وُلد الكاتب المسرحي
البريطاني هارولد بنتر ( 1930_ 2008) في لندن ، لأبوين يهوديين من الطبقة العاملة
. بدأ حياته المهنية كَمُمثِّل . ومسرحيته الأولى " الغرفة " قُدِّمت في جامعة بريستول عام 1957.
ومسرحيته الثانية ، والتي تُعَدُّ الآن مِن أفضل أعماله "حفلة عيد
الميلاد"، قُدِّمت في عام 1958، وواجهت فشلاً تجاريًّا رغم ترحيب النُّقاد
بها . لكنه قُدِّمت مرة أخرى بعد نجاح مسرحيته " الناظر " ( 1960) ،
والتي جعلته مسرحيًّا مُهِمًّا ، وهذه المرة اسْتُقْبِلَت بشكل جَيِّد . في عام 1948
، حصل بنتر على منحة لدراسة التمثيل في الأكاديمية
الملكية للفن المسرحي ، لكنه لَم يُكمِل دراسته بها . وفي يناير عام 1951، قام
لأول مرة كَمُمثِّل مُحترِف ، بتمثيل دور شيكسبيري ، إذ اشترك في تمثيل مسرحية هنري الثامن،
وبعدها استأنف بنتر تدريبه على التمثيل في المدرسة المركزية للإلقاء والدراما .
مسرحياته الثلاث الأُولى ، وعمل آخر له ،
وهو "العودة إلى البيت" في عام 1964، جَعلت عمله يُصنَّف على أنه مِن كُوميديا
التهديد ، حيث تبدأ المواقف بشكل بريء جِدًّا ثم تتطور بطريقة عبثية ، لأن
الشخصيات في المسرحية تتصرَّف بطريقة غير مفهومة ، لا للجمهور ولا حتى لبقية
الشخصيات . واعتبرَ النُّقاد أن هذا الأمر مِن تأثير صمويل بيكيت على بنتر ، وقد
صار الرَّجلان صديقَيْن مِن يومها . يتَّسم مسرح بنتر بالغموض ، لأنه تأثر
بِكُتَّاب العبث ، وخاصة بيكيت ، كما
أنه تأثرَ بتشيخوف ودوستويفسكي
وهمنغواي. ويستخدم بنتر الكلمات لأغراض غير الأغراض المألوفة ، فهو يخلق من إيقاع
الكلمات إحساسًا بالخوف والتهديد ، فَوُصِفَت أعماله بأنها عنيفة ، وَسُمِّيت
مسرحياته " كوميديا التهديد " .
كما اعتمد بنتر على تكرار الكلمات والألفاظ
، وعلى تجريدها مِن معناها المصطلَح عليه ، بحيث تكتسب كيانًا مُستقلاً عن المعنى
المحدَّد لها .
أُطْلِقَ على بنتر لقب " شاعر الصمت
" لأنه يُكثِر من استخدام فترات الصمت في الحوار، وهو يهدف مِن وراء ذلك إلى
جعل المتفرِّج يَتصوَّر الاضطرابات النفسية والمخاوف والأحاسيس المختلفة التي
تضطرم في نفسيات الشخصيات . يهتم بنتر بالقضايا الفلسفية التي تبحث فيها الوجودية ، مِثل : مشكلة
البحث عن الذات ،
ومشكلة استحالة التثبُّت من الحقيقة ، ومشكلة
انعدام الاتصال بين البشر ، حيث أصبح كل إنسان حبيس مخاوفه وأسير عالَمه الخاص .
كذلك يهتم بنتر بالبحث في الدوافع المختلفة
الكامنة وراء تصرفات الإنسان وأفعاله.
ويتعرَّض لعلاقة الإنسان والقوى الخارجية ، والتي قد تَتجسَّد في النظام القائم أو التقاليد
والعادات الاجتماعية ، أو القَدَر المحتوم على الإنسان، أو العلاقة بين الإنسان
وخالقه . ويُصوِّر محاولة الإنسان للتحرُّر مِن
القيود التي تفرضها عليه هذه القوى الخارجية _ حسب تفكيره_.
في عَقْد السبعينيات تفرَّغ بنتر للإخراج
أكثر ، وعمل كمساعد مخرج في المسرح الوطني عام 1973،وأصبحت مسرحياته أكثر قِصَرًا
، ومُحمَّلة بِصُور الاضطهاد والقمع. وفي عام 2005، أعلنَ اعتزالَه الكتابة
وتفرُّغه للحملات السياسية .
لبنتر نشاط سياسي مُميَّز ، دِفاعًا عن
الحقوق والحريات ، بغض النظر عن المواقف الرسمية لبلاده . وفي عام 1985، كان مع
الكاتب المسرحي الأمريكي
آرثر ميلر في زيارة إلى تركيا ، وهناك
تعرَّف على أنواع التعذيب والقمع التي يتعرض لها المعارضون . وفي حفل رسمي في
السفارة الأمريكية أُقيم على شرف ميلر ، تقدم بنتر لِيُلْقِيَ كلمة عن أنواع
التعذيب والإذلال الجسدي التي يَتعرَّض لها المعارضون للنظام الذي كانت الحكومة
الأمريكية تدعمه . أدَّى هذا الأمر إلى طرده من الحفل ، وخرج ميلر مُتضامِنًا معه
مِن الحفل الذي أُقيم على شرفه . وظهر أثر زيارته لتركيا في مسرحية " لغة
الجبل " ( 1988) .
عارضَ بنتر مشاركة بلاده لغزو
أفغانستان كما عارض حرب العراق ،
ونعتَ الرئيسَ الأمريكي جورج
بوش بـِ المجرم الجماعي ، وقارنَ بينه وبين هتلر
، ووصفَ رئيسَ الوزراء البريطاني توني
بلير بـِ الأبله .
في عام 2005، أعلنت الأكاديمية السويدية فوز هارولد بنتر بجائزة نوبل للأداب ، مُعَلِّلة ذلك " بأن أعماله تكشف الهاوية الموجودة خلف قوى الاضطهاد في غرف التعذيب المغلقة " .