وُلد الفيلسوف الفرنسي
أندريه غلوكسمان ( 1937 _ 2015 ) في
مدينة بولون بيانكور في فرنسا ، وتُوُفِّيَ في باريس .
ينتمي إلى
عائلة يهودية من أصول بولونية.
وفي صباه عاين شراسة النازية خلال احتلال الألمان لباريس، مُظهرًا تعاطفًا مع حركة
المقاومة. وفيما بعد سيكتب عن المعسكرات التي اقترف فيها النازيون أفظع جرائمهم
وأبشعها في التاريخ البشري .
بعد إحرازه على شهادة التبريز في الفلسفة
عام 1961 ، انشغل غلوكسمان بتأليف كتابه الأول " خطاب الحرب " .
وعندما اندلعت
الانتفاضة الطلابية في ربيع عام 1968، انضمَّ إليها ليصبح أحد مُنظِّريها وقادتها
الكبار . وبعد انطفائها، اختار أن يكون ضمن مجموعة " أكسيون " ( الفعل )
التي كانت تدعو إلى ضرورة الاعتماد على " العنف الثوري" لمواجهة
الرأسمالية والإمبريالية والقوى الرجعية.
وكانت المجموعة تشيد في أدبياتها وفي
أطروحاتها الأيديولوجية بالزعيم الصيني ماو تسي تونغ وبنظريته التي بَلْورها ضمن
ما سَمَّاه بـ " الثورة المستمرة " ، والتي طبَّقها في " الثورة
الثقافية " التي ذهب ضحيتها الملايين من الصينيين، وبسببها حوكم العديد من
كبار قادة الحزب الشيوعي الصيني، وأُعدِم البعض منهم في الساحات العامة ، وأُقصي
من الجامعات ومن المؤسسات المرموقة مثقفون وأكاديميون وعلماء بتهمة " مناصرة
البرجوازية والرجعية " .
عاد غلوكسمان إلى رُشده ، وألَّف كتابين
" الطباخة " و " آكل البشر " للبحث في جذور الشر لدى الأنظمة
الشمولية في القرن العشرين، والتنديد بالجرائم الشنيعة التي ارتكبتها في حق الشعوب
، وفي حق المجموعات والأفراد .
وفي
أواسط السبعينيات من القرن الماضي ، انسحب غلوكسمان من مجموعة " أكسيون
" ، ليصبح مِن المقرَّبين مِن سارتر ، ومِن مُريديه المفضَّلين . وكان يُمضي
معه ساعات طويلة في النقاش والجدل حول القضايا الفلسفية والسياسية وغيرها . وفي
المجلة التي كان يرأس تحريرها، أصدر العديد من الدراسات التي تعكس تحولاته الفكرية
، لكن من دون أن يتخلى عن كُرهه للرجعية والبرجوازية . وهذا ما أبرزه في دراسة
خصَّصها لنظام الرئيس جورج بومبيدو ، واصفًا إياه بـ " الفاشي " .
وعند اطلاعه على مؤلفات الكاتب الروسي
سولجنيتسين ، التي رسم فيها صورة مرعبة عن الفترة الستالينية، وعن معسكراتها التي
كانت تستقبل المعارضين للشيوعية، وفيها كانوا يتعرَّضون لأشد أنواع التعذيب ،
ويُعانون من أشكال الإهانة والاحتقار ، أظهرَ معارضةً مُطْلقة للشيوعية ، وصار
ينتقدها بشدة ، وفضح أساليبها الوحشية ، وهذا ما بيَّنه في كتابه "البربرية
بوجه إنساني".
في نهاية السبعينيات ، انضمَّ غلوكسمان إلى
حلقة “الفلاسفة الجدد” ليصبح أحد أقطابها ، بعد الفراغ الكبير الذي خلَّفه
الفلاسفة الكبار الذين كانوا يتمتَّعون بشهرة واسعة ، وسيطروا على المشهد الفلسفي
والثقافي بعد الحرب العالمية الثانية .
في مطلع التسعينيات، دخل غلوكسمان إلى
الشيشان سرًّا ليكتب سلسلة من التحقيقات ، صوَّر فيها معاناة الشيشانيين في ظل
الحرب القائمة في بلادهم ضد الجيش الروسي، مُظهرًا تعاطفًا مع المقاومين
الإسلاميين .
وفي كتابه الذي أصدره من وحي أحداث الحادي
عشر من سبتمبر 2001، والذي حمل عنوان " دوستويفسكي في مانهاتن " ، بدا
غلوكسمان وكأنه يُبرِّر العمليات الإرهابية، لذلك فجَّر كتابه معركة حامية ضِده ،
فبات مُعَرَّضًا لأقسى الشتائم .
في كتابه الأخير " الهجوم المضاد
لفولتير " ، يستنجد غلوكسمان بفولتير للخوض في القضايا السياسية والفكرية
والاجتماعية التي تعيشها فرنسا والبلدان الأوروبية في الوقت الراهن، وللدفاع عن
قيم الحريات المهدَّدة ، وأيضًا لمواجهة التَّزَمُّت الديني الذي يشهد تصاعدًا
مُخيفًا .
وقال غلوكسمان : (( في منتصف القرن العشرين
، كان المثقفون يَرَوْنَ أن فولتير ، خلافًا لهيغل وماركس وهايدغر، لَم يكن فيلسوفًا
بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل كان مُجرَّد مفكر مندفع وتلقائي . لذلك أَبَوْا تدريسه
في قسم الفلسفة بالجامعات ، بل فقط في الأقسام النهائية للتعليم الثانوي. وأنا
أُناهض مثل هذا الإقصاء، ومثل هذا التهميش، وأعتقد أن فولتير فيلسوف أكثر معاصرة
من كل المفكرين المتشبثين بالأساليب والنُّظم الجامدة )) .
دافع غلوكسمان عن المهاجرين السريين ، وعن الغجر الذين طردهم الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي من فرنسا، ودعا إلى نشر السلام في جميع المناطق الأفريقية، وفي منطقة الشرق الأوسط، كما دعا إلى إعداد سياسة مُوحَّدة للهجرة ، وينبغي على بلدان أوروبا الشمالية أن تساهم في المجهود الذي تقوم به البلدان المتوسطية .