وُلِدَ الكاتب الفرنسي أندريه جيد ( 1869_
1951) في باريس لعائلة بروتستانتية غنية . وقد تُوُفِّيَ والده وهو في سن الحادية
عشرة ، وهذا الأمر أثَّرَ عليه سلبًا طيلة فترة حياته ، كما كان سببًا في
تَلَقِّيه تربية قاسية ومتشددة . إذ كانت والدته سيدة متسلطة ، استغلت غياب الأب ،
لتتحكم بمسار ابنها ومصيره دون شفقة ولا رحمة .
أُصيب جيد بأمراض مختلفة في طفولته ، جعلت
صحته مضطربة ، فكانَ يشعر منذ صغره أنه مختلف عن الآخرين . فقد كان يرى الأطفال
يلعبون ويضحكون بكل صحة وحيوية ، أمَّا هو فكان يصارع الأمراض التي احتلت جسده
الضعيف .
لم تكن دراسته منتظمة في المدرسة ، فعاشَ
طفولةً مُشوَّشة . وفي واقع الأمر ، لم يكن بحاجة إلى شهادة دراسية ولا مهنة، لأن
والده ترك له ثروةً كبيرة تَسمح له بالعَيش الرغيد ، لذلك لم يبحث عن عمل ، ولم
يمارس أية مهنة ، وتفرَّغَ بشكل كامل للقراءة والمطالعة ، دون التفكير بتحصيل قُوت
يَومه . وفي سن الرابعة عشرة ، أحبَّ ابنة عمِّه . ومن قصة حُبِّه ، استوحى عمله
الأدبي الأول " دفاتر أندريه فالتير " ( 1891) ، وبطل هذه القصة يحب
ابنة عمِّه ، ويتكلم عن شعوره بالحزن والاكتئاب، وطموحاته المستقبلية. وعندما
يتخلى عنها يُصاب بالجنون ، وتنتهي حياته بالموت. وهذه القصة بمثابة سيرة ذاتية،
يتحدث فيها جيد عن نَفْسِه بلسان بطل القصة . لكنَّ الاختلاف بين الواقع والخيال
هو أن " جيد " قد تزوج ابنه عمِّه عام 1895، ولَم يَتركها ، ولم يُصَبْ
بالجنون ، كما حصل مع بطل قصته . وقد سمح له كتابه الأول بدخول الوسط الأدبي من
أوسع أبوابه ، والتعامل مع أبرز المثقفين والأدباء .
في عام 1893 ، اكتشف جيد هويته المثلية عن
طريق استغلال المراهقين جنسيًّا ، وإقامة علاقات شاذة معهم . وأثناء رحلة إلى
الجزائر تعرَّف على الكاتب أوسكار وايلد، واقتنعَ نهائيًّا بضرورة أن يعيش على
هواه ، وحسب طبيعته، لذلك رسم حياته باعتباره مثليًّا.ومن الواضح أنَّه كان
يُفرِّق بين اللذة والحب. فقد أحبَّ ابنة عمِّه وتزوَّجها، ومَعَ هذا سعى إلى
الحصول على اللذة الجسدية عن طريق العلاقات الجنسية الشاذة .
يُعتبَر جيد من أبرز الكُتَّاب الفرنسيين في
النصف الأول من القرن العشرين ، ويتميز أسلوبه بالبساطة والوضوح والسخرية أحيانًا ،
ويَتوزَّع إنتاجه الأدبي على الشِّعر
والقصة واليوميات وأدب الرحلات ، حيث أصدر عِدَّة كتب وصف فيها رحلاته إلى بلدان
شمال أفريقيا . وتدور كتاباته حول مواضيع الحب والاغتراب الروحي والحياة والموت
والشذوذ الجنسي والإشادة بِه .
وعُموماً
، يُعتبَر جيد قَاصًّا وليس روائيًّا . وقد ظهرت في كتاباته تعلقه الواضح بأفكار
الفيلسوف الألماني نيتشه ، وتأثره بالروائي الروسي دوستويفسكي ، لذلك كانت الشخصيات الخيالية التي رسمها
جيد مرتبطة بما سَمَّاه " الأفعال العبثية " ، وهذه الأفعال تشمل القتل
والقوانين المهمَلة والأفكار التقليدية عن الأخلاق .
والمشكلة الحقيقية في حياة جيد وكتاباته هي
التناقض الصارخ . فهو يميل إلى المثالية والطهارة بِحُكم تربيته البروتستانتية
المتشددة ، ومن جهة أخرى ، يميل إلى الشهوات الجنسية الشاذة ، والبحث عن الملذات
الجسدية الممنوعة والمرفوضة دينيًّا واجتماعيًّا .
إن كتاباته تتأرجح بين تناقضات تربيته
الصارمة ومشاعره الحِسِّية . والتناقضُ المسيطر على حياته انتقلَ إلى كتاباته . فمثلاً
، قصته " اللاأخلاقي " تُركِّز على متعة الجسد ، في حين أن قصته " المضيق هو البوابة " ، تُركِّز على
أهمية إخماد الرغبة الجسدية . ويظهر التناقض أيضًا في حياته الشخصية ، حيث اعتنق
الشيوعية لفترة وهو البرجوازي الثري ، ثم تخلى عنها إلى الأبد ، بعد أن اقتنع
بوحشية النظام الستاليني .
والجديرُ بالذِّكر أن " جيد " هو
الذي عرَّف القُرَّاء الفرنسيين بأدب طه حسين ، خصوصًا حين كتب مقدمة الترجمة
الفرنسية لكتاب الأيام لطه حسين، وهذه المقدمة بحد ذاتها تُعتبَر قطعة فنية.
لم يشتهر
جيد ولم يكتب أعماله المهمة إلا بعد سن الأربعين . وفي عام 1909 ، بدأت مرحلة
جديدة في حياته الأدبية بكتابة رواية " الباب الضَّيق"،ثم استطاع إصدار
مجلة أدبية بعنوان "المجلة الأدبية الفرنسية" ، التي أصبحت أشهر مجلة
أدبية في فرنسا خلال القرن العشرين .
وفي عام
1947 ، وبعد حصوله على الدكتوراة الفخرية من جامعة أكسفورد ، فاز بجائزة نوبل
للآداب .
من أبرز أعماله الأدبية : ثمار الأرض ( 1897) . عودة الابن الضال ( 1907) . إيزابيل ( 1911) . سمفونية الحقول ( 1919) . أوراق الخريف ( 1949) .