الحضارة المُحنَّطة في الدموع / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
كَالعُصفورِ الأَعْمى الذي يَتَحَسَّسُ تَضَارِيسَ زَوْجَتِهِ عِندَ
الجِمَاعِ / كَانت الحضارةُ / تُدَخِّنُ الأشجارُ تاريخَ الذئابِ / وَالقُبورُ
هِيَ فَوْضى العَسْكَرِ / تُصَوِّبُ الرِّمالُ نُباحَها بِاتِّجاهِ قَوَافِلِ
البَدْوِ الرُّحَّلِ/ الرَّحيلُ يُطَوِّقُ تِلالَ المطرِ/ يَمْشي ضَريحي تَحْتَ
أَعْمدةِ الكهرباءِ في الوَطَنِ المنْطَفِئِ / فَلا تَكْرَهْني يا أَبِي / لَم
أُحَقِّقْ أَحْلامَكَ المكْسُورةَ / أنا المسافِرُ بَيْنَ سُيوفِ التَّتارِ
وَخَناجِرِ الأعرابِ /
أَتَقَلَّبُ عَلى صُراخِ الجليدِ/ سَتَمُرُّ
في قَارورةِ الحِبْرِ سِكَّةُ حَدِيدٍ / وَتَسقطُ طائرتي الوَرقيةُ في أَوْراقِ
الخريفِ / والبَنادقُ تَعْرِفُ بَصْمَةَ أَجْفاني / خَزَّنْتُ دُموعي في حَقيبةِ
السَّفَرِ / خَبَّأْتُ أَكفانَ أُمِّي في أَزْرارِ قَميصي / صَادقتُ الحمَامَ
الزَّاجِلَ / الذي يُوصِلُ رَسائِلَ أَراملِ الجنودِ / والبَحرُ لا يَدْخُلُ إِلى
قَفَصي الصَّدْريِّ إِلا بِتصريحٍ رَسْميٍّ / لَسْتُ رَصَاصَتي كَي تَخُونوها /
وَلَسْتُ أُغْنيتي كَي تُعْدِمُوها/ لُغتي تَصْعدُ مِن الحروفِ المقْتولةِ /
أَساقفةُ الرَّمادِ يَحْتفلون في سَفينةٍ تَسْحَقُ مِشنقةَ صَقْرٍ / وَعَرَباتُ
الشِّتاءِ الزَّرقاءُ تَغْزِلُ دَمْعاتي رَصَاصَاً / أظافري المشقَّقةُ سَريرٌ
للشَّجرِ العاجزِ جِنْسياً / وَتِلْكَ أَوْصالُ قِطَّتي المشْنوقةِ /
يَا دَمْعةً تتأرجحُ في أَحْداقِ اليَتامى /
لا فَراشاتٌ تَمْسَحُكِ / ولا تِلالٌ تَحْرِقُكِ / يَا طِفْلاً يَذْهبُ إلى
المقْبرةِ بِلا كَفَنٍ / لا أَمْطارٌ تَغْسِلُكَ / ولا حَقيبةٌ مَدْرسيةٌ تَضَعُ
فِيها أشلاءَكَ /
تَجْري الصَّحاري في عُروقي نَخيلاً
لِلمُشرَّدين / وغاباتُ القلوبِ المكْسورةِ حَطَبٌ / تَنْهَشُهُ مَواقدُ
العُشَّاقِ في الشَّتاءِ الدَّمويِّ / يَا رَاعي الغَنمِ الذي يُوَقِّعُ على
مَرْسومِ إِعدامِ البَراري / لماذا تَرْمي شَرايينَ البُحيرةِ في أَقْبيةِ
الفِئران ؟ / الرَّصاصُ الْحَيُّ / وَالوَطَنُ الميْتُ / أَصْعَدُ أنا والأضْرحةُ
مِن وَهَجِ نَزيفِنا / نُعَانِقُ دِيكَ الصَّباحِ / نَلُفُّ على نَزيفنا حَشائشَ
الزُّقاقِ وَضَوْءَ الشُّموعِ / لَم يَأْتِ الجنودُ المهزومون كَي يُنقِذوا قِطَطَ
الشَّوارعِ / كَانوا يُجَرِّبون الأوسمةَ المعدنيةَ / كَي يَعْرِفُوا الوِسامَ
الذي يُناسِبُ لَوْنَ القَميصِ / البابُ مَفْتوحٌ عَلى ثُلوجِ اللهبِ / والهواءُ
يَتجدَّدُ في زِنزانة الموْجِ / وَقُيُودي تَتجدَّدُ مِثْلَ جِلْدِ المطرِ/
الحضارةُ ثَعْلَبُ الخديعةِ/ تَصْنعُ السُّيولُ مِن فِرَائه حَقائبَ للسَّيداتِ
الرَّاكضاتِ في أسواقِ النِّخاسةِ / هَل مَوْتُ الفَراشةِ انتحارُ الذُّبابِ
الرُّومانسيُّ ؟ / لَم يَأْتِ أطفالُ الشَّوارعِ / كَي نَدْرُسَ تَعاليمَ الزِّنزانةِ
في الوَطَنِ الضَّائعِ / عَبَّدُوا حُقُولَ الجنونِ / لَم يَلْمَعْ رُفاتُ
النَّخيلِ في الصَّهيلِ / وَلَم يَظْهَرْ وَرَثَةٌ لِلبَحْرِ / فَلْتَكُن
التَّرِكَةُ في جَيْبِ السُّلْطانِ ! / سَتَلْمَعُ أَجنحةُ النُّسورِ في شَهيقي /
وَتُلَمِّعُ دُموعُ أَبي خَنْجَرَهُ .