مقاطعة الإسلاميين للانتخابات هي الحل
إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي
لندن ، 4/8/2010م .
إن الأداء السياسي العربي ما زال منكمشاً في ردود الأفعال دون وجود فعل حقيقي على الأرض من أجل التغيير وحل أزمات الشعب المتفاقمة وتنمية المجتمع بشكل فعلي لا شعاراتي . فالتعيين في المناصب الحكومية يتم استناداً إلى الولاء الأعمى وليس الكفاءة العلمية والقدرة على الإبداع والتخطيط والتنفيذ ، لذلك من الطبيعي أن تكون المناصب الحكومية تعاني فراغاً رهيباً .
فالسياسات محصورة في اللحظة الآنية وترحيل الملفات إلى المستقبل الغامض الخطير ، ودفن النار تحت الرماد دون إطفائها. وفي ظل هذا الأفق المسدود والمجالات السياسية المغلقة تصبح مسألة التغيير عن طريق الانتخابات ضرباً من المستحيل، وهذا مرجعه إلى عدة عوامل من أبرزها:
1) إن الانتخابات العربية هي ديكور ديمقراطي مفرغ من المعنى تماماً ، وهي إجراء شكلي لا وزن له ، وذلك من أجل اختراع صورة ديمقراطية وشكل من التعدد السياسي والحزبي أمام الرأي العام الداخلي والخارجي . ( والخارجي بالطبع هو الأهم ) .
2) تقوم الحكومات بتفصيل القوانين الانتخابية على مقاسها لتضمن تحجيم الإسلاميين خصوصاً ، والمعارضة عموماً . والحكومات العربية لسان حالها يقول " ديمقراطية بدون إسلاميين ". لكنها تسمح بنسبة معينة من المعارضة لإضفاء شرعية تعددية على هذا الكائن المسخ المشلول الذي يسمى بالبرلمان . تماماً كما حدث في مصر ، حيث يُشكل الإخوان المسلمون خمس مقاعد البرلمان مع أنهم جماعة محظورة حسب الدستور المصري الذي تم تفصيله على مقاس الأجهزة الأمنية . وكما حدث في انتخابات 2007م في الأردن حيث سمحت الحكومة بنسبة ضئيلة من المعارضة رغم تزوير الانتخابات في وضح النهار ( وعلى عينك يا تاجر ) . فالحكومات الأردنية في تعاملها مع الإخوان المسلمين تلعب لعبة مزدوجة وتتخبط بشكل أعمى . فمن جهة تحرص على مشاركة الإسلاميين في الانتخابات لصناعة الديكور الديمقراطي ، ومن جهة تحاصرهم لتحجيمهم والضغط عليهم ، وهذا يتجلى في وضع اليد على جمعية المركز الإسلامي التي تساهم في تنمية المجتمع الأردني أكثر من الحكومة عشرات المرات . ويتجلى كذلك في تقديم بعض رموز الحركة الإسلامية للمحاكمة واتهامهم بالفساد كالمرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور همام سعيد . وكل ذلك لأهداف سياسية .
3) الأنظمة البرلمانية في الوطن العربي أنظمة مغلقة مشلولة عاجزة تنتج برلماناً مسخاً يصفِّق ولا يعرف لماذا يصفِّق ، ويبصم على القرارات والقوانين دون أن يقرأها . وفي هذا الجو الكئيب القاتل للحياة السياسية يصبح التغيير والتنمية حِبراً على ورق لا أكثر .
4) الحياة السياسية العربية هي وجاهة عشائرية ، والتقاط الصور التذكارية مع عِلية القوم ، واقتسام أماكن النفوذ ، وتتويج لزواج الثروة بالسلطة ، وصراع على الظهور التلفزيوني، وإعطاء تصريحات للصحافة . أما خدمة المواطنين والقيام بمصالح الشعب ، ودفع عجلة التقدم ، فمجرد كلام في الهواء للاستهلاك المحلي . فالشعب تزداد أزماته ، والسادة النواب يتقاتلون على اقتسام غنائم سيارات المرسيدس .
5) كل حكومة عربية هي التي تخترع قوانين الانتخابات حسب مصلحتها الشخصية ، وهي التي تنظِّمها ، وتنتخب نفسها ، وفي النهاية تفوز لوحدها . وهذا يعكس التخطيط المنهجي لإقصاء الشعب عن المشاركة. فالحكومة تطبخ الكعكة وتأكلها لوحدها ، ولا تريد من أحد أن يشاركها، لأنها ترى نفسها الوصية على الشعب ، وتنظر إلى الشعب كفاقد لأهلية التصرف .
وفي ظل هذا المناخ السياسي الموبوء ، والحالةِ الاجتماعية المحصورة دون وجود أفق ، كان قرار مقاطعة الإسلاميين لانتخابات 2010م في الأردن هو عين العقل. فالمشاركة في وضع مكياج على عملية انتخابية تشوبها مئات علامات الاستفهام والغموض وعدم الشفافية ، هو بمثابة رش السُّكر على الموت ، وتزيين الجثة بالورود . فهذه الانتخابات فقدتْ شرعيتها قبل أن تبدأ .
ولا ينبغي المشاركة في أية انتخابات مقبلة إلا تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي . فكلنا يعلم كيف تجري الانتخابات في الوطن العربي العائش في المراهقة السياسية دون أن يصل إلى مرحلة الرشد .
والأفضلُ في الحالة العربية أن تُلغى كل البرلمانات نهائياً ، وأن تُوزَّع الأموال _ التي تُنفق على تنظيمها وتُدفع كرواتب وامتيازات للنواب _ على الفقراء والأرامل الذين يعتبرون كسرة الخبز أهم من كل البرلمانات والحياةِ السياسية المكياجية .