وُلد الروائي
البريطاني من أصل أمريكي هنري جيمس ( 1843 _ 1916 ) في
مدينة نيويورك لعائلة غنية. والده هنري جيمس سير، كان أحد صفوة العلماء في القرن
التاسع عشر بأمريكا ، فقد كان دارسًا لعلوم
الإلهيات، وكان من أتباع الكنيسة
السفيدنبورية ( كنيسة تؤمن ببعثة المسيح مرة أخرى ).وقد حرص على تنشئة أبنائه دون
قيود ، فلم ينتمِ هنري أو أخواه إلى أيَّة
كنيسة مسيحية تقليدية ، ولَم يلتحقوا بأيَّة مدرسة لمدة طويلة جدًّا. أصبح أخوه
وليام جيمس فيما بعد أستاذًا في جامعة هارفارد ، واكتسب شهرة عالمية كفيلسوف ديني،
واشتهر أخوه أليس جيمس في كتابة اليوميات ، وكان لذلك تأثير كبير في حياة هنري
الذي أراد الفوز بالأولية في إطار العائلة، فسعى لتحقيق الريادة الروائية . تنقَّلَ في ريعان
شبابه بين أمريكا وأوروبا ذهابًا وإيابًا ، ودرس في مختلف العواصم الأوروبية ،
وعند عودته إلى أمريكا عام 1859 ، أقامَ في مدينة نيوبورت بولاية رود آيلاند،
وبرغم قصر تلك الزيارة ، إلا أنها كانت ذات أثر بالغ في حياته، ففيها التقى
بقريبته " ميني تمبل" وتعلق بها إلى حد كبير، إلا أنه غادر لاستكمال
سفره ودراسته، وجاءه نبأ وفاتها عام 1870 ، فكان لذلك نصيب كبير من نفْسه.صارت
" ميني " فيما بعد تُمثِّل في رواياته الفتاة الأمريكية الجميلة والمحبة
للحياة، والتي خلَّدها في عدد من بطلاته ومنهن " ميلي ثيل " في رواية
" جناحا اليمامة ".التحقَ عام 1862 بجامعة هارفارد لدراسة القانون ، إلا
أنه فضَّل ميوله الأدبية ، فنشر عِدَّة قصص ومقالات، وأقام عدة صداقات أدبية ،
كانت أقواها صداقته مع الناقد والروائي الأمريكي وليام دين هاولز ، والذي كان
مُحَرِّرًا في مجلة أتلانتيك الشهرية ، ففتحَ صفحات المجلة لمساهمات الناقد
والمؤلف الشاب هنري جيمس، وهكذا كانت البداية . آمنَ جيمس بأن الفن الروائي يعتمد
على الانطباعات الغنية التي تُغذِّي خيال الكاتب من البيئة المحيطة، ولذلك استمر
في التنقل بين أرجاء أوروبا،قبل أن يُمضيَ الأربعين عامًا الأخيرة من حياته في
إنجلترا ويكتب فيها أهم أعماله. كتبَ أكثر من 24 رواية طويلة، وعددًا كبيرًا من
القصص القصيرة والمسرحيات وعِدة آلاف من الرسائل والمحاضرات الأدبية، ومنحته
جامعتا هارفارد وأكسفورد درجات فخرية عام 1910. وفي عام 1915 تخلى عن جنسيته
الأمريكية واكتسب الجنسية البريطانية احتجاجًا على تردُّد الولايات المتحدة في
الانضمام إلى بريطانيا وفرنسا والدول الحليفة لهما في الحرب العالمية الأولى.
يُعتبَر جيمس مؤسس وقائد مدرسة الواقعية في الأدب
الخيالي . وهو سيِّد الرواية الأمريكية بلا مُنازع. أعماله البديعة قادت العديد من
الأكاديميين إلى اعتباره أعظم أساتذة النمط القصصي .
اشْتُهِر تحديدًا بسلسلة من الروايات يُصوِّر فيها التلاقي
بين أمريكا وأوروبا ، كما
ركَّزت رواياته على العلاقات الشخصية ، والاختبار المناسب للقوة في مثل هذه
العلاقات ، وإثارة التساؤلات الأخلاقية . وطريقته في الكتابة منحته الفرصة
لاستكشاف ظاهرة الوعي والمفهوم . مِمَّا جعل أسلوبه في الكتابة يُقارَن بمدرسة الانطباعية في الرسم .
استخدامه البديع لنقل مشاعره في كتاباته ، والصراع النفسي الداخلي للشخصيات(المونولوج) بالإضافة إلى عناصر أخرى كالراوي ذي المصداقية ( وهو راوي داخل الرواية يثق القارئ في سَرْده)، كل هذه أشياء أضافت إلى رواياته عُمقًا وتشويقًا ، وخصوصًا دراما الخيال العلمي . وألقت بظلالها على الأعمال الأدبية الحديثة في القرن العشرين .