وُلِدَ الفيلسوف
والشاعر الفرنسي أندريه بريتون (1896 _ 1966) في مدينة تينشيبري بإقليم أورن الفرنسي، وتُوُفِّيَ في باريس . يُعتبَر مؤسس السريالية ومن
أكبر رموزها على الإطلاق.
كانت عائلته
متواضعة من الطبقة العاملة في تينشيبري . وبعد إنهائه الدراسة الثانوية التحقَ
بكلية الطب، ودرس الطب النفسي ، حيث ازداد اهتمامه كثيرًا بالأمراض العقلية . وقد
أوقفَ تعليمه عندما اضْطُر للالتحاق بالخدمة الإلزامية أثناء الحرب العالمية
الأولى ، وأُوكِل إليه حينها العمل في قِسم العيادة النفسية في مدينة نانت
الفرنسية ، وهناك أُتِيحت له فرصة الاطلاع على مؤلفات فرويد في عِلم النفس ،
والتَّعمق في دراستها .
يُعتبَر
بريتون من أبرز شعراء فرنسا وفلاسفتها في القرن العشرين ، فهو أحد الشخصيات التي
أسَّست المدرسة الأدبية السريالية ، إلى جانب عدد من الرُّوَّاد الأدبيين الآخرين
في هذه المدرسة.
أكثر ما
يُعرَف به بريتون هو بيانه السريالي ، الذي دعا فيه إلى إطلاق حرية التعبير ،
وشجَّع فيه أيضًا على إطلاق مكنونات اللاوعي عند الإنسان.والسريالية أو الفوق
واقعية، هي حركة ثقافية في الفن الحديث
والأدب، تهدف إلى التعبير عن العقل الباطن بصورة يعوزها النظام والمنطق. ووَفْق
مُنظِّرها بريتون ، فهي آلية أو تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير عن
واقع اشتغال الفكر،إمَّا شفويًّا أو كتابيًّا أو بأي طريقة أخرى.وهي" فوق
جميع الحركات الثورية". إذًا ، فالأمر يتعلق حقيقةً بقواعد إملائية للفكر ،
مُركَّبة ، بعيدة كُل البُعد عن أي تحكم خارجي أو مراقبة تُمَارَس من طرف العقل ،
وخارجة عن نطاق أي انشغال جمالي أو أخلاقي .
وقد درس بريتون عِدَّة نظريات في التحليل
النفسي ، بالإضافة إلى مبدأ اللاوعي الذي ساعده في كتاباته . وترك مجلداتٍ ضخمة
ضمَّت أشعاره ومقالاته .
توطَّدت
العلاقة بين بريتون ، وبين لويس أراغون وفيليب سوبول ، وانضمُّوا بعد الحرب
العالمية الأولى للحركة الدادائية ، التي كان قد أنشأها تريستان تزارا . وأنشأ
هؤلاء جمعيةً خاصة (1919 _ 1921)لتكون
منبرًا لآرائهم وقصائدهم الجريئة.وما لبث أن انفصل بريتون عنها.
والدادائية هي حركة أدبية وفنية نشأت عام
1916 ، أثناء الحرب العالمية الأولى ، قوامها السخط والاحتجاج على العصر ، ورفض
كُل ما هو شائع ومُتعارَف عليه من النُّظم والقوانين والمذاهب والفلسفات والعلوم
والمؤسسات. وهي
حركة عدَميَّة غالَتْ في الشعور الفردي
ومهاجمة المعتقدات، وطالبت بالعودة إلى البدائية والفوضى الفنية الاجتماعية، وقد
تَجلَّتْ في حَقْلَي الأدب والفنون التشكيلية، لكنها لَم تستمر طويلاً، إذْ ما
لبثت أن تلاشت في عام 1923 .
أصبح بريتون رئيس تحرير مجلة " الثورة
السريالية " في عام 1924 . وكان لديه مَيل كبير لدمج أفكار التحول الشخصي
الموجودة في أعمال الشاعر رامبو مع سياسات الفيلسوف ماركس.
انضمَّ بريتون إلى الحزب الشيوعي الفرنسي
عام 1917 ، وطُرِد منه عام 1933 . وفي تلك الأثناء كان يعتاش من بيع لوحاته الفنية
.
في بداية الحرب العالمية الثانية ، كان
بريتون في الفريق الطبي التابع للجيش الفرنسي . وقد منعت حكومة فيشي كتاباته
باعتبارها " إنكار للثورة الوطنية " ، واستطاع الهرب إلى الولايات
المتحدة .
في عام 1942 ، نظَّم معرضًا سرياليًّا
رائدًا في جامعة ييل ، ثم عاد إلى باريس ، حيث عارضَ السياسة التَّوسعية
الاستعمارية لفرنسا علانيةً .
سافرَ عام 1944 إلى شبه جزيرة كيبيك، وكتب
كتابًا عن مخاوفه من الحرب العالمية الثانية.
كتب بريتون عددًا كبيرًا من الأعمال خلال
الفترة ( 1953 _ 1958 ) من أهمها : بيانات السريالية ، وسِحر الفن . كما عمل على
تنظيم المعارض في باريس خلال الفترة ( 1959_ 1965 ) . وألَّف آخر أعماله "
السريالية والرسم " خلال هذه الآونة .
تُوُفِّيَ بريتون في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 1966، عن عُمر ناهز السبعين عامًا، ودُفن في مقبرة باتينيول .