سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/09‏/2012

اليوم الآخر وأسماؤه

اليوم الآخر وأسماؤه

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .


     إن الإيمان باليوم الآخِر من أركان الإيمان . وقد ذُكر هذا الركن الجليل في آيات كثيرة جداً . قال الله تعالى : (( ولكن البِر مَن آمن بالله واليومِ الآخر )) [ البقرة: 177] . فهو من المعلوم من الدين بالضرورة . ومنكرُه كافرٌ خارج من الإسلام . فلا معنى للحياة الإنسانية دون الإيمان باليوم الآخِر الذي يُحاسَب فيه المرءُ ، فيُكافأ على حسناته ، ويُعاقَب على سيئاته .
     وقد وردت أسماء متعددة لليوم الآخر تشير إلى معانيه المتضافرة :
أ _ يوم الدين :
     قال الله تعالى : (( مَالِكِ يَوْمِ الدين ))[ الفاتحة : 4] .
     ويوم الدين هو يوم القيامة ، حيث يُدين اللهُ تعالى عبادَه بأعمالهم ، فإن عملوا خيراً وجدوا خيراً ، وإن عملوا شراً وجدوا شراً . ويعفو اللهُ عمن يشاء ، ويُعاقب من يشاء . فهذا اليومُ العظيم يُحاسَب فيه العباد ، ولا أحد يملك الهربَ أو التحايلَ .
     وقال الطبري في تفسيره ( 1/ 94) : (( ... أن لله الْمُلْك يوم الدين خالصاً دون جميع خلقه الذين كانوا قبل ذلك في الدنيا ملوكاً جبابرة ينازعونه الْمُلْك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسلطان والجبرية ، فأيقنوا بلقاء الله يوم الدين أنهم الصغرة الأذلة ، وأن له من دونهم ودون غيرهم الْمُلْك والكبرياء والعزة والبهاء )) اهـ .
     وعن عبد الله بن مسعود _ رضي الله عنه _ وعن أُناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : _[  مَالِكِ يَوْمِ الدين ] ، قال : (( هو يوم الحساب )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 284 ) برقم ( 3022) وصحّحه ، ووافقه الذهبي.    
وقال الحافظ في الفتح ( 8/ 156 ) : (( وللدين معانٍ أخرى منها : العادة والعمل والحُكم والحال والخُلق والطاعة والقهر والملة والشريعة والورع والسياسة ، وشواهد ذلك يطول ذِكرها )) . ].
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 1/ 13) : (( وفي الدين هاهنا قولان: أحدهما أنه الحساب، قاله ابن مسعود . والثاني : الجزاء ، قاله ابن عباس ، ولَمّا أقرّ اللهُ _ عز وجل _ رب العالمين أنه مالك الدنيا دَلّ بقوله : [ مَالِكِ يَوْمِ الدين ] على أنه مالك الأخرى . وقيل : إنما خُصّ يوم الدين لأنه ينفرد يومئذ بالْحُكْم في خلقه )) اهـ .
     و (( الله تعالى هو المنفرد بالْمُلْك ذلك اليوم ، وبجزاء العباد وحسابهم . والدينُ الحساب ، وقيل الجزاء )) .
[شرح النووي على صحيح مسلم ( 4/ 104 ) .].
     فيومُ الدين يعرف الإنسانُ فيه حقيقةَ أعماله المقبولة أو المرفوضة ، وينال المرءُ جزاءه المستحق دون ظلم . فإن وجد خيراً ، فبفضل الله تعالى وله المِنة . وإن وجد غيرَ ذلك فبعدل الله تعالى وله الْحُجة . 
ب _ الآخِرة :
     قال الله تعالى : (( وبالآخِرةِ هُم يُوقنون )) [ البقرة : 4] .
     قال الطبري في تفسيره ( 1/ 138 ) : (( أما الآخِرةُ فإنها صفة للدار ... وإنما وُصفت بذلك لمصيرها آخرة لأولى كانت قبلها )) اهـ .
     فالآخرةُ ( وقت الحصاد ) هي المرحلة المتأخرة عن الدنيا ( وقت الزراعة ) . وفي الآخرة تظهر نتيجة امتحان الدار الأولى ( الدنيا ) . وعندئذ يُكرَم المرءُ أو يُهان . فعلى المرء أن يحرص على الوصول إلى يوم القيامة وهو في كامل الاستعداد ، ذو رصيد وافر من الحسنات لئلا يخسر مصيرَه. والناس نيامٌ ، فإذا ماتوا انتبهوا . كما أنهم إذا ماتوا قامت قيامتهم .
ج _ يوم القيامة :
     قال الله تعالى : (( لا أُقْسِمُ بيوم القيامة )) [ القيامة : 1] .
     وهذا السياق القرآني هو قَسَمٌ بيوم القيامة . وما كان اللهُ تعالى ليُقسِم بهذا اليوم لولا مكانته السامية ، ومنزلته العظيمة . وهو يوم الحسابُ والجزاء دون إمكانية الاستئناف أو تعيين المحامين البارعين .
     (( وقد اشْتُهِر في كلام العرب زيادة[ لا] قبل القَسَم لتأكيد الكلام ، كأنه من الوضوح والجلاء بحيث لا يحتاج إلى قَسَم ، وجوابُ القَسَم محذوف تقديره (( لتُبْعثن ولتُحاسبن )) )).
[صفوة التفاسير للصابوني ( 19/ 75 ) .].
     وقال القرطبي في تفسيره ( 19/ 83) : (( قيل : إن ( لا ) صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة، لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حُكْم كلام واحد )) اهـ .
     واللهُ تعالى يُقسِم بما شاء من مخلوقاته ، وليس هذا إلا لله تعالى . أما الإنسانُ إذا أراد الحلفَ فلا يجوز أن يحلف إلا بالله تعالى ، فلا يُشرِك معه شيئاً . وحينما يُقسِم اللهُ تعالى بشيء من مخلوقاته فهذه إشارةٌ إلهية سامية على عظمة ذلك الشيء ومكانته الجليلة .
     وقد سُئل ابن عباس _ رضي الله عنهما_ عن قوله تعالى: [ لا أُقْسِمُ بيوم القيامة ] ، فقال : (( يُقسِم رَبكَ بما شاء من خلقه )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 552 ) برقم ( 3877 ) وصحّحه ، ووافقه الذهبي .].
     وسُمِّيَ يوم القيامة بهذا الاسم لأن الناس يقومون فيه لله _ سبحانه وتعالى _ (( يَوْمَ يقوم الناسُ لرب العالَمين )) [ المطففين : 6] . أو لأن الناس يقومون من قبورهم إلى هذا اليوم . قال الله تعالى : (( يَوْمَ يَخرجون من الأجداث سِرَاعاً )) [ المعارج : 43] .
د _ الساعة :
     قال الله تعالى : (( حتى إذا جَاءتْهُم الساعةُ بَغْتةً )) [ الأنعام : 31] .
     فيومُ الساعة ( القيامة ) يأتي فجأةً ، ولا يُعطي فرصةً للآخرين كي يستعدوا ،  أو يُجهِّزوا أنفسهم . فعلى العاقل أن يكون مستعداً بشكل مسبق لئلا تصعقه الساعةُ قاطعةً حياته ، وعندئذ يبدأ في التحسر على تفريطه ، ويتمنى العودةَ ليُصلح ما فات . فما دام هناك وقتٌ للتحرك فينبغي اغتنامه واستغلاله في عمل الطاعات .
     (( وَسُمِّيت القيامةُ بالساعة لوقوعها بغتة ، أو لسرعة حسابها ، أو على العكس لطولها ، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق )).
[الكشاف للزمخشري ( 1/ 439 ) .].
هـ _ يوم الحسرة :
     قال الله تعالى : (( وَأَنذِرهم يومَ الحسرة )) [ مريم : 39] .
     قال الشوكاني في فتح القدير ( 3/ 477 ) : (( أي يوم يتحسرون جميعاً ، فالمسيء يتحسر على إساءته ، والمحسنُ على عدم استكثاره من الخير )) اهـ .
     وعن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   :    (( يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح ، فينادي منادٍ : يا أهل الجنة ، فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ ، فيقولون : نعم ، هذا الموت . وكلهم قد رآه . ثم ينادي : يا أهل النار ، فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟ ، فيقولون : نعم ، هذا الموت . وكلهم قد رآه . فَيُذبَح . ثم يقول : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ،  ويا أهل النار ، خلود فلا موت . ثم قرأ  :  (( وَأَنذِرهم يومَ الحسرة إذ قُضِيَ الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون )).
[متفق عليه.واللفظ للبخاري( 4/ 1760)برقم( 4453).ومسلم( 4/ 2188 )برقم( 2849).].
     ومن خلال هذا الحديث تتضح حسرةُ الكافرين الخالدين في النار . فقد أضاعوا الفرصةَ الذهبية في الدنيا لكي ينالوا النعيم السرمدي في الآخرة ، فخسروا الدارين ، خصوصاً الآخرة . وقد أحسن اللهُ إليهم في الدنيا ، فأعطاهم العقولَ والنعمَ الجزيلة ، لكنهم أساؤوا إلى أنفسهم ، فلم يُنظِّفوا قلوبَهم لاستقبال الهداية الربانية ، فركنوا إلى الحياة الدنيا ، واطمأنوا إليها ، ولم ينظروا إلى ما ورائها .
     وفي زاد المسير ( 5/ 234) : (( قال المفسرون : فهذه هي الحسرة ، إذا ذُبح الموت ، فلو مات أحد فرحاً مات أهل الجنة ، ولو مات أحد حزناً مات أهل النار )) اهـ .
     والموتُ مخلوقٌ مثل الإنسان، له أجلٌ محدد . وبعد أن يدخل المؤمنون الجنةَ ، والكافرون النارَ، يُذبَح الموتُ بأمر الله تعالى ، لأن الموت حينئذ يفقد معناه . ففي الآخرة ( الدار الباقية ) لا يوجد موتٌ . إما نعيم أبدي أو جحيم أبدي . كما أن الموت هو لحظة فاصلة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة ، حيث يُنقَل المرء من العمل إلى الحساب ، ومن الزرع إلى الحصاد ، ومن الامتحان إلى النتيجة . وبالتالي تظهرُ النتائج في الدار الآخرة ويفقد الموتُ جدوى وجوده ، وتنتهي مهمته ، فيُذبَح .
     وفي صحيح البخاري ( 5/ 2402 ) : عن أبي هريرة  _ رضي الله عنه _ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل أحدٌ الجنةَ إلا أُرِيَ مقعده من النار لو أساء ، ليزداد شكراً ، ولا يدخل النارَ أحدٌ إلا أُرِيَ مقعده من الجنة لو أحسن ، ليكون عليه حسرة )) اهـ .
و _ المعاد :
     قال الله تعالى : (( إن الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآنَ لَرَادكَ إلى مَعَاد )) [ القَصَص : 85] .
     فالمعادُ هو يوم القيامة، حيث العودة لكي يُحاسَب المرءُ على أفعاله ، ويحصل الفردُ على نتيجة الامتحان الدنيوي، ويقف على مستواه الدقيق ، إما فائزاً أو خاسراً . وفي هذا اليوم العظيم تظهر الإنجازات البشرية والإخفاقات على حَد سواء . فالدنيا ليست هي نهاية المطاف ومنتهى الأحلام ، فما بعدها أجمل منها أو أسوأ منها . فالموتُ هو البداية الحقيقية للحياة ، بل إن الموت هو الحياة بعَيْنها ، وإذا لم ينتبه المرءُ إلى هذه المبدأ السامي ، فإنه الأوهام ستجرفه .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 768 ) : (( أي إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادكَ إليه ، ومعيدكَ يوم القيامة ، وسائلكَ عن أداء ما فرض عليكَ . هذا أحد الأقوال ، وهو متجه حسن )).
[قال الشوكاني في فتح القدير ( 4/ 268 ) : (( قال جمهور المفسرين : أي إلى مكة . وقال مجاهد وعكرمة والزهري والحسن : إن المعنى : لرادك إلى يوم القيامة ، وهو اختيار الزجاج )) اهـ . وفي صحيح البخاري ( 4/ 1790 ) عن ابن عباس _ رضي الله عنهما_:[  لَرَادكَ إلى مَعَاد ] ، قال : (( إلى مكة )) . اهـ . وفي رواية أن ابن عباس قال : (( إلى الموت )) { ذكرها الحافظ في الفتح  ( 8/ 510 ) ، وقال : (( أخرجها ابن أبي حاتم ، وإسناده لا بأس به )) } . ].
     وقال الشوكاني في فتح القدير ( 4/ 268 ) : (( يقال بيني وبينك المعاد : أي يوم القيامة ، لأن الناس يعودون فيه أحياء )) اهـ .
     وتتجلى القدرةُ الإلهية غير المحدودة يومَ المعاد ، حيث يعود الناسُ أحياء بعد أن جمع اللهُ تعالى عظامهم ، وأخرجهم من قبورهم ، وأحضرهم عن بكرة أبيهم ، دون وجود أية فرصة للهرب أو الغياب أو الاختباء .
     وفي صحيح مسلم ( 4/ 2087 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو :   (( وأصلح لي آخرتي التي فيها مَعادي )) .
     وهذا المعنى العظيم يشير إلى أهمية الدار الآخرة باعتبارها الباقية ، حيث يعود الإنسانُ إليها ليستقر فيها إلى الأبد . فيجيء الدعاءُ النبوي ليُنبه على أهمية إصلاحها بالطاعات في الدنيا ، لكي يكون المعادُ راحةً أبدية لا شقاءً دائماً .
ز _ يوم البعث :
     قال الله تعالى : (( فهذا يَوْمُ البعث )) [ الروم : 56] .
     إنه يوم القيامة العظيم الذي يُبعَث فيه الناسُ من قبورهم . والفاءُ في الآية القرآنية (( جواب لشرط محذوف دَل عليه الكلام مجازة : إن كُنتم مُنكِرين البعث فهذا يوم البعث )) .
[تفسير القرطبي ( 14/ 45 ) .].
     والبعثُ من تجليات عدالة الخالق _ سبحانه وتعالى _ ، حيث يُبعَث الناس لكي يُحاسَبوا . فإن كان الظالِمُ قد هرب بفعلته في الدنيا ، فسوف يلاقي جزاءه العادل يوم القيامة . وإن كان المظلوم قد عاش في الدنيا منبوذاً مقهوراً فسيأخذ حقه كاملاً غير منقوص في هذا اليوم العظيم . فالدنيا ليست نهاية المطاف ، إنها عَمَلٌ ولا جَزَاء . والآخرةُ هي جزاء ولا عمل . فلا توجد أدنى فرصة لهروب الظالم ، أو ضياع حقوق المظلوم .
ح _ يوم الفَصْل :
     قال الله تعالى : (( هذا يَوْمُ الفَصْل الذي كُنتم به تُكذبون ))[ الصافات : 21] .
     وقال الطبري في تفسيره ( 10/ 478 ) : (( يقول تعالى ذِكْره : هذا يوم فَصْلِ الله بين خلقه بالعدل من قضائه الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فتنكرونه )) اهـ .
     ويوم القيامة يفصل اللهُ فيه بين الخلائق ، فيظهر الصادقُ من الكاذب ، والمحِق من المبطِل ، والصالح من الطالح ، والمحسن من المسيء . ويتميز فيه الحق من الباطل. فهو يوم الفصل ، وإحقاق الحق ، ودحض الباطل . وهذا يؤدي إلى بعث السكينة في قلوب المقهورين ، فهم يُدرِكون أن حقهم لن يضيع . وأيضاً يردع الظالمين ، فهو يُذكرهم أن العقوبة بانتظارهم إذا لم يتوبوا . 
ط _ يوم التلاق :
     قال الله تعالى : (( لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق )) [ غافر : 15] .
     وهذا اليوم العظيم يلقى فيه العبدُ خالقَه ، ويتلاقى أهلُ السماء والأرض ، ويتلاقى العباد . ويلتقي الأولون بالآخرين في مشهد رهيب لا فرصة فيه للتدارك أو التعويض . فالقيامةُ لا تتكرر ، إنه فوز أبدي أو خسارة أبدية .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 87) : (( فإن فيه تتلاقى الأرواح والأجساد ، وأهل السماء والأرض ، أو المعبودون والعُباد ، أو الأعمال والعُمال )) اهـ .
ي _ يوم الجمع :
     قال الله تعالى : (( وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع لا رَيْبَ فيه )) [ الشورى : 7] .
     فهذا اليوم الذي لا شك فيه سوف يجمع اللهُ تعالى العبادَ للحساب فيُوفيهم أعمالهم كاملةً غير منقوصة بلا ظلم . وهذا المشهدُ العظيم سوف يضم كل الخلائق والأمم التي تعاقبت على الأرض . فالذين كانوا موتى صاروا أحياء في صعيد واحد ينتظرون مصيرَهم بكل قلق وترقب .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 4/ 136 ) : (( وهو يوم القيامة يجمع اللهُ الأولين والآخرين في صعيد واحد )) اهـ .
     فاللهُ تعالى الذي بدأ الخلقَ لن تعجزه إعادته. فالذي خلق الإنسانَ من تراب لن يعجز عن إعادته من التراب .
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 7/ 274 ) : (( وتنذرهم يوم الجمع ، وهو يوم القيامة ، يجمع اللهُ فيه الأولين والآخرين ، وأهل السموات والأرضين ،[  لا رَيْبَ فيه ] أي : لا شك في هذا الجمع أنه كائن )) اهـ .
     وسُمِّيَ بيوم الجمع (( لأنه مَجْمع الخلائق . وقيل : المراد جمع الأرواح بالأجساد . وقيل : جمع الظالم والمظلوم . وقيل : جمع العامل والعمل )).
[فتح القدير للشوكاني ( 4/ 749 ) .].
ك _ يوم الوعيد :
     قال الله تعالى : (( ذلك يومُ الوعيد )) [ ق : 20] .
     وهو يوم القيامة الذي وعد اللهُ الكفارَ به بالعذاب. وهذا اليومُ الجليل هو يوم الوعد والوعيد، ولكن خُصّ بالوعيد لتعظيمه وتهويله ، ولكي يكون ذا وقع شديد في النفوس .
ل _ الواقعة :
     قال الله تعالى : (( إذا وَقَعَت الواقعةُ )) [ الواقعة : 1] .
     فهذا اليوم الشديد واقع لا محالة ، وهو قريبٌ ، لأن كلَّ آتٍ قريبٌ . فلا مفر منه ، ولا توجد وسيلة للاختباء منه . فالقيامةُ قريبةٌ ، وفيها أهوال شديدة ، لا يمكن تجاوزها إلا بإذن الله تعالى .
     قال الطبري في تفسيره ( 11/ 622 ) : (( إذا نزلت صيحةُ القيامة ، وذلك حين يُنفَخ في الصور لقيام الساعة )) اهـ .
     وفي زاد المسير ( 8/ 130 ) : (( والمراد بها ها هنا النفخة في الصور لقيام الساعة )) اهـ .
     (( وسُمِّيت واقعة لأنها تقع عن قُرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد )).
[تفسير القرطبي ( 17/ 167 ) .].
م _ يوم التغابن :
     قال الله تعالى : (( ذلك يومُ التغابُن )) [ التغابن : 9] .
     الغُبن _ لغةً _ : النقص . يُقال : غَبَنَهُ ، إذا أخذ الشيءَ بدون قيمته .
     فيومُ القيامة هو يوم التغابن الذي يُظهِر غُبنَ أهل النار بتركهم الإيمان ، وغُبنَ أهل الجنة بتقصيرهم في الطاعات .
     أما تسميته بهذا الاسم ففيه أقوال نوجزها على الشكل التالي:
[أورد هذه الأقوال ابنُ الجوزي في زاد المسير ( 8/ 282 و283 ) .].
     _ ليس من كافر إلا وله منزل في الجنة ، فيرث ذلك المؤمنُ ، فيُصاب الكافر بالغُبن .
     _ غُبن أهل الجنة لأهل النار .
     _ يوم غبن المظلوم الظالم ، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبوناً ، فصار في الآخرة غابناً .
     _ يظهر فيه غُبنُ الكافر بتركه للإيمان ، وغُبنُ المؤمن بتقصيره في الإحسان .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 18/ 121 ) : (( وسُمِّيَ يوم القيامة يوم التغابن ، لأنه غبن فيه أهلُ الجنة أهلَ النار ، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير والشر والجيد بالرديء والنعيم بالعذاب ، يقال : غبنتَ فلاناً إذا بايعتَه أو شاريتَه فكان النقص عليه ، والغلبة لك ، وكذا أهل الجنة وأهل النار )) اهـ .
ن _ الحاقة :
     قال الله تعالى : (( الحاقة )) [ الحاقة : 1] .
     وهذا الاسم العظيم ليوم القيامة يدل على أنها حق واقع لا محالة ، ولا يقبله الشك أو الإلغاء . وفيها يتحقق الوعد والوعيد . فهي الحاقةُ ( القيامة ) التي عظّمها اللهُ تعالى في كتابه  ،  وجعلها إحقاقاً للحق ، وإزهاقاً للباطل .    
     فيوم القيامة لا يتخلف ، وسيأتي في موعده بدقة بلا تقديم أو تأخير ، فهو الحق الساطع ، والحقيقةُ الباهرة التي تنهار أمامها العقائدُ الزائغة والشكوك والوساوس . فالذين آمنوا بهذا اليوم ينبغي أن يستعدوا له ، أما الذين رفضوا الإيمان باليوم الآخر فسوف يُصعَقون حينما يباغتهم .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 18/ 224) : (( سُمِّيت بذلك لأن الأمور تحق فيها ، قاله الطبري ... وقيل : سُمِّيت حاقة لأنها تكون من غير شك ، وقيل : سُمِّيت بذلك لأنها أحقت لأقوامٍ الجنةَ وأحقّت لأقوامٍ النارَ ، وقيل : سُمِّيت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقاً بجزاء عمله )) اهـ .
س _ القارعة :
     قال الله تعالى : (( كَذبت ثمودُ وعاد بالقارعة )) [ الحاقة : 4] .
     والقارعةُ اسم جليل من أسماء القيامة ، فهي تقرع القلوبَ بأهوالها . وهذا دليلٌ على الشدة البالغة والخطب الجليل . حيث ترجّ القلوبَ رجّاً عنيفاً ، فيشعرُ المرءُ كما لو كان قلبُه سيخرج من مكانه . ولا يمكن للقلب أن يَثبت في تلك اللحظات العصيبة إلا إذا كان مملوءاً بالإيمان المقترن بالعمل الصالح في الدنيا .
     قال القرطبي في تفسيره ( 18/ 225 ) : (( يقال : أصابتهم قوارع الدهر ، أي أهواله وشدائده ، ونعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه وقوارص لسانه جمع قارصة وهي الكلمة المؤذية ، وقوارع القرآن : الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الجن أو الإنس نحو آية الكرسي كأنها تقرع الشيطانَ ، وقيل : القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين ، قاله المبرد )) .
ع _ الطامةُ الكبرى :
     قال الله تعالى : (( فإذا جاءت الطامةُ الكُبرى )) [ النازعات : 34] .
     فهي عظيمة الشأن شديدة الوطأة ، فتُغطِّي على كل الفظائع والمصائب ، فهي الحدثُ الرهيب الذي تصغر أمامه الأحداثُ الجسيمة . فكل الخطوب العظيمة تتلاشى أمام الطامة الكبرى التي تعم على كل الأحداث فتصبح هي الحدث الأكبر المرعب ، والشغل الشاغل للعباد . فكما أن نور الشمس يُغطِّي على نور النجوم ، فكذلك هذا الحدث الجلل يُغطِّي على ما عداه . 
     قال الطبري في تفسيره ( 12/ 440 ) : (( تطم على كل هائلة من الأمور ، فتغمر ما سواها بعظيم هَوْلها )) اهـ .
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 9/ 23و24) : (( الطامة : الحادثة التي تطم على ما سواها أي تعلو فوقه ، وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها النفخة الثانية التي فيها البعث ، والثاني : أنها حين يقال لأهل النار : قوموا إلى النار ، والثالث : أنها حين يساق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار )) اهـ .
ف _ الصاخة :
     قال الله تعالى : (( فإذا جاءت الصاخةُ )) [ عَبَسَ : 33] .
     والصاخةُ هي صيحة يوم القيامة . سُمِّيت كذلك لشدة صوتها ، فتصخ الآذانَ ، أي تجعلها عاجزةً عن السمع ( حالة الصمم ) . فهذا الصوتُ المخيف يُعطِّل الجوارحَ عن عملها ، فتصبح حاسةُ السمع كما لو أنها غير موجودة . وذلك لشدة الصدمة والضغط الهائل .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 19/ 194) : (( والصاخة : الصيحة التي تكون عنها القيامة ، وهي النفخة الثانية تصخ الأسماعَ : أي تصمها ، فلا تسمع إلا ما يُدعَى به للأحياء ، وذكر ناسٌ من المفسرين قالوا : تصيخ لها الأسماع ، من قولك : أصاخ إلى كذا : أي استمع إليه )) اهـ .
ص _ الغاشية :
     قال الله تعالى : (( هل أتاكَ حديثُ الغاشية )) [ الغاشية : 1] .
     والغاشيةُ هي القيامة ، تغشى الناسَ بأهوالها ، وتَعُمهم بالشدائد . وفي ذلك الموقف العصيب لن يَثْبت إلا من ثَبّته اللهُ تعالى . فهذه الشدةُ العارمة العامة التي لا تستثني أحداً تدل على هَوْل الموقف واستحالة الإفلات منه .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 20/ 26 ) : (( أي القيامة التي تغشى الخلائق بأهوالها وأفزاعها قاله أكثر المفسرين  .  وقال سعيد بن جبير و محمد بن كعب : ( الغاشية ) : النار تغشى وجوه الكفار  ... وقيل : تغشى الخلق ، وقيل : المراد النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى الخلائق ، وقيل  : ( الغاشية ) أهل النار يغشونها ويقتحمون فيها )) اهـ .