَعْصُوبُ العَيْنَيْن / تَزرعُ النوارسُ الدُّموعَ
في خُدودِ الأراملِ/أكفانُ البحَّارةِ الغَرْقى مُلْقاةٌ على الرَّمْلِ الأزرقِ/
والقراصنةُ يَرْفَعُونَ رَاياتِهم بَيْنَ عُيونِ الأيتامِ والمِرْساةِ الصَّدئةِ /
وَعشيقاتُ النَّهْرِ واقفاتٌ بَيْنَ المِكياجِ ولَيْلةِ الدَّفْنِ / الموْتُ
اليَوْمِيُّ / وَعُشْبُ المجرَّاتِ / والرِّجالُ الذينَ يَبْكُونَ في الشوارعِ
الخلفيةِ / والنِّساءُ صَاحِباتُ الوُجوهِ المعدنيةِ / أثداؤهُنَّ مِنَ الأسمنتِ
المسلَّحِ / وَدُموعُهُنَّ مِنَ القَصْديرِ / يُغادِرُ جَسدي المدارَ / فأحترقُ
وَحيداً كالمزهرياتِ الأثريةِ / أحزاني
مَلْساءُ كَبَلاطِ غُرفةِ العِنايةِ المركَّزةِ / ذَهَبَ النَّوْمُ إلى النَّوْمِ
/ والْخُلْجانُ تنامُ في ذَبْحتي الصَّدْريةِ / كانت البراري تتشمَّسُ في
بَنْكرياسِ الرياحِ / سَقَطَت الموانِئُ ضَحِيَّةً للشَّخيرِ / والخفافيشُ ترتدي
النُّسورَ الجريحةَ /
اكتشفتُ صَوْتَ أُمِّي
في تِلالِ القُشَعريرةِ / أوْردةُ الشَّفَقِ تَشْرَبُ البابونَجَ في استراحةٍ على
الطريقِ الصحراويِّ / هَوَادِجُ الإِمَاءِ تائهةٌ على حافَّةِ المجرَّةِ / والشجرُ
القتيلُ مُتَوَّجٌ بالرُّعْبِ / كالفراغِ الممزوجِ بشهواتِ الموجِ / لماذا يَبْكي
عَلَيْنا الحطبُ في حِكاياتِ الْحُبِّ الممتدَّةِ مِن نُعوشِنا حتى ضياعِ الأندلسِ
؟ / القَتَلةُ يَعِيشُونَ في قُمْصاننا / يَتكاثرونَ كَمَلاقِطِ الغَسيلِ / نُحاسٌ
يُغَطِّي نزيفَنا الصحراويَّ / الذي هَجَرَ الثلوجَ الخضراءَ / كلُّ الطُّرقِ
الصحراويةِ تَمْشي على العَرَقِ المتفجِّرِ/ مِن مَسَاماتِ جُلودِنا/ في الأيامِ
الحزينةِ التي لم تُسَجِّلْها أجندةُ الغزاةِ/
الذِّكرياتُ القاتلةُ /
والصَّبايا الرشيقاتُ يَتَسَوَّقْنَ بَيْنَ أكوامِ العِظامِ وأبراجِ الجماجمِ /
عُقابٌ يَحْفِرُ في الجدرانِ صُورةَ احتضارِهِ / وَنُعاسُ السَّجانينَ يتصارعُ معَ
الشَّبَقِ الهادِرِ / الفَرَاغُ الأُفقيُّ / وَرُخامُ الفَوْضى الموحِشةُ /
وَصَمْتُ الأثاثِ الباكي / والأوعيةُ الدَّمويةُ مَفْروشةٌ بالموكيت / كانتْ
أجسامُنا مَزارِعَ أفيون / وأصواتُ القَشِّ باعتْ أقراطَ أُمَّهاتِنا / سيختبئُ
القنَّاصُ في بُرْجِ الكَنيسةِ / والاحتضارُ هُوَ الرنينُ المعلَّقُ بَيْنَ
جُرْحَيْنِ لا ينامان /
مَصْلُوباً على ألواحِ
الذِّكرياتِ / السُّجونُ تُشارِكني الأرقَ / وَتُشارِكُ الذبابَ النَّوْمَ / ولا
فَرْقَ بَيْنَ الأضدادِ إذا تكاثرت الحبوبُ المنوِّمةُ / ستائرُ الزِّنزانةِ
الوَرْديةُ تتطايرُ في نشيدِ الصَّنوبرِ / وَشُرْفَةُ العانِسِ خاليةٌ مِن مُواءِ
القِطَطِ / العَرَقُ اليابسُ في ملابسِ النهرِ العسكريةِ / سيأتي الصباحُ حامِلاً
الضَّحايا في الأكياسِ الوَرَقيةِ / والرَّمْلُ الأخضرُ هُوَ تاريخي المشروخُ/ أنا
ضَحِيَّةُ نَفْسي/ أنا القاتلُ عِشْتُ في الوَهْمِ / أنا القتيلُ عِشْتُ في
الوَهْمِ / ولم أَكُنْ قَوِيَّاً بما يَكْفي / لأُحَدِّقَ في الشَّمْسِ التي
دَفَنْتُها في أضلاعي /
أنا ضَوْءُ المذبَحِ
وأرشيفُ المذبَحَةِ / لا حُلْمٌ للفراشةِ سِوى أحزانِ الطرقاتِ / ولا سُلْطةٌ
لليمامِ إلا على أزِقَّةِ الجِرذان / أيها الغريبُ / ماذا بَقِيَ لَكَ في مَمالكِ
الكوليرا سِوى ظِلِّكَ المصلوبِ ؟ /
أيها الذِّئبُ في زِيِّ
الكَهَنُوتِ / اخْرُجْ مِن رَنينِ الأجراسِ / اخْرُجْ مِن ضَجَرِ الفَتَياتِ في
غُرفةِ الاعترافِ/ واصْلُب الصليبَ على الصليبِ/ ماتَ الراعي والرَّعِيَّةُ/
فاصْعَدْ مِن مَزاميرِ الغُروبِ / واتْرُك أحزانَ العرائِسِ أمامَ المذبَحِ /
الكُحْلُ تَحْتَ أقدامِ الكاهِنِ / والرَّاهباتُ يَمْضُغْنَ العِلْكةَ تَحْتَ
لَوْحَةِ العَشاءِ الأخيرِ /
القمرُ يَنظرُ إلى
جِنازتي بِعَيْنَيْنِ جامِدَتَيْن/ والضفادعُ مُحاصَرَةٌ في بُحيرةٍ مُتجمِّدةٍ/
يَسيلُ العَرَقُ مِن جَبينِ العاصفةِ كالدَّبابيسِ / وتنتشرُ الأكفانُ في الرِّيحِ
/ كالمساميرِ التي لم تَجِدْ مِطْرَقَةً / والسَّياراتُ العسكريةُ تَحْفِرُ
الخنادقَ في صَوْتِ الموْجِ /
كُلُّ شيءٍ جاهِزٌ في
غُرفةِ الإعدام / الأثاثُ مُرَتَّبٌ كمشاعرِ زَوْجاتِ السَّيافين / قائمةُ
التُّهَمِ جاهِزةٌ مُسْبَقَاً حَسَبَ مِزاجِ النَّخاسين / أرقامُ الزَّنازين
جَاهِزةٌ / والمحاكمُ العسكريةُ في أوردتي جاهزةٌ /
الشُّرفةُ الزُّجاجيةُ
تَذوبُ في دُخَانِ البراري / وحِيطانُ الزِّنزانةِ تَقتربُ مِن السُّجناء / نغتسلُ
في نَهْرِ الوَحْشةِ / والشُّعيراتُ الدمويةُ تختلطُ بالتِّلالِ المهاجِرةِ /
سَتُهاجِرُ الطيورُ العمياءُ إلى صُفْرةِ المراحيضِ في الزَّنازين الضَّيقةِ /
وَصَوْتُ نِعالِ السَّجانينَ فَرَّقَ طُيورَ القلبِ الوحيدِ/ جِبالٌ مِنَ الثلجِ
الأسْوَدِ / تَصْهَرُ دَمَ المراعي ذَهَبَاً لِسَاعةِ السَّيافِ / والاحتضارُ
يتألقُ في أقنعةِ السُّجناءِ / الصَّحْراءُ نائمةٌ على فِرَاشِ الموتِ /
والرِّمالُ جالسةٌ حَوْلَها وَتَضحكُ / الصَّرخاتُ الخرساءُ / والسُّعالُ
المعلَّبُ في الظهيرةِ الممزَّقةِ / تَهْرُبُ الأدغالُ إلى أجنحةِ الحمَامِ /
والسَّناجبُ المنفِيَّةُ تُلَمِّعُ بَراويزَ الانتحارِ / يا صَمْتَنا الطريدَ /
تتقمَّصُ تِيجانَ المرْعَى المحاصَرِ / والزوابعُ لم تُفَرِّقْ بَيْنَ تقشيرِ
البَصَلِ في خِيَامِ اللاجئين وتقشيرِ جُلودِ الفُقراءِ / بَريقُ السِّياطِ
يَمُرُّ على ظُهورِ الذبابِ / كما تمرُّ الأسماكُ في عُيونِ الغَيْماتِ
الْمُتْعَبَةِ /
كانَ الزَّبَدُ
يُفَتِّشُ عَن ظِلالِهِ في النُّعوشِ الفاخِرةِ / والجنودُ الهارِبُونَ
يُفَكِّرُونَ بالعَرَقِ المتحجِّرِ في مَلابسِ السَّبايا الداخليةِ / الشَّجرُ
الحزينُ يَشُمُّ رائحةَ ثِيابِ الزوابعِ/ والخريفُ يَرْعى قَطيعَ الدُّموعِ
البرِّيةِ/ لا تَبيعوا الجثثَ في السُّوقِ السَّوْداءِ / لِتَحْصُلوا على
مِيزانيةِ صالةِ القِمارِ / لا تَعْرِضُوا أكفاني في المتاحِفِ / أمامَ عُيونِ
القِطَطِ الضَّالَّةِ / لا تُعَلِّقُوا جُثماني إشارةَ مُرورٍ في شارعِ الأراملِ /
العُيونُ الخائفةُ / والخواطرُ النُّحاسيةُ / والرُّعْبُ اللازَوَرْدِيُّ / أَفتحُ
مَعِدتي لأمواجِ الذِّكرياتِ / فَتَحْتُ أبوابَ جُرْحي للخفافيشِ / واعتنقتُ
ضَوْءَ الجنائزِ / لَسْتُ بُرتقالاً / لأنَّ البُرتقالَ صَدى / وأنا صَوْتٌ /
دِمائي سِيرةٌ ذاتيةٌ للرِّياحِ القديمةِ / وَطَنٌ قاتلٌ يُحَوِّلُ أجسادَ
النِّساء إلى مَساحاتٍ إعلانيةٍ/وَطَنٌ مقتولٌ يبني في لُحومِ البناتِ مَعَامِلَ
لِصَكِّ العُمْلةِ/ بِلادٌ تَشْنُقُ الفُقراءَ لِتَسْليةِ الملوكِ / وبَشَرٌ يَمُوتونَ
لِيُحافِظُوا عَلَى شَرَفِ الأمطارِ /
شابٌّ مُبتدِئٌ في أحضانِ عَاهِرةٍ مُحْتَرِفَةٍ / وَبِنْتٌ خَجولةٌ في
سَراديبِ دَيْرٍ يَخْنُقُها وَيَغْتَصِبُها / ظِلالُ الريحِ هِيَ أهدابي
السِّرِّيةُ / والضِّباعُ نَسِيَتْ مَعْجونَ الأسنانِ في براويزِ الذاكرةِ /
أنيابُ السَّحابةِ مكسورةٌ / والراهبةُ العاشقةُ اشمأزَّتْ مِن زِيِّ الكَهَنوتِ /
حَفَرُوا قَبْرَكِ بأسنانٍ خشبيةٍ / والنباتاتُ البلاستيكيةُ تتسلقُ جُدرانَ
القُصورِ / الجدرانُ تنقضُّ على السُّجناءِ / كما يَنقضُّ المِلْحُ على دُموعِ
الصَّبايا / ماتَ الليلُ في حادثِ سَيْرٍ / والعرائسُ يَغْرَقْنَ في المرايا
الأخيرةِ / يَقْتَسِمُونَ حَنجرةَ
الضَّحيةِ/ حَواجِبي صِدامُ الحضاراتِ/ والتاريخُ انتهى بَيْنَ أصابعي وأظافري /
فاصْعَدْ يا زِلزالَ الرُّوحِ / إلى الشَّمالِ الملوَّثِ بالزَّرنيخِ / الذي
يُغَطِّي الشوارعَ كالثلوجِ الحمراءِ / الحزنُ أجنحةُ النُّسورِ / والموجُ
المبحوحُ يتناثرُ في أسرارِ البَرْقُوقِ /
صَاعِداً مِنَ
التُّرابِ/ نازِلاً إلى التُّرابِ/ عَانقتُ ثَوْرتي عِندَ مَصَبِّ وَرِيدي
المفتوحِ للجرادِ / سَقَطَ دَمُ الحيضِ في بَراميلِ النِّفْطِ / وأنا الغريبُ
تَحْتَ طَيْفِ السُّيوفِ / تُحِبُّكَ الذِّكرياتُ المشلولةُ لكنها تَنفيكَ /
وُلِدَ الْحُلْمُ قَبْلَ مِيلادِ قُضبانِ السُّجونِ / وَبَعْدَ انقراضِ الجنودِ /
الذينَ نَسُوا تَقْبِيلَ نِسائهم عِندما ذَهبوا إلى الموتِ / أتذكَّرُ التفاحَ
الحجَرِيَّ / كما يتذكَّرُ القَتيلُ صُورةَ قَاتِلِهِ / وراءَ أجنحةِ الغُروبِ /
سَيَخْرُجُ البحرُ مِن صُورتِهِ ذَاتَ مَساء / لَسْتُ خائفاً مِن ذَاكرةِ العَسَسِ
/ ولن أصطادَ قلبَ الأميرةِ / أنا وَصِيَّةُ المنبوذِ الحاسمةُ / وحِجارةُ
المآذِنِ هِيَ أُمِّي / أَحِنُّ إلى الصَّنوبرِ الساكنِ في الغُيومِ / أُعانقُ
الزَّيتونَ المحشورَ بَيْنَ رُموشي وَحَدِّ الخَنجرِ / والأشجارُ رَفضت التصفيقَ
للخليفةِ / لُصُوصٌ وَمُومِساتٌ يُشَكِّلونَ حُكومةَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ /
والزَّوْجاتُ الخائناتُ يُهاجِرْنَ مِن رائحةِ البَصَلِ إلى الذِّكرياتِ/
وَالقَتْلى يَجْلِسُونَ عَلى عَقارِبِ السَّاعةِ/ دَمُ الحيضِ على السِّيراميكِ /
وأعمدةُ الكهرباءِ تمشي إلى أكفاني / النوارِسُ ماتتْ / لكني أَسْمَعُ الضَّحِكاتِ
تَحْتَ شَمْسِ المقابِرِ / والذِّكرياتُ تختارُ ضَحاياها بِهُدوءٍ /
أيها النهرُ الباكي/ لا
مَعْنى للرُّومانسيةِ / قَد انتحرت البُحيرةُ / واستراحتْ مِنَ العِشْقِ القاتِلِ
/ الكَرَزُ المسمومُ / والخناجِرُ المسمومةُ / أَقْلِبُ نِظامَ الْحُكْمِ في رِئتي
/ والأبقارُ تَسْحَبُ الأضرحةَ/سَأحْرُثُ دَمي بِدَمْعي/ ذَلِكَ اسْمي/ وهذا دَمِي
يَركضُ في الأزقةِ/ فاحْمِلْهُ أو اتْرُكْهُ لِيَحْمِلَهُ الفَيَضانُ / صُراخي
لَيْسَ رِوايةً / لأنَّ أشلائي هِيَ الرِّوايةُ التي تَكْتُبُني/ أبجديتي هِيَ
اللامُ والألِفُ / وسأقولُ في وَجْهِ الطوفان : لا /
يا كُحْلَ الصَّبايا المتكرِّرَ في الجِنازاتِ
العَسكريةِ / لا تَتْرُك الشجرَ عِندما يُصابُ بانهيارٍ عَصَبِيٍّ/ سأبقى قَريباً
مِن أغصانِ الموْتِ / لِتَصْعَدَ عِظَامي إلى فَضاءِ المجزرةِ / ويَنمو على
جُثماني الزَّعْتَرُ والبارودُ/ الهِضابُ مَصْلوبةٌ عَلى إِشارةِ المرورِ /
والإشارةُ دائماً حَمْراءُ / عَرَقي يَنْحِتُ في الصَّدى صُورةَ الرُّعودِ /
وَجَيْشُ الرَّقيقِ الأبيضِ يَرْفَعُ الرايةَ البَيْضاءَ / كُلُّ نَعْشٍ للغيومِ
فَجْرٌ للإعصارِ / وحَياتُنا لا تبدأُ إلا إذا مِتْنا / نُدافِعُ عَن وَطَنٍ
يَذْبَحُنا / لَحْمُنا هُوَ مناديلُ الوَدَاع على سُطوحِ البُحيراتِ / أعيشُ
مَنْبوذاً كَضَوْءِ الشَّمْعةِ / وأموتُ مَجْهولاً كالْجُزُرِ الغارقةِ / لا
يَعْرِفُ ضَريحي إلا الطيورُ المهاجِرةُ / ولا يَعْرِفُ هَنْدسةَ شاهِدِ قَبْري /
إلا بَناتُ حفَّاري القُبور .