دور الأبجدية الثقافية في المجتمع
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
إن المشروع اللغوي لصناعة مجتمع الفكر
التنويري هو مشروعٌ تراكمي يتطلب تضافر جهود الأفراد والمؤسسات . وهذا المشروعُ
ليس ديكوراً تجميلياً ، بل هو تأسيس منهجي لمستقبل الوجود الإنساني ، مبني على
معطياتٍ منطقية تطرح الأسئلةَ على المجتمع من أجل إعادته إلى الحياة، ووضعه أمام
التحديات المصيرية المتمثلة في تحرير الأبجدية الثقافية من الخرافات ، وتحرير
النَّص الإبداعي من أيديولوجيات القهر والكبت، وتحرير الإنسان من ثقل الهواجس
والخوفِ من المستقبل المجهول .
والأبجديةُ الثقافية _ باعتبارها طَوْق نجاةٍ للأنساق الاجتماعية _ تمثِّل
السورَ الأخير الذي يحمي هويةَ الكيان الاجتماعي ، وشخصيةَ الفرد المستقلة ،
وهَيْبةَ الجماعة الإنسانية . كما أن الأبجدية الثقافية هي مَعقِل الحضارة الأخير
، وسقوطه يعني سقوط شرعية الوجود الإنساني ، أي سقوط المعنى وانتحار اللفظ ،
وعندئذ تختفي اللغةُ الحاملةُ للتراث الفكري المتراكم ، والحاضنةُ للمخزون الشعوري
للفرد والجماعة عبر الحقب المتعاقبة. ولا يمكن للإنسان _مهما بَلغت قوته _ أن تقوم
له قائمة بدون اللغة القادرة على منح الشرعية وسلبها . ولا يمكن للحضارةِ _ مهما
امتلكت أدوات التقدم التكنولوجي _ أن تنال الاحترامَ بدون الثقافة والإبداعِ
الفكري .
إن الإنسان
الحقيقي هو مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها تعمل من أجل تكريس سيادة الفكر التنويري على
كافة المكونات الفلسفية في البيئة الاجتماعية . وإذا عاشت الثقافة مع الفرد فإن
الفرد سيعيش معها لِيُؤسِّسا عالَماً جديداً يزاوِج بين العناصر المعرفية في النصوص الإبداعية وبين إفرازات الواقع
المعاش . وهذا التزاوج هو الضمير الواعي الذي يُحدث ثورةً في العقول من أجل فهم
أفضل للبناء الإنساني ، والبناءِ الفكري ، واكتشافِ الهوية الحقيقية لوجود الإنسان
ومساره ومصيره .