وُلِد الشاعر
الإنجليزي إدموند سبنسر ( 1552_ 1599) في إيست سميثفيلد في لندن ، ودرس في صِغره
في مدرسة ميرشانت تايلور بلندن ، ثم في كلية بمبروك في كامبردج .
يُعتبَر سبنسر أحد أهم رواد الشِّعر الإنجليزي المعاصر ، وهو صاحب قصيدة
" مَلِكة الجِن" التي تُعَدُّ أعظم أعماله على الإطلاق وأكثرها
شُهرة.وهي ملحمة شِعرية رمزية
غير مكتملة ، نُشِر الجزء الأول مِنها عام 1590 ، والجزء الثاني 1596 . وتتميز
القصيدة بأنها مكتوبة على المقطع السبنسري ، وهو نظام جديد ابتدعه سبنسر في قصائده
، وهو أن تسير القصيدة على نمط ثمانية سطور في المقطع الواحد ، وكُل سطر عبارة عن
تفعيلة شِعرية ذات مقطعين : مقطع قصير يتبعه مقطع طويل ، أي مقطع غير مُشدَّد وآخر
مُشدَّد . وترجع شهرة ملحمة " ملكة الجن " لِكَوْنها من أطول القصائد في الأدب
الإنجليزي بعد ملحمَتَي الإلياذة والأوديسة. وقَدَّمت هذه القصيدة _ في جُملة ما قَدَّمت_ تبريرًا
للمذهب البروتستانتي.وقد
بشَّرت كذلك بالدفاع عن الموقف البيوريتاني تجاه الكنيسة . وكان ذلك بالنسبة إلى
المفكرين آنذاك بالغ الأهمية ، ويدخل في اهتماماتهم . والبيوريتانية جماعة
بروتستانتية في إنجلترا ونيوإنغلند في أمريكا ، في القرنين السادس عشر والسابع عشر
، طالبت بتبسيط طقوس العبادة ، وبالتمسك الشديد بأهداب الفضيلة . وقد بلغت موهبة
سبنسر الشعرية أوجها في هذه القصيدة التي تتألف مِن ستة كتب وشذرات أخرى ، وهي
مديح لفرسان غلوريانا، مَلِكة أرض الجن الخيالية التي ابتكرها سبنسر، ويُمثِّل كُل
فارس فضيلة إنسانية . وتظهر براعة سبنسر في هذا العمل الملحمي ، في انسجام الصور
والإيقاع الموسيقي والقافية والعنصر القصصي ، والرموز ، والإرث الشعبي (الفلكلور)،
وفي تقديم المواعظ الأخلاقية والصور الإنسانية. وقد غطَّت هذه القصيدة على أعماله
الشِّعرية . وفي حِين يَذكر الكثيرون هذه القصيدة، فإن القليلين يَعرفون أن نتاجه
الشِّعري كان ضخمًا ، حتى في عصر تميَّزَ بالنتاج الشِّعري الضخم . وقد أدَّى نشر
" مَلِكة الجن " ورواجها
إلى مطالبة الكثيرين بمطالعة أعماله الشعرية الأخرى. كَتب سبنسر في أثناء دراسته
الجامعية بعض القصائد التي قلَّد فيها الشاعرَ الإيطالي بتراركا، كما كتب في
بواكير شبابه " أربع ترانيم "( لَم تُنشَر إلا عام 1596 ) ، تُعبِّر عن
عواطف أفلاطونية . نشرَ سبنسر في عام 1579 " تقويم الراعي " الذي
تَلَقَّاه النُّقاد بحماسة . وفي عام 1580، عُيِّن أمينًا لسر اللورد آرثر غراي ،
وذهب إلى إيرلندا نائبًا عنه . وحصل في عام 1586 على قلعة كيلكولمان في مقاطعة
كورك ، واستقرَّ فيها ، وانهمك في التأليف الأدبي ، وكتب قصيدة بعنوان "
آستروفيل "، وبدأ بإعداد " ملكة الجن " فأودع ثلاثة أجزاء منها
للطباعة عند زيارته لندن عام 1589 ، ثم كتب قصيدة «كولن كلاوتس " ، وتَمَّ
طبعها عام 1595 .
تزوَّجَ إليزابيث بويل في عام 1594 ، وهي
التي كان قد كتب لها قصائد " عشقيات " ، واحتفلَ بالزواج في قصائد
" أغاني الزواج " ( 1595) .
نشر في عام 1596 كتابًا نثريًّا بعنوان
" وجهة نظر عن واقع أيرلندا الآن "، وهو كتاب يدل على سَعَة اطلاع ، وإن
كان مُنحازًا أحادي الجانب، إذ كان سبنسر أمينًا لسر الحاكم لمدة خمس سنوات ،
وتعلَّقَ بإيرلندا وشعبها ودافع عنها في كتابه . وفي عام 1597 عاد إلى قلعته وهو
مكتئب نفسيًّا ، وقد ساءت صحته . وقد أحرق هذه القلعةَ الثوارُ الأيرلنديون عام
1598، فخسرَ أحد أبنائه بين ألسنة اللهب ، وهرب مع زوجته وأطفالهما إلى إنجلترا ،
وقد هَدَّه الحزن والألم ، ورُبَّما احترقت مع القلعة بعض الأجزاء المفقودة مِن
" مَلِكة الجن " . وتُوُفِّيَ بعد فترة قصيرة ، ودُفِن في كاتدرائية
وستمنستر ، مثوى العظماء .
دافع سبنسر عن مكانة الشاعر في المجتمع
باعتباره واعظًا أخلاقيًّا اجتماعيًّا مستقلاً ، إنساني النَّزعة، ومُمَجِّدًا
للبطولة، ومُنَافِحًا عن الشِّعر بوصفه قمة البلاغة ، وذلك في عمله النقدي "
دفاع عن الشِّعر " ( 1595) .
في أواخر القرن السادس عشر ، كان الباحثون
يتذمَّرون مِن الفساد في الكنيسة والدولة وتضاؤل الرعاية . وقد جاء سبنسر وغيره من
شعراء عصر النهضة بعد مُدة من الجفاف اعتمد فيها الأدباء على تقليد تشوسر ، وبدؤوا
على استحياء في تجديد لغة غير ثابتة وآخذة بالتغير .
عاش سبنسر في مرحلة تكوين ، كانت اللغات
الأوروبية، ولا سِيَّما الإيطالية والفرنسية ، قد بدأت تستقل عن اللاتينية ، وكانت
إنجلترا تنتظر شاعرًا يَجمع بين التيارات الفكرية والدينية والفلسفية الجديدة
باستلهام تشوسر من جهة، والمشاعر الوطنية الجيَّاشة من جهة أخرى، مع النَّزعة
الإنسانية والمثاليات الأفلاطونية من جهة ثالثة .
وهكذا قُيِّض لسبنسر أن يكون الشاعر الجديد الذي يجمع هذه الخيوط ، كما ظهر ذلك في قصيدته" تقويم الراعي " التي تُعَد انتصارًا لتقنية استخدام تقليد الرَّعويات لمواضيع أخلاقية وغرامية وبطولية ، وفيها تقليد لشاعر الملحمة الروماني فرجيل ، ومحاولات التعليم عن طريق القصص الرمزية ذات الطابع الديني التي سادت العصور الوسطى .