الجنة وأسماؤها
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
إن الجنة هي الجزاء العادل الذي أَعَدّه
اللهُ تعالى لعباده الصالحين . فقد رحمهم بأن وفّقهم لأداء العبادات في الدنيا وفق
منهج الشريعة السمحة ، فكان جزاؤهم الجنة خالدين فيها أبداً ، علماً بأن دخول
الجنة يكون برحمة الله تعالى لا بأعمال الإنسان القاصرة . والإنسانُ مهما عمل من
طاعاتٍ جليلة إلا أنه يظل في دائرة التقصير ، فكل المخلوقات بلا استثناء لم تعبد
اللهَ حق عبادته ، حتى الأنبياء والملائكة هم مُقصِّرون في عبادة الله تعالى ، ليس
بمعنى انتقاصهم ، بل بمعنى أنهم عاجزون عن أداء حق الله تعالى بشكل كامل ، لذلك
فإن الأنبياء لا يَدخلون الجنةَ بأعمالهم ، وإنما برحمة الله تعالى ، وهؤلاء هم
سادة البشرية المعصومون ، فما بالك بالبشر العاديين الغاطسين في الآثام ؟.
والمؤمنُ
يعبد اللهَ تعالى لأنه أَهْلٌ للعبادة . فلو لم يكن هناك جنة ولا نار ، لكان اللهُ
تعالى مستحقاً للعبادة . لكن رحمته _ تعالى _ تجلّت على عباده فجعل لهم جنةً عرضها
السماوات والأرض مكافأةً لهم على إيمانهم في الدنيا وسيرهم وفق الشريعة الإلهية . ففي
الجنة يرتاحون من تعب الحياة ومصائبها ، وينتقلون من ضنك الدنيا الفانية إلى الجنة
الخالدة التي لا نهاية لها، والْمُنَزهة عن المنغِّصات .
وقد وردت
أوصاف كثيرة للجنة في القرآن والسنة كي يتشوق الإنسانُ ، وترتفع روحه المعنوية ،
ويواصل صمودَه أمام فتن الحياة الدنيا وزخرفها الزائل . ولكن الجنة لا يمكن تخيّلها
لأنها فوق مستوى العقل البشري القاصر ، والمحصور في المتع الدنيوية الفانية .
فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تعالى : أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رَأتْ
، ولا أُذن سَمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر )).
[متفق
عليه. البخاري( 3/ 1185 )برقم ( 3072 )،ومسلم( 4/ 2174 ) برقم ( 2824 ).].
وللجنة
أسماء متعددة ، حيث يشير كل اسم إلى صفة لها ، ويُسلِّط الضوءَ على جانبٍ معيّن
منها ينقل المرءَ إلى التفكير بعمق ، وتكوين فهمٍ منضبِط، والإحاطة_قدر المستطاع _
بهذا الموضوع الغَيْبِي الجليل .
أ _ الآخِرة :
قال الله
تعالى : (( والآخِرةُ عند ربكَ للمُتقين )) [ الزخرف : 35] .
والجنةُ
التي فيها النعيمُ المقيم واللذةُ الأبدية هي خاصة بالمتقين حصرياً فلا يشاركهم
فيها أحد. فهم أهلُها الشرعيون وأصحابها الفعليون ، لأنهم قضوا حياتهم الدنيا في
نشر الخير والاستعداد لهذا الموقف العظيم ، فاستحقوا نيل المكافأة نظير أعمالهم
الجليلة في الدعوة إلى الله تعالى ، والتزام أوامره دون أن يَحيدوا عن الطريق .
فقد كانوا في الدنيا أصحاب بصر وبصيرة ، فلم ينخدعوا بالبهرج الفتان المخادِع . وهؤلاء
دخلوا الجنة مرتين . الأولى في الدنيا ، حين عمروا المساجدَ وقاموا بالطاعات
وعاشوا تحت راية الشريعة . والثانية يومَ القيامة ، حيث النعيم المقيم الْمُعَد
للمتقين حصرياً دون غيرهم . وقال الطبري في تفسيره ( 11/ 186 ) : (( يقول تعالى ذِكْره
: وزينُ الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين الذين اتقوا اللهَ ، فخافوا عقابه ،
فَجَدوا في طاعته ، وحذروا معاصيه ، خاصة دون غيرهم من خلق الله )) .
ب _ جَناتُ عَدْن :
قال الله
تعالى : (( جَناتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأنهار خالِدين فيها )) [ طه : 76] .
قال القرطبي
في تفسيره ( 8/ 186 ): (( أي في دار إقامة. يُقال: عَدَنَ بالمكان إذا أقام به )).
فهي دارُ
الاستقرار والكرامةِ السرمدية التي أعدها اللهُ تعالى لعباده الصالحين كي يتنعّموا
فيها بلا انقطاع . فالجنةُ مقر إقامتهم فلا يَرحلون عنها ، ولا يستبدلونها بأي
سَكَن آخر ، ولا يُصابون فيها بالملل أو السآمة .
وعن عبد
الله بن قيس _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( جَنتان من فضة
آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا
إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن )).
[متفق عليه
. البخاري ( 6/ 2710 ) برقم ( 7006 )، ومسلم ( 1/ 163 ) برقم ( 180). وقال النووي
في شرحه على صحيح مسلم ( 3/ 16 ) : (( قال العلماء: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يخاطب العربَ بما يفهمونه، ويُقرِّب الكلامَ إلى أفهامهم ، ويستعمل
الاستعارةَ وغيرها من أنواع المجاز لِيُقرِّب متناولها. فَعَبّر صلى الله عليه
وسلم عن زوال المانع ورفعه عن الأبصار بإزالة الرداء)) اهـ.وقال الحافظ في الفتح (
13/ 433 ): (( قال ابن بطال : لا تَعَلق للمجسِّمة في إثبات المكان، لما ثبت من استحالة
أن يكون _ سبحانه _ جسماً أو حالاً في مكان ، فيكون تأويلُ الرداء الآفةَ الموجودة
لأبصارهم ، المانعة لهم من رؤيته ، وإزالتها فعل من أفعاله يفعله في محل رؤيتهم ، فلا
يرونه ما دام ذلك المانع موجوداً ، فإذا فعل الرؤيةَ زال ذلك المانع ، وسَمّاه رداءً
لتنَزله في المنع منزلة الرداء الذي يحجب الوجهَ عن رؤيته ، فأطلق عليه الرداء مجازاً
)) اهـ .].
فهذا النعيمُ
المقيم في جنة عدن دارِ الإقامة الشريفة تم تتويجه برؤية الله تعالى الْمُنَزه عن
المكان والزمان. فاللهُ تعالى غير محصور في مكان ، فهو أكبر من كل شيء . ورؤيةُ
المؤمنين له _ سبحانه _ أعظمُ شرفٍ لهم ، ودليلٌ على قُدسية جنة عدن ومكانتها
السامية .
وعن أبي سعيد
الخدري _ رضي الله عنه _ : أن النبي
صلى الله عليه وسلم تلا قولَ الله _ عز وجل
_ : [ جَناتُ عَدْنٍ يَدخلونها يُحَلوْنَ
فيها من أساور من ذهب ] [ فاطر :
33] . فقال : (( إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها
لتضيء ما بين المشرق والمغرب )).
[رواه الحاكم في
المستدرك ( 2/ 462 ) برقم ( 3594 ) وصحّحه ، ووافقه الذهبي .] .
وهذا المجدُ الباقي ، والمتعةُ الخالدة التي
لا تشوبها أحزان أو كدر . وقد أعطاهم اللهُ تعالى هذا النعيم جزاءً لهم على حسن
فعالهم في الدنيا، وصبرهم على طاعته، وثباتهم على شريعته . والإنسانُ يَعجز عن تخيل
هذا النعيم المقيم لأنه محصور في شوائب الدنيا التي سعادتها ممزوجة بالكدر،
وبهجتها مندمجة مع الهموم ، وتألقها ظاهري لا يَدوم . ولكنْ عليه أن يُدرك أن
المعطي هو الله تعالى ، لذلك تكون العطيةُ عظيمةً لا تُقاس ولا تزول . فصانعُ هذا
النعيم هو مالكُ الخزائن التي لا تَنفد . فكل هذا المجد السرمدي لا يُنقِص من
مُلْك الله شيئاً . فالمنعِمُ هو صانعُ السماواتِ والأرض ورازقُ الخلائق عبر كل
هذه الحقب التاريخية . يُنفق ليلاً نهاراً، ولا يَبخل على عباده ، مؤمنهم وكافرهم
، ولا يُصاب بالتعب أو الفقر . ومن كانت هذه قدرته فلن يَعجز عن خلق جنة عرضها
السماوات والأرض ، أو منح عباده _ رغم عملهم القليل _ الخلود في النعيم . فخالقُ
الموت والحياة قادرٌ على إلغاء الموت من حياة أهل الجنة .
ج _ الفِرْدَوْس :
قال الله تعالى : (( الذين يَرِثُون الفِرْدَوْسَ
هُم فيها خالدون ))[
المؤمنون : 11] .
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات _ أي إنهم
لم يكتفوا بالقول بل حوّلوا إيمانَهم إلى واقع عملي لإصلاح أنفسهم بالطاعات
وإصلاحِ الأرض بالفضائل _ كانت لهم أعلى درجات الجنة منزلاً ومكانَ إقامة لا يتبدل
، فهم يرثون الفردوس ، أي يحصلون عليها مكافأةً لهم ، ولا أحد ينتزعها منهم .
وفي صحيح البخاري ( 6/ 2700 ) : عن أبي
هريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فإذا سألتُم اللهَ فسلوه
الفردوسَ ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهارُ الجنة )) .
فالفردوسُ هي أشرف منازل الجنة . ففيها
النعيم الدائم ، ويعلوها عرشُ الرحمن _ سبحانه وتعالى _ ، ومنها تفجر أنهار الجنة
، فهي المنبع الطاهر . وهذا يشير إلى مكانتها المميّزة عن باقي الجِنان . فالجنانُ
متفاوتة فيما بينها بسبب تفاوت إيمان الناس وحجم تضحياتهم ، وكل امرئ ينال منزلته
التي يستحقها . فكما أن الطالب ينال علامته الدراسية التي يستحقها وتكشف مستواه
الحقيقي ، كذلك طالب الآخرة ينال درجته العادلة . فلا يُعقَل أن تتساوى درجة
الأنبياء مع درجة الشهداء ، أو تتساوى درجة الشهداء مع درجة المؤمنين العاديين .
وهذا التفاضلُ حافزٌ للمؤمنين على زيادة العمل ، ومضاعفة الجهود ، وبذل أقصى ما
يستطيعون من طاقة .
د _ جنة المأوى :
قال الله تعالى: (( عِندَها جَنةُ المأوى ))
[ النجم : 15] .
فعند سِدْرة المنتهى تقع جنةُ المأوى التي
يأوي إليها الشهداء والأتقياء . فهي منزلهم ومستقرهم . والدنيا _ مهما طالت
_ هي دار مؤقتة ، وأهلُها راحلون عنها _ رغم أنوفهم _ . فالجنةُ هي المأوى الحقيقي
والمستقر الكريم الأبدي .
[سدرة
المنتهى هي شجرة النبق ( السدر ) . وفي الحديث النبوي : (( ثم صعد بي إلى السماء السابعة ... ثم رُفعت لي سِدْرة المنتهى،
فإذا نبقها مثل قلال هجر _ أي كالجِرار _، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة )) {جزء من
حديث رواه البخاري ( 3/ 1410 ) واللفظ له، ومسلم ( 1/ 145 )}.(( قال المفسرون : وإنما
سُمِّيت سدرة المنتهى لأنه إليها منتهى ما يصعد به من الأرض فيُقبَض منها ، وإليها
ينتهي ما يهبط به من فوقها فيُقبَض منها ، وإليها ينتهي علم جميع الملائكة )){ زاد
المسير لابن الجوزي 8/69}. ].
قال
الشوكاني في فتح القدير ( 5/ 152 ) : (( أي عند تلك السدرة جنةٌ تُعرَف بجنة المأوى،
وسُمِّيت جنة المأوى لأنه آوى إليها آدم ، وقيل إنها أرواح المؤمنين تأوي إليها ))
اهـ .
هـ _ جنة الْخُلد :
قال الله تعالى : (( قُل أذلك خيرٌ أم جَنةُ
الْخُلْدِ التي وُعد المتقون )) [ الفُرقان : 15] .
فجنةُ
الْخُلْد دائمة بلا انقطاع ، ونعيمها لا ينفد . فقد أُضيفت إلى الخلود لإشعار
السامع بأنها لا تنتهي ، ولا يطرأ عليها الزوال أو الكدر . وهي مخصصة للمتقين
الذين وُعدوا بها ، ووعدُ الله لا يتخلف .
وعن ابن مسعود
_ رضي الله عنه _ كان يدعو : (( اللهم إني أسألكَ إيماناً لا يَرتد ، ونعيماً لا يَنفد
، ومرافقةَ محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الْخُلد )).
[رواه ابن حبان في
صحيحه ( 5/ 303 ) برقم ( 1970 ) .].
و _ الحسنى :
قال الله تعالى : (( وكُلاً وَعَدَ اللهُ
الْحُسْنى )) [ النساء : 95] .
والحسنى هي الجنةُ ، وهي وَعْدُ الله لعباده
الصالحين الذي لا يتأخر ولا يُلغَى . وقد وعدهم
_ سبحانه _ بالأجر الجزيل ، والسعادةِ الأبدية في الدار الآخرة التي لا
تفنى. مع العلم أن درجات الجنة متفاوتة ، لأن أعمال العباد متفاوتة في درجة صلاحها
.
وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 238 ) : (( المثوبة الحسنى وهي الجنة
، لحسن عقيدتهم وخلوص نبتهم ، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب
)) اهـ .
ز _ الدار الآخِرة :
قال الله
تعالى : (( تلك الدارُ الآخِرةُ نجعلها للذين لا يريدون عُلُواً في الأرض ولا
فساداً )) [ القَصَص : 83 ] .
والإشارةُ
للتعظيم . أي : تلك الجنة العالية ذات المكانة المقدسة ليست في متناول الجميع ، بل
يحصل عليها المؤمنون الصادقون الذين لا يريدون الظلمَ والاستكبارَ في الأرض ولا
الفساد . فعلو مكانتها دافع للعمل من أجل نَيْلها .
وقال ابن
الجوزي في زاد المسير ( 6/ 248) عن معنى " العُلُو " : (( وفيه خمسة أقوال
: أحدها أنه البغي ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : الشرف والعِز ، قاله الحسن . والثالث
: الظلم ، قاله الضحاك . والرابع : الشرك ، قاله يحيى بن سلام . والخامس : الاستكبار
عن الإيمان ، قاله مقاتل )) اهـ .
ح _ دار السلام :
قال الله
تعالى : (( لهم دارُ السلام عند ربهم ))[ الأنعام : 127] .
فدارُ
السلام هي الجنة التي خلقها اللهُ تعالى للمؤمنين ، وقد أُضيفت إليه _ سبحانه _
إضافة تشريف مثل بيت الله . وقد وردت أقوالٌ في سبب تسميتها بذلك. (( أحدها: أن السلام
هو الله وهي دارُه. والثاني: أنها دار السلامة التي لا تنقطع. والثالث: أن تحية أهلها
فيها السلام . والرابع : أن جميع حالاتها مقرونة بالسلام )).
[زاد
المسير لابن الجوزي ( 3/ 122) .].
ط _ دار المتقين :
قال الله
تعالى : (( وَلَنِعْمَ دارُ المتقين )) [ النحل : 30] .
إنها الجنة
بيتُ المتقين الدائم الذي لا يغادرونه ، وإنما يستقرون فيه . فالجنةُ دارُهم التي
لا يتركونها من أجل أية دار أخرى . إنها تجمعُ المتقين الذين صنعوا حياتهم وفق
مراد الله تعالى ، فلم يتقاعسوا ، ولم يُصابوا بالإحباط أو التعب من مواصلة السير
. ولا شك أنهم تحلوا بالصبر الهائل في دنياهم حتى نجحوا في الوصول إلى هذه المنزلة
الراقية .
ي _ دار الْمُقامة :
قال الله
تعالى : (( الذي أَحَلنا دارَ الْمُقامة )) [ فاطر : 35] .
فاللهُ
تعالى أعطى المؤمنين الجنةَ، وهي المنزلة الرفيعة بفضله ورحمته. وهي دار الإقامة
والاستقرار بلا رحيل أو مغادَرة .