وُلد الأديب الدنماركي
هنريك بونتوبيدان (
1857_ 1943) في مدينة فردريكية في وسط الدنمارك. كان والده كاهنًا، وراعيًا لكنيسة
المدينة، وينحدر من أسرة كبيرة من الكهنة والكُتَّاب .
بدأ حياته
التعليمية في دراسة الهندسة في كوبنهاجن ، لكنه تركها لأنه لَم يجد نفْسه في عالَم
الأرقام والحسابات . عمل مُعَلِّمًا في مدرسة ابتدائية ، ثم ترك سِلْك التعليم ،
والتحقَ بالصحافة . وعندما بلغ العشرين من عُمره ، قرَّر التفرغ التام للكتابة ،
ورسمَ حياته ككاتب مُحترِف . وقد شكَّل زواجه الفاشل أول صدمة في حياته ، فقد
اقترنَ بفتاة في عام 1881 تختلف عنه روحيًّا وماديًّا . وكان الفشلُ هو النتيجة
المتوقَّعة لهذا الزواج غير الْمُتكافِئ .
امتاز بونتوبيدان
بأسلوبه الساخر ، ولغته المليئة بالرموز والحِكَم . وكان ناقدًا للأوضاع السائدة
في الدنمارك في تلك المرحلة ، فقد كانت دولةً مُتخلِّفة تعتمد على الزراعة
البدائية ، ومحكومة مِن قِبَل الإقطاعيين ورجال الدين .
صوَّر الشكَّ
والتشاؤمَ في أعماله الأدبية ، وتعرَّض للموضوعات الوجودية بحثًا عن حقيقة الإنسان
، وهويةِ المجتمع والتقدم الاجتماعي . وهذا جعله واحدًا من أبرز كُتَّاب عصره .
عاشَ مع الفقراء
والفلاحين والمنبوذين بروحه وقلمه، وصوَّر عالَمهم البائس، وحياتهم الصعبة، وفضح
الاستبداد والاستغلال باسم الدِّين والطبقة الاجتماعية . ثم انتقل لاستعراض مشكلات
الطبيعة دون التخلي عن ارتباطه الاجتماعي وقناعاته الأيديولوجية. كان الأدب
بالنسبة إليه شرعية حياته ، ومركز وجوده في هذا العالَم .
وفي أعماله الأدبية
، استطاع تصوير ذهنية المجتمع وانتقال الحرية إلى المجتمع واللغة ، كما أنه قدَّم
في كتاباته " الصراع بين طبيعة الذكر الانطوائية وحيوية المرأة " . ومعَ
أن لغته تبدو للوهلة الأولى سهلة وبسيطة، إلا أنها مُحمَّلة بالرموز العميقة ،
والتلميحات المستترة، والسُّخرية اللاذعة ، والأفكار الكامنة بين السطور .
امتازَ أسلوبه
بالدقة الفائقة في تصوير الشخصيات، والتعاطف مع الفقراء والمنبوذين في المجتمع، وتشريح المجتمع الدنماركي الذي كان
مجتمعًا زراعيًّا يسيطر عليها الإقطاع ورجال الدين . وكانت نقطة التحول في حياته
وأسلوب كتابته ، عندما تزوَّج للمرة الثانية في عام 1892من ابنة موظف كبير في
العاصمة، فقد انتقل في موضوعاته الأدبية من الريف إلى المدينة .
كتبَ بونتوبيدان خلال الفترة ( 1898 _ 1904 ) أشهرَ أعماله على الإطلاق
" بِير المحظوظُ "، وصار هذا التعبير مُصطلحًا شائعًا في اللغات
الإسكندنافية. وقد وَصَفَ في هذا العمل الصراع بين المثالية والواقعية ، وكَشَفَ
أسرار الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في العاصمة .
وخلال الفترة ( 1912 _ 1916 ) ، كتب روايته الخماسية " مملكة الموتى
" . وتقترب لغته في هذه الرواية من الأسلوب الشِّعري العاطفي ، كما أنه
وَصَفَ الحياة في الدنمارك في بدايات القرن العشرين ، ناقدًا السُّلطة وسُوء
استخدامها .
وفي آخر أيامه اعتزلَ الناس، وكرَّس وقته بالكامل لكتابة مذكراته ، التي
جُمعت في أربعة مجلدات ، بعنوان " الطريق إلى ذاتي " ، ونُشرت في سنة
وفاته ( 1943) .
وعلى الرغم من موهبته الأدبية الفذة ، وتصنيفه كواحد من أكثر الكُتَّاب
الدنماركيين حَداثةً وإبداعًا ، إلا أنه كان رَجلاً متناقضًا في مواقفه ، ورُبَّما
يعود هذا إلى شخصيته القَلِقة.فقد كان مُتحرِّرًا ووطنيًّا صارمًا في آنٍ معًا ،
وتعاونَ معَ الاشتراكيين لكنه لَم ينضم إليهم ، وبقي مُستقلاًّ .
كما أن كتاباته في كثير من الأحيان عبارة عن خليط من التَّحيُّز والموضوعية
. وهذا حيَّر القُرَّاء والنُّقاد على حَدٍّ سَواء .
يُعتبَر هنريك بونتوبيدان ثاني دنماركي يَفوز بجائزة نوبل للآداب، حيث حصل عليها في عام
1917 مُناصفةً مع مواطنه كارل غيلوروب .
من أبرز أعماله: أجنحة (1881) . بطاقات بريدية من القرية (1883 ) . ابنة المرابي ( 1886) . غيوم ( 1890 ). الحارس ( 1893). من الأكواخ ( 1901) . ضَيف الملِك ( 1908 ) .