وُلد الأديب والفيلسوف
الفرنسي أندريه مالرو ( 1901 _ 1976 ) في باريس ، وتُوُفِّيَ في كريتيل . كانت عائلته برجوازية
، لكنها أفلست . وبسبب انفصال والديه ، عاش في كنف والدته وجدَّته وخالته مِن
دَخْل بقالة صغيرة .
لَم يهتم بدراسته ، فوجد
نفسه في مطلع شبابه من دون شهادة ولا مهنة، فقرَّر الخروج من هذه الحالة والانتصار
على الفقر والحاجة مُتَسَلِّحًا بطموح مُبَرْمَج ومعتمدًا على هوايتيه:الفنون
والأدب.
وقد خدمه في ذلك خيال واسع وذكاء
متوقد . اندفع في الحياة بنهم وإصرار ، وتأنَّقَ بمظهره ولباسه ، وتستَّر على
طفولته وصباه ، وعَدَّها مرحلة مُذِلة في حياته . ارتاد المكتبات يقرأ من دون
هوادة ولا انتقائية ، يبحث في الوقت عَيْنه عن نصوص مَنْسية لكُتَّاب من القرن
التاسع عشر يُعيد نشرها، مُقَدِّمًا لها أو مُعَلِّقًا عليها. أسهم منذ عام 1920
بمقالات أدبية شخصية في مجلتَي" المعرفة" و" الفِعل". كما نشر
أول أعماله " أقمار من ورق " . تزوَّج في عام 1921 كلارا غولدشميت ،
وبدأ معها حياة مُغامرة جامحة، وجاب الزوجان المتاحف ومُحترفات الفنانين يتذوقان
الأعمال والتحف ويُقيمان العلاقات والصداقات التي وسَّعت آفاق الكاتب الفكرية
والفنية والاجتماعية، وطافا المدن والبلدان للتعرُّف على معالمها الأثرية . وفي عام 1923 ،
سافرا إلى الشرق الأقصى ، بذريعة مُهمة استكشافية في لاوس على تخوم كمبوديا،
وحاولا تهريب نقوش وكتابات حجرية أثرية من المعابد ، فَحُكِم على مالرو بالسجن
ثلاث سنوات. لكن العريضة التي أطلقتها زوجته، والتي حملت تواقيع أشهر رجالات الفكر
والفن الفرنسيين ، حالت دون تنفيذ الحكم . بدأت حياة مالرو الأدبية الفعلية مع
عودته إلى باريس في نهاية عام 1925 ، فنشر " إغراء الغرب " ( 1926 ) .
وهو مقاربة على شكل رسائل يتبادلها صيني يزور باريس مع فرنسي يزور الصين، يتعرَّض
الأول لصعود الفردية وغرور الأنا الأوروبية التي تُشارف عتبة الجنون، ويرصد الثاني
ترنُّح العملاق الصيني ، كصرح متهاوٍ ينتظر ساعة الانهيار . ونَشَرَ في العام نفسه " المملكة الغريبة " . موضوعها
ثورة وهمية ، ضمَّنها هواجس لَم تُفارقه طيلة حياته : الغرائبية والحرب والتعذيب
والموت . وفي عام 1928 ، صدرت رواية مالرو الأولى " الفاتحون " التي
جلبت له الشهرة ، وأدخلته ميدان الأدب . استلهم فيها وقائع الإضراب العام في
كانتون وضمَّنها خلاصة تجربته، فحاز بها جائزة الإنترالييه الأدبية .
وفي " الطريق الملكي " ( 1930 )
استوحى مالرو مغامرته الكمبودية، بحثًا عن المعابد الأثرية،وأفرد صفحات للصراع مع
عناصر طبيعية كالأمطار الموسمية والحشرات الزاحفة والغابات.
تَوَّجت " الوضع البشري " ( 1933
) أعمالَ مالرو الروائية، وعُدَّت أهم نتاج فكري له ، ونال عنها جائزة غونكور ،
وقد تحدَّث فيها عن الثورة الشيوعية في شنغهاي وقمع تشانغ كاي تشيك الوحشي لها،
فأدهش جمهور القُرَّاء وأهل الأدب، وتردد اسمه على كل لسان .
التقى مالرو الجنرال شارل ديغول في عام 1945
، فنشأت بينهما صداقة متينة أوصلته إلى حكومة فرنسا الحرة ملحقًا ثقافيًّا، وشغل
منصب وزير إعلام في وزارة الاتحاد الوطني . ونشط سياسيًّا في المرحلة اللاحقة (
1946 _ 1958) في حركة التجمع من أجل فرنسا ، فكان مُلْهِمًا للديغولية . ومع عودة
ديغول إلى الحكم ( 1958 _ 1969 ) استدعى صديقه مالرو وزيرًا مُفَوَّضًا لدى رئاسة
مجلس الوزراء، وأصبح فما بعد مُلْحَقًا للإعلام، وأخيرًا وزيرًا للثقافة .
بعد انسحاب ديغول من رئاسة الجمهورية في عام
1969 ، اعتزل مالرو العمل السياسي، وانكبَّ على نتاجه الفكري يُنقِّحه، يُغنيه
ويعيد توزيعه ، فتشعَّبت الأعمال ، وانتقلت مقاطع ونصوص وفصول من كتاب إلى آخر .
لا تكمن إنجازات مالرو
في أعماله الأدبية فقط ، وإنما أيضًا في الشخصية التي صنعها ، فقد قرر أن يكون
نَفْسَه. وفي عداد الشخصيات الروائية التي جسَّمها تبقى شخصيته هي الأكثر جاذبية
وتألقًا.أدبه ليس لونًا، وفكره ليس فلسفة ولا منهجًا. إنه فكر مرن يعتمد المغامرة
والثورة والوطنية . يجنح إلى المحافَظَة أحيانًا ، وإلى العبثية أحيانًا أخرى .
تُؤرِّخ حياة مالرو بمعنى من المعاني لكل أحداث القرن العشرين، وهو صاحب رؤية موسوعية ، ويمتلك معارف دقيقة في الآثار وتاريخ الفنون والأنثروبولوجيا . وتجنح أعماله إلى السريالية والسُّخرية والغرائبية .