وُلد الأديب الفرنسي فرنسوا مورياك (
1885_1970) في مدينة بوردو التي تُمثِّل مسقط رأسه ومصدر إلهامه في آنٍ
معًا،لعائلة من الطبقة البرجوازية العليا العاملة في صناعة النبيذ. تُوُفِّيَ
والده ، وهو في
الثانية من عمره، فتولَّت أُمُّه تربيته تربية دينية صارمة .
بعد حصوله على إجازة الآداب من جامعة مدينته، انتقل مورياك إلى باريس،والتقى
الشاعر المحافظ موريس بارِّس الذي أُعجب بتجاربه الشعرية،ففتح أمامه أبواب الأوساط
الأدبية، واستقر في العاصمة حتى وفاته .
لُقِّبَ في
طفولته بـِ " كوكو ذو العين الجميلة " بعد إصابة جفنه الأيسر ، مِمَّا
سَبَّب له آلامًا ومعاناة أجبرت أهلَه على نقله إلى مدرسة أخرى تحت إدارة الرهبان،
والتي أمضى فيها ستة أعوام.
بدأ مورياك
إنتاجه الأدبي شِعْرًا ورواية ، فصدرت أولى رواياته " الطفل المُكبَّل
بالقيود " ( 1913) ، بعد سنة واحدة من صدور مجموعته الشعرية الأولى "
وداعًا للمُراهَقة " .
التحقَ
بالجيش في الحرب العالمية الأولى ، وانقطع عن الكتابة عدة سنوات ، ليعود بعد ذلك
ويُصدر كثيرًا من الأعمال التي جعلت منه واحدًا من أكثر الروائيين رواجًا في فترة
ما بين الحربين .
غلب على
أعماله في تلك الفترة هاجس الإيمان والخوف من الخطيئة ، أمَّا موضوعاتها فكانت
تدور غالبًا حول قضايا مِثل التَّديُّن والغَيرة والضياع والبحث عن الوجود
الإلهيِّ .
انتُخِب
عُضوًا في المجمع العِلمي الفرنسي عام 1933، وكان هذا دافعًا له للجرأة في الكتابة
الأدبية ، حيث تَجَلَّت في التَّخلي عن العوالم الضَّيقة ذات الشخصيات النمطية
والقليلة، والانفتاح على النمط الدارج في الكتابة الروائية آنذاك ، والقائم على
تعدد الشخصيات وتعقيدها . ورغم هذا التَّغير في التقنيات ، إلا أن أفكاره لَم
تتغيَّر ، وبقيت الموضوعات متمركزة حول القضايا الدينية كالفضيلة والخطيئة .
وعندما بدأت
الحرب العالمية الثانية، التحقَ مورياك بفصائل المقاومة ضمن مجموعة الكاثوليكيين
الأحرار.
وأصدرَ
سِرَّاً عام 1943 مجموعة من المقالات التحليلية السياسية في " الدفتر الأسود
"، وقد وقَّعه بالاسم المستعار ( فوريز ) .
وعلى الرغم
من تحوُّل طبيعة كتابته ، بقيت تُهيمن على مورياك هواجسه الدينية الموروثة من
الطفولة التي تدور حول فكرة حتمية انتصار الفضيلة على الخطيئة ، وحول أهمية
الإيمان .
دافعَ
عن القيم الروحية والدينية، وملأ كتاباته بمواقف إنسانية وأخلاقية، وصلت حَدَّ
وقوفه ضد احتلال بلاده للجزائر والمغرب ، واتَّخَذَ مواقف مساندة للمقاومة ضد
الاستعمار الفرنسي ، وأيِّ استعمار استخدم العنف في السيطرة على الشعوب .
تركَّزت رواياته على
فئات الطبقة الوسطى في مسقط رأسه بوردو . عَكس تناولُه لموضوعَي الخطيئة والحب في
رواياته معتقداتِه ، بوصفه مسيحيًّا من طائفة الرومان الكاثوليك . كما تكشف
رواياته عن أسرار الوجود الإنساني، وطبيعة القضاء والقَدَر والخطيئة الإنسانية ، وعن
إيمانه بأن اللَّه عادل غفور . وتتميز رواياته بلغتها الجميلة ذات البُعد النفسي.
كتب مورياك
روائع القصص في عصره، وألَّف
مسرحيات قَدَّمت الأصالة والواقعية في أعمال درامية راسخة. كما كان صحفيًّا
مُتميِّزًا،حيث أمضى حياته ملتزمًا بقضايا عصره ، وناضلَ سياسيًّا ، ونطق بالحق
دفاعًا عن الشعوب المغلوبة. نَظَمَ العديد من الأبيات، وكتب قصائد أثرى بها الساحة
الثقافية، وألَّف الكثير من المؤلفات ليصبح مُؤلِّف القرن العشرين كما نعته
الكثيرون .
حصل مورياك عام 1952 على جائزة نوبل للآداب .
وبتحقيقه هذا الإنجاز ، خرج من نطاق بلاده إلى المستوى العالمي . وقد أوضح تقرير
لجنة الجائزة أن مورياك لَم يكن روائيًّا
كاثوليكيًّا ، أي مُتَدَيِّنًا، وإنما كاثوليكيًّا يكتب الرواية .
بعد
فوزه بجائزة نوبل ، تخلى عن الكتابة الأدبية ، ليتحول إلى كاتب صحفي واسع الشعبية . وفي عام
1962 أصدر كتاب " ما أُؤمن به " الذي ضمَّنه عرضًا لِمُجْمَل أفكاره في
الفلسفة والسياسة والأخلاق . وقد أُطلِق
عليه لقب " الكاتب الأخلاقي " . وكان الهدف من إطلاق هذا اللقب ، توضيح
دور هذا المؤلف في ترسيخ الأهداف الأخلاقية التي تتجلى في " مُناجاة اللَّه
والاعتراف بِعَظَمته والتدليل عليها، ليس من منطلق دينيٍّ تعليمي فَحَسْب ، ولكن
من منظور الكَون والحياة كذلك ، ومن مُعجِزات لا يَقْدِر أن يَفعلها إلا اللَّه
" .
تُوُفِّيَ مورياك في 1 سبتمبر/ أيلول عام
1970 ، بعد أن ترك بصمةً مُؤثِّرةً في تاريخ الأدب ، بإنجازاته والتزاماته ، فقد
ساندَ المظلوم ووقف إلى جانبه . وكما قال يَوْمًا : (( رُبَّما كنت الشخص الوحيد
الذي يستطيع اليوم أن يقول ما يعتقده أنه الحق غَير آبِه بأية أوامر أو تعليمات ))
، مُعترفًا بذلك بحق كل إنسان في التعبير بحرية عن وجوده من منطلق روحيٍّ
وأخلاقيٍّ .
من أبرز رواياته: لحم ودم ( 1920 ) . قُبلة للمجذوم ( 1922) . صحراء الحب ( 1925). وكر الأفاعي ( 1932) .