وُلد الأديب الأمريكي إرنست همنغواي ( 1899_
1961) في ولاية إلينوي الأمريكية ، لأبٍ طبيب مُولع بالصيد والتاريخ الطبيعي، وأُم
مُتزمِّتة ذات اهتمام بالموسيقى . وفي عام 1909، اشترى له أبوه بُندقية صَيد ،
أصبحت رفيقة عُمره إلى أن قَتل نَفْسَه بِها عام 1961 .
دخل
همنغواي الحياةَ العملية مُبَكِّرًا. حيث عمل صحفيًّا بجريدة " كنساس ستار
" ، ثُمَّ متطوعًا للصليب الأحمر الإيطالي ( 1918) في أواخر الحرب العالمية
الأولى . وهناك أُصيب بجروح خطيرة أقعدته أشهرًا في المستشفى ، وخضع لعمليات
جراحية كثيرة . وبسبب هذه التضحيات ، حصل على رُتبة ملازم مع وسام الشجاعة .
كان جُزءًا من مجموعة المغتربين في باريس في العشرينيات ، وعُرفت باسم"
الجيل الضائع ". وقد عاش همنغواي حياةً اجتماعية مشاغبة . حيث تزوَّج أربع
مرات ، وكانت له عدة علاقات عاطفية ، ووَلَع غريب بمصارعة الثيران .
في عام 1921 عمل مُراسلاً لصحيفة " تورنتو
ستار" في شيكاغو ، ثم هاجر إلى باريس عام 1922م . حيث عَمل مُراسلاً أيضًا ،
وأجرى مقابلات معَ كبار الشخصيات والأدباء ، كما تعرَّف على أدباء فرنسا حين كانت
الحركة الثقافية الفرنسية في العشرينيات تعيش عصرها الذهبي.
نشر في عام 1923 أُولى مجموعاته القصصية ،
وهي " ثلاث قصص وعشرة أناشيد " ، ويُمثِّل هذا الحدَث بداية نجاحه
الأدبي. لكنَّ أول عمل لهمنغواي لفت انتباه الجمهور هو " الشمس تُشرق أيضًا
" ( 1926) . وقد لاقت هذه الرواية نجاحًا منقطع النظير .
وإثر عَودته عام 1923 إلى فلوريدا ، حيث
عائلته ، انتحرَ والده بإطلاقه طلقة في الرأس . وفي عام 1929 ، عاد مع زوجته
الثانية إلى أوروبا ، حيث نشر روايته " وداعًا للسلاح " . وقد نجح هذا العمل
، وحُوِّل إلى مسرحية وفِيلم بسرعة . وصار اسمه راسخًا في عالَم الأدب والأدباء.
بدأ همنغواي منذ 1933 ، يتردَّد باستمرار
على كُوبا، وفِيها كَتب عَمله " الفائز يَخرج صِفْر اليدين " ، ثُمَّ تَوَقَّفَ
عن النشر حتى 1935 ، لِتَظهر روايته " روابي أفريقيا الخضراء" عن رحلة
قادته لشرق القارة لصيد الطرائد البرية ، وهي هوايته منذ الصِّبا .
في الفترة ( 1936 _ 1938 ) عمل مُراسلاً
حربيًّا لتغطية الحرب الأهلية الإسبانية ، وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن
عدائه الشديد للفاشية الصاعدة آنذاك .
وفي عام 1940 ، نشر روايته " لِمَن
تُقرَع الأجراس " ، لِتُحقِّق نجاحًا ساحقًا ، وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة
في السنة الأولى لنشرها ، ونال عن حقوق الفيلم المأخوذ عنها 150 ألف دولار ، وكان
رَقْمًا قياسيًّا وقتذاك .
يُعتبَر همنغواي من أهم الأدباء في القرن
العشرين . غلبت عليه النظرة السوداوية للعالَم في البداية ، إلا أنه عاد لِيُجدِّد
أفكاره ، فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل للإنسان في رواياته . وغالبًا ما تُصوِّر
أعمالُه هذه القوةَ، وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من
العزلة والانطوائية. وأدبُه يَعكس تجاربه الشخصية في الحرب العالميتين الأولى
والثانية والحرب الأهلية الإسبانية. تميَّز أسلوبُه بالبساطة والجمل القصيرة. وترك
بصمته على الأدب الأمريكي الذي صار همنغواي واحدًا من أهم أعمدته . والجديرُ
بالذِّكر أن شخصيات همنغواي دائمًا أفراد أبطال يتحمَّلون المصاعب دُون شكوى ولا
ألَم . وتعكس هذه الشخصيات طبيعةَ همنغواي الشخصية.
تلقَّى همنغواي جائزة بوليتزر الأمريكية في
الصحافة عام 1953 ، كما حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1954 ، وذلك " لأستاذيته
في فن الرواية الحديثة ، ولقوة أسلوبه ، كما يظهر ذلك بوضوح في قصته الأخيرة
العجوز والبحر " ، كما جاء في تقرير لجنة جائزة نوبل .
في آخر حياته ، انتقل للعيش في منزل بكوبا ،
حيث بدأ يُعاني من اضطرابات عقلية . حاولَ الانتحار في ربيع 1961 . وتلقى علاجًا
بالصدمات الكهربائية . وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من إكماله الثانية والستين من
العُمر، وضع حَدًّا لحياته ، وذلك بإطلاق الرصاص على رأسه من بُندقية الصَّيد التي
اشتراها له والده .
همنغواي نَفْسُه حَمَّلَ العلاجَ بالصدمات
الكهربائية مسؤولية تدميره نفسيًّا ، بسبب فُقدانه للكثير من ذكرياته . ولأُسرة
همنغواي تاريخ طويل مع الانتحار . فقد انتحر والده أيضًا ، وكذلك انتحرت أُختاه
غير الشقيقتين ، ثُمَّ انتحرت حفيدته . ويرى البعضُ أن ذلك يعود إلى مرض وراثي في
عائلته، يُسبِّب زيادة تركيز الحديد في الدم، مِمَّا يُؤدِّي إلى تلف البنكرياس ،
ويُسبِّب الاكتئاب، وعدم الاستقرار في المخ . وقد انتحرَ همنغواي في النهاية خَوْفًا
من الجنون . وصار مَنْزله في كُوبا في الوقت الحالي متحفًا يضمُّ مُقتنياته
وصُوَره .
مِن أبرز رواياته: سيول الربيع ( 1926). الشمس تُشرق أيضًا ( 1926) . وداعًا للسلاح ( 1929). الذين يملكون والذين لا يملكون ( 1937) . لمن تُقرَع الأجراس ( 1940) . عبر النهر وخلال الأشجار ( 1950) . العجوز والبحر ( 1952 ) .