وُلِد الروائي والكاتب
المسرحي آرثر ميلر ( 1915_ 2005 ) لعائلة يهودية متوسطة
الحال في مدينة نيويورك . هاجرَ والده إلى الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية
الأولى ، وكان مُصَمِّمًا وصاحب محل أزياء
نسائية ، دُمِّر في فترة الكساد العظيم عام 1929 ، مِمَّا
كان سببًا في تأثر آرثر ، وانتقاله هو وعائلته مِن الحالة الميسورة إلى الفقر .
واجه ميلر العالَم الواقعي وهو في الرابعة
عشرة مِن عُمره ، واضْطُر بسبب فقره إلى ممارسة العديد من المهن البسيطة ، مِثل :
عامل في كافتيريا ، وسائق شاحنة ، وعامل في مصنع ، إلى جانب دراسته في جامعة ميتشيغان.
غَير أنه سُرعان ما تمكَّنَ من كسب معيشته من كتاباته، فقامَ بالالتحاق بحلقة للتدرب على كتابة المسرحية .
بدأ
ميلر بممارسة الكتابة الدرامية في عام 1938 ، أي بعد تخرُّجه، وكان أول عمل له عُرِض
على مسرح في برودواي
" الرَّجل الذي كان ينعم بكل الحظ " . كانت أعماله الأولى تحمل أثر
التمزق والضياع اللذين أحس بهما أيام الكساد العظيم ، وتأثرَ حينذاك بالأفكار
الاشتراكية .
أمضى ميلر دراسته الابتدائية في هارلم
( 1920_ 1928 ) . وشاهدَ المسرح لأول مرة في حياته عام 1923 على مسرح شوبرت . قضى دراسته الثانوية في
مدرسة أبراهام لينكولن الثانوية
بالقرب من جزيرة كلوني
في بروكلين بنيويورك
، وكان ميلر متفوقًا رياضيًّا ، ولكنه كان ضعيفًا دراسيًّا . تَمَّ رفض طلبه
الالتحاق بجامعة ميتشيغان ، ولكن على الرغم من ذلك كان ميلر يضع 13 دولار من
كل 15 دولار يكسبها في صندوق الكلية ، حتى تَمَّ قبول طلبه الالتحاق بجامعة ميتشيغان
عام 1934 . في بداية التحاقه بالجامعة اختار تخصص الصحافة، ثم انتقل إلى الأدب الإنجليزي ، وانصبَّ
اهتمامه على الأدب اليوناني القديم ، وكتاباتِ هنريك إبسن .
حصل
على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي عام 1938 . وفي 5 أغسطس 1940 تزوَّجَ زميلته بعد
قصة حب . تَمَّ إعفاء ميلر من الخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية لإصابة
رياضية قديمة. وفي عام 1956 طَلَّقَ زوجته . وفي 29 يونيو من نفس العام ، تزوَّجَ
مارلين مونرو التي قابلها مُنذ ثماني سنوات عبر المخرج إليا كازان . وحينها تحوَّلت
مارلين إلى اليهودية . وفي 24 يناير 1961 حصلت مارلين مونرو على الطلاق .
وفي 17 فبراير 1962 ، تزوَّجَ ميلر من مُصوِّرة فوتوغرافية ، واستمر زواجهما أربعين عامًا حتى
وفاتها في 30 يناير 2002 .
اشْتُهِر
ميلر بميوله اليسارية ، ويعتقد البعض
أن زواجه من مارلين مونرو كان للتغطية على نشاطاته الشيوعية، وقد
تابع مكتب التحقيقات الفيدرالي نشاطه من
الأربعينيات حتى عام 1956. وحين أفرجت الأخيرة عن
وثائق مُتابعة ميلر بعد مَوْته قالت إنه لَم يكن مُنْضَمًّا إلى الشيوعيين ، بل
كان مُنْشَقًّا عنهم . كان لميلر موقف رافض للسياسة الأمريكية ، كما كان
دائم النقد
لأوضاع المجتمع الأمريكي،
ويتَّضح هذا جَلِيًّا في كتاباته . وقد وقف ميلر ضد الحرب على فيتنام، وكانت
له نشاطات في مجال حقوق الإنسان .
بَزغ نجم آرثر ميلر بمسرحية " كلهم
أبنائي "( 1947 )، والتي
تدور حول صاحب مصنع قام ببيع قطع غيار مُحرِّكات طائرات معطوبة للجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية. حصدت المسرحية جائزة
دائرة نُقاد الدراما بنيويورك . أمَّا مسرحية " موت بائع متجول " ( 1949 ) ، فقد حصلت
على جائزة بوليتزر . وقد عُرضت هذه المسرحية حوالي 700 مرة، وتُرجمت إلى أكثر من
عشرين لغة بعد شُهور على ظهورها .
تَمَّ افتتاح مسرحيته " المحنة"
في برودواي في 22 يناير 1953 ، وهي أكثر أعمال ميلر إنتاجًا، وفيها يربط ميلر بين الحرب الباردة والمكارثية
، وبين مُعاقبة السِّحر والشَّعوذة .
لَم يكن من الغريب أن يُستبعَد كاتب بحجم
ميلر من الحياة الثقافية الأمريكية
عَقِب الحملة "الأدبية" الشهيرة التي شُنَّت عليه في عام 1972 ، عندما
كتب مسرحيته " خلق العالَم وأعمال أخرى " ، والتي تدور فكرتها حول
الصراع بين الخير والشر بطريقة كوميدية من خلال قصة آدم وحوَّاء . وقد توقفت هذه
المسرحية عن العرض بعد عشرين ليلة . إلا أن مسرحيته "الزجاج المكسور"التي
عُرضت في مسرح "بوث" في نيويورك عام 1994 أعادت إليه
الاعتبار المسرحي.
في 1 مايو 2002 ، حصل على لقب رائد الدراما
الحديثة من إسبانيا . وفي
العام التالي حصل على جائزة القدس .
آخر مسرحيات ميلر كانت دراما كوميدية بعنوان " إنهاء الصورة "، تَمَّ افتتاحها في خريف 2004 على مسرح جودمان،وهذه المسرحية هي توثيق للوقت الذي قضاه ميلر ومونرو في تصوير فيلم " سَيِّئو الحظ"( 1961 ) . وكان زواجهما في هذه الفترة في تدهور نتيجه لإدمانها المخدِّرات. كان ميلر أحد رموز الأدب والسينما الأمريكية لأكثر من ستين عامًا . ويُعتبَر من عمالقة المسرح الأمريكي المعاصر . وكان من كبار المدافعين عن الحرية الفكرية، مُنَدِّدًا بكل أشكال القمع،وكان من المنادين بفكرة مسرح في متناول الجمهور.