وُلد
الفيلسوف النوميدي اللاتيني أوغسطينوس أو أوغسطين(354 م_ 430 م) في طاغاست حاليًّا
سوق أهراس بالجزائر، التي كانت مدينةً تقع
في إحدى مقاطعات مملكة روما في شمال أفريقيا.
كانت أُمُّه مونيكا أمازيغية
ومسيحية مؤمنة . أمَّا والده، فكان وثنيًّا اعتنق
المسيحية على فراش الموت. ورغم نشأته المسيحية ، فإنه ترك الكنيسة ليتبع الديانة المانوية خاذلاً أُمَّه
.
تلقى تعليمه في روما ، وتعمَّد في ميلانو . وعندما
بلغ الحادية عشرة من عُمره أرسلته أسرته إلى مداوروش،
مدينة نوميدية تقع 30 كم جنوبي طاغاست . وفي عُمر السابعة عشرة ذهب
إلى قرطاج لإتمام دراسة
علم البيان .
في شبابه عاش أوغسطينوس حياة استمتاعية ،
وفي قرطاج كانت له
علاقة مع امرأة ستكون عشيقته لمدة خمسة عشر عامًا . وخلال هذه الفترة ، ولدت له
عشيقته ابنًا حمل اسم أديودادتوس.
كان تعليم أوغسطينوس في موضوعَي الفلسفة وعلم البيان،
عِلم الإقناع والخطابة. بعد أن عمل في التدريس في طاغاست وقرطاج ، انتقل عام 383 إلى روما ، لظنِّه أنها
موطن خيرة علماء البيان . إلا أنه سُرعان ما خاب ظنُّه من مدارس روما ، وعندما
حان الموعد لتلاميذه لكي يدفعوا ثمن أتعابه قام هؤلاء بالتهرُّب من ذلك . وعندئذٍ
، قام أصدقاؤه المانويون بتقديمه لوالي روما،
الذي كان يبحث عن أستاذ لعلم البيان في جامعة ميلانو، تَمَّ تعيينه أستاذًا هناك ،
واستلم منصبه في أواخر عام 384 . في ميلانو ، بدأت
حياة أوغسطينوس بالتحول. من خلال بحثه عن معنى الحياة بدأ يبتعد عن المانوية منذ
أن كان في قرطاج ، خاصة
بعد لقاء مخيِّب مع أحد أقطابها . وقد استمرت هذه التوجهات في ميلانو . توجَّهت
أُمُّه إليها لإقناعه باعتناق المسيحية، كما كان للقائه بأمبروسيوس، أسقف ميلانو
أثر كبير على هذا التحول.لقد أُعْجِب أوغسطينوس بشخصية أمبروسيوس وبلاغته، وتأثرَ
من مواعظه ، فقرَّر ترك المانوية إلا أنه لَم يعتنق المسيحية فورًا ، بل جرَّب
عِدَّة مذاهب وأصبح متحمسًا للأفلاطونية
المحدَثة . في
صيف 386 ، بعد قراءته سيرة القديس أنطونيوس
الكبير وتأثره بها
قرَّر اعتناق المسيحية، وترك علم البيان ومنصبه في جامعة ميلانو ، والدخول في سلك
الكهنوت. لاحقا سَيُفَصِّل مسيرته الروحية في كتابه الاعترافات .
قام أمبروسيوس بتعميده وتعميد ابنه في عام
387 في ميلانو . وفي عام 388 ، عاد إلى أفريقيا ، وقد تُوُفِّيت أُمُّه وابنه في
طريق العودة ، وقد تركاه دون عائلة .
بعد عودته إلى طاغاست ، قام بتأسيس دَير .
وفي عام 391 تَمَّت تسميته كاهنًا في إقليم
هيبو( اليوم عنابة في الجزائر ) .
أصبح واعظًا
شهيرًا ، وقد تَمَّ حفظ أكثر من 350 موعظة تُنسَب إليه ، ويعتقد أنها أصلية . وقد
عُرِفت عنه محاربته المانوية التي كان قد اعتنقها في الماضي .
وفي عام 396 ، تَمَّ تعيينه أسقفًا مساعدًا في
هيبو ، وبقي أسقف هيبو حتى وفاته . ورغم تركه الدَّير إلا أنه تابع حياته الزاهدة
في بيت الأسقفية. والأنظمة الرهبانية التي حدَّدها في دَيْره أهَّلته أن يكون شفيع
الكهنة .
تُوُفِّيَ أوغسطينوس في 18 آب 430 عن عُمر
يناهز السادسة والسبعين، بينما كان الفاندال ( إحدى القبائل الجرمانية الشرقية ) يُحاصرون هيبو . شجَّع
أهل المدينة على مقاومة الفاندال ، وذلك لاعتناقهم الأريوسية.
ويُقال أيضًا إنه تُوُفِّيَ في اللحظات التي كان الفاندال يقتحمون أسوار
المدينة .
يُلقَّب " القديس أوغسطينوس "
بابن الدموع ، نِسبةً إلى دموع أُمِّه التي كانت تذرفها لمدة عشرين سنة رغبةً منها
خلال صلاتها أن يَرجع ابنها إلى ديانته الأولى وهي المسيحية .
إن أوغسطينوس شخصية
مركزية في المسيحية ، وتاريخ الفكر الغربي على حد سواء . وقد تأثرَ فكره اللاهوتي
والفلسفي بالرواقية والأفلاطونية والأفلاطونية
المحدَثة،
وخصوصًا فكر أفلوطين مؤلف التاسوعات .
تعتبره
الكنيستان الكاثوليكية والأنغليكانية قديسًا ، وأحد
آباء الكنيسة البارزين ، وشفيع المسلك الرهباني الأوغسطيني . ويعتبره الكثيرون من
البروتستانت ( خصوصًا الكالفنيين ) أحد المنابع اللاهوتية لتعاليم الإصلاح
البروتستانتي حول النِّعمة والخلاص . وتعتبره
بعض الكنائس
الأرثوذكسية مثل الكنيسة
القبطية الأرثوذكسية قديسًا
.
تُعتبَر " الاعترافات" أهم مؤلفات أوغسطينوس على الإطلاق،وهي أول سيرة ذاتية في الغرب، ولا تزال مقروءة في شتى أنحاء العالم . ويحكي فيها عن حياته ، ويُبيِّن كيفية عَرَفَ اللهَ ، وانتقل بعد ذلك إلى الفكر المسيحي . وتتكوَّن من ثلاثة عشر كتابًا ، وهي مكتوبة باللغة اللاتينية في الفترة ( 397 _ 400 ) .