وُلِد الشاعر اليوناني
هِسيود أو هِسيودوس ( 846 ق.م _ 777 ق. م ) في بلدة أسكْرا الصغيرة على سفح جبل هِليكون في إقليم بويتيا وسط بلاد اليونان . وكان أبوه قد هاجر
إليها من مدينة كومي في آسيا الصغرى بعد مُعاناته من الفقر ، وعاش في موطنه الجديد
مزارعًا فقيرًا يقتات مِن العمل في أرضه . وهكذا نشأ هسيود في هذه البيئة
الْمُعْدَمة المنعزلة ، ولكن الغنية بتراثها وتقاليدها ، وكان لهذا تأثير كبير في
فِكره وطِباعه وشِعره .
يُعتبَر هسيود أحد أعظم شعراء اليونان
القُدامى ، وهو شاعر ملحمي اقترنَ اسمه في العصور القديمة بالشاعر الكبير هوميروس
. ويُعَدُّ هسيود
مؤسس ملحمة الأنساب والملحمة التعليمية . وعلى يديه ازدهر الشعر الملحمي بالوزن
السداسي .
تركَ هسيود ملحمتين شِعريتين هُما :
1_ "
أنساب الآلهة " : وهي أول قصيدة ميثولوجية ملحمية في الشعر الإغريقي. تتألف من 1022 بيتًا .
يَقُصُّ فيها الأساطير المتعلقة بنشأة الكون وأصل الآلهة . يستهل هسيود ملحمته
بأنشودة إلى رَبَّات الشِّعر ، وقد صَوَّر له خياله أنه يكاد يراها ترقص على سفح
هليكون ، وتغسل جِلدها الرقيق بمياه الينبوع المقدَّس ، وكيف تُلهمه الشِّعر. ثم
يتحدَّث عن نشأة العالَم من العدم والفوضى فكانت
الأرض أولاً ، ثم نشأ الليل
والنهار، ثم جاء بعدئذٍ ترتاروس إله
العالم السفلي ، ومن بعده إروس إله
الحب، ووَلدت الأرض الجبال والسماء ، ووُلِد من اقتران السماء ( أورانوس) والأرض
البحرُ الكبير والمردة والجبابرة
، الذين قَذف بهم أورانوس إلى العالَم السفلي ، ولكنهم ثاروا ضِدَّه مع أُمِّهم
بزعامة كرونوس الذي قطع أوصال أبيه
، فنشأ مِن نُطَفه المتساقطة في الماء زبد البحر وإلهة الجمال أفروديت ، ورفع
الجبابرة كرونوس على عرش أبيهم ، الذي تزوَّجَ أخته ريا . وعندما عَلِمَ بنبوءة تقول إن أحد أبنائه سيخلفه على
عرشه ، ابتلعهم جميعًا ما عدا زيوس الذي ولدته أُمُّه سِرًّا في جزيرة كريت حيث
نشأ ، وما إن بلغ أشُدَّه حتى دخل في صراع مع الجبابرة وأرغم أباه على إخراج إخوته
من بطنه ، وأعاد الجبابرة إلى باطن الأرض ، وحصل على عرش العالَم لكل الأزمان .
كما يروي هسيود أسطورة بروميثيوس، وعقاب زيوس الأبدي له لأنه سرق النار وأعطاها للبشر . وهذه الأساطير نشأت
من المعتقدات والقصص الشعبية الإغريقية ، ومن التراث الفكري والديني للشرق القديم
.
وقد أظهرت الأشعار والأساطير الحِثِّية
والحورية ، التي أكَّدتها نصوص أُوغاريت ، وكذلك قصة الخلق البابلية ، أن شعوب
الشرق القديم عرفت أسطورة أجيال الآلهة التي يَنتزع كُل منها عرش السماء من سابقه
. ولا شك أن هسيود اعتمد على هذه الأساطير والمرويات الشرقية التي عرفها إِمَّا عن
طريق الفينيقيين ، أو عن طريق آسيا الصغرى .
2 _ " الأعمال والأيام " : وهي قصيدة تتألف من 828 بيتًا
، وقد سَمَّاها بعضهم " حِكمة هسيود " . يستهلها الشاعر بالدعاء لزيوس
رب العدالة التي وهبها لبني البشر "
وهي أحسن ما يملكون على الأرض". ثم يتوجه بالنصيحة لشقيقه بِرْسيس الذي سلبه حِصَّته من أرض أبيه عبر
رِشوته القضاة الظالمين،ويحثه على اختيار الطريق القويم،"فلا شيء أثمن من
نعمة العمل الشريف". وكأنه بذلك يُخاطب أيضًا فلاحي بويتيا الكادحين
الْمُعْدَمين الذين تطحنهم مشكلات حاضرهم وهمومها، ولا يملكون إلا التمسك بفضيلة
العمل والعدل أساسًا للحياة. كما يُقدِّم الشاعر النصائح العملية لممارسة الأعمال
الزراعية، ويهيب بالفلاح أن يمتلك قبل كل شيء منزلاً وزوجة وثَوْرًا للحراثة،
وينصحه بولد واحد فقط. ويُورِد أخيرًا قائمة بأيام السَّعد وأيام النَّحس التي
ينبغي على المرء ألا يعمل فيها .
يُعبِّر هسيود عن تشاؤمه النابع من
التناقضات الاجتماعية في عصره ، في تصويره تعاقب العصور الخمسة التي تُؤكِّد أن
البشرية تسير مِن سَيِّئ إلى أسوأ. ففي البداية كان العصر الذهبي، عصر السلام
والأمان والوفرة في ظِل الإله كرونوس ، ثم أعقبه العصر الفضي ، وتلاه العصر
البرونزي ، أمَّا العصر الرابع فهو جيل الأبطال الذين انقرضوا في الحروب حول أسوار
طروادة وطِيبة . وأخيرًا جاء عصر الحديد الذي يعيشه ، والذي ليس فيه سوى الأسى
والإرهاق نهارًا ، والهلاك ليلاً . والذي يقول عنه : (( لَيْتني مِتُّ قَبْلَه أو
وُلِدْتُ بعده ! )) .