وُلد
الأديب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس ( 1883_ 1957) في هيراكليون _ كريت . ولَم تكن
كريت قد انضمَّت بَعْد إلى الدولة اليونانية الحديثة ( التي أُنشئت عام 1832) ،
وكانت لا تزال تحت حُكم الإمبراطورية العثمانية .
مِن عام 1902، درس كازانتزاكيس القانون في جامعة أثينا ، ثم ذهب إلى باريس
في عام 1907 لدراسة الفلسفة . وهناك ، وقع تحت تأثير الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون
. وكان عنوان أطروحة له عام 1909 " فريدريك نيتشه وفلسفة الحق والدولة "
.
اكتشف كازانتزاكيس الشيوعية، وأصبح معجبًا
بفلاديمير لينين. وقال إنه لَم يصبح شيوعيًّا، ولكن زار الاتحاد السوفييتي ،
والتقى المعارضة اليسارية . وشهد صعود جوزيف ستالين، وأُصِيب بخيبة أمل مَعَ
الشيوعية على النمط السوفييتي. وفي هذا الوقت،غَيَّرَ مُعتقداته الوطنية القديمة
تدريجيًّا ، وتبنَّى أيديولوجية أكثر عالمية . وفي عام 1945، أصبح زعيم حزب صغير
يساري غير شيوعي، ودخل الحكومة اليونانية وزيرًا بدون حقيبة. واستقال من هذا
المنصب في العام التالي. وفي عام 1946، قامت جمعية الكُتَّاب اليونانية بترشيحه
للحصول على جائزة نوبل للآداب . وفي عام 1957، خسر الجائزة لصالح ألبير كامو بفارق
صوت واحد . وفي أواخر عام 1957، وعلى الرغم من معاناته من سرطان الدم، ذهب في رحلة
إلى الصين واليابان. وسقط مريضًا في رحلة عودته، ثُمَّ نُقِل إلى فرايبورغ في
ألمانيا ، حيث تُوُفِّي ، ونُقِلَ جثمانُه إلى أثينا . ولكن الكنيسة
الأرثوذكسية منعت تشييعه
هناك، فنُقِلَ إلى كريت، وكُتِبَتْ على شاهد قبره _ بناءً على طلبه _ هذه العبارة
من قصص التراث الهندي
: (( لا آمَل في شيء . لا أخشى شيئًا . أنا حر )) .
اشْتُهِر بروايته " زوربا اليوناني
" التي تُعتبَر أعظم ما أبدع ، واشتهر عالميًّا بعد عام 1964 حيث أُنتِج فيلم
" زوربا اليوناني " للمخرج مايكل كاكويانيس ، والمأخوذ عن روايته .
وتجدَّدت شُهرته عام 1988 حيث أُنتِج فيلم " الإغواء الأخير للمسيح "
للمخرج مارتن سكورسيزي ، وهو مأخوذ عن رواية لكازنتزاكيس أيضًا .
اخْتُيرت الذكرى الخمسين لوفاته كفكرة
لعملات اليورو عالية القيمة. عُملة كازانتزاكيس اليوناني التذكارية ذات قيمة
العشرة يورو صُكَّت في عام 2007 . حيث يظهر في إحدى وَجْهَي العُملة صورته ، وعلى
الوجه الآخر مِن العُملة الشعار الوطني اليوناني مع توقيعه .
رغم انتقاده الدائم للأديان إلا أنه لَم يكن
ينتقد رجال الدين كأفراد، وإنما ينتقد استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسؤولية
والعمل الفعَّال . وحَسَبَ وجهة نظره أن دِين المسيح كان ينظر إلى الحياة نظرةً
مُبَسَّطة ومتفائلة جدًّا ، على عكس بوذا الذي ينظر إلى الكون بعين ثاقبة وعميقة .
لقد أحب بوذا بوصفه مُعَلِّمًا ومُرشدًا روحيًّا ومُخَلِّصًا. كان بوذا في نظر
كازانتزاكيس المرشد الذي نظَّم فوضى أسئلته ، وأعطاه السكينة والسلام الداخليين .
تطوَّع
في العام 1912 في الجيش اليوناني في حرب البلقان، ثم عُيِّن في العام 1919 مديرًا
عامًّا في وزارة الشؤون الاجتماعية في اليونان، وكان مسؤولاً عن تأمين الغذاء
لحوالي 15 ألف يوناني ، وإعادتهم من القوقاز إلى اليونان.
لكنه استقال بعد ذلك من منصبه. وعمل في السياسة لفترة قصيرة، ثم عُيِّن وزيرًا في
الحكومة اليونانية في عام 1945، ثم مديرًا في اليونسكو في عام 1946.
وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالَم ، لتعزيز جسور التواصل بين
الحضارات، خاصة بين الشرق والغرب . واستقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة .
كتب كازانتزاكيس الأوديسةَ ، وهي ملحمة
شِعرية مُؤلَّفة من 33.333 بيتًا . وقد بدأها من حيث انتهت أوديسة هوميروس . وقد اعتُبِرَ هذا
العمل ثورةً في مجال المفردات اللغوية والأسلوب، كما أظهر معرفة كازانتزاكيس
العميقة بِعِلم الآثار والأنثروبولوجيا .
تَعَرَّضَتْ بعضُ أعمال كازانتزاكيس للرقابة
، ومُنعَ نشرُها في بعض دول العالَم . إلا أن كتاب " الإغواء الأخير للمسيح
" الذي نُشِرَ في عام 1951 اعتُبِرَ الأكثر إثارة للجدل، إلى درجة أن الكنيسة
الكاثوليكية الرومانية منعت الكتاب ، كما عمد البابا آنذاك إلى إدراج كتابه ضمن
لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان عام 1954 ،
والذي أثار الجدل ذاته بعد أن قام المخرج الأمريكي مارتن
سكورسيزي بإخراج هذا
العمل في ثمانينيات القرن العشرين .
خُصِّص له متحف صغير في جزيرته كريت، واحتوى
هذا المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى
النُّسخ الأولية لكتبه، وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله .
تَمَّ إخراج أربعة أفلام أُخِذَتْ عن رواياته ، وهي : الهوى اليوناني ، وزوربا، والإغواء الأخير للمسيح. وفيلم مأخوذ عن كتاب الإسكندر الأكبر . وتقول عنه زوجته إنه كان نقيًّا وبريئًا وعذبًا بلا حدود مع الآخرين ، أمَّا مع نَفْسه فقد كان شديد القسوة،ربما لإحساسه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه ، وحجم العمل المطلوب منه ، ولأن ساعاته في الحياة محدودة .