الأسرار الحربية في الإسلام
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
1_
وجوب كتمانها :
قال الله
تعالى : (( وإذا جاءهم أمرٌ من
الأمن أو الخوف أذاعوا به )) [ النساء : 83 ] .
وهذه الفئةُ
تتلقف الأخبارَ وتذيعها دون تثبّت ، فهي لا تعتمد على التحقق من الأنباء لتقف على
حقيقتها ، بل تنشرها في كل الجهات دون غربلتها . وهذا الأمرُ بالغ الخطورة على
وحدة الصف الإسلامي ، إذ إنه يُعرِّض المجتمعَ الإسلامي للخطر الذي لا يمكن توقع
مصدره . فإذاعةُ الأسرار الحربية من شأنه إضعاف قوة المسلمين وإحداث ثغرات في
صفوفهم ، وهذا يُسهِّل دخولَ العدو ويُقوِّي موقفَه .
وقال البغوي
في تفسيره ( 1/ 254 ) : (( وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَبعث السرايا ، فإذا
غَلبوا أو غُلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيُفشون ويُحدِّثون به قبل أن يُحدِّث
به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيُضعِفون به قلوب المؤمنين )) اهـ .
وفي صحيح
مسلم ( 1/ 10) : عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (( كفى بالمرء كذباً أن يُحدث بكل ما سمع )) .
فعلى المرء
_ بالنسبة للأخبار _ أن يكون كالإسفنجة لا المرآة . بمعنى أن يمتص الخبرَ ويفحصه
فيأخذ الخيرَ ويترك الشرّ ، لا أن يَعكس كل الأخبار التي تصله دون التحقق منها .
فنشرُ الأنباء دون فحصها من شأنه تفتيت التماسك الاجتماعي ، وإشاعة البلبلة
والاضطرابات في المجتمع ، وهذا يؤدي إلى انهياره التدريجي أو المفاجئ .
2_
تناقل الأخبار :
قال الله
تعالى:(( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فَتَبَينوا أن
تُصيبوا قوماً بجهالة فتُصبِحوا على ما فعلتُم نادمين )) [ الحجرات : 6] .
فيجب تدقيق
الأخبار وغربلتها ثم اتخاذ حُكْم اعتماداً على التحقق واليقين لا الفوضى والشك.
فإذا جاء شخصٌ فاسق غير معني بصدق اللهجة والتحققِ من الأخبار ، فلا مفر من التثبت
من كلامه وعرضه على الوقائع والأحداث ليظهر الغث من السمين . فعدمُ التحقق من
الأنباء قد يؤدي إلى كوارث أو إعلان حروب صادرة عن تسرع وجهل لا تروٍّ وعلم .
قال ابن
كثير في تفسيره ( 4/ 266 ) : (( يأمر _ تعالى _ بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتاط له
لئلا يُحكَم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً
، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه. وقد نهى الله _ عز وجل _ عن اتباع سبيل المفسدين
. ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس
الأمر ، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ، وهذا ليس بمحقّق الفسق
لأنه مجهول الحال )) اهـ .
وفي مسند
أحمد : { بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحرث _ هو الحارث
بن ضرار سَيد بني المصطلِق _ ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد
حتى بلغ بعض الطريق فَرِق _ أي خاف _ فرجع ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ،
وقال : يا رسول الله ، إن الحرث منعني الزكاة وأراد قتلي ، فضرب رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم البعثَ إلى الحرث ، فأقبل
الحرث بأصحابه إذ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحرث، فقالوا : هذا الحرث ،
فلما غشيهم قال لهم : إلى من بُعِثْتُم، قالوا : إليك . قال : وَلِمَ ؟ ، قالوا : إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك مَنَعْتَه الزكاةَ
، وأردتَ قتلَه ، قال : لا والذي بعث محمداً
بالحق ، ما رأيتُه بَتة ولا أتاني . فلما دخل الحرثُ على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قال : (( مَنعتَ الزكاةَ وأردتَ قتلَ رسولي ))، قال : لا، والذي بعثك بالحق
ما رأيتُه ولا أتاني وما أقبلتُ إلا حين احتبس علي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه
وسلم ، خشيتُ أن تكون كانت سخطةً
من الله _ عز وجل _ ورسوله . قال _ الراوي _ : فنزلت الحجرات : [ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فَتَبَينوا أن
تُصيبوا قوماً بجهالة فتُصبِحوا على ما فعلتُم نادمين ] } .
{
رواه أحمد في مسنده ( 4/ 279 ) برقم ( 18482) . وقال السيوطي في لباب النقول ( 1/
194 ) : أخرجه أحمد وغيره بسند جيِّد . اهـ . وقال الهيثمي في المجمع ( 7/ 238 ) : (( ورجال أحمد ثقات
)) اهـ .}.
وهذه القصةُ
تشير إلى خطورة تصديق الأنباء دون تدقيق . فصدورُ أخبار من شخص فاسق غير مأمون على نقل الكلام دون غربلة تلك الأخبار
من شأنه إشاعة الاضطراب في المجتمع ، وقد يؤدي ذلك إلى نزاعات مسلحة يذهب ضحيتها
الكثير من الأرواح ، وإهدار الوقت والجهد ، وتفريق الكلمة ، وتمزيق وحدة الصف . وكل
ذلك ينعكس سلباً على المجتمع .
وقد ذكر ابن
الجوزي في زاد المسير ( 7/ 460 ) أن عداوةً في الجاهلية كانت بين الوليد ابن عُقبة
وبين بني المصطلِق ، وهذا جعل الخوفَ يتمكن منه ويفعل فِعلتَه الشنيعة .