سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

02‏/09‏/2012

أداء الصلاة

أداء الصلاة

للمفكر / إبراهيم أبو عواد .


_ الحض عليها :
     إن الصلاة عمود الدِّين ، وهي الصلة الوثيقة بين العبد وخالقه . فليست حركاتٍ ميكانيكية أو تمارين رياضية لتمضية وقت الفراغ . بل هي منظومة متكاملة من العمل الإيماني المستند إلى عقيدة راسخة ، كما أنها الاتصال المقدّس بين المخلوق والخالق ، حيث الانقطاع عن عوالق الدنيا، والتوجه بالكلية إلى الله تعالى . مما ينقل الفردَ من طَوْر المادية الشهوانية الترابية إلى عوالم الطهارة والروح المشرقة التي تولد باستمرار من الصلة بين السماء والأرض .
     لذلك جاء الحض عليها ، والتشديد على التمسك بها ، والترهيب من تركها ، لأن تاركها يقطع العلاقةَ بينه وبين الله تعالى ، وهذا يقود الإنسانَ إلى انتكاسة كبرى وتمركز في قاع الوجود البشري . فتركُ الصلاة وأد للروح والجسد معاً ، لأنه يؤدي إلى إفراغ الكيان البشري من معناه ، وتغييب الجدوى عن الحياة الآدمية على كوكب الأرض .
     قال الله تعالى : (( وأَقِمِ الصلاةَ طَرَفي النهار وزُلفاً من الليل )) [ هود : 114].
[في فتح القدير للشوكاني ( 2/ 768 ) : (( والزلف : الساعات القريبة بعضها من بعض . ومنه سميت المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة )) اهـ .].
     فإقامةُ الصلاة تملأ اليومَ كاملاً بالبهجة والسرور والتوفيق . فحينما يبدأ المسلمُ يومَه بالصلاة وينهيه بالصلاة ، فعندئذ سوف تحل البركةُ في الزمان والمكان ، وترسخ العلاقةُ بين العبد والمعبود ، ولا تنقطع الصلة بين المخلوق والخالق . وبما أن الصلاة سَد منيع يحول دون غرق العبد في الآثام ، فإن اليوم سوف يتحول إلى منبع للطهارة والأعمال الصالحة وإدارة الظهر للخطايا . وبذلك يصبح الفردُ مسيطراً على حياته ، يأخذ زمامَ المبادرة في الصالحات ، ولا يترك الدنيا تتلاعب به أو تخطفه الشهوات الدنيئة وحظوظ النفس الأمّارة بالسوء . وعندئذ يصبح الزمنُ ذا قيمة سامية ، ويختفي وقتُ الفراغ المفسِد ، فالعمرُ صار مملوءاً بالطاعة والأفعال النافعة للإنسان ومجتمعه .
     أما سبب نزول الآية فروى البخاري في صحيحه ( 4/ 1727 ) : عن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأُنزلت عليه : (( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )) [ هود : 114]. قال الرجل: ألي هذه ؟ ، قال : (( لمن عمل بها من أمتي )) .
     وقال الشوكاني في فتح القدير ( 2/ 768 ) : (( لما ذكر اللهُ _ سبحانه _ الاستقامة خَص من أنواعها إقامة الصلاة لكونها رأس الإيمان. وانتصاب طرفي النهار على الظرفية ، والمراد صلاة الغداة والعشي وهما الفجر والعصر ... ورجّح ابن جرير أنهما الصبح والمغرب قال : والدليل عليه إجماع الجميع على أن أحد الطرفين الصبح فدل على أن الطرف الآخر المغرب )) اهـ .
     والمقصود بقوله تعالى : (( وزُلفاً من الليل )) هما صلاتا المغرب والعشاء .
     وهكذا نرى أن أوقات المؤمن مليئة بالصلاة في أوقات محددة ، وذلك لكي يبقى على اتصال مع الله تعالى . فلا وقت للغفلة في حياة المؤمن ، ومع هذا فلن يتم قضاء كل الوقت في الصلاة ، فالصلواتُ هي أركان الحياة الإيمانية التي تحدد معالمَ طريقة عيش المسلم ، وتجذبه إلى الخير ، وتبعده عن الشر .
     قال الله تعالى : (( قُل لعباديَ الذين آمنوا يُقيموا الصلاةَ )) [ إبراهيم : 31] .
     وقال الطبري في تفسيره ( 7/ 456 ) : (( قل لهم : فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها )) اهـ .
     ففي إقامة الصلاة إقامة لكيان المؤمن وفق قواعد راسخة تحفظ آدميةَ الإنسان المرتبط بخالقه تعالى ، وكذلك إقامة للمجتمع الإسلامي القادر على تحمل مسؤولياته بكل كفاءة ، والقادر على إعمار الأرض ، وصناعة الفرد المؤمن الذي هو خليفة الله في الأرض .
     قال الله تعالى على لسان السيد المسيح صلى الله عليه وسلم : (( وأَوصاني بالصلاة )) [ مريم : 31] .
     وفي هذا إشارة واضحة إلى أهمية الصلاة ، حيث أوصى اللهُ بها رسولَه عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ، أي أمره بها . فعليه أن يحافظ عليها، ويقيم حدودها، ويلتزم بها طريقاً في الحياة ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر . فالصلاةُ قادرة على تصحيح مسار الفرد والجماعة ، وتوجيه كافة الجهود نحو إصلاح الإنسان والأرض ، وتأسيس حياة فضلى في ظل الشريعة الإلهية المعصومة .
_ صفات المصلِّين :
     إن الصلاة تحيط المحافظين عليها بصفات الطهارة والخير والإيجابية ، لأنها تنقِّي الإنسانَ من السلبية الفعلية والقَوْلية ، وتمنحه أفقاً أكثر رحابة وصفاء . مما يؤدي إلى صناعة منهجية الإصلاح وثقافةِ المصلِحين ، فيغدو الفردُ أداة بناء في المجتمع الإنساني العالمي لا معول هدم . والمصلِّي ليس فرداً عادياً أو رقماً بين الأرقام . إنه كائن مُميّز له صفاتٌ خصوصية ووقارٌ معروف وسَمْتٌ مُعيّن، وهذا التميز اكتسبه من عبادة الصلاة التي تنعكس على السلوك الإنساني ، فتجعل من الفرد طاقةً خلاقة إيجابية لا تستسلم للصعوبات ولا تصاب باليأس والإحباط ، وتجعل من المجتمع خلية نحل دؤوب ، قادر على الحركة البناءة ، وصناعةِ الحراك الاجتماعي الفعال ، وتشييد الحاضر والمستقبل بكل ثقة وأمان .      
     قال الله تعالى : (( الذين هم في صلاتهم خاشعون )) [ المؤمنون : 2] .
     والخشوعُ في الصلاة علامة المؤمن الصادق البعيد عن النفاق والرياء ، فما كانت أعضاؤه لتخشع لولا خشوع قلبه. وهذا يدل على ارتباط القلب بالله تعالى، وهو علامة الصلاح والتقوى. أما تصنع الخشوع فهو الرياء بعينه ، حيث إظهار الصفات الحميدة دون تواجدها في القلب ، وذلك لنيل الحظوة عند الناس ، والمديح ، وتحقيق أغراض شخصية .
     وعن علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ : أنه سئل عن قوله _ عز وجل _ : (( الذين هم في صلاتهم خاشعون )) . قال : (( الخشوع في القلب ، وأن تلين كتفك للمرء المسلم ، وأن لا تلتفت في صلاتك )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 426 ) برقم ( 3482) وصححه ، ووافقه الذهبي .].
     فالقلبُ هو مَلِك الأعضاء والحاكم عليها ، وما وقر فيه فلا بد أن يظهر على الجوارح بقصد أو بغير قصد . والخشوعُ مكانه في القلب ( المركز / المنبع / الأساس ) . ويقتضي الخشوعُ التعاملَ مع المسلم بلين وأدب ، وعدم الالتفات في الصلاة ، لأنه يشتِّت التركيز ، ويؤثر سلباً على حضور القلب وتماسكِ الأعضاء .
     فحينما يستقر الخشوع في القلب ، فإن تغييراً هائلاً سيطرأ على باقي الأعضاء . فيغدو المسلمُ كائناً متزناً يضع الكلمةَ في موضعها الصحيح ، لا تأخذه فَوْرة الغضب ، ولا يستسلم للاستفزاز وسفاهة الجهلاء . فيمشي بسكينة ووقار ، يساعد الآخرين ويأخذ بأيديهم نحو بَر الأمان . فعندئذ يصبح شعلةَ نشاط ومنارةً تهدي الحيارى وترشد الضائعين . كما أنه سيتعامل مع الناس باحترام ، فلا يتطاول عليهم ولا يحتقرهم ، ولا ينظر إليهم نظرةً دونية أو يعاملهم كالشياطين الذين ضلوا عن السبيل . فالخشوعُ أساسٌ للسّكينة واللين وسهولة التعامل . فإلانةُ الكتف للمسلم تشير إلى معاملته بالأدب لا الوقاحة ، واحتوائه لا رفضه .
     وفي صحيح البخاري ( 1/ 261 ) : عن عائشة قالت : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة ؟ ، فقال : (( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد )) .
     فالشيطانُ لا يرتاح إلا حينما يشوِّش على صلاة العبد ويجعلها تغرق في اللاخشوع. والالتفاتُ في الصلاة عبارة عن سرقة شيطانية بسرعة من الصلاة. وذلك لكي يحرم المصلِّي من أجر الخشوع، ويبعده عن السكينة الكاملة في الصلاة . وهذا هو طبعُ الشيطان الرجيم الذي يتركز منهجُه في إفساد العبادات وجعلها خالية من المعنى عبر تشتيت ذهن المصلي ، وطرحِ القضايا المتشعبة في نفسه لكي ينشغل بها بعيداً عن صلاته ، وهذا يؤثر سلباً على أجره وشعوره بحقيقة العبادة .
     قال الله تعالى : (( والذين هم على صلواتهم يحافظون )) [ المؤمنون : 9] .
     ومن صفات المؤمنين الصادقين أنهم يحافظون على أوقات الصلاة، فلا يُضيِّعونها ، ولا ينشغلون عنها . فهم يحرصون على أدائها بشكل تام لا نقص فيه ولا تهاون ولا تكاسل . فالصلاةُ على وقتها أعظم قربة إلى الله تعالى. فعن ابن مسعود قال : سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ ، قال : (( الصلاة على وقتها )).
[متفق عليه . البخاري ( 1/ 197) برقم ( 504 ) ، ومسلم ( 1/ 89 ) برقم ( 85 ) .].
     وقال الله تعالى : (( والذين في أموالهم حق معلوم )) [ المعارج : 24] .
     وتتوالى صفاتُ المصلين الصادقين كما يوضحها القرآنُ الكريم . فمن صفاتهم الطيبة أنهم يخرجون زكاةَ أموالهم . فالحق المعلوم هو الزكاة لأنها محددة كمياً وزمنياً . وهذا يدل على أن الصلاة نظام شامل يُساهم في الالتزام بكل العبادات . فالمسلمُ الحريص على الصلاة سيحرص على الزكاة لأنها مقترنة بالصلاة لا تنفصلان . مما يشير _ بلا ريب _ إلى شمولية الشريعة الإسلامية لكل جوانب الحياة بلا تناقض أو فصل بين العبادات . فالإسلامُ نظامٌ كُلِّي لا يتجزأ ، ومنظومةٌ عامة من العبادات والمعاملات والقواعد الشرعية المفتوحة على عوالم السياسة والاقتصاد والثقافة .
     وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 7/ 71 ) : [ وقد اختلف السلف في معنى قول الله تعالى : (( والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25) )) [ المعارج ] . فقال الجمهور : المراد به الزكاة وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة ، وأما ما جاء غير ذلك فعلى وجه الندب ومكارم الأخلاق ... وقال بعضهم : هي منسوخة بالزكاة ، وإن كان لفظه لفظ خبر فمعناه أمر . قال : وذهب جماعة منهم الشعبي والحسن وطاوس وعطاء ومسروق وغيرهم إلى أنها مُحْكَمة وأن في المال حقاً سوى الزكاة من فك الأسير ، وإطعام المضطر ، والمواساة في العسرة ، وصلة القرابة ]  اهـ .
     قال الله تعالى : (( والذين يُصَدقون بيوم الدين )) [ المعارج : 26] .
     ومن أهم صفات المصلين أنهم يؤمنون بالبعث والحساب بعد الموت. وهذه صفة لازمة للمصلي الذي يقوم بعبادة الصلاة على أتم وجه ليحافظ على صلته بالخالق تعالى . فالمصلي مرتبط بالآخرة ، ومؤمن بالثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية . لذلك فإن الصلاة هي إصلاح للعبد في الدارين ، وإعلاء لمنزلة العبد يوم الدين . إنها تجهيز لدار الإنسان الخالدة التي يسكنها بعد الموت .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 390 ) : (( تصديقاً بأعمالهم ، وهو أن يُتعب نفسَه ، ويصرف ماله طمعاً في المثوبة الأُخروية )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( والذين هم من عذاب ربهم مُشفقون )) [ المعارج : 27] .
     فمن صفات المصلين الصادقين في صلاتهم أنهم خائفون من عذاب الله تعالى ، لذلك فهم يتمسكون بأوامره ونواهيه ، ويقيمون العباداتِ على أكمل وجه دون تقصير . فالمؤمن في حالة خوف من عذاب الله تعالى وانتقامه الشديدَيْن .
     وقال الله تعالى : )) والذين هم لفروجهم حافظون )) [ المعارج : 29] .
     أي إنهم يمنعون فروجَهم من الوصول إلى الحرام ، فيحافظون عليها في وجه كل المغريات والشهوات المحرّمة ، فيبقون أنقياء أطهاراً ، لا يُلوِّثون أجسامَهم بالحرام .
     وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده _ رضي الله عنه _ قال : قلتُ : يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟، قال: (( احفظْ عورتك إلا من زوجتك أو ملكت يمينك )) ، قلت : أرايتَ إن كان قوم بعضهم فوق بعض ؟ ، قال : (( إن استطعتَ أن لا يراها أحد فلا يَرَيَنها )) ، قلت : أرايتَ إن كان خالياً ، قال : (( فالله أحق أن يستحيي منه )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 199) برقم ( 7358 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .].
     وهذا يشير إلى قوة منهج الانضباط الأخلاقي في المجتمع الإسلامي المحروس بقوانين الشريعة التي حالت دون غرق الأفراد في الفوضى الجنسية، وانتشارِ الفواحش، وشيوعِ الأمراض التناسلية.      
     فالمجتمع الإسلامي مجتمعٌ نظيف طاهر يضع الشهواتِ في نصابها الصحيح ، ويغلق كل الذرائع الموصلة إلى الحرام . فحفظُ العورات هو الأساس لتجنب الانسياق وراء العلاقات المحرّمة بين الذكر والأنثى ، والضمانةُ الأكيدة لحماية المجتمع من الكبت الجنسي والفوضى الأخلاقية . وهنا تتجلى أهمية التوازن والسيرِ على الخط المستقيم ( أقصر مسافة بين نقطتَيْن ) بلا انحراف أو تحايل .
     وقال الله تعالى : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) [ المعارج : 32] .
     إن المصلين يردون الأمانات إلى أصحابها ، ويوفون بعهدهم ، مبتعدين كل البعد عن الخيانة . فهم يتمتعون بالأمانة والإخلاص في معاملاتهم. فيصبحون _ بذلك _ محل ثقة الآخرين، ويفرضون احترامهم على الجميع ، لأن الصفات الأخلاقية ملتصقة بالجوارح ، وبالتالي فالناس يحكمون على الأشخاص تبعاً لأخلاقهم الظاهرة التي لا يمكن إخفاؤها مهما حاول الإنسان التكلف ، وصناعة الصفات الحسنة . فطبعُ الإنسان يظهر في حركات الإنسان وسكناته . ومن غير الممكن أن يتصنع الفردُ الصفاتِ الحسنة دائماً . فلا بد أن يُكتشَف أمره _ عاجلاً أو أجلاً _ مهما كان بارعاً في التمثيل والتحايل ، وسوف يظهر على حقيقته . وكما قال الشاعر :
ومهما يكن عند امرىء من خليقة          
وإن خالها تخفى على  الناس  تُعْلَمِ
     فعلى الإنسان أن يتحلى بالصفات الحسنة لأنها تعكس شخصيته وخلفيته ، وتساهم في تحسين العلاقات التواصلية بين الناس ، ونيل قبولهم ورضاهم . كما أن الصفات الحميدة مضادة تماماً لصفات المنافقين . فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أُؤتمن خان )).
[متفق عليه. البخاري ( 1/ 21 ) برقم ( 33) ، ومسلم ( 1/ 78 ) برقم ( 59 ) .
وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 2/ 46و47 ) : (( هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلاً من حيث إن هذه الخصال توجد في المسلم المصدِّق الذي ليس فيه شك  . وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدِّقاً بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال، لا يُحكَم عليه بكفر ، ولا هو منافق يخلد في النار ، فإن أخوة يوسف صلى الله عليه وسلم جمعوا هذه الخصال ، وكذا وُجد لبعض السلف والعلماء بعض هذا أو كله . وهذا الحديث ليس فيه _ بحمد الله تعالى _ إشكال، ولكن اختلف العلماء فى معناه . فالذي قاله المحققون والأكثرون ، وهو الصحيح المختار ، أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم ، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه ، وهذا المعنى موجود فى صاحب هذه الخصال ، ويكون نفاقه في حق من حدّثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس ، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر . ولم يُرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلّدين في الدرك الأسفل من النار )) اهـ .  ].
     وقال الله تعالى : (( والذين هم بشهاداتهم قائمون )) [ المعارج : 33] .
     فهم يقومون بأداء أمانة الشهادة كما هي وعلى أكمل وجه ، فلا يكتمونها ، ولا يُغيِّرون فيها، فلا زيادة ولا نقصان . وهذا يعكس أمانة إيصال الحق لئلا تضيع حقوق الناس . فيتأسس المجتمع على قواعد الأخوة المتجذرة ، والتكافلِ الاجتماعي الحقيقي غير المرتبط بالنفعية المصلحية . فالكيان المجتمعي المبني على أسس الحقيقة والعدالة وحفظ حقوق الأفراد لا يصل إلى طور التفكك لأن بنيانه ثابت على قواعد راسخة لا تتخلخل . كما أن شعور الفرد بأنه محمي يمنحه شعوراً بالأمان والثقة والدافعية نحو تعزيز انتمائه للمجتمع ، والمساهمة في التنمية والإعمار .
     وقال الطبري في تفسيره ( 12/ 239 ) : (( والذين لا يكتمون ما اسْتُشْهِدوا عليه ، ولكنهم يقومون بأدائها حيث يلزمهم أداؤها غير مُغيّرة ولا مُبدّلة )) اهـ .
_ التهَجد وقيام الليل :
     إن التهجد وقيام الليل دليل باهر على صدق العلاقة بين المخلوق والخالق وتماسكها . ويدل على تجذر الإيمان في نفس العبد الذي استطاع التفوق على شهواته ونزواته ، وضحى براحته في سبيل نيل رضا خالقه تعالى .
     قال الله تعالى : (( ومن الليل فتهَجدْ به نافلةً لكَ )) [ الإسراء : 79] .
     فقد ألزم اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلى الله عليه وسلم بقيام الليل ( شرف المؤمن ) لما في ذلك من مجدٍ ورِفعة للنبي صلى الله عليه وسلم . فصلاةُ الليل تفتح آفاقاً جديدة للعبد الذي يبتعد عن ضجيج النهار ، وصخب الناس ، ويهجر النومَ ، من أجل ملاقاة خالقه تعالى . فالناسُ يغطون في سُبات عميق ، أما هو فيكسر شهوةَ نفسه ، وينقلها إلى عوالم القُرب من الله تعالى . ولا شك أن قيام الليل هو قمةُ الإخلاص وإدارة الظهر لمتاع الدنيا الزائل ، وصدقُ التوجه إلى الخالق العظيم . وكل الصالحين عبر الحقب الزمنية المختلفة كان قيامُ الليل جزءاً أساسياً من حياتهم ، يُجدِّدون به عهدَهم مع الله تعالى .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 75 ) : [ أمرٌ له بقيام الليل بعد المكتوبة ... فإن التهجد ما كان بعد النوم ... واخْتُلِف في معنى قوله تعالى : (( نافلةً لكَ )) ، فقيل : معناه أنك مخصوص بوجوب ذلك وحدك ، فجعلوا قيام الليل واجباً في حقه دون الأمة . رواه العوفي عن ابن عباس وهو أحد قولي العلماء ، وأحد قولي الشافعي _ رحمه الله _ واختاره ابن جرير . وقيل : إنما جعل قيام الليل في حقه نافلة على الخصوص ، لأنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وغيره من أمته إنما يُكفِّر عنه صلواته النوافلُ ] اهـ .
     وفي صحيح مسلم ( 2/ 821 ): عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل )).
     مما يشير إلى أهمية قيام الليل ، وأن يتوجه العبدُ إلى خالقه تعالى حيث لا يراه الناس ولا يشعرون به . وهذا يزرع في النفس الإنسانية الإخلاصَ ، وينقِّيها من أية شائبة رياء . ولا يصل إلى هذه المرحلة إلا العباد الصادقون أصحاب الهمة العالية .
     فقيامُ الليل يدل على الإخلاص الصافي المكتمل . فلا يمكن للمرء أن يقوم في جوف الليل فيتوضأ ويصلي ويضحِّي بشهوة النوم اللذيذة إلا وهو يريد وجهَ الله تعالى ، ولا شيء سواه . وهذا السلوكُ انعكاس للإيمان الراسخ في القلب ، والتصديق بالحساب يوم القيامة .
     قال الله تعالى : (( ومن الليل فسَبحْه وأدبارَ السجود )) [ ق : 40] .
     فالتسبيحُ في الليل وبعد انتهاء الصلاة يزيد الإيمانَ في القلوب ، ويُبقي القلبَ معلّقاً بخالقه . فالليلُ هو مركز التأمل الهادئ والفكر العميق الذي لا تشوبه ضوضاء ، فيكونُ فيه التسبيحُ صافياً نابعاً من قلب حاضر غير مشغول بحركة الدنيا وتقلبات المعاش . والتسبيحُ بعد الصلاة إكمال للمسيرة الإيمانية . إذ إن ختم العبادة الجليلة ( الصلاة ) بذكر الله تعالى يدل على أن العبادات متصلة لا تنفصل . فحياةُ المسلم كلها لله تعالى ، لكنّ العبادات تأخذ أشكالاً مختلفة وأزمنةً متباينة لئلا يُصاب القلب بالسآمة أو الملل . فالصلاةُ عبادةٌ فِعْلية وقَوْلية ، أما التسبيح فعبادةٌ قَوْلية ، مما يشير إلى تكاملية العبادات ودورها المركزي في إنقاذ الأفراد والجماعة من أزماتهم الوجودية الخانقة وصناعة الكيانات الإنسانية والمجتمعية بشكل متماسك فعال لا يقيم أدنى قطيعة مع العبادة .   
     قال الشوكاني في فتح القدير ( 5/ 114): [ أي سَبّحه بعض الليل. وقيل : هي صلاة الليل ، وقيل : ركعتا الفجر ، وقيل : صلاة العشاء . والأول أولى . (( وأدبارَ السجود )) أي : وسبّحه أعقاب الصلوات ] اهـ .
     وهذا الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح في أوقات مخصوصة هو أمرٌ لعموم الأمة ، وذلك يدفع باتجاه تقوية العلاقة بين العبد وربه تعالى ، فيظل العبدُ على اتصال بخالقه ، يذكره دون ملل ، ويقوم بمسؤولية العبادة على أكمل وجه .
     قال الله تعالى : (( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون (17) وبالأسحار هم يستغفرون (18) )) [ الذاريات ] .
     وهاتان الآيتان توضحان صفتَيْن عظيمتين من صفات المؤمنين الصادقين ، وتشتملان على مدح لهم لتثبيتهم ورفع معنوياتهم وتشجيعهم على مواصلة العبادة .
     فالصفةُ الأولى تشير إلى سهر المؤمنين الصادقين في طاعة الله تعالى ، وتضحيتهم بساعات نومهم من أجل إعطاء العبادة حقها. فقد (( كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ...وصفهم بذلك مدحاً لهم ، وأثنى عليهم به فوصفهم بكثرة العمل،وسهر الليل ومكابدته فيما يقربهم منه ويرضيه عنهم )) [تفسير الطبري ( 11/ 451 ) .] .
     وقد ورد أكثر من تفسير للآية الشريفة: (( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون )) .
     فعن أنس _ رضي الله عنه _ قال : (( كانوا يصلون بين العشاء والمغرب )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 507 ) برقم ( 3737 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .].
     وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( لا يمر بهم ليلة ينامون حتى يصبحوا يُصلون فيها )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 507 ) برقم ( 3738 ) وصححه ، ووافقه الذهبي . وفي فتح الباري ( 3/ 29 ) : (( زاد الأصيلي أي ينامون. وقد ذكر الطبري وغيره الخلاف عن أهل التفسير في ذلك  . ونقل عن قتادة ومجاهد وغيرهما أن معناه : كانوا لا ينامون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون ... عن ابن عباس قال  : معناه لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً  ... ورجّح الأول ، لأن الله تعالى وصفهم بذلك مادحاً لهم بكثرة العمل. قال ابن التين : وعلى هذا تكون ما زائدة أو مصدرية وهو أبين الأقوال وأقعدها بكلام أهل اللغة. وعلى الآخر تكون ما نافية )) اهـ .]
     أما الصفة الثانية فهي الاستغفار في الأسحار ( جمع سَحَر ، وهو وقت ما قبل الفجر ) . وهذه الأوقاتُ العظيمة يرجى فيها استجابة الدعاء . كما تدل على إخلاص المؤمن وحرصه على العبادة في وقت يكون فيه الناس نائمين ، أما هو فمستيقظ لأداء العبادة المقدّسة ، متفوِّقاً على شهواته الطينية ، والنزعةِ الإنسانية نحو الراحة . وعلى قَدْر المشقة يكون الأجرُ . كما ينبغي للمؤمن أن يختار الأوقات المبارَكة والأزمنة الشريفة لأداء عباداته لكي تكون أشد تأثيراً في النفس البشرية ، وأدعى للقبول .
     فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ،  من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )).
[متفق عليه . البخاري ( 1/ 384 ) برقم ( 1094) ، ومسلم ( 1/ 521 ) برقم ( 758) .
وقال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ( ص 194و196) : (( وقد روى حديث النزول عشرون صحابياً ، وقد سبق القول أنه يستحيل على الله _ عز وجل _ الحركة والنقْلة والتغير ... والواجب على الخلق اعتقاد التنزيه ، وامتناع تجويز النقْلة  ، وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام : جسم عالٍ ، وهو مكان الساكن ، وجسم سافل ، وجسم ينتقل من علو إلى أسفل ، وهذا لا يجوز على الله تعالى قطعاً . فإن قال العامي : فما الذي أراد بالنزول ؟، قيل: أراد به معنى يليق بجلاله لا يلزمك التفتيش عنه ، فإن قال : كيف حدّث بما لا أفهمه ؟ ،قلنا: قد علمتَ أن النازل إليك قريب منك ، فاقتنع بالقرب ولا تظنه كقرب الأجسام )) اهـ .  ].
     واللهُ تعالى مُنَزّهٌ عن الحركة والانتقال من مكان إلى مكان . فالمعنى أن الله تعالى قريبٌ من العبد تتنزل رحمته في هذا الوقت الفضيل . فيقول تعالى : (( من يدعوني فأستجيب له )) وهو غني عن العالَمين . لكنّ اللهَ تعالى يُذكِّر عبادَه بأهمية الدعاء ، ويعدهم بالاستجابة لهم ، مع أنه _ سبحانه _ لا يحتاجهم ، بل هم يحتاجونه . فالدعاءُ مخّ العبادة ، وتتزايد أهميته في هذا الوقت العظيم آخر الليل . ويقول تعالى : (( من يسألني فأعطيه )) . فاللهُ تعالى لا تنفد خزائنه ، وهو ينفق في الليل والنهار فلم يُصب بالفقر أو التعب . والإنسانُ العادي يغضب إذا سألتَه ، أما الخالق العظيم فيغضب إذا لم تسأله . فلا شيء يُعجزه ، وكل شيء خاضع له ، فيُعطي كل صاحب مسألة مسألته دون أن يَنقص من مُلْكه شيء. ويقول تعالى : (( من يستغفرني فأغفر له )). فكل الذنوب _ مهما بلغ حجمها وعَظُمَ أمرها _ هي أصغر من الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء . والكبائرُ مثل الصغائر في المغفرة . فالمغفرةُ الإلهية أعظم من أن تُحصَر في صغيرة أو كبيرة . فالعفو الإلهي قرارٌ رباني لا يخضع لحجم الإثم . إنه محضُ فضل من الخالق _ سبحانه _ .
_ صلاة الْجُمُعة :
     قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا نودِيَ للصلاة من يوم الْجُمُعة فاسْعَوْا إلى ذِكْر الله )) [ الجمعة : 9] .
     إن يوم الجمعة هو عيد المسلمين العظيم الذي يتفوق على عيدَيْ أهل الكتاب، ويتقدم عليهما. فهو يسبق السبتَ ( عيد اليهود ) ، ويسبق الأحدَ ( عيد النصارى ) . وصلاة الجمعة هي العهد بين العبد وخالقه تعالى ، حيث يجدِّد المؤمنُ ولاءه لله تعالى والعهدَ الإيماني الذي يهدف إلى الثبات على الحق ، والتوبةِ من كل الذنوب ، واستدراكِ ما فات من التقصير ، والعملِ بشكل مخلِص ودقيق لأداء العبادات على أكمل صورة دون أية ثغرة .
     قال الطبري في تفسيره ( 12/ 94 ) : (( يقول تعالى ذِكْره للمؤمنين به من عباده : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله [ إذا نودِيَ للصلاة من يوم الْجُمُعة ] ، وذلك هو النداء ينادي بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة . ومعنى الكلام : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [ فاسْعَوْا إلى ذِكْر الله ] . يقول : فامضوا إلى ذكر الله واعملوا له . وأصل السعي في هذا الموضع العمل )) اهـ . فالسعي هو قصدُ صلاة الجمعة وإتمامها والانشغال بها عن كل ما سواها من متاع الدنيا الزائل. أما السعي بالمفهوم المحسوس فمنهي عنه . والمرءُ حين يأتي للصلاة فهو يُقبِل على الله تعالى بكل جوارحه ، ويُلقي الدنيا وراء ظهره . فعندما يقف العبدُ بين يدي الخالق لا تصبح هناك أدنى قيمة للمخلوقات .
     فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون عليكم السكينة ، فما أدركتم فصَلوا ، وما فاتكم فأتموا )).
[متفق عليه . البخاري ( 1/ 308 ) برقم ( 866) ، ومسلم ( 1/ 420 ) برقم ( 602 ) . وقال الحافظ في الفتح ( 2/ 392 ) : (( وكأن البخاري استشعر إيراد الفرق بين الساعي إلى الجمعة وغيرها ، بأن السعي إلى الصلاة غير الجمعة منهي لأجل ما يلحق الساعي من التعب ، وضيق النفس ، فيدخل في الصلاة وهو منبهر ، فينافي ذلك خشوعه، وهذا بخلاف الساعي إلى الجمعة، فإنه في العادة يحضر قبل إقامة الصلاة ، فلا تقام حتى يستريح مما يلحقه من الانبهار وغيره ، وكأنه استشعر هذا الفرق فأخذ يستدل على أن كل ما آل إلى إذهاب الوقار مُنع منه فاشتركت الجمعةُ مع غيرها في ذلك والله أعلم )) اهـ . ].
     فالسعي يتنافى مع الوقار الذي ينبغي أن يتحلى به المصلِّي أثناء مجيئه إلى الصلاة ، كما أنه يؤدي إلى دخول سريع في الصلاة ، وهو غير مستعد نفسياً ، مما يعمل على تشتيت الخشوع ، وعدم القدرة على تدبر الألفاظ والمعاني .  
     وكل هذه الأمور تدل على أهمية الصلاة بشكل عام ، وأهمية صلاة الجمعة بشكل خاص . فالصلاةُ هي الصلة بين المخلوق والخالق ، لذلك لها فرائض وسُنن وأوقات ، لأنها ذات مكانة سامية في التشريع الإسلامي ، فلا بد أن تكون صلاةُ العبد كاملةً أو قريبة إلى الكمال بقدر المستطاع لأنها الحبل المتين بين الأرض والسماء ، وإذا انقطع هذا الحبلُ ، فسيفقد الإنسانُ دورَه ، ويصاب بانتكاسة شديدة من شأنها أن تجعل دنياه جحيماً لا يطاق ، وهذه مقدمة لعذاب الآخرة .
http://www.facebook.com/abuawwad1982