وُلد الكاتب المسرحي
النرويجي هنريك إبسن ( 1828 _ 1906) في مدينة شين بالنرويج. وفي عام 1844 أصبح
صيدليًّا مُساعدًا في مدينة غريمستاد .
تمتاز نظرة إبسن للحياة بالعُمق والشمول،
ويمتاز مسرحه بدقة المعمار والاقتصاد مع تعبير شاعري دقيق . وقد كتب أولى مسرحياته
" كاتالينا" عام 1850 . وجاءت
ميلودراما مليئة بالإمكانيات التي لَم يرها معاصروه . لكن شهرته بدأت مع
ثاني مسرحية له " عربة المحارب " ( 1850). وفي عام 1851 ، عمل كمساعد في
مسرح بيرجين ، ثم سافر إلى الدنمارك وألمانيا لدراسة التكنيك المسرحي. وفي عام
1854 كتب مسرحية " السيدة إنجر من ستوارت"، وهي مسرحية تجري أحداثها في
العصور الوسطى في النرويج . وفي عام 1855 ، كتب مسرحية تتناول موضوعًا من العصور
الوسطى بطريقة رومانسية شاعرية مليئة بالحديث عن أمجاد النرويج السابقة .
في عام 1862 ، أفلسَ مسرح بيرجين ، وأصبح
إبسن مديرًا فنيًّا للمسرح النرويجي في مدينة أوسلو ، وفي نفس العام قدَّم له
المسرح مسرحية شعرية ساخرة تُظهِر الجانب الآخر مِن فَنِّه. قُوبلت المسرحية ببعض
العداء، ولكنها نجحت في لفت الأنظار إلى إبسن .
وفي عام 1863، قُدِّمت له مسرحية تاريخية
تمتاز بالتحليل النفسي والشاعرية. وفي نفس العام حصل إبسن على منحة مكَّنته من
زيارة إيطاليا وألمانيا.وبعد ظهور مسرحيته براند (1860) تلقَّى معاشًا ثابتًا من
الدولة أمَّن له مستقبله .
وصف النُّقاد كُل مسرحية من مسرحيات إبسن
بالقنبلة الموقوتة، فكل منها تُفجِّر قضية ما وتُثير ردود فعل عنيفة، فقد اختار
إبسن " تمزيق الأقنعة " كلها ، وكشف الزيف الاجتماعي داعيًا إلى
الاعتدال والوسطية بعيدًا عن التطرف .
وفي عام 1879 ، عُرضت مسرحية " بيت
الدُّمية " والتي أثارت غضب المشاهدين ، فرموا الممثلين بالطماطم مُعتبرين
المسرحية إهانة تمس مكانة المرأة، وتُهدِّد الطمأنينة العائلية، إذ ترفض
"نورا" الزوجة القليلة الخبرة أن تحيا حياة زائفة مع زوجها المثقف،
وتكتشف أنه لا يُكِن لها احترامًا حقيقيًّا ، ولا يُؤمن بحقها في أن تفكر أو تتخذ
أي قرار . لقد مزَّق إبسن القناع عن حياة زوجية عاشت فيها الزوجة كاللعبة في البيت
أكثر منها شريكة لزوجها الذي لَم تدَّخر أي جهد لتسعده في حين يتعامل معها هو
كالدُّمية التي لا تفهم شيئًا ، لتكتشف "نورا" خديعتها في زوجها ، وتجد
أن ما كانت تعتبره سعادة كان وَهْمًا.ونظرًا للجدل الذي أثارته هذه المسرحية فقد
استغلتها الحركات النسائية المتطرفة في العصر الحديث أسوأ استغلال ، حيث فسَّرت
المسرحية بعيدًا عن مقاصد إبسن الحقيقية. ولَمَّا قُوبِلت هذه المسرحية، لا
سِيَّما في ألمانيا، بعاصفة من الاحتجاج، اضطر"إبسن" إلى أن يضع لها
خاتمة إرضاء للجمهور، ولا تزال المسرحية حتى اليوم تثير جدلاً بين النقاد
المحدَثين . لُقِّب إبسن بـِ " أب المسرح الحديث". وانتهج المنعطف
الواقعي في أعماله، فقد تطرَّقَ إلى قضايا واقعية وخطيرة يُعاني منها المجتمع
الأوروبي ، كما تناول قضايا إنسانية خالدة تُشغِل الإنسان عبر العصور ، مِثل :
قضية ماهية الحقيقة ، والفارق بين الحقيقة والواقع ، أو الصراع بين الواقع
والمثال، وقضية النفاق الاجتماعي، وغَيرها من القضايا التي تُثيرها أعمال إبسن المسرحية
، والتي ليس بالضرورة أن تضع لها حلولاً .
إن دعوة إبسن الاجتماعية في معظم أعماله
دعوة إلى الاعتدال والوسطية ، ورفض للتطرُّف في كل شيء ، كما أنها دعوة للكشف عن
أقنعة الزَّيف الاجتماعي ، ونبذ النفاق على حساب المبادئ الأساسية الذي يضرُّ
بالفرد والمجتمع . وقد اتَّبَعَ إبسن في مسرحه أسلوبًا دراميًّا مُمَيَّزًا عُرِف
بالمنهج الانقلابي ، بمعنى أن تبدأ المسرحية بموقف في الحاضر ، ثم تتوالى أحداث
مِن الماضي في العودة ، لتنسج النهاية المأساوية لأبطال المسرحية .
تمتاز مسرحيات إبسن بِمُمَيِّزات واضحة ، هي
:
1_ المسرحيات التاريخية منها تبدأ بداية
عاصفة ، أمَّا المسرحيات الاجتماعية فتبدأ هادئة مُشوِّقة مُعتمدة على الحوار
الدقيق .
2_ الالتزام بوَحدة الزمان والمكان ، كما
وضعها اليونانيون .
3_ بناؤها المسرحي مُحكَم إحكامًا دقيقًا لا
يُجاريه فيه مؤلف آخر .
4_ الحبكة فيها تبدأ بالقُرب من نقطة
الزمان، مِمَّا يُساعد على إخضاع عناصر المسرحية الثلاثة : الزمان والمكان والكلام .
5_ شخصياتها من النماذج الإنسانية العالمية
الطبيعية .