وُلِد الأديب الأمريكي إدغار آلان بو ( 1809_ 1849) في بوسطن . وكان الطفل
الثاني لِمُمَثِّلَيْن . هجر والده الأسرة في عام 1810 ، وتُوُفِّيَت والدته في
العام التالي ، فأصبحَ يتيمًا . وقامت إحدى الأُسَر برعايته والاعتناء به ، رغم
عدم تَبَنِّيه رسميًّا . وكان هناك مشكلات بين بو والأسرة الحاضنة ، وفي النهاية
انفصلَ عنها .
فازَ بو في مسابقة أدبية ، حيث كتب قصة
قصيرة في سن الرابعة والعشرين ، وأصبح بالتالي ناقدًا أدبيًّا لمجلة ( رسول الأدب
الجنوبي ) . وفي سن السابعة والعشرين ، تزوَّج ابنةَ عَمِّه التي كانت تبلغ من
العُمر في ذلك الوقت ثلاثة عشر عامًا .
أصبحَ بو مشهورًا في جميع أنحاء الولايات
المتحدة حين نشر قصيدته "الغراب" ( 1845). لكن حياته انهارت بسبب إدمانه
الشديد على الخمر، وصارت سُمعته سيئة للغاية في مجتمع القرن التاسع عشر المحافظ.
بعد وفاة زوجته في عام 1847، انهارَ بو
عاطفيًّا ، وتُوُفِّيَ بعد ذلك بعامين ، في سن الأربعين، في أحد شوارع مدينة
بالتيمور . وقد هاجمه النُّقاد بشدة بسبب مُعاقَرة الخمر ، واتَّهموه بأنه مدمن
على المخدِّرات. وقال البعضُ إنه يجب أن لا يُترَك الجمهور معَ رَجل مِثله ، غير مستقر
نفسيًّا وعقليًّا، يجلس في غرفة معتمة، مع غراب على بابه، وزجاجة على طاولته،
وأنبوب مليء بالأفيون. كان بو واحدًا من
أفضل الكُتَّاب في تاريخ الأدب الأمريكي . وكان يُؤثِر الوَحدة في حياته ،
ويُعبِّر عنها ببلاغة في قصائده الشِّعرية . وكتاباته تجعل القارئ يتفاعل معه
عاطفيًّا .
في كُل ما كَتب بو مِن قصص وقصائد ، تبرز
نقاط توتره وكآبته وقلقه ومواهبه الخارقة التي شَكَّلت شخصيته الإبداعية المغايرة
، التي لَم يُفلِح الدارسون حتى اليوم في تفكيك كل ألغازها ، وفي دخول كُل
سراديبها . فكتابات بو غاية في الصعوبة والجمالية .
كان بو في نظر أبناء جيله رمز الشاعر
الملعون ، ورمز الشاعر المتسكع المعاكس للتيار ، المشاغب في الكتابة الشعرية،
المخرِّب في النثر، المتمرد على كل المدارس الأدبية والشعرية السابقة له، المدمن
والمغامر والمتفلِّت مِن كل القوانين، الثائر على التقليد، الحزين حتى الموت،
الكئيب حتى الثمالة ، والمتألم والمحِب والعاشق حتى الجنون . وقد أكَّدت إحدى
الدراسات على أنه بو لَم يستفد مِن كُتبه كُلِّها على مدار حياته سِوى ثلاثمئة
دولار فقط لا غَير .
في كل مراحل حياته ، لَم يُفلِح بو في تأمين
عمل يساعده على سَد نفقات معيشته ودُيونه المتراكمة ، الأمر الذي ساهمَ في عودته
الدائمة إلى الإدمان. ومع أنه عمل صحفيًّا في أكثر مِن مجلة إلا أن ذلك لَم
يُساعده سِوى على نشر بعض أعماله الأدبية فيها ، فنشرَ أولى مجموعاته القصصية في
مجلة "برتون جنتلمان " عام 1840، ثم انتقل ليصبح رئيس تحرير مجلة أخرى
نشر فيها روايته البوليسية "جريمة قتل في المشرحة" التي سُرعان ما
تُرجمت إلى الفرنسية وتناولتها الصحف بمقالات نقدية إيجابية . إلا أن الخطوة
الأولى نحو النجاح كانت مع نيله جائزة "جريدة فيلادلفيا" وكانت تبلغ
يومذاك مئة دولار عن قصة "الحشرة الذهبية" ، ثم عمل في مجلة
"غراهام" ليتركها بعد عام ويعود إلى نيويورك لينشر قصيدته
"الغراب" التي بدأت معها شهرته في الأوساط الأدبية من دون أن يساعده ذلك
على النهوض مِن غَرَقه في الدُّيون الهائلة .
تتكرر معظم موضوعاته حول مسائل الموت ، بما
في ذلك علاماته الجسدية وآثار التحلل ، والمخاوف من الدفن السابق لأوانه ، أو
" القتل رحيم " ،
والإنعاش من الموت، والحِدَاد .
وتُعتبَر
كثير من أعماله جُزءًا مِن هذا
النوع مِن الرومانسية السوداء ، وهي رَدَّة فِعل أدبية للفلسفة
المتعالية التي كرهها بو بشدة .
في مرحلة ما بعد الرُّعب ، اتَّجَهَ بو نحو
الأسلوب الساخر والحكايات الفكاهية والخدع . ولإضفاء طابع كوميدي ، استخدم
السُّخرية ببذخ في كثير من الأحيان في محاولة منه لتحرير القارئ من المطابقة
الثقافية . كما أعاد بو ابتكار الخيال العِلمي في استجابة للتكنولوجيا التي
ظهرت في ذلك الوقت مِثل مَناطيد الهواء .
مِن أشهر أعماله: حُلم داخل حُلم (1827).الدُّودة الفاتحة(1837). بعض كلمات مع
مُومياء( 1845). أنابيل لي(
1849 ).