وُلد المفكر الأمريكي
فرانسيس فوكوياما ( 1952 _...) في حي هايد بارك بمدينة شيكاغو، لأسرة من أصول
يابانية ، ونشأ في بيئة محافظة .
هرب
جَد فوكوياما من الحرب الروسية اليابانية عام 1905 إلى الولايات المتحدة ، وافتتح
متجرًا في لوس أنجلوس بكاليفورنيا قبل أن يشمله
الاعتقال الإداري الذي استهدف الأمريكيين اليابانيين خلال الحرب
العالمية الثانية اشتباهًا
في ولائهم لليابان التي كانت آنذاك محاربة لأمريكا. أمَّا والده فلم يطله الاعتقال
لأنه حصل على بعثة دراسية في جامعة نبراسكا .
حصل والده على الدكتوراة في علم الاجتماع من
جامعة شيكاغو ، حيث قام بتدريس الدراسات الدينية، أمَّا والدته فَوُلِدَت في كيوتو باليابان،وهي ابنة
مؤسس قسم الاقتصاد في جامعة كيوتو ، وأول رئيس لجامعة مدينة أوساكا . قَدِمَت
أُمُّه إلى الولايات المتحدة وتعرَّفت على والده خلال الدراسة الجامعية
، وانتقلت العائلة لاحقًا إلى مانهاتن بمدينة نيويورك ، حيث
عاش فرانسيس فوكوياما سنواته الأولى قبل الانتقال إلى بنسلفانيا عام 1967 .
ساعدت فوكوياما طبيعةُ عمل
والده في التعرف على النخبة الفكرية في عصره، وتحديد مساره الأكاديمي ، فتخرج
من قسم الدراسات الكلاسيكية في جامعة كورنيل، حيث درس الفلسفة السياسية على يد ألن
بلووم . وحصل على الدكتوراة من جامعة هارفارد،حيث
تخصَّصَ في العلوم السياسية، وكان موضوع رسالته التي نال بها درجة الدكتوراة عن
السياسة الخارجية السوفييتية.
عمل
جمع فوكوياما في مسيرته العلمية والعملية
بين التنظير السياسي والتدريس الأكاديمي والجانب العملي، فشغل وظائف عديدة
أكسبته الكثير من الخبرة والثقافة ، وكان مُهْتَمًّا بالبحث العملي، ودراسة التطور
الاقتصادي في المجتمعات البشرية ، وعمل لمدة طويلة مستشارًا للبنك الدولي في نيويورك ، والعديد
من المؤسسات والأجهزة الأخرى . في عام 1989 ، نشر فوكوياما في دورية "
ناشونال إنترست " مقالةً حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة
. وتحت عنوان " نهاية التاريخ
" كتب يقول : (( إن تاريخ الاضطهاد والنُّظم الشمولية قد ولى وانتهى
بغير رجعة مع انتهاء الحرب
الباردة وهدم سور برلين، لتحل
محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية )) .
ما أجْمَلَه فوكوياما في مقاله ، فصَّله
في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان " نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، حيث أضاف
وشرح نظريته المثيرة للجدل في كتابه الذي اكتسب شُهرةً عالمية واسعة، وبلغ
عدد طبعاته أكثر من عشرين طبعة مختلفة ، وكان في قائمة أكثر الكتب
مبيعًا .
انطلق فوكوياما في كتابه الذائع الصيت
من حيث انتهى ماركس وهيغل ، اللذين صوَّرا التاريخ على
أنه معركة جدلية بين النماذج والأطروحات الأيديولوجية المتناقضة . وخلص في كتابه
إلى أن التاريخ يوشك أن يصل إلى نهايته بانهيار الاتحاد السوفييتي ، وتفكك
المعسكر الشيوعي ، واندثار حلف وارسو . وراح يُبشِّر
بميلاد عصر جديد يحصل فيه توافق عالمي واسع حول المثُل الديمقراطية . ومُنذ عام
2004 ، انقلب فوكوياما على مواقفه السابقة، وأصبح من منتقدي الغزو
الأمريكي للعراق، ووجَّه انتقادات لاذعة للمحافظين الجدُد ، وأعلن تنصُّله التام
منهم .
وفي عام 2006 ، أصدر فوكوياما كتابًا آخر بعنوان
" أمريكا على مفترق طرق: الديمقراطية، السُّلطة ، وميراث المحافظين
". شدَّد فيه على
أن الديمقراطية هي مُحصِّلة مسار طويل في أبعاده التاريخية والثقافية والاقتصادية
والاجتماعية ، ولا يمكن حَسَب نظره بالتالي تبسيط مسألة الانتقال الديمقراطي في
دول العالم غير الغربي . وحدَّد فوكوياما ثلاثة مرتكزات
اعتبرها أساسية لأي نظام ديمقراطي، وهي وجود دولة قوية تتمتع بالهيبة اللازمة،
وتكريس سُلطة وسيادة القانون، إضافة إلى مسؤولية الدولة أمام محكوميها . وقال : ((
إذا أردنا أن نفهم كيفية نشأة هذه المرتكزات الثلاثة، فإننا قد نفهم ما يفصل بين الصومال والدنمارك )) .
انتقد فوكوياما في كتابه بشدة تنامي
نفوذ جماعات المصالح ( اللوبيات )، الأمر الذي حوَّل حسب رأيه الدولة الفدرالية الأمريكية
إلى دولة بلا عضلات في مواجهة الأمراض التي تتخبَّط فيها.