وُلد الأديب والسياسي
البوسني اليوغسلافي إيفو أندريتش( 1892_ 1975) في مدينة ترافنيك في البوسنة . هو
بوسني الأصل ، ولكنه أعلن أنه صِربي بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب انتمائه إلى
صرب البوسنة .
تُوُفِّيَ
والده وهو ابن عامَيْن، وأنهى دراسته الثانوية بصعوبة في مدينة سراييفو (عاصمة
البوسنة والهرسك )، ودرس الأدب والتاريخ في زَغْرِب ( عاصمة كرواتيا ) في الفترة (
1912_1913)،وفيينا ( عاصمة النمسا ) في الفترة ( 1913 _ 1914 ) .
نشأ أندريتش
في بيئة متمازجة من المسلمين والمسيحيين واليهود، وهذا الأمر ترك بصمةً مُؤثِّرة
في رواياته. بدأ حياته سياسيًّا في خدمة الأهداف التوسعية لمملكة صربيا . وأسَّس
في أواخر عام 1911 " منظمة الشبيبة السِّرية " التي عُرفت لاحقًا باسم
" البوسنة الفتاة " بعد أن تمكنت من اغتيال ولي عهد النمسا في
سراييفو(1914).وكان ذلك سببًا في اندلاع الحرب العالمية الأولى.
في نهاية
الحرب ، وتقديرًا لخدماته ، تَبَوَّأ أندريتش مكانةً سياسيةً في الدولة الجديدة
(مملكة يوغسلافيا ) التي كانت قد توسَّعت عن مملكة صربيا . وفي عام 1920 ، انتقل
إلى العمل الدبلوماسي في الخارج ، وتنقَّل في بلدان كثيرة .
حصل على
الدكتوراة من جامعة غراتس النمساوية عام 1924عن أطروحته " تطور الحياة
الروحية في البوسنة تحت تأثير الحكم التركي " . وفي عام 1937 ، أصبح نائبًا
لوزير الخارجية . واختير في عام 1939سفيرًا ليوغسلافيا في برلين . وفي عام 1941 ،
عاد إلى بلغراد ( عاصمة صربيا ) بعد الغزو الألماني ليوغسلافيا ، وعاش هُناك في
عُزلة تامة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ، مُفضِّلاً أن يتفرَّغ لكتابة
رواياته ، لئلا يُؤخَذ عليه أي موقف من الحرب الدائرة .
في عام
1946، حصل على جائزة الدولة عن روايته" جسر على نهر درينا ". وفي العام
نفسه، أصبح رئيسًا لاتحاد الكُتَّاب في يوغسلافيا . وتُعتبَر روايته " الفناء
الملعون " ( 1954) أهم رواياته على الإطلاق ، وهي التي ساهمت بشكل كبير في
منحه جائزة نوبل للآداب ( 1961) . وهي رواية تتَّسم بالواقعية الفلسفية والتاريخية
، إلى جانب النَّزعة الإنسانية ، مع التأكيد على القيم الروحية ، وأهمية الحضارات
القديمة والحديثة . وتحكي الرواية قصة راهب مسيحي مسجون في سجن تركي في
إسطنبول(عاصمة الخلافة الإسلامية)، حيث يتعرَّف إلى باشا تركي مسكون بهاجس أحد
السلاطين القدماء ، كما تُقدِّم الرواية شخصيات متنوعة مِثل : اليهودي المتشكِّك ،
وقراقوش التركي غريب الأطوار ، والرُّهبان الحاسدون في الدَّير البعيد في البوسنة
.
لاقت
رواياته رواجًا عالميًّا بعد فوزه بجائزة نوبل . وبعد عام 1967 ، أُثيرت أسئلة
كثيرة حول نقاط غامضة في نشاطه السياسي المشبوه ، وحول مواقفه المعادية للإسلام
والمسلمين في يوغسلافيا ، سواءٌ أثناء عمله في الخارجية ( 1937_ 1939) أم في
رواياته .
تتميَّز
رواياته،وخاصة"جسر على نهر درينا" ( 1945). و" وقائع مدينة ترافنيك
"( 1945)، باعتمادها على مصادر تاريخية مُتحيِّزة وانتقائية وغَير مَوثوقة،
تخدم الخط السياسي للمؤلف . ويَبدو هذا الموقف واضحًا في أُطروحته للدكتوراة التي
رَفض أندريتش أن تُترجَم أو تُنشَر وهو حَي. وهذا الرفض يحمل دلالة شديدة الخطورة
، ويُثير أسئلة حول مَصادره ومواقفه الفكرية وطبيعة كتاباته . لقد كانت العلاقة
بين الشرق والغرب هي الموضوع الأساسي في كتابات أندريتش . ومن الواضح أن هذا
الموضوع كان يُسيطر على تفكيره وتفاصيل حياته . وقد كانت كلمة " الجسر "
مُهيمنة على أعماله الأدبية ، وكأنه يَقصد ذلك الجسر الرمزي الواصل بين الحضارات
والأمم والشعوب . لقد أرادَ صناعة جسر يصل بين الشرق والغرب ، ولكنَّ المشكلة
تَكمن في طبيعة هذا الجسر ، حيث إِنَّه شَيَّده وفق أفكاره الذاتية ووجهة نظره
الشخصية ، دُون تقديم أفكار الآخرين بشكل صحيح ، ولا عَرْض وُجهة نظر الطرف الآخَر
بأمانة ودِقَّة . والتحيُّز الواضح وغيابُ الموضوعية جَعلاه عُرضةً لسهام النقد ،
والتشكيك في مصادره الفكرية والتاريخية .
وقد كان التاريخُ قيمةً أساسية في أعماله الأدبية ، تُسيطر على تفكيره . وهذا يُفسِّر اهتمامه الشديد بالرواية التاريخية ، والعودة إلى الماضي . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، رواية " الفناء الملعون " تَدور أحداثها في عام 1432م ، وتَحكي عن رَجل تُخيِّل نَفْسُه تناسخًا روحيًّا مع جمشيد ( ابن السلطان محمد الفاتح ) . وروايته " وقائع مدينة ترافنيك " تدور أحداثها في عام 1560م ، وتحكي عن الثورات التي قامت في المدينة للانفصال عن الحكم العثماني في تلك الفترة . وروايته " جسر على نهر درينا " تدور أحداثُها عام 1571، وتحكي عن الأحداث التي شهدتها مدينة فيتشيغراد . وهذا الجسر الحجري الشهير أُقيم على نهر درينا بمدينة فيتشيغراد ، وكان الغرض من إقامته أن يربط بين البوسنة والصرب ، وهما يومئذ إقليمان من أقاليم الإمبراطورية العثمانية .