وُلد الروائي المجري إيمري كيرتيش ( 1929_
2016) في بودابست لأسرة يهودية فقيرة. واعْتُقِل خلال الحرب العالمية الثانية عام
1944 ، وهو في الخامسة عشرة، وتَمَّ ترحيله إلى معسكر الإبادة النازي في أوشفيتز (
بولندا )، ثم إلى معسكر اعتقال في بوخنفالد في ألمانيا الشرقية،حيث حَرَّرت
القوات الأمريكية المعتقلين الموجودين فيه عام 1945. ثم عاد إلى المجر،وعمل
صحفيًّا ، لكنه خسر وظيفته عندما انتهجت الصحيفة خط الحزب الشيوعي .
عكس كيرتيش في إبداعه تجربة
"أوشفيتز" و"بوخنفالد". واستغل التجارب التي مَرَّ بها في
هذين المعسكرَيْن كمادة ثرية في أعماله .
وفي ظل الحكم الشيوعي في المجر مَرَّ الكاتب
ببعض المعاناة الحادة ، وركَّز في رواياته ومقالاته _ التي طُبِعَت في مجلدات _
على الشيوعية الشمولية التي عايشها في وطنه . وتقوم كتاباته على ثلاثة أركان :
المحرقة النازية ( وكان أحد الناجين مِنها ) ، والدكتاتورية ، والحرية الشخصية .
حصل على جائزة نوبل للآداب عام 2002، وذلك" لنتاجه الذي يروي تجربة الفرد الهشة في مواجهة تعسُّف التاريخ الوحشي
"، حَسَبَ بيان الأكاديمية
السويدية .
وقد فاز كيرتيش بجائزة نوبل عن مُجمَل أعماله
التي قال عنها المحكِّمون إنها تُصَوِّر معسكرات الموت النازية على أنها حقيقة
مُطْلقة عن مدى إذلال المستضعفين .
وكان أول مجري يحصل على جائزة نوبل على
الإطلاق ، بل إن وطنه بخل عليه بالتقدير وقتًا طويلاً . عاش كيرتيش فترات طويلة في
برلين ، مُنذ عام 2000 ، ثم انتقل عام 2012إلى بودابست ، وكان آنذاك مُصابًا مُنذ
عدة سنوات بمرض الشلل الرعاش ( الباركنسون ) ، وهو المرض الذي قَلَّصَ كثيرًا مِن
إبداعه. وأخيرًا، حصل كيرتيش عام 2014 على وسام " ستيفان " ، وهو أعلى
وسام مجري . حِين خرج من معتقل بوخنفالد نهاية الحرب بما يُشبِه الأعجوبة ،
قَرَّرَ كيرتيش أن يَكتب ، لاعتقاده أن الكتابة قد تُخلِّصه من جحيم معسكر
المعتقلات النازية التي انساق إليه مُرَاهِقًا . وكأن الكتابة مُعادِل آخَر للحياة . بدأ حياته في
الصحافة ، لكنه سُرعان ما تخلى عنها ، بسبب هيمنة النظام الشمولي في المجر (
هنغاريا ) . بَيْدَ أن سَطوة الكلمة لازمته ، فوهبَ نفسه للأدب ، كاتبًا ،
ومسرحيًّا ، ومُترجِمًا .
تُعتبَر " كائن بلا مصير " (
1973) هي روايته الأشهر على الإطلاق . كتبها بعد سنوات من التفكر والتأمل في
تجربته وتجارب المحيطين بِه . تحوَّلت إلى فيلم مِن إنتاج ألماني _ مجري في العام
1998. تغوص الرواية في عالَم المعتقلات
والعنف والهولوكوست على لسان فتى في الخامسة عشرة ، هو ليس إلا قرين الكاتب نفسه.
واستقى كيرتيش عنوان روايته من إحساس داخلي عاشه خلال تلك المرحلة بأنه إنسان
مُجرَّد من مصيره ، والأصح قَولاً من إنسانيته بالمعنى الأوسع .
عُرف عن الكاتب عشقه لألبير كامو الذي يجد
فيه صورة المفكِّر الشاب ، والمتمرِّد ، ومُمثِّل الرواية الفلسفية الحقيقية ،
وأُعجِب بأعمال نيتشه التي اشتغل على ترجمتها .
مِن أبرز
أعماله : كائن بلا مصير ( 1973) . الراية الإنجليزية ( 1991). يوميات العبودية (
1992). اللغة المنفية ( 2001) . التصفية ( 2003) .
وصدرت محاضراته ومقالاته في شكل مجموعات " الهولوكوست كثقافة " ( 1993) .