طَيْفُ خُدُودِ الشَّركسياتِ يَتَشَظَّى
بَيْنَ الغُيُومِ الوَرْدِيَّةِ وَشَاهِدِ قَبْرِي/وَبَرِيقُ عُيُونِهِنَّ يُنِيرُ
طَرِيقي في لَيالي الشِّتاءِ نَحْوَ البَحْرِ الأخيرِ / مَناديلُ الوَدَاعِ تَحْتَ
بَسَاطِيرِ الجُنودِ الخاسِرِينَ بَيْنَ أعلامِ القَبائلِ وَأُمَرَاءِ الحُروبِ /
رَحَلْنَا إلى رِمَالِ البَحْرِ / وَبَقِيَ وَشْمُ غَاباتِ القُوقازِ عَلى عِظَامِنَا
في أزِقَّةِ قُرْطُبَة /
عِندَما تَصْطَدِمُ قَطَرَاتُ المَطَرِ
بِكُحْلِ الشَّركسياتِ/ أهْرُبُ مِن أشِعَّةِ القَمَرِ في لَيْلِ الخريفِ /
وَأُهَرِّبُ أشلائي في شَاحِنَاتِ الغُروبِ / وأركضُ في غَاباتِ دَمِي المُضِيئةِ
/ فَاعْشَقْ بُحَيْرَةَ المساءِ أيُّها السَّرابُ / حِينَ تَصِيرُ أمواجُ البَحْرِ
أكْيَاسًا بلاستيكيةً للجُثَثِ مَجهولةِ الهُوِيَّة /
أحلامُ الطفولةِ دَافِئةٌ كَفِرَاشِ
المَوْتِ / والبَدْوُ الرُّحَّلُ يُوَزِّعُونَ الدِّيمُقراطيةَ كالبَطاطا
المَقْلِيَّةِ بَيْنَ فِرَاشِ الزَّوجيةِ وَفِرَاشِ المَوْتِ / وَالقَرَاصِنَةُ
يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وَيَنْتَظِرُونَ الإعصارَ /
مُنذُ وِلادتي / أحْمِلُ جِيناتِ حَبْلِ
المِشنقةِ في عِظامي / وَلَدَتْني رِمَالُ الشُّطآنِ البَعِيدَةِ / وَقَتَلَنِي
طَيْفُ الغريباتِ في غَاباتِ الدَّمِ والحِبْرِ / فَيَا أيُّها الوَطَنُ
المُرَصَّعُ بِجَدَائِلِ الأراملِ / والتَّائِهُ بَيْنَ كِلابِ الصَّيْدِ وَكِلابِ
الحِرَاسَةِ / إنَّ شَوَارِعَ الطاعونِ مُعَبَّدَةٌ بأحلامِ القَتْلَى وَطُفُولَةِ
البَنَاتِ /
أنا البَائِعُ المُتَجَوِّلُ في مُدُنِ الخِيانةِ
/ أبيعُ عِظَامَ النَّوَارِسَ للبَحْرِ القَتِيلِ / كَي أدْفَعَ الرَّاتِبَ
التَّقَاعُدِيَّ لِحَفَّارِ قَبري / وَيَنْشُرُ الأمواتُ الغسيلَ عَلى سُورِ
المقبرةِ / وَتُعَلِّقُ اليَتِيمَاتُ حَبْلَ الغسيلِ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ
وأشجارِ المقبرةِ / وَالمَوْجُ الحزينُ يَبِيعُ هَيْكَلَهُ العَظْمِيَّ في
أزِقَّةِ المِيناءِ المهجورِ /
عِظَامِي بُرتقالةٌ للخناجرِ المسمومةِ /
وقَلبي تُفاحةٌ للسَّكاكينِ المُعَقَّمَةِ بِذِكْرَياتِ الوَدَاعِ / التي
تَنْكَسِرُ بَيْنَ أرصفةِ الموانئِ وَمَحطاتِ القِطَاراتِ/فَاحْفَظْ جَدْوَلَ
الضَّرْبِ كَي تَحْسُبَ عَدَدَ الضَّحايا/ إنَّ أسنانَ القَتلى تَلْمَعُ لِتُضِيءَ
أزِقَّةَ المَرْفَأ أمامَ فِئرانِ السَّفينةِ /
بَعْدَ الشَّركسياتِ / صَارَ جَسَدي
تَابُوتًا مِن خَشَبِ المطابخِ في البُيُوتِ المهجورةِ/ وأنا الحُزْنُ الرَّاكِضُ
في أدغالِ الذاكرةِ / أنتظرُ شَركسيةً تُخَزِّنُ ذِكْرَياتي في رِئَتِهَا / كَي
أصِيرَ نَهْرًا مِن فَضَّةٍ / أنتظرُ شَركسيةً تُحَنِّطُ قَلْبي في قَلْبِهَا /
كَي أصِيرَ شَاطِئًا مِن يَاقُوت / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ شَبَحًا على
زُجاج القِطَارَاتِ البَعيدةِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثةً هَامِدَةً
مَنْسِيَّةً عَلى رَصِيفِ المِيناءِ / وَمَا زِلْتُ أنتظرُ شَركسيةً تَدْفِنُني في
قَلْبِها كَي أعُودَ إلى الحياةِ / وأظَلَّ حَيًّا إلى الأبَدِ /