وُلدت الروائية
فرانسواز ساغان _ اسمها الحقيقي فرانسوا كواريه _ ( 1935_ 2004) في عائلة (كواريه)
الصناعية الثرية في بلدة كاجرك جنوب غربي فرنسا.أمَّا اسمها الفني المستعار (
ساغان ) فقد أخذته من إحدى شخصيات الأديب الفرنسي مارسيل بروست .
مدحتها جريدة لوفيغارو على الصفحة الأولى
بوصفها " وحش صغير آسِر". واشْتُهِرت ساغان بالمواضيع العاطفية القوية
لشخصيات ثرية وبرجوازية ضائعة . وتُعَدُّ مِن أبرز الشخصيات الأدبية في النصف
الثاني من القرن العشرين ، بسبب موضوعاتها وأسلوب حياتها الشخصية .
كان والدها مهندسًا يُدير شركة للكهرباء .
أمَّا والدتها فقد كانت امرأة مرحة ، مُقبلة على ملذات الحياة بلا تحفظ . لذلك ،
لَم تكن تهتم بالشؤون المنزلية ، وبتربيةِ أطفالها .
كانت
ساغان تلميذة ذكية ولامعة ، لكنها بسبب طَيْشها المفرط طُرِدت مِن عِدَّة مدارس،
وقضت عدة سنوات في مدرسة دير كاثوليكي حتى حصلت على الشهادة الثانوية .
في عام 1953 أخفقت في امتحان القبول في
جامعة السوربون نتيجة انجرافها وراء الحياة الصاخبة في ملاهي الحي اللاتيني
في باريس . ولَم تكن معنية إلا بقراءة الكتب وكثرة المطالعة .
كانت رواية " غاتسبي العظيم "
للأمريكي فيتزجيرالد مِن أحب الروايات إلى نفسها . وتحت تأثير هذه الرواية شرعت في
كتابة روايتها الأولى " صباح الخير أيها الحزن " ( 1954) . وعندما سمع
والدها بذلك نهرها قائلاً : (( لا تضعي اسم العائلة على غلاف كتابك ! )) . لذلك ،
ابتدعت اسمًا فَنِّيًّا هو ( ساغان ) .
لقد هزَّت هذه الروايةُ المجتمعَ البرجوازي
الفرنسي، وصارت في بضعة شهور إحدى أكثر الروايات مبيعًا وشُهرةً على المستوى
العالمي .
انزعجَ الفاتيكان من جُرأة هذه الأديبة
الشابة ذات الشعر القصير والجسد النحيف ، لذلك طالبَ بـِ " إبعاد هذا السُّم
عن أفواه الشباب " .
لَم تخرج الكاتبة في روايتها على التقاليد
الكلاسيكية للكتابة الروائية ، على الرغم من هيمنة تيار ( الرواية الجديدة ) على
الوسط الأدبي الفرنسي، إلا أن موضوعها تمحور حول تجربة مراهقة في السابعة عشرة،
بين أبيها وعشيقتَيْه المتباينتَيْن وجارها الحبيب، في أجواء البرجوازية المترَفة
التي يُهيمِن على حياتها الملَل والكآبة.
وأسلوب الكاتبة في التعبير عن المشاعر
الدفينة والسطحية، الحميمية واليومية، هو ما لفت الأنظار إلى موهبتها وجِدِّيتها
لدى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي لَم تجذبه أو تؤثر فيه تجارب الواقعية
الاشتراكية أو تيار العبث، ولا الرواية الجديدة التي كانت تشغل عالم النقد والنخبة
الثقافية. وهذا ما أسبغ على أدب ساغان سمة الشعبية والرواج في أوساط القُرَّاء
العاديين ، الذين انجذبوا أيضًا إلى أسلوب حياتها النَّزِق المتطرف ، والخارج على
أيَّة تقاليد اجتماعية مرعية على الصُّعُد كافة .
وَقَّعت ساغان على البيان السياسي المعارِض
لممارسات فرنسا في الجزائر، كما شاركت في مظاهرات الطلبة عام 1968 جَنْبًا إلى جنب
مع مشاهير الأدباء والفنانين اليساريين، إلى جانب نزواتها، المتقاربة زَمَنِيًّا،
على صعيد تعاطي الكحول والمخدِّرات وقيادة السيارات الرياضية بتهوُّر، ثم الاعتراف
بالأزمة ، وطلب المساعدة للخروج منها ، ثم العودة للاستغراق في الكتابة .
كتبت ساغان ما يزيد على أربعين عملاً
أدبيًّا بين الرواية والمسرحية،كما كتبت أيضًا السيناريو السينمائي والتلفزيوني ،
وكلمات الأغاني، والقصص القصيرة، كما حُوِّل عدد من رواياتها إلى أفلام رائجة ،
سواء ما أُنتِج منها في فرنسا أَم في هوليوود . وتُرجِمت رواياتها إلى عدة لغات .
تُعالِج ساغان في معظم رواياتها علاقات الحب
المضطربة والقلقة في الأوساط الاجتماعية البرجوازية ، أمَّا في مسرحياتها
الكوميدية الساخرة اللاذعة التي تمتاز بجمال ورشاقة وذكاء الحوار، فإنها تُقدِّم
شخصيات من الشرائح الأرستقراطية والبرجوازية المترَفة التي تُعاني الوَحدة والكآبة
والحزن والملَل في أجواء مُلتبِسة تُعرِّي دواخلها .
اضْطُرَّت ساغان_ بسبب الديون الهائلة _ إلى
بيع مجوهراتها ، والهدايا الثمينة التي تلقَّتها من المشاهير . وكانت حقوقها من
الكتب تذهب مباشرة إلى الضرائب . وفي السنوات الأخيرة من حياتها ازدادت متاعبها
الصحية والنفسية. والذين زاروها وجدوا أنفسهم أمام امرأة مُحطَّمة مُنهارة ، تمشي
بِبُطء ، وتتحدَّث في الدِّين والمواضيع الفلسفية. وقد تُوُفِّيت ساغان في إحدى
مستشفيات النورماندي بسبب
قصور في عمل القلب والرئتين ، تاركةً وراءها دُيونًا بلغت مليون يورو .وعلى الرغم
من المشكلات السلوكية والقضائية والضرائبية التي عانتها ساغان مع السُّلطات
الفرنسية، فقد قال جاك
شيراك في تأبينها:((
لقد كانت ساغان شخصية بارزة في حياتنا الأدبية )) .