وُلد الروائي الإيطالي
إيتالو كالفينو (1923_ 1985) في كوبا،
ونشأ في سان ريمو بإيطاليا. كان والده مهندسًا زراعيًّا وعالِم نباتات، كما قام
بتدريس الزراعة وزراعة الزهور. وكانت والدته عالِمة نباتات وأستاذة جامعية .
في عام 1941 ، التحقَ كالفينو بجامعة تورينو
، حيث اختار كلية الزراعة . وكان والده قد سبق له تدريس دورات في الهندسة
الزراعية. أخفى طموحاته الأدبية لإرضاء عائلته ، واجتاز أربعة امتحانات في سنته
الأولى بينما كان يقرأ أعمالاً مُناهضة للفاشية . انتقلَ كالفينو إلى جامعة
فلورنسا في عام 1943 ، وقدَّم على مضض ثلاثة امتحانات في الزراعة . وبحلول نهاية
العام ، نجح الألمان في احتلال ليغوريا وإقامة جمهورية سالو التابعة لموسوليني في
شمال إيطاليا . رفض كالفينو الخدمة العسكرية ، وتوارى عن الأنظار خوفًا من التجنيد
.
حصل
كالفينو على شهادة الماجستير في عام 1947، وكانت أُطروحته عن جوزيف كونراد. وكتب
قصصًا قصيرة في وقت فراغه ، وحصل على وظيفة في قسم الدعاية في إحدى دُور النشر.
اهتم كالفينو في الستينيات بالمدارس النقدية
والفلسفية الجديدة في فرنسا عمومًا ، وبرولان
بارت وجاك دريدا على وجه الخصوص .
مِمَّا أثَّرَ كثيرًا على طبيعة أعماله الروائية ، ومنحها عُمْقًا فلسفيًّا ،
وأسبغَ على نظرته إلى الأشياء والعالَم طابعًا جِدِّيًّا مختلفًا عمَّا هو سائد.
اشْتُهِر بروايته الثلاثية " أسلافنا
" ( 1952_ 1959). وقد استغرب الكثيرون مِن مُتابعيه عدم حصوله على جائزة نوبل
للآداب ، وموته في الثمانينيات من القرن الماضي ، وذهابها بعد ذلك بسنوات قليلة، أي
عام 1997 إلى مواطنه داريو فو، الكاتب والممثِّل المسرحي، الذي قَبْل منحه جائزة
نوبل كان مغمورًا خارج بلده . يمتاز كالفينو برواية الخيال التاريخي ، والمزج
الرائع بين الواقع والأسطورة ، عبر لغة جميلة وسرد روائي مُحكَم ، مِمَّا جعل
كالفينو يتربع على عرش الرواية الإيطالية والعالمية مع كبار الروائيين ، ويُسجِّل
اسمه في سِجل الخلود الأدبي العالمي .
قال عنه كارلوس فوينتس : (( إن القارئ لا
يجد صعوبة في أن يُدرِك بأن رواية ما غير مُوقَّعة هي مِن روايات الكاتب الإيطالي
إيتالو كالفينو . إذ يكفي بعد قراءتها أن يشعر بالحسد تجاه هذا الكاتب الذي استطاع
أن يهتديَ إلى الفكرة قبل أن تهتديَ إليها أنت . و هكذا تكون كل روايات إيتالو
كالفينو ما ترغب أنت أيضًا و بشدة في أن تكتبه )) .
يتحدث كالفينو عن
اقتران الأدب بالسياسة في الحياة المعاصرة.وبعد أن يستعرض سلبيات تأثير السياسة
على الأدب ، يرى أن الأدب مع ذلك ضروري للسياسة عندما يُعطي صوتًا لِمَا هو مِن
دُون صوت ، وعندما يُعطي اسمًا لمن لا اسم له ، ويُشبِّه الأدب في هذه الحالة بالأُذُن
التي تستطيع سماع أشياء أبعد من نطاق فهم لغة السياسة ، أو هو شبيه بالعَين التي
تستطيع أن تُبصِر أبعد من نطاق الطيف الذي تلاحظه السياسة. ويستدرك بأن هناك
أيضًا نوعًا آخر من التأثير الذي يمكن للأدب أن يُمارسه ، من جانب الكاتب،وهذا
يتمثل في القدرة على فرض نماذج من اللغة والرؤية والخيال والجهد العقلي والترابط
المنطقي للحقائق ، بابتكار نموذج من القيم ، هي في وقت واحد جمالية وأخلاقية
وضرورية لأي خطة عمل ، خاصة في الحياة السياسية .
ويرى أن أية نتيجة تُكتسَب عن طريق الأدب،
قد تُعتبَر أرضًا صلبة لجميع الأنشطة العملية لأي شخص يركن إلى عقله ، ويكون
قادرًا على استيعاب الفوضى التي تسود هذا العالَم .
في عام 1947 ، كتبَ كالفينو روايته الأولى
" الطريق إلى عُش العناكب " ، وباعَ منها خمسة آلاف نسخة، وهو نجاح
مُفاجئ في إيطاليا ما بعد الحرب. وعلى مدى سبع سنوات، كتب كالفينو ثلاث روايات
واقعية: العربة البيضاء(1947_1949).الشباب في تورينو (1950_1951). قلادة الملكة (
1952_ 1954 ) .
في الفترة ( 1955 _ 1958 ) كان كالفينو على علاقة مع الممثلة الإيطالية إلسا دي جيورجي ، وهي امرأة مُسِنَّة متزوجة . وقد نَشرت مقتطفات من مئات رسائل الحب التي كتبها لها كالفينو . خاب أمل كالفينو من الغزو السوفييتي للمجر عام 1956 ، وغادرَ الحزب الشيوعي الإيطالي . وفي خطاب استقالته ، شرح سبب مُعارضته : " قمع الانتفاضة الهنغارية والكشف عن جرائم جوزيف ستالين " ، بينما أكَّد ثقته في " وجهات النظر الديمقراطية للشيوعية العالمية " . انسحبَ كالفينو من الحياة السياسية ، ولَم ينضم قَط إلى حزب آخر . على الرغم من القيود الصارمة في الولايات المتحدة ضِد الأجانب الذين يَحملون وجهات نظر شيوعية ، سُمح لكالفينو بزيارة الولايات المتحدة ، حيث بقي ستة أشهر من 1959إلى 1960. خلال صيف 1985،أعدَّ كالفينو سلسلة من النصوص حول الأدب من أجل تقديم محاضرات في جامعة هارفارد في الخريف . وفي 6 سبتمبر / أيلول ، أُدْخِل إلى المستشفى ، حيث تُوُفِّيَ أثناء الليل بين 18 و19 سبتمبر بسبب نزيف دماغي . نُشِرت محاضراته بعد وفاته باللغة الإيطالية في عام 1988 ، وباللغة الإنجليزية تحت عنوان "المذكرات الست للألفية التالية" في عام 1993 .