وُلِد الأديب
الأيرلندي أوسكار وايلد ( 1854 _ 1900 ) في دبلن ( عاصمة أيرلندا ) . كان والده
طبيبًا مرموقًا ، وقد مُنِح لقب فارس لعمله كطبيب استشاري بهيئة التعداد السكاني
الأيرلندية . لكنه خسر مكانته وسُمعته ، حيث قام باغتصاب مريضة بعد أن خَدَّرها .
أمَّا والدته ، فكانت شاعرة ، وكان لها تواصل عن قُرب مع حركة التمرد الأيرلندية
الشابة عام 1848 .
كان وايلد طفلاً نبيهًا ومُحِبًّا
للقراءة.أحبَّ الدراسات اليونانية والرومانية أثناء دراسته بمدرسة بورتورا
الملكية.وفي آخر عامين له بالدراسة هناك،ربح جائزة أفضل طالب للدراسات الكلاسيكية.
وفي عامه الأخير ربح المركز الثاني في الرسم . حصل بعد تخرُّجه عام 1871 على منحة
المدرسة الملكية ، ليدرس في كلية ترينتي في دبلن. وبعد انقضاء عامه الأول بها
1872، حصل على المركز الأول في اختبارات الدراسات الكلاسيكية ، كما حصل على منحة
دراسية من مؤسسة الكلية . بعد تخرُّجه من جامعة أكسفورد، انتقل وايلد إلى لندن
ليعيش مع صديقه فرانك مايلز، الرَّسام المشهور بين الطبقة الراقية بلندن . استطاع
هناك التركيز على كتابة الشِّعر ، وأصدر أول دواوينه " قصائد " عام 1881
. وبالرغم من تواضع النجاح الذي حقَّقه هذا الديوان ، إلا أنه قدَّم وايلد كأحد
الكُتَّاب الواعدين .
في عام 1882 ، سافرَ وايلد إلى نيويورك
ليشارك في جولة محاضرات في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث أعطى 140 محاضرة
رائعة خلال تسعة أشهر. وفي الوقت الذي لَم يُلقِ به محاضرات، قابل وايلد العديد
من الشخصيات الأدبية الأمريكية البارزة.
بعد انقضاء جولته الأمريكية ، عاد وايلد إلى
موطنه ليقوم بجولة مُمَاثِلة بإنجلترا وأيرلندا امتدَّت حتى منتصف عام 1884 .
تناولت جولته أعماله الشعرية ، كما قَدَّم مِن خلالها نَفْسَه كَمُؤيِّد للحركة
الإستاطيقية _ نِسبة إلى عِلم الْجَمَال _ . وتتبع هذه الحركة نظرية تركيز الفن
والأدب على الجمال فقط ، بغض النظر عن الترويج لأي وجهة نظر سياسية أو اجتماعية .
في بداية عام 1888 _ وكان لا يزال يعمل في
رئاسة تحرير ليديز وورلد مُنذ عام 1885 _ دخل وايلد في حالة ثورة إبداعية لمدة سبع
سنوات ، أنتج خلالها أعظم أعماله الأدبية . فصدر له " الأمير السعيد وحكايات أخرى" عام
1888،وهي مجموعة قصصية للأطفال.ونُشرت له مجموعة مقالات تحت عنوان " نوايا
" عام 1891 ، تتحدث عن مبادئ الإستاطيقية .
وفي العام نفسه أصدر روايته الأولى والوحيدة
" صورة دوريان جراي " ، التي تحكي عن شاب وسيم يُدعى دوريان جراي يتمنى
أن تكون له صورة تشيخ بدلاً منه، ويظل هو في شبابه، وبالفعل تتحقق أمنيته . وعلى
الرغم مِن أن هذه الرواية تُعَدُّ الآن من أعظم الكلاسيكيات، إلا أنها أثارت غضب
النُّقاد لِمَا تُمثِّله مِن تَدَنِّي أخلاقي . وقد دافع وايلد عن موقفه بعنف في
مقدمة الرواية التي تُعتبَر أحد أعظم الأعمال المدافِعة عن الإستاطيقية .
نشر وايلد أُولى مسرحياته " مروحة
السيدة ويندرمير" عام 1892 ، واستقبلها النُّقاد باحتفاء كبير ، الشيء الذي
دعا وايلد إلى اتخاذ الكتابة المسرحية كنوعه الأدبي الأساسي في كتاباته .
خلال السنوات التالية أصدر وايلد عدة
مسرحيات كوميدية ساخرة تحمل بين سطورها رسائل جادة ، مِن أهم هذه المسرحيات :
" امرأة بلا أهمية " عام 1893 ، " زوج مثالي " عام 1895، وأشهرها" أهمية أن تكون
جادًّا" عام 1895 . وقد أقنعت مسرحية
" امرأة بلا أهمية " الناقد وليام أرشر أن مسرحيات وايلد يجب اعتبارها
ضمن أرقى نتاج الدراما الإنجليزية الحديثة .
تتمحور أغلب أعمال وايلد عن كشف إثم مخفي أو
طَيشٍ ما ، وخزي ناتج عن هذا الإثم . فإذا اعتبرنا أن الواقع يُحاكي الفن ، كما
أكد وايلد في مقاله " اضمحلال الكذب " ، فقد كان يُشخِّص تَهَوُّرَه هو
شخصيًّا في مُلاحَقة المتعة ، ففي الوقت الذي كان يتمتع فيه بأعظم نجاح أدبي، كان
وايلد على علاقة بشاب يدعى لورد ألفريد دوجلاس. وكان والد دوجلاس هو ماركيز مدينة
كوينزبيري الذي اتَّهَم وايلد بفعل قَوم لوط، حِين عَلِمَ بالأمر ، ورفع عليه دعوى
بهذا الاتهام.
وعلى الرغم مِن أن شذوذ وايلد الجنسي كان
مِثل السِّر الْمُذاع، إلا أن هذه الدعوى أثارت غضبه، حتى إنه رفع دعوى مقابلة
ليتهم فيها والد دوجلاس بالتشهير به . سقطت قضية التشهير ، وحُكِمَ على وايلد
بالحبس لمدة عامين بعد أن استطاع والد دوجلاس أن يثبت التهمة عليه من خلال رسائل
وايلد إلى دوجلاس وكتاباته الأدبية نفسها .
خرج وايلد مِن السجن عام 1897 ، ضعيفًا
ومنهارًا ومُفْلِسًا تمامًا . وذهب إلى فرنسا حيث عاش في منفاه ما تبقى من حياته .
وكان قليلاً ما يَكتب في هذه السنوات الأخيرة ، فكان أهم كتاباته هي قصيدة
أتَمَّها عام 1898 عن تجربته في السجن، بعنوان" أنشودة سجن ريدينج جول".
تُوُفِّيَ وايلد إثر معاناته من الالتهاب السحائي في 30 نوفمبر عام 1900م وهو في السادسة والأربعين مِن عُمره .