وُلد الروائي الأمريكي
هِرمان مِلفيل (1819 _ 1891) في مدينة نيويورك.عاش
أولى سنين حياته في جو عائلي مضطرب.في عام 1832 بعد وفاة والده، اضطره جفاء والدته
وسُوء معاملتها إلى الابتعاد عن المنزل ، والسكن في مزرعة يملكها أحد أقربائه ،
وفيها عاش أسعد سنين حياته .
شَبَّ الفتى ،
وتنقَّل في مهن كثيرة ، ولكن حب البحر كان في يجري في عروقه ، فانضمَّ عام 1841
إلى طاقم " الأكوشنت " الْمُقلِعة نحو البِحار الجنوبية حيث استوحى أعظم
رواياته .
في تلك الرحلة عومل ملفيل معاملة وحشية ،
فاغتنم فرصة رُسُوِّ السفينة في ميناء ماركيساس وهرب منها بصحبة رفيق له، ليسقط
أسيرًا لدى قبيلة من أكلة لحوم البشر لمدة أربعة أشهر. هرب بعدها بواسطة سفينة
أسترالية لصيد الحيتان .
في عام 1843 ، خدم ملفيل في البحرية
الأمريكية ، وحين سُرِّحَ من الخدمة في العام التالي ، قصد منزل شقيقه في لانسبرغ وعاش معه .
وفي عام 1847 تزوَّج ملفيل مِن إليزابيث شاو ورُزق منها
بصبيين ماتا في الطفولة ثم بفتاتين. بعد ذلك ، انتقل ملفيل إلى إنجلترا وعاش في مزرعة أروهد في بيتسفيلد،
وهناك كتب رائعته الشهيرة "موبي ديك "، ولكن
الحظ السيء لازمه بعد ذلك فتعرَّض لانتكاسات اقتصادية ، ومُنِيَ بخسارة كبيرة حين
احترق مستودع الكتب الذي يملكه ، واحترقت جميع محتوياته .
يُعَدُّ ملفيل من
الكُتَّاب الذين يصعب وصفهم وإعطاء نمط قصصي مُعيَّن لهم،فأدبه ينتقل من
الرومانسية إلى الفلسفة إلى السيرة ، حيث يجول ملفيل في أعماق نفسه ويصف فلسفته في
الحياة . تمتاز
أعمال ملفيل بمستواها الأدبي الرفيع، حيث
تمتزج فيها الحقيقة والخيال والمغامرة والرمزية البارعة. كتب ملفيل عن تجاربه
بطريقة جذابة جعلته أحد أكثر الكُتَّاب شعبية في زمانه. وقد أضفى على مغامراته خيالًا خصبًا وشكلًا فلسفيًّا ، إلى جانب مهارة فائقة
في استعمال اللغة الإنجليزية .
تُعتبَر روايته" موبي ديك " (
1851 ) أشهر أعماله على الإطلاق ، وهي التي صنعت شُهرته العالمية . وتدور حول صراع
تراجيدي بين حوت وإنسان ، وتتخذ من هذا
الصراع الحضاري وسيلة لتأمل الوضع البشري وعلاقته بالوجود ، وتحوُّله إلى كيان
رمزي مُعقَّد ، وتتحدث عن كيفية العَيش _ مُطْلَق العَيش _ ، وعن المشروع الأمريكي
الذي وجد في عمل ملفيل شكلاً من أشكال التعبير عن نفسه في منتصف القرن التاسع عشر
، أي حين كانت أمريكا تكتشف ذاتها كقوة كَونية وإمبراطورية إمبريالية . فكانت
رواية " موبي ديك " وروايات ملفيل الأخرى بمثابة نُبوءة لِمَا ستصير
إليه هذه القوة الكامنة . تحتل " موبي ديك "
مكانةً مرموقة بين كلاسيكيات الأدب العالمي، بالإضافة إلى كَونها الملحمة الكبرى
المكتوبة حول الصراع والتحدي بين حوت وإنسان . ويقول الأمريكيون عنها : (( إنها
ملحمتنا الأمريكية الوحيدة )) . غير أن الرواية لاقت من الإهمال بعد صدورها ما جعل
نفس كاتبها تمتلئ باليأس والإحساس بالعجز، ليقضيَ بقية حياته مُوَظَّفًا في سلك
الجمارك الأمريكية، ويموت مُهْمَلاً مجهولاً في العَقد الأخير من القرن التاسع عشر
.
وخلال
زهاء ستين عامًا من صدور " موبي ديك " للمرة الأولى، لَم يُلتفت إليها ،
ولَم يُنظر إليها بصفتها روايةً عظيمةً سوى عام 1907 . أي بعد مرور 16 عامًا على
رحيل مؤلفها، عندما تم إدراجها ضمن سلسلة " إيفري مان لايبراري "
الشهيرة التي تنشر الكلاسيكيات الكبرى .
ولَم يهتم النُّقاد بالرواية إلا في
العشرينيات من القرن العشرين ، حين بدأ الباحثون والنُّقاد وأساتذة الجامعات
يكتبون عن هذا العمل الروائي المدهِش الذي طوَّر شكل الكتابة الروائية في منتصف
القرن التاسع عشر ، وجعل الرواية
الأمريكية تحتل مكانةً
مرموقةً في تاريخ الرواية العالمية.
تُرجِمت الرواية إلى عشرات اللغات . وفي
مجال السينما، قُدِّمت العديد من الأفلام المقتبسة عن الرواية ، أبرزها الفيلم
السينمائي الذي أخرجه جون
هيوستن عام 1956
بالعنوان نفسه . وحصل الفيلم على عِدَّة جوائز.
وفي عام 2015 ، أُعيد تقديم الرواية برؤية سينمائية جديدة تحت عنوان " في قلب
البحر ".
مِن أبرز أعماله : خيمة الهندي ( 1847 ). أومو ( 1847). السترة البيضاء ( 1850). موبي ديك "الحوت الأبيض " ( 1851 ) . قصص من بياز ( 1856 ) .