الفَيْلسوفُ هُوَ
الكائنُ الوحيدُ الذي يَكونُ عُمُرُه حَيَوَاتٍ متكررة مُنبثقة مِن أحزانه
المتكررة ، وهُوَ ضَميرُ الثورةِ الحيُّ ، إنَّه صَرخةُ العَالَمِ الرافضِ للتدجين
. مِهْنته هِيَ صَعقُ الناس لتحريرهم مِن أنفسهم ، وانتشالهم من النظام الاستهلاكي
الخانق ، والأخذ بأيديهم إلى حقيقة المعنى ، وإرْشادهم إلى الضَّوْءِ في نهاية
النَّفق ، وإنقاذهم من الخوف لكي يَنطلقوا إلى الأمام . وأفضلُ طريقةٍ للتخلص من
الخوف هِيَ اقتحامُه . ارْمِ نَفْسَكَ في قلبِ الخوف لكي تُفجِّرَ الخوفَ مِن
دَاخله، وتَشعرَ بالأمان الروحيِّ والهدوءِ الماديِّ . والفَلْسَفةُ تُزيلُ
الاكتئابَ ، وتُشعِرُ الإنسانَ بِجَدوى الحياةِ ، وأهميةِ العقلِ الإنسانِيِّ في
حَركةِ التاريخِ ومَسارِ الوُجودِ. والفلسفةُ هِيَ فَنُّ التَّنقيبِ عن الذات
وتطهيرُها.والوسيلةُ الوَحيدةُ لِتَخليدِ الفلسفةِ هِيَ بِنَاؤُها على رَمزيةِ
اللغةِ والمشاعرِ الإنسانيةِ. وَسِوَى ذلك سَوْفَ تَزولُ الفَلسفةُ . والفلسفةُ
هِيَ ضَوْءُ الشمعة، وخارطةُ الضوءِ ، وخُطةٌ واقعية لكي يُصبح الذَّكرُ رَجُلًا ،
وتصبح الأنثى امرأةً ، ويُصبح الشخصُ إنسانًا . والفَيْلسوفُ يَحرقُ الشوائبَ في
الرُّوح الإنسانية لكي يَمنح الخلاصَ والطهارةَ للإنسان . إنَّ إزالةَ الشوائب من
الرُّوح الإنسانية تَجْعل الرُّوحَ طاهرةً ومُطهِّرةً للأنساق الاجتماعية . ولا
يَخفى أن إزالةَ الشوائب من الذَّهبِ تَرتقي بالذَّهبِ إلى درجةٍ أعلى . ولا مَكان
للبريقِ في ظِلِّ وُجودِ الشَّوائب . وعُمُرُ الفَيْلسوفِ حَيَوَاتٌ متكررة لأنه
يَعيش في أماكن كثيرة دون أن يُغادِر مكانه ، ويُولَد في أزمنة كثيرة مع أنَّ
تاريخَ ميلاده_في شهادة الميلاد الرَّسمية_ واحدٌ لا يتكرر. وهذه الحَيَوَاتُ
الحارقةُ المحترِقةُ تَنبعث من أحزانه ، لأنه موجودٌ في مجتمعٍ لا يعرف قيمةَ
الفلسفة . إنَّه يموت في كُل لحظة لأنَّه يَدْفع ضريبة التاريخ مِن جِلْده،
ويُسدِّد دُيونَ الحضارةِ من أعصابه . حياةُ الفَيلسوفِ نزيفٌ مُتواصل بلا انقطاع
.