سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

30‏/11‏/2020

إسحاق عظيموف وزعامة الخيال العلمي

 

إسحاق عظيموف وزعامة الخيال العلمي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........

  وُلد الكاتب الأمريكي من أصل روسي إسحاق عظيموف ( 1920 _ 1992 ) بقرية بتروفيتشي ، قرب حدود بيلاروسيا ( في الاتحاد السوفيتي سابقًا ، روسيا اليوم ) .

     عائلته من اليهود الأشكناز الذين اشتغلوا بالطحانة . لقبه مُشتق من " أوزيمي " ، وهي كلمة روسية تعني حبوب الشتاء . ( يُفترَض أن أحد أجداده كان يعمل في هذا المجال ). خلافًا للترجمات العربية التي حوَّلت ( بشكل خاطىء ) لقبه لـِ " عظيموف " لتناسقه مع طريقة اللفظ العربية ، ولا يحمل معنى لقبه في لغته الأم معنى العَظَمة إطلاقًا.ولكن الاسم انتشر وصار من الصعب تغييره!. هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وعمره 3 سنوات . واستقرَّت ببروكلين ، أحد أحياء نيويورك . ورغم أصوله الروسية ، لَم يتعلم عظيموف اللغة الروسية قَط ، إذ كان أبواه يُحدِّثانه دائمًا باليديشية والإنجليزية .

     امتلك والده سلسلة مطاعم حلويات ، وحث ابنه الشاب على العمل معه في متاجره ، إلا أن عظيموف كان شغوفًا بالتعليم مُنذ نعومة أظفاره ، فقد تعلَّم القراءة بنفسه وهو في الخامسة . وأتم دراسته الثانوية بعمر الخامسة عشرة ، ليدخل بعدها جامعة كولومبيا . وحاز على إجازة في العلوم عام 1939 ، وتابع ليحصل على درجتَي الماجستير والدكتوراة من نفس الجامعة .

     بدأ عظيموف عملاً مؤقتًا في جامعة بوسطن ، كلية الطب ، في عام 1949 ، حيث عمل كأستاذ مساعد في الكيمياء الحيوية عام 1955 . وأصبح في نهاية المطاف أستاذًا في الجامعة أواخر سبعينيات القرن العشرين ، كما عمل في الوقت نفسه محاضرًا بدوام كامل .

     أصدر في عام 1951 رواية " المؤسسة " ، وهي عمل خيالي علمي يروي نهاية الإمبراطورية المجرية ، إضافة إلى تضمُّنها طريقة إحصائية للتنبو بنتائج ما يُعرَف بالتاريخ النفسي . وتلا الرواية إصداران في نفس الموضوع هُما:المؤسسة والإمبراطورية ( 1952) و"المؤسسة الثانية " (1953)، بسلاسل مستمرة في الثمانينيات .

     كتب عظيموف في مواضيع مختلفة ومجالات متنوعة ، بعيدًا عن الخيال العلمي ، مِثل : علم الفلك والأحياء والرياضيات والأديان والسيرة الذاتية الأدبية .

     قضى معظم أوقات حياته في عُزلة ، وعمل على كتاباته . وكانت عائلته تحثه للحصول على فترات إستراحة وإجازات. وبحلول كانون الأول / ديسمبر 1984، كتب ما يقرب 500 كتاب.

     كان عظيموف من أكثر الأدباء غزارة في الكتابة، إذ له أكثر من 500 كتاب، إضافة لحوالي 90 ألف رسالة وبطاقة . واشْتُهِر بكتاباته في روايات الخيال العلمي، حيث لاقت رواياته نجاحًا وانتشارًا كبيرين .

     وقد تركت مؤلفاته أثرًا كبيرًا في سينما الخيال العلمي ، وحتى في علوم الرَّجل الآلي ، أو ما يُعرَف بالروبوتيك ، كما اشْتُهِر بسلسلة الأساس التي فازت عام 1966 بجائزة هوغو لأحسن سلسلة خيال علمي لكل الأوقات .

     له أسلوب رائع في الكتابة وعقلية هائلة في التحليل والتبسيط والشمولية. وعمل في أكثر من جامعة،وامتنعت جامعة بوسطن عن دفع راتبه بسبب أن مدخولات كتاباته فاقت الراتب الجامعي. وكان له في جامعة بوسطن مُنذ عام 1965 صناديق عددها 646 من الأوراق الشخصية المؤرشَفة ، يُقارب ارتفاعها 70 مترًا .

     تُوُفِّيَ عظيموف بسبب نوبة قلبية وفشل كلوي . وكان قد عُولِج على نحو خاص من مرض الإيدز ، الذي انتقلَ له من دم منقول له أثناء عملية جراحية .

29‏/11‏/2020

إساك سنجر وحياة اليهود

 

إساك سنجر وحياة اليهود

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.........

     وُلد الأديب الأمريكي إساك سنجر ( 1902_ 1991) في بولندا ، وتُوُفِّيَ في ميامي . كان روائيًّا وقاصًّا وكاتب مقالات . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1978 .

     كان يكتب باللغة اليديشية. واللغة اليديشية هي لغة يهود أوروبا . وقد نمت خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين من لغات عِدَّة ، مِنها : الآرامية ، والألمانية ، والإيطالية ، والفرنسية ، والعِبرية . يَتحدَّثها في الوقت الراهن ما يُقارِب ثلاثة ملايين شخص حول العالَم . أغلبهم يهود أشكناز . فَكَم كان عدد المتحدثين بها عندما كان سنجر يكتب بها قبل عشرات السنين ؟. لا بُدَّ أنهم كانوا قِلَّة قليلة. وهذا يعني أن سنجر كان كاتبًا محصورًا في نطاق لغوي ضَيِّق ضِمن بيئة محصورة ، ولا يَتمتَّع بالانتشار . مِمَّا يُشير بوضوح إلى دعم لجنة جائزة نوبل لسنجر لِكَونه يهوديًّا ، والاعتناء بِه ، ومساعدته للوصول إلى العالمية . وهذا يُثير تساؤلات حقيقية حول قضية سيطرة العقل اليهودي على لجنة جائزة نوبل .

     وُلد سنجر لعائلة يهودية تضمُّ رجالَ دِين وحاخامات أصحاب مكانة اجتماعية وفكرية . وكان أبوه وجَدُّه من الحاخامات .

     تلقَّى تعليمًا يهوديًّا تقليديًّا في مدرسة الحاخامات في وارسو، مع أخيه الكبير" إسرائيل جوشوا" كي يُصبح حاخامًا ، لكنَّه فَضَّل أن يُصبح كاتبًا .

     يُعتبَر سنجر من أكبر أدباء اللغة اليديشية . وصف في رواياته وقصصه الساخرة الفكاهية المليئة بالحِكمة والمواعظ والتعابير الإنسانية العميقة، حياةَ اليهود في بولندا وأمريكا،ونمط معيشتهم، وأحلامهم ، وآمالهم . ومعَ هذا ، فقد كانت شخصيات رواياته وموضوعاتها بشريةً عالمية .  كان يستمتع بالطبيعة الخلابة التي تُساعده على الكتابة والإبداع . لذلك كان حريصًا على العَيش في قلب الطبيعة .

     نشر أُولَى رواياته " الشيطان في جَوربي " عام 1935، وبعدها هرب هو وأخوه إلى أمريكا ، لأنهما تَوَقَّعا أن ألمانيا النازية بقيادة هتلر سوف تهاجم بولندا ، وتحتلها . وهذا ما حدث فِعلاً .

     استقرَّ الأخوان في نيويورك . وعمل سنجر في إحدى الجرائد ، وكتب مقالات باسم مستعار ، وكتب قصصًا ، مُعظمها باللغة اليديشية . وفي عام 1943، حصل على الجنسية الأمريكية . وهذا الأمر ساهم في انتشار كتاباته على نطاق واسع .

     حَقَّقَ سنجر شُهرةُ كبيرة ، وصار له جمهور ومُعجبون ، وصارت كتاباته مطلوبة لدى شريحة واسعة من الناس .

     كان من عادته أن يكتب بلغة اليديش، ثُمَّ يُشرِف بنفسه وبشكل دقيق على الترجمة للإنجليزية.

     في عام 1950 ، نشر روايته " عائلة موسكات " ، وهي رواية طويلة . تُعتبَر من أهم رواياته على الإطلاق . وقد حازت على جائزة لويس لاميد الأدبية، وَوُصِفت الرواية بأنها " رواية ملحمية عن يهود شرق أوروبا في القرن العشرين " .

     وفي هذه الرواية ، وَصف سنجر حياة اليهود وتفاصيل معيشتهم في وارسو ، من بداية القرن العشرين لغاية الحرب العالمية الثانية ، والغزو النازي لبولندا . والرواية تمتلئ بالشخصيات والأحداث والمشاعر والذكريات والأحلام والآمال .

     وفي عام 1960، نشر روايته " ساحر لوبلين " ، وهي رواية طويلة ، وتدور أحداثُها في بولندا في أواخر القرن التاسع عشر ، وتُناقش صراع الإنسان ضِد الشَّر .

     مِن أهم رواياته : " العبد " ( 1962) . " بيت المزرعة " ( 1967) . " أعداء ، قصة حب" ( 1972) .

     ومِن أشهر قصصه القصيرة : جيمبل الأحمق ( 1957) . يوم جُمُعة قصير ( 1964) . جلسة تحضير الأرواح ( 1968) .

28‏/11‏/2020

الفرق بين الربان وفئران السفينة

 

الفرق بين الربان وفئران السفينة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد

...........

    فلسفةُ التفاعل الاجتماعي لا تعني بناء علاقات مصلحية عابرة بين الأفراد ، وإنَّما تعني تأسيسَ كِيان إنساني في قلب المجتمع ، يُوازن بين الجوهر ( الثابت ) والعَرَض ( المُتغيِّر )، ويُميِّز بين المنفعة المادية القائمة على الاستهلاك الوحشي والاستحواذ غَير الشَّرعي، وبين المنفعة الوجودية القائمة على المصير المُشترَك والخَلاص الجماعي . وهذا التمييز ضروري للغاية ، لأنَّه يكشف حقيقةَ الأفراد وماهيةَ الأشياء ، ويُوضِّح بِنيةَ الولاء والانتماء في المجتمع، ويَفصِل بين الأشخاص الذين يَريدون حَمْل الوطن على أكتافهم والنُّهوض به ، وبين الأشخاص الذين يَعتبرون الوطن شَقَّة مَفروشة أوْ سَفينة مُعرَّضة للغرق ، وينبغي الاستعداد للهرب مِنها عِند الشُّعور بالخطر .

2

     منظومة ( الولاء / الانتماء ) لا يُمكن تعريفها بمَعزل عن تعريف الوطن . وإذا اعتبرَ الفردُ الوطنَ هو مركزية الحُلْم الإنساني وشرعية الوجود الحضاري، فإنَّه سيبذل الغالي والنَّفيس مِن أجل رِفعة الوطن وتقدُّمه وازدهاره ، أمَّا إذا اعتبرَ الفردُ الوطنَ مُجرَّد بُقعة جُغرافية ومكان للإقامة ، وفُرصة لتجميع المكاسب والامتيازات والغنائم ، فإنَّه سَيُضَحِّي بالوطن مِن أجل مصلحته الشخصية ، ويُلْقيه وراء ظَهْره كأيِّ شيء مُهمَل . وزاويةُ الرُّؤية التي يُشاهد الفردُ مِنها الوَطَنَ ، هي التي تُحدِّد المعنى الحقيقي للولاء والانتماء ، هَل يُوالي شرعيةَ الوطن ومشروعيةَ حُلْمه في النهضة والتقدُّم ، أَمْ يُوالي أرصدته البنكية ومصلحته الشخصية المُضَادَّة للمصلحة العامَّة ؟ . هَل يَنتمي إلى الوطن ماضيًا وحاضرًا ومُستقبلًا أَمْ يَنتمي إلى شهواته الطينية ونزواته العابرة وغرائزه المتأججة ؟ .

3

     الفرق بين الرُّبان وفِئران السَّفينة هو الفرق بين التضحية والانتهازية ، فالرُّبَّان هو العَقْل المُفكِّر ، وقائد السَّفينة في بحر مُتلاطم الأمواج . يُضحِّي بحياته وراحته ومصلحته الشخصية من أجل إيصال السَّفينة إلى بَر الأمان ، ويظل مُلتصقًا بها إذا تعرَّضت لحادث ، مُحَاوِلًا إنقاذ ما يُمكن إنقاذه ، ولا يَترك دَفَّة القيادة ، ويَهرب من المسؤولية والتَّحدي . إنَّ الرُّبَّان كطابَع البريد الذي يظل مُلتصقًا بالرسالة حتى وُصولها إلى مُستلمها ، وكما أن طابَع البريد لا ينفصل عن الرسالة ولا يَتركها وحيدةً ، كذلك الرُّبَّان لا ينفصل عن السفينة ولا يَخونها . أمَّا فِئران السَّفينة فهي تَعتبر السفينة مشروعًا استثماريًّا لجني الأرباح المادية والمكاسب المُؤقَّتة ، والانتماءُ يكون للمصالح الشخصية الضَّيقة ، والولاء يكون للغنائم المُغرِية ، لذلك تقوم فئران السَّفينة بتفسير الأحداث والوقائع لخدمة أغراضها وتبرير خيانتها، وهي مُستعدة للهرب والقفز مِن السَّفينة عندما تَشعر بالخطر والتهديد، وتُدرِك أنها لم تعد قادرة على جَنْي الأرباح . والجديرُ بالذِّكْر أنَّ الرَّأسمال الحقيقي هو الوجود الوطني ، لأنَّه جَوهر عابر للأزمنة والأمكنة والمصالح الشخصية ، أمَّا وجود المكاسب المادية فهو عَرَض مُؤقَّت زائل ، والعَرَضُ لا يَدُوم زَمَانَيْن . وإذا كان انتماء الفرد إلى وطنه ، سَيَربح نَفْسَه ووَطَنَه معًا ، لأنَّ نَجَاة الكُل هي _ بالضَّرورة_ نَجاة للجُزء. وإذا كان انتماؤه لنَفْسه ، سَيَخسر نَفْسَه ووَطَنَه معًا ، لأنَّ الجُزء لا يَقُوم مَقَام الكُل.

27‏/11‏/2020

إريك فروم وقضية الاغتراب

 

إريك فروم وقضية الاغتراب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.............

     وُلد الفيلسوف الأمريكي من أصل ألماني إريك فروم(1900_ 1980)في مدينة فرانكفورت، وهاجرَ إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1934 .

     كان الطفل الوحيد لعائلة يهودية أرادت منه أن يصبح حاخامًا.في عام 1918 بدأ دراسة علم القانون في جامعة فرانكفورت،وفي عام 1919 انتقلَ إلى جامعة هايدلبرغ، حيث قام بتغيير دراسته إلى علم الاجتماع ليصبح التلميذ المباشر لألفريد فيبر ( شقيق عالِم الاجتماع الشهير ماكس فيبر).ودرس أيضًا الفلسفة ليحصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة، ثُمَّ انصرف إلى التحليل النفسي مع أستاذته المحلِّلة النفسية الألمانية الشهيرة فريدا رايخمان التي أضحت زوجته عام 1929.

     نال شهادة الدكتوراة في عام 1922 من جامعة هايدلبرغ . وفي عام 1924 ، بدأ فروم بدراسة التحليل النفسي في معهد برلين للتحليل النفسي . بعد الانتهاء من دراساته ، قام فروم بالمساعدة بتأسيس معهد فرانكفورت للتحليل النفسي ، ثُمَّ انضمَّ لاحقًا إلى معهد فرانكفورت للبحوث الاجتماعية ( ما عُرف لاحقًا بمدرسة فرانكفورت ) .

     قام فروم خلال الفترة ( 1929 _ 1932 ) بالتدريس بمعهد فرانكفورت للتحليل النفسي وجامعة فرانكفورت .

     وبعد وصول النازين للسُّلطة في ألمانيا في عام 1933 ، سافرَ إلى جنيف، ثم في عام 1934 سافرَ إلى أمريكا، إلى جامعة كولومبيا حيث استمر بها إلى عام 1941، ثم انضم لجامعة بيننغتون . وحصل على درجة الأستاذية من جامعة ميتشيغن عام 1961 . وفي عام 1951 ، عُيِّنَ بروفسورًا في التحليل النفسي بالجامعة الوطنية في المكسيك ، حيث استمر بالتدريس بها حتى عام 1965 ، بالإضافة إلى قيامه بإدارة معهد المكسيك للتحليل النفسي حتى عام 1976 . تُوُفِّيَ فروم إثر أزمة قلبية انتابته بسويسرا . وقد قصدها مُنذ عام 1969 للعلاج . ودُفِن في مدينة بلينتونا .

     لَم تكن حياته مستقرة، فقد تزوَّجَ عِدَّة مرَّات، واضْطُر للتنقل بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك . وكانت له تجربة سياسية مع الحزب الاشتراكي الأمريكي منذ عام 1960 ، وكان التزامه ضد حرب فيتنام سببًا مباشرًا في شُهرته .

     قام فروم بمراجعة نظرية الغرائز الفرويدية لِيُعوِّضها بنظرية العلاقة النمطية، وهي نظرية لَم تَرُقْ لهوركهايمر وأدورنو ، فانتقداها ، وكان ذلك سببًا في عزل فروم من مدرسة فرانكفورت .

     تقوم أبحاث فروم في السلوك الإنساني على محاولة التوفيق بين مقتضيات المنهج الفرويدي، القائم على دراسة الفرد وبنائه النفسي، وبين المنهج الماركسي المرتكز أساسًا على تناول المعطيات الاقتصادية والاجتماعية ، وهو يرى أن السلوك الإنساني لا يعتمد على تكوين الفرد الغرائزي ، وإنما يخضع للظروف والمؤثرات المحيطة به .

     يُعتبَر فروم من أهم الفلاسفة الذين تعرَّضوا لأزمة الإنسان المعاصر ، وقد ساهمَ في جعل مصطلح " الاغتراب " من المصطلحات المألوفة في القرن العشرين ، من خلال أبحاثه ودراساته .

     ويُعَدُّ كتابه " الخوف من الحرية " ( 1941) أول كُتبه الرئيسية . وفي هذا الكتاب يحاول فروم تتبُّع تطوُّر الحرية من العصور الوسطى للعصور الحديثة ( في وقت كتابة الكتاب ) ، حيث قام باستخدام أساليب التحليل النفسي لتحليل وفهم النَّزعة باللجوء نحو الأنظمة الشمولية كالنازية، للهرب من حالة اللاأمان التي يعيشها الإنسان .

     وفي كتابه " المجتمع العاقل " ( 1955) طرح مسألة غربة الانسان عن نفْسه نتيجة النَّزعة نحو الاستهلاك التي تفرضها المجتمعات الصناعية . بالإضافة إلى عِدَّة كتب في الطبيعة الإنسانية والأخلاق والحب ، وفي نقد وتحليل الأفكار الماركسية والفرويدية ، والتحليل النفسي والدِّين .

     مِن أهم كُتبه : الخوف من الحرية ( 1941) . التحليل النفسي والدِّين ( 1950) . اللغة المنسية ( 1951) . أزمة التحليل النفسي ( 1970) . الامتلاك أو الوجود ( 1976 ) .

26‏/11‏/2020

إريك أكسل كارلفلت وعقدة الأب

 

إريك أكسل كارلفلت وعقدة الأب

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........

     وُلد الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفلت ( 1864_ 1931) في مدينة فولشرنا بوسط السويد. تَمَّ انتخابه عُضوًا في الأكاديمية السويدية عام 1904. وفي عام 1912 انتُخِبَ أمينًا دائمًا للأكاديمية، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته . رفض جائزة نوبل للآداب عام 1919 ، ولكنها مُنِحَت له عام 1931 بعد وفاته .

     كانت عائلته تعمل في مجال الزراعة . وقد تورَّط والدُه في فضيحة مالية تشتمل على جرائم اقتصادية وتَزوير ، فَحُكِمَ عَلَيه بالسجن لمدة طويلة . وهذه القضيةُ الجنائيةُ لَوَّثتْ سُمعةَ العائلة ، وكانت سببًا في تغيير اسم الشاعر الذي كان عند ولادته " إريك أكسل أريكسون " .

     لقد أرادَ الابتعاد عن ماضي والده الملوَّث ، والنَّأي بِنَفْسِه عن أعماله الإجرامية ، وغسل اسمه من الخزي والعار. لقد كان والدُه عُقدةً في حياته الشخصية ، ووَصمة عار في تاريخه ، فأرادَ أن يُطهِّر حياته الشخصية مِن عُقدة أبيه ، ويَغسل تاريخه من العار . وكان الحل الأمثل بالنِّسبة إلَيه تغيير اسم عائلته ، وإقامة قطيعة مع الماضي الملوَّث ، وبَدْء صفحة جديدة .

     درس الأدبَ السويدي واللغات الإسكندنافية والإنجليزية في جامعة أوبسالا ، وهي جامعة سويدية ، تُعتبَر أقدم جامعة إسكندنافية . وقد تخرَّج منها في عام 1898 . واضْطُرَّ في أثناء فترة دراسته أن يعمل بالتدريس في عدة مواقع، من أجل تأمين تكاليف دراسته . وبعد تخرُّجه، حصل على وظيفة في المكتبة الملكية السويدية في ستوكهولم .

     يتميَّز شِعْرُه بالأبعاد الرمزية والفضاءاتِ الغنائية . وقد حَوَّلَ الأغاني الشعبية إلى قصائد رمزية حيَّة عابقة بالتحولاتِ اللغويةِ والطقوسِ المعرفيةِ والإشاراتِ الغامضةِ .

     في عام 1895 نُشِرت مجموعته الشِّعرية الأُولَى" الطبيعة والحب " لكنها لَم تَجْلِبْ له الشُّهرة كما كان يَأمَل . وفي عام 1898 كَتَبَ مجموعته الشعرية الثانية " أغاني فريدولين ". ومن الواضح أنَّ مُستواه الشِّعري أخذَ يَتطوَّر شَيئًا فَشَيئًا . وفي عام 1906 أصدرَ مجموعةً مُتميِّزةً مِنَ القصائد بعنوان " فلورا وبومونا " .

     اعتمد كارلفلت على وصف المشاعر الجيَّاشة ، وتصويرِ الواقعية بأسلوب رمزي مُفعَم بالأحاسيس والذكريات . ومَعَ هذا ، فلم يَنْجُ مِنَ الانتقادات بسبب غرق قصائده في الخيالات الرمزية ، وعدم مُبالاتها بالأحداث السياسية والقضايا المصيرية التي تمسُّ حياةَ الإنسان بشكل مباشر . وقد تأثَّر الشاعرُ بعوالم الزراعة والفلاحين التي عايشها في طُفولته ، خصوصًا أنه نشأ في عائلة زراعية.وكانت مفرداته ولغته التصويرية مُسْتَمَدَّةً مِنَ العالَم الافتراضي المسيطِر على ذاكرته.

     يُعتبَر كارلفلت _ بالدرجة الأُولَى _ شاعرًا غنائيًّا ، وقد استلهمَ الملحِّنون العديدَ من الأغاني الشعبية من قصائده الشِّعرية . وقد تَحَرَّرَ مِن نَبرة الوعظ والإرشاد التي سَيْطَرَتْ على شِعْره .

     حصل على التكريم في حياته وبعد مَوته . ففي عام 1917 مَنحته جامعة أوبسالا الدكتوراة الفخرية . وفي عام 1919 مُنح جائزة نوبل للآداب لاعتباره واحدًا من أكبر شُعراء أوروبا ، لكنه رَفضها لسببٍ أخلاقي يَتعلق بِنَزاهة لجنة التَّحكيم ، إِذ إِنه كان أمين الأكاديمية السويدية (رئيسها ) وهي الجهة التي تَمنح جائزة نوبل للآداب، فَخَشِيَ أن يُقال إِنَّه قَد مَنح الجائزةَ لِنَفْسِه . لذلك رفض استلام الجائزة في حياته لهذا السبب ، فَأُسْنِدَت الجائزة إلَيه بعد وفاته . وهذا دليلٌ واضح على نزاهته، وحِرْصه على سُمعته ومكانةِ الأكاديمية السويدية . فقد رَفض المجدَ الشخصي ، خَوفًا مِنَ اتِّهامه بخداع الرَّأي العام ، واستغلالِ السُّلطةِ والنفوذ .

25‏/11‏/2020

أرنولد توينبي ومسألة الحضارات

 

أرنولد توينبي ومسألة الحضارات

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........


     وُلد المؤرِّخ البريطاني أرنولد توينبي ( 1889 _ 1975 ) في لندن.درس اليونانية واللاتينية في جامعة أكسفورد . وتقلَّبَ في عِدَّة مناصب،منها: أستاذ الدراسات اليونانية والبيزنطية في جامعة لندن ، ومدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية . أهم أعماله موسوعة دراسة للتاريخ، وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين .

     يُعتبَر توينبي أهم مؤرِّخ بحث في مسألة الحضارات بشكل مُفصَّل وشامل،ولا سِيَّما في موسوعته التاريخية " دراسة للتاريخ " التي تتألف من 12 مجلدًا ، أنفق في تأليفها أكثر من 40 عامًا . وهو يَرى، خِلافًا لمعظم المؤرِّخين الذين يعتبرون الأُمَم أو الدول القومية مَجالاً لدراسة التاريخ، أن المجتمعات ( أو الحضارات ) الأكثر اتِّساعًا زمانًا ومكانًا ، هي المجالات المعقولة للدراسة التاريخية . وهو يُفرِّق بين المجتمعات البِدائية والحضارية ، وهذه الأَخيرة أقل عددًا من الأولى، فهي تبلغ واحدًا وعشرين مُجتمعًا اندثَرَ مُعظمُها، ولَم يبقَ غيرُ سبع حضارات، تمرُّ سِت منها بدَور الانحلال، وهي: الحضارة الأُرثوذكسية المسيحية البيزنطية، والأُرثوذكسية الروسية، والإسلامية، والهندوكية، والصينية، والكورية اليابانية ، أمَّا السابعة، أي الحضارة الغربية، فلا يُعرَف مصيرُها حتى الآن . يُفسِّر توينبي نشوءَ الحضارات الأولى، أو كما يُسمِّيها الحضارات المنقطعة، من خلال نظريته الشهيرة الخاصة بـ " التحدي والاستجابة "، التي يعترف بأنه استلهمَها من عِلم النفس السلوكي. وعلى وَجه الخصوص من كارل يونغ . ويقول هذا العالِم إن الفَرد الذي يتعرض لصدمة قد يفقد توازنه لفترة ما، ثمَ قد يستجيب لها بنوعين من الاستجابة : الأولى _ النُّكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسُّك به تعويضًا عن واقعه المر، فيُصبح انطوائيًّا . والثانية _ تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها ثمَ مُحاولة التغلب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيًّا. فالحالة الأولى تُعتبَر استجابةً سلبية، والثانية إيجابية بالنسبة لعلم النفس . ( والحالة الأولى تنطبق على العرب ، فهم قد تعرَّضوا لصدمة الحضارة ، فلجؤوا إلى النُّكوص إلى الماضي دفاعًا عن النفس ) .

     يقول توينبي في تفسير نشوء الحضارات إن المجتمعات البدائية لدى مُواجهتها تحديات بيئية أو بشرية مُعيَّنة ، تستجيب استجاباتٍ مُختلفة، أي إنها تُواجه ذلك الحافزَ برُدودِ فِعلٍ تختلفُ من جماعةٍ إلى أُخرى ، بعضها سلبية وبعضها إيجابية. وعلى هذا المِنوال يُفسِّر ظهورَ الحضارات الأصلية الأُولى في كُل مِن وادي الرافدين ووادي النيل، فيقول: كان السهل الأفروآسيوي (أي جنوب شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا ) يتمتَّع بجوٍّ مُعتدل ومَراعٍ شاسعة ومياهٍ غزيرة، خلال نهاية الفترة الجليدية الأخيرة . وكانت الشراذمُ البشرية المنتشرة فيه تعيشُ عيشةً راضية على الصَّيد والقَنص وجمع الثمار والبذور.ولكن حدثَ تغيُّر مناخي تدريجي في الفترة المعتدلة أو الدفيئة الأخيرة التي نعيشها الآن، الأمر الذي سبَّب انحباسَ الأمطار وانتشارَ التصحُّر وجفافَ الأنهر . وهذا هو نَمطُ التحدي الذي واجهته تلك المجتمعات، فاستجابت له بأساليب مُختلفة . إذ تَحَوَّلَ بعضُها إلى قبائل رُحَّل تسعى وراء الكلأ والماء، وترعى أنعامَها التي تقتاتُ عليها. وانحدر الجزءُ الثاني إلى الجنوب نحو المناطق الاستوائية المشابهة للبيئة السابقة إلى حد بعيد، فظل مُحافِظًا على نَمط مَعيشته البدائية السابقة إلى يومنا هذا . ورَحل قسمٌ ثالث إلى دِلتا النيل، حيثُ وَاجه أحوالاً طوبوغرافية جديدة تتمثل بوجود هذا النهر العظيم وتلك البيئة المختلفة، فكافح عوائقها وسخَّرها لأغراضه، بعد أن اكتشف الزراعة، الأمر الذي أدَّى إلى إنشاء الحضارة المصرية . كما أن انتقال بعض الجماعات من شبه الجزيرة العربية إلى أهوار جنوب العراق والفرات الأسفل تمخَّض عن انبثاق حضارات ما بين النهرين . وبعبارةٍ أُخرى ، إن هذه الجماعات قد استجابت إلى التحدي الطبيعي بأساليب مُختلفة ، منها بالبقاء في أرضها وتحوُّلها إلى قبائل بدوية، أي كانت استجابتُها سلبية، ومنها بالرحيل إلى مناطق جديدة مختلفة قريبة من الأنهار، حيث أسَّست تلك الحضارات الأُولى، أي كانت استجابتُها ديناميكية حضارية، تعتمد على الحركة أو الهجرة، ثم التغيير والتطوير والإبداع . أمَّا فيما يتعلق بنمو الحضارة، فيُعيدها تُوينبي إلى الدافع الحيوي ، وهي الطاقة الكامنة لدى الفَرد والمجتمع التي تنطلق بغرض التحقيق الذاتي . ويقول : إن الشخصية النامية أو الحضارة تسعى إلى أن تصيرَ هي نفسها بيئةَ نفسها، وتحدِّيًا لنفسها، ومجالَ عمل لنفسها. وبعبارة أخرى ، إن مقياس النمو هو التقدُّم في سبيل التحقيق الذاتي . ويكون ذلك عن طريق المبدِعين من الأفراد، أو بواسطة الفئة القليلة من هؤلاء القادة الملهَمين . إذ تستجيب لهم الأكثرية عن طريق المحاكاة الآلية التي تُمثِّل الطريقةَ الغالبة في عملية الانقياد الاجتماعي . وتقود هذه المحاكاةُ في الجماعة البدائية إلى حركةٍ سلفية تَنْزِعُ إلى مُحاكاةِ القُدَماء ، بينما هي في المجتمعات الحضارية النامية حركة تقدُّمية تُؤدِّي إلى مُحاكاة الطليعة الخلاقة .

     وعلى صعيد سقوط الحضارات يرى تُوينبي أنه يعود إلى ثلاثة أسباب : 1_ ضعف القُوَّة الخلاقة في الأقلية الْمُوجِّهة وانقلابها إلى سُلطة تعسُّفية . 2_ تخلِّي الأكثرية عن مُوالاة الأقلية الجديدة المسيطِرة ، والكف عن مُحاكاتها . 3_ الانشقاق وضياع الوَحدة في كيان المجتمع .

24‏/11‏/2020

إرنستو ساباتو وخطورة العلم

 

إرنستو ساباتو وخطورة العِلم

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

............


     وُلِد الكاتب الأرجنتيني إرنستو ساباتو ( 1911_ 2011) في مدينة روخاس التابعة للعاصمة بوينس آيرس ، لعائلة من الطبقة المتوسطة .

     في عام 1924 التحقَ بمدرسة روخاس الابتدائية ، ثم سافر إلى منطقة لابلاتا كي يستكمل دراسته الثانوية. وفي عام 1929 التحقَ بكلية العلوم الفيزيائية والرياضيات بجامعة لابلاتا القومية. وكان أحد الناشطين في حركة الإصلاح الجامعية. وفي عام 1933 ، تَمَّ اختياره لمنصب السكرتير العام لاتحاد الشباب الشيوعيين . ولكن في عام 1934، بدأ يفقد الثقة بالشيوعية وبستالين . في عام 1938،حصل على الدكتوراة في الفيزياء من جامعة لابلاتا القومية.وفي عام 1943، ونتيجة أزمة وجودية ، قرَّر أن يتقاعد نهائيًّا من المجال العلمي لتكريس نفسه للأدب والرسم.حيث قام بتعريف العِلم على أنه ليس أخلاقيًّا لأنه "من الممكن أن يدفع العِلمُ إلى كارثة ". ثم استقر بعد ذلك في قُرطبة ، ليعيش في مزرعة بدون وجود ماء ولا كهرباء ، ولكن فقط ليتفرغ للكتابة . في عام 1943، ظهر أول أعماله الأدبية ، وهو مقال عن رواية " اختراع موريل " للكاتب كاساريس . وفي عام 1945، نشر كتابه الأول تحت عنوان " واحد والكون " ، وأيضًا سلسلة من المقالات الفلسفية التي تنتقد بوضوح الحياد الأخلاقي للعِلم ، وتُحذِّر من عمليات التجريد من الإنسانية في المجتمعات التكنولوجية . وفي عام 1961، نشر روايته " الأبطال والقبور " التي تُعتبَر واحدة من أفضل روايات القرن العشرين . وتدور أحداثها حول قصة عائلة أرستقراطية في الأرجنتين، تتخللها قصة حميمة عن وفاة الجنرال خوان لافال، بطل الاستقلال، والحروب الأهلية في القرن التاسع عشر حتى عام 1955. وفي عام 1971، نشر كتاب " مفاتيح السياسة " الذي يتضمَّن مناقشات سياسية ورسائل بين ساباتو وغيفارا . وبدأ يتعاون مع صحيفة ( الرأي ) . وفي عام 1973، قام بتنظيم مقالاته حول الثقافة الوطنية على مفترق طرق ، وحصل على جائزة من الجمهورية الاتحادية الألمانية . نشر روايته " ملاك الجحيم المدمِّر " عام 1974، وهي عبارة عن سيرة ذاتية تأخذ شكل الحكاية ، والغريب أن ساباتو كان هو نفسه الشخصية الرئيسية، وأيضًا قد أخد بعض الشخضيات من روايته " الأبطال والقبور ". وفي عام 1984، حصل على جائزة ثيربانتس ، وهي أعلى جائزة أدبية في العالَم الناطق بالإسبانية . وكان الكاتب الأرجنتين الثاني الذي يحصل على هذه الجائزة بعد بورخيس في عام 1979.

     في الرابع من يونيو عام 2000 ، قدَّم كتابه " المقاومة " على شبكة الإنترنت ، ليكون بذلك أول كاتب باللغة الإسبانية يقوم بنشر كتاب له على شبكة الإنترنت بدلاً مِن طباعته على الورق.

     وفي 11 فبراير 2009، رُشِّحَ للمرة الثالثة لجائزة نوبل للآداب .

     تُوُفِّيَ ساباتو قبل أن يُكمل المائة عام بخمسة وخمسين يَوْمًا . وذلك بسبب الالتهاب الرئوي الناتج عن التهاب الشُّعب الهوائية . وكان يُعاني أيضًا من مشاكل خطيرة في الرؤية .

     وقد وصفت الصحافة على الفور وفاة ساباتو قائلةً : (( إنه موت للرجل الذي تخطى الأدب ليصبح رمزًا لعودة الديمقراطية للأرجنتين )) .

     وفي غلاف عددها ليوم 30 من إبريل، أطلقت عليه صحيفة البايس الإسبانية : (( آخر كلاسيكي للأدب الأرجنتيني )). وأيضًا أطلقت عليه صحيفة الموندو الإسبانية: (( الناجي الأخير من كُتَّاب الأرجنتين العظماء )).

     في الرابع والعشرين من شهر يونيو عام 2011، في ذكرى عيد ميلاد الكاتب ، قامت مدينة بوينس آيرس بتكريمه ضمن سلسلة من الأنشطة التي نظَّمتها وزارة الثقافة هناك. وقاموا بقراءة مُقتطفات من كتبه في مختلف المجالات . علاوة على ذلك ، فقد أعلن ابنه ماريو ساباتو أنه سيتم تجديد منزل والدة استعدادًا لتحويله إلى متحف .

     وأيضًا ، قامت وزارة الثقافة بوضع صورة كبيرة للكاتب على قطعة قُماش بلغ عرضها 88 مترًا و عرضها 34 مترًا. وضعوها على مبنى لابلاتا في ( سريتو)،ولاتزال موجوده حتى وقتنا هذا.

23‏/11‏/2020

إرنست همنغواي وسلالة الانتحار

 

إرنست همنغواي وسلالة الانتحار

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

...........

    وُلد الأديب الأمريكي إرنست همنغواي ( 1899_ 1961) في ولاية إلينوي الأمريكية ، لأبٍ طبيب مُولع بالصيد والتاريخ الطبيعي، وأُم مُتزمِّتة ذات اهتمام بالموسيقى . وفي عام 1909، اشترى له أبوه بُندقية صَيد ، أصبحت رفيقة عُمره إلى أن قَتل نَفْسَه بِها عام 1961 .

     دخل همنغواي الحياةَ العملية مُبَكِّرًا. حيث عمل صحفيًّا بجريدة " كنساس ستار " ، ثُمَّ متطوعًا للصليب الأحمر الإيطالي ( 1918) في أواخر الحرب العالمية الأولى . وهناك أُصيب بجروح خطيرة أقعدته أشهرًا في المستشفى ، وخضع لعمليات جراحية كثيرة . وبسبب هذه التضحيات ، حصل على رُتبة ملازم مع وسام الشجاعة .

     كان جُزءًا من مجموعة المغتربين في باريس في العشرينيات ، وعُرفت باسم" الجيل الضائع ". وقد عاش همنغواي حياةً اجتماعية مشاغبة . حيث تزوَّج أربع مرات ، وكانت له عدة علاقات عاطفية ، ووَلَع غريب بمصارعة الثيران .

     في عام 1921 عمل مُراسلاً لصحيفة " تورنتو ستار" في شيكاغو ، ثم هاجر إلى باريس عام 1922م . حيث عَمل مُراسلاً أيضًا ، وأجرى مقابلات معَ كبار الشخصيات والأدباء ، كما تعرَّف على أدباء فرنسا حين كانت الحركة الثقافية الفرنسية في العشرينيات تعيش عصرها الذهبي.

     نشر في عام 1923 أُولى مجموعاته القصصية ، وهي " ثلاث قصص وعشرة أناشيد " ، ويُمثِّل هذا الحدَث بداية نجاحه الأدبي. لكنَّ أول عمل لهمنغواي لفت انتباه الجمهور هو " الشمس تُشرق أيضًا " ( 1926) . وقد لاقت هذه الرواية نجاحًا منقطع النظير .

     وإثر عَودته عام 1923 إلى فلوريدا ، حيث عائلته ، انتحرَ والده بإطلاقه طلقة في الرأس . وفي عام 1929 ، عاد مع زوجته الثانية إلى أوروبا ، حيث نشر روايته " وداعًا للسلاح " . وقد نجح هذا العمل ، وحُوِّل إلى مسرحية وفِيلم بسرعة . وصار اسمه راسخًا في عالَم الأدب والأدباء.

     بدأ همنغواي منذ 1933 ، يتردَّد باستمرار على كُوبا، وفِيها كَتب عَمله " الفائز يَخرج صِفْر اليدين " ، ثُمَّ تَوَقَّفَ عن النشر حتى 1935 ، لِتَظهر روايته " روابي أفريقيا الخضراء" عن رحلة قادته لشرق القارة لصيد الطرائد البرية ، وهي هوايته منذ الصِّبا .

     في الفترة ( 1936 _ 1938 ) عمل مُراسلاً حربيًّا لتغطية الحرب الأهلية الإسبانية ، وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن عدائه الشديد للفاشية الصاعدة آنذاك .

     وفي عام 1940 ، نشر روايته " لِمَن تُقرَع الأجراس " ، لِتُحقِّق نجاحًا ساحقًا ، وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة في السنة الأولى لنشرها ، ونال عن حقوق الفيلم المأخوذ عنها 150 ألف دولار ، وكان رَقْمًا قياسيًّا وقتذاك .

     يُعتبَر همنغواي من أهم الأدباء في القرن العشرين . غلبت عليه النظرة السوداوية للعالَم في البداية ، إلا أنه عاد لِيُجدِّد أفكاره ، فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل للإنسان في رواياته . وغالبًا ما تُصوِّر أعمالُه هذه القوةَ، وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من العزلة والانطوائية. وأدبُه يَعكس تجاربه الشخصية في الحرب العالميتين الأولى والثانية والحرب الأهلية الإسبانية. تميَّز أسلوبُه بالبساطة والجمل القصيرة. وترك بصمته على الأدب الأمريكي الذي صار همنغواي واحدًا من أهم أعمدته . والجديرُ بالذِّكر أن شخصيات همنغواي دائمًا أفراد أبطال يتحمَّلون المصاعب دُون شكوى ولا ألَم . وتعكس هذه الشخصيات طبيعةَ همنغواي الشخصية.

     تلقَّى همنغواي جائزة بوليتزر الأمريكية في الصحافة عام 1953 ، كما حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1954 ، وذلك " لأستاذيته في فن الرواية الحديثة ، ولقوة أسلوبه ، كما يظهر ذلك بوضوح في قصته الأخيرة العجوز والبحر " ، كما جاء في تقرير لجنة جائزة نوبل .

     في آخر حياته ، انتقل للعيش في منزل بكوبا ، حيث بدأ يُعاني من اضطرابات عقلية . حاولَ الانتحار في ربيع 1961 . وتلقى علاجًا بالصدمات الكهربائية . وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من إكماله الثانية والستين من العُمر، وضع حَدًّا لحياته ، وذلك بإطلاق الرصاص على رأسه من بُندقية الصَّيد التي اشتراها له والده .

     همنغواي نَفْسُه حَمَّلَ العلاجَ بالصدمات الكهربائية مسؤولية تدميره نفسيًّا ، بسبب فُقدانه للكثير من ذكرياته . ولأُسرة همنغواي تاريخ طويل مع الانتحار . فقد انتحر والده أيضًا ، وكذلك انتحرت أُختاه غير الشقيقتين ، ثُمَّ انتحرت حفيدته . ويرى البعضُ أن ذلك يعود إلى مرض وراثي في عائلته، يُسبِّب زيادة تركيز الحديد في الدم، مِمَّا يُؤدِّي إلى تلف البنكرياس ، ويُسبِّب الاكتئاب، وعدم الاستقرار في المخ . وقد انتحرَ همنغواي في النهاية خَوْفًا من الجنون . وصار مَنْزله في كُوبا في الوقت الحالي متحفًا يضمُّ مُقتنياته وصُوَره .

     مِن أبرز رواياته: سيول الربيع ( 1926). الشمس تُشرق أيضًا ( 1926) . وداعًا للسلاح    ( 1929). الذين يملكون والذين لا يملكون ( 1937) . لمن تُقرَع الأجراس ( 1940) . عبر النهر وخلال الأشجار    ( 1950) . العجوز والبحر ( 1952 ) .

22‏/11‏/2020

إرنست بلوخ ومبدأ الأمل

 

إرنست بلوخ ومبدأ الأمل

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

..........


     وُلد الفيلسوف الألماني إرنست بلوخ ( 1885_ 1977) في لودفيغتشافين مِن أب يهودي موظف في السكة الحديدية . انتقل إلى مانرهايم للدراسة الثانوية حيث شاهد الطبقة البرجوازية ، مِمَّا دفعه لدراسة الفلسفة في جامعة ميونخ لسبر الفوارق الاجتماعية بين الطبقات .

     عندما وصل النازيون إلى السُّلطة كان عليه الهرب ، أولاً إلى سويسرا ، ثم النمسا، فرنسا، تشيكوسلوفاكيا، وأخيرًا إلى الولايات المتحدة .

     عاد بلوخ إلى ألمانيا في عام 1949 ، وحصل على كرسي الفلسفة في جامعة لايبزيغ . وعندما بُنِيَ جدار برلين في عام 1961 ، غادر بلوخ إلى توبنغن في ألمانيا الغربية ، حيث حصل على الكرسي الفخري للفلسفة ، وبقي هناك حتى مات .

     أصبحت أعمال بلوخ مؤثرة للغاية في سياق الحركات الاحتجاجية الطلابية في عام 1968 . وقد تأثر بهيغل وماركس وغيرهما من الفلاسفة .

     ركَّز عمل بلوخ على أطروحة أنه في العالَم الذي تسوده الإنسانية، حيث تم التخلص من الكبت والاستغلال،سوف توجد دومًا قوة ثورية حقة. لُقِّب بلوخ بـ أعظم الطوباويين المعاصرين.

     سعى بلوخ إلى إقامة نسق فلسفي حديث، يستند إلى خمسة مفاهيم أساسية هي: المستقبل والثورة واليوتوبيا والأمل والخلاص. وقد مَرَّ تفكيره في مرحلتين أساسيتين : اتَّسمت الأولى منهما بتأثره بالتصوف اليهودي والبروتستانتي خلال الفترة ( 1908 _ 1920 ) . وهذا ما دفعه إلى إحياء الفكر الطوباوي ( المثالي البعيد عن الواقع ) ، بوصفه فكرًا يتقصَّى إمكانيات الكائن التي لَم تتحقق بعد . أمَّا المرحلة الثانية فتمتد من عام 1921 حتى وفاته. وفيها اعتنق الفكر الماركسي، وحاول أن يُؤسِّس فلسفة عملية ، فتحولت الماركسية عنده، نتيجة لهذا كُله، إلى" أخلاق حميدة " مفتوحة على المستقبل . وهناك منطلقان أساسِيَّان يستند إليهما بلوخ في تأملاته الفلسفية : أحدهما أنثروبولوجي يتعلق بالإنسان، والآخر أنطولوجي يتعلق بالوجود. وبمقتضى الأول بدا الوجود الإنساني له عرضيًا متناهيًا، وبمقتضى الثاني بدا له الوجود زائلاً فانيًا . ويمكن رد تحليلات بلوخ لهذين المفهومين إلى مفهوم واحد هو مفهوم " الإمكان " .

     يُعَدُّ كتاب بلوخ " روح اليوتوبيا"( 1918) قطعةً من الأمل المستوحَى من الحقبات الاتباعية، فمن الموسيقى الاتباعية والأدب ، كان يستخلص أملاً غير قابل للاستنفاد في مقابل الاستلاب وأشكاله. وفي مقابل الاستلاب يُوجِد روحًا جديدة للتمرد، وفي مقابل اليأس داخل واقع مغلق، كان يُوجِد نزوعًا نحو الحلم.والموسيقى بما يكتنفها من غموض هي الأكثر طوباوية بين سائر الفنون، لأنها تُحلِّق بك خارج الواقع المحاصَر بشتَّى وسائل القمع ، وتُبدِع الْمُعادِل الذي يَمنح الإنسانَ هويته أمام نفسه ، ويُعيد صورته المتوازنة إلى التجلي داخل عالَم من الاستلاب والمحاصَرة . أمَّا كتابه " الإلحاد في المسيحية " ( 1968 ) ، فهو استمرار للنقد الذي بدأت به الماركسية إزاء الدِّين . فالنقد المعارِض لتركيب الذهنية الدينية عند بلوخ غير منقطع عن تجذُّره في الجبهات الفكرية التي فتحتها الماركسية في مواجهة الدِّين . وقد توصَّلَ بلوخ في هذا الكتاب إلى مقولته الشهيرة : (( المسيحي الحقيقي فقط باستطاعته أن يكون مُلْحِدًا، والملحد الحقيقي فقط باستطاعته أن يكون مسيحيًّا جَيِّدًا )) .

     وفي دراسته " الذاتي والموضوعي، إيضاح حول هيغل " ، يكشف بلوخ عن أن الهيغلية تُمثِّل استمرارية دائمة بين مثالية مُنغرزة أبديًّا في الواقع ، فيُؤسِّس بذلك وساطة مُتفرِّدة بين الذاتي والموضوعي. وينتهي إلى أن الحاجة والقلق هما القُوَّتان المحرِّكتان الأساسيتان للتاريخ. الحاجة والقلق من حيث هما تشخيصان يقعان في المجال المشترك والاتصالي بين المجتمع والفرد، فما يطغى على المجموعة من هيمنة هو فردي في أعمق نقطة فيه ، أمَّا " الأنا " فهو الذاتية المولِّدة لحركية تتَّسم في النهاية بأنها جماعية . كما أن حرية الأنا لا تعني شيئًا سوى حرية المجموع الذي يكتنفها . يُعتبَر كتاب " مبدأ الأمل " في أجزائه الثلاثة ( 1954 _ 1959 ) أهم كُتبه على الإطلاق. وقد بيَّن فيه أن حرية الأنا وتحقيقها هما مشروع مُقرَّر سلفًا بوساطة الأنا ذاتها . لكن هذه الذات لا تستطيع التجرُّد من واقعها المحكوم والغارق في عالَم الاستلاب السِّلَعي ، غير أن هذا الاستلاب ليس واقعًا مُغلَقًا في نظر بلوخ، لأن بذور الأمل لن تنتهيَ، ولأن كل الحالات تنطوي على نقيضها المطْلق، وهنا يهاجم بلوخ بنقد مُفعَم بالأمل الطوباوي كُلَّ الأنظمة الفكرية، وكل فكرة لنظام، مُفَضِّلاً الانفتاح على مستقبل رحب للإنسان والعالَم . وقد كتب بلوخ هذا الكتاب خلال هجرته إلى الولايات المتحدة ، حيث عاش في نيوهامشاير قبل أن يستقر في كامبردج، ماساتشوستس . وكان بلوخ  في الأصل قد قرر نشره تحت عنوان " أحلام حياة أفضل". ويحاول"مبدأ الأمل"تقديم حساب موسوعي شامل حول اتجاهات الجنس البشري والطبيعة بالنسبة للتقدم الاجتماعي والتكنولوجي المستقبلي.وعمومًا ، لقد ركَّز عمل بلوخ على مفهوم عالَم الإنسان اليوتوبي ( المثالي) حيث ينتفي الاضطهاد والاستغلال ، وهو ما سيكون دائمًا قوة ثورية مُؤَدْلَجَة .