الذي وَضَعَ أغاني أدغالِ الدَّم على سَرْجِ حصانٍ هو النِّسْيانُ الأخضرُ . وَضَعَها واختفى في حِوارِ جُرْحَيْن جَامِحَيْن على مائدة خالية . أيها القلبُ الذي يتحول وطناً للغرباءِ وعابري السبيلِ . يتحول مسكنَ لاجئين ، يصير وطنَ القصائدِ الممنوعةِ . مسكونٌ أنا بالمطرِ . خَبِّئْني في زَهراتِ نبضكَ ، في حروفِ لغة ترابكَ ، مُروجِكَ المزهرةِ رغمَ احتلالِ دفاترِ الرِّيحِ لقلوبِ الشلالات الأسيرة . وخُذ المشرَّدين من مِضَخَّةِ الماءِ في الحقولِ إلى سريرِ التَّعبِ ليرتاحوا ! . لا تُسَلِّمْنِي لثرثرةِ الأَرْزِ المعْدية في جهاتِ جوز الهند الاستوائي . أَعِدْ لي جثثَ الأَرانب المتعفِّنة كي أدفنَها في الهضاب الخارجة على قانون الغاب .
أضاعَ الضَّبابُ فُرشاةَ أسنانه في سيرةٍ ذاتية لِفَرَسٍ . وفي مدائنِ الصَّمت حصانٌ لم يَرِثْ عن أبيه إلا المنجلَ. لكنَّ عودةَ العَوْسجِ إلى أبجديةِ قوسِ قُزَحَ تُشاهدُ رَجُلاً يُردد أناشيدَه في البريةِ. تَابَعُوا خُطاهُ على كومات القش المطعونةِ ، ووَجَّهوا رماحَهم ذات الرؤوسِ الفضية في عينيه ، وأَطْلَقُوها . كانت زجاجاتُ العصيرِ الفارغةُ شاهدةً على اغتياله ، فَكَسَرُوها ! .
ولما اصْطَادوا ذَكَرَ النَّعامِ قالوا له : (( عَلَيْكَ أن تنتميَ إلى الوطن )) . فرد عليهم والحرقةُ تخنقه : (( أين هو الوطنُ حتى أنتميَ إليه ؟! )). وطنَ النوارس الذي يضيع في وريدي مشانقَ ضاحكةً ومجلاتٍ بدون عناوين . أنتَ زنزانتي وحريتي وطفولتي المقتربةُ من جمر العطش . والغاب يعملُ بعد الظهر طبيبَ أسنانٍ .
كيف سأغرسُ صنوبرَ الأمسياتِ الخريفيَّ في مقابر الفراولةِ ويداي ملطختان بالجذور الصَّارخةِ؟!. اكتشفْني في مقبرةِ عائلتي وأنا أدورُ كالطير المذبوح دمعاتٍ ، واكتشفْ في الأناشيد الميتة زوبعةً عندما تذهب البروقُ لتنامَ على ياسمينة جاهزةٍ للترحالِ . استخدمْ أشعاري لكي تسقيَ القلوبَ الجافة .
يا كُلَّ المخبِرين العائدين إلى أرضهم الميتة في الصباحات الباكرة ، أُطردوني من جُرحي سوف تجدوني في جراحِ الآخرين . امْنَعوا أشعاري من مشاهدة التل الفضي تجدوا الأفقَ يُغَنِّيها وعيوني . اسْتَصْلِحُوا صحراءَ الكآبةِ المحتاجةَ إلى طفولة الملامح المختفية في العواصفِ . ادفنوا ضحاياكم بعد أن تُصَلُّوا عليهم . أمهاتهم رَجَعْنَ إلى مجموعة الصور الذابلةِ في كتابِ الفلوات. وسجدتْ حنجرتي على سجاجيدِ الجامعِ العالي . تِلْكَ دموعٌ خضراء في الغُرف السِّرية في الدَّيْرِ . إن الباستيلَ صورة السُّعال على الفؤوس . ألواحُ المسلخِ الشمعي والزَّيْزفونُ القتيلُ . والأعاصيرُ لا ترحمُ آهاتِ البُنِّ المنهمرة . ما لونُكِ يا أعلامَ القلعة عندما يوقظُ شعاعُ الشمسِ مدخنةَ البيت وتلتهمُ استدارةُ الدُّراق الإسفنجَ البحريَّ المعدَّلَ وراثياً ؟ .
كقصبِ السُّكَّر في الظلماتِ كان أخي . تَوَغَّلتْ نعومةُ الأمطار في أعماقي كي أراه . أنا الذي رفضتني نساءُ كوكبِنا لأني لا أنامُ إلا مع سَيْفي . أنا هازمُ الأكاسرة . زنودي بابونج الثورة. أَطردُ رعاةَ الرعشة الواقفين على بابٍ مُعلَّقٍ على قَشَّةٍ . وَلْتَنْهَضْ شوارعُنا تُكَنِّس أحطابَنا المتقمصة أدوارَ إناثِ الكلاب .
(( إن زوجتي لم تولد بعد ولكنني أحبها، ولا أعلم من سيموتُ أولاً أنا أم كوكبُ المشتري )). هذان آخر سطرين كتبهما قمري ، وقد وجدتهما في وثائقِ المطر. أُنبوبٌ من زبرجدٍ يحتسي مشنقةَ العاشق الصوفيِّ. قَتَلوه ، ونَسَجوا من سنبلاتِ كَبِده معطفاً سميكاً . لَيْتَهم رَأَوْا شالَ ابنته الصغيرة ممدَّداً على القناديلِ الباليةِ . قالبُ شوكولا في يدها ذَوَّبه وهجُ الرَّصاص في دمها . لَيْتَهم رَأَوْا زُمردةً على شِراع الهجراتِ تسأل عن نجمةِ الشَّتاتِ هل ستطلعُ في الضُّحى الآتي ؟ .
شمسٌ تطعنُ جدائلَ الريحِ. أعلامٌ منكَّسةٌ في إعصارٍ باحثٍ عن عروش دمي . أنا آسفٌ لأني تألمتُ حينما قتلتموني. أنا آسفٌ لأن لُعابي لَوَّثَ معاطفَ الملكات وهن يَبْلَعْنَ الشمبانيا على جثتي . أنا آسفٌ لأن رؤيةَ أكفاني قد عَكَّر مزاجَ الجواسيسِ . أنا آسفٌ لأن صرخاتِ مَرَضي قد أَزعجتْ ضيوفَ الباشا في اجتماع مجلس إدارة المجزرة .
أُحب وقتاً عالقاً على عُشبةٍ بعدد المخبِرين الجالسين في جَوْف بِنطالي . بئرٌ تراودني عن نَفْسي. إن احتضاراتي قادمة . إن لأَمْسِي زُمُرُّدةً تنخرُ تيجانَ الركام . يا تاريخَ الأسماك المتكسرَ على بلاطِ مستشفيات روما المعقَّم بالرؤوسِ المخلوعةِ ، ارفضِ الجنونَ . هذه جمجمتي رايةٌ للغرباء منصوبةٌ في المجموعة الشمسيةِ .
أَكْمِل المشوارَ يا وجهي إِن انتقلتْ أعصابي من الصحاري إلى الثكنات العسكرية . طوفانٌ من الزنابقِ المحترقة يقفز على أكتافِ الغيوم . تِلْكَ المتَّشحةُ بالمبيدات الحشرية حضارةُ إبادة الهنود الحمر . لكن اليمامَ قد نحت خرائطَ الفحيح على أظافري . وأباطرةُ الشَّوْكِ يتفاهمون مع شعوبهم بالبندقية .
من الموجاتِ الصَّاخبةِ من عنفِ الألمنيومِ في الأواني الفخارية تزهرُ كتيبةُ الأصداءِ اليابسةِ ، والسَّهمُ المشتاقُ إلى صدره الطَّريِّ ، كأني أَلُمُّ انكساراتِ البُحورِ في الأسطر والورقِ الأبيضِ . وترجعُ ضَمَّاداتُ النزفِ إلى الجسورِ الخرساءِ ليخطوَ الهِرُّ العسكري إلى الأمامِ . أين القبطانُ الخائنُ الذي أهدى دَفَّةَ المركبِ لسائحة ؟ . أين رجالُ المدفعيةِ الذين قَصَفوا أحلامَهم ؟ . أين العاشقُ الصُّوفِيُّ الذي بَصَقَ في بُلعوم النَّار ؟ ، لم يَمُتْ .
كانت قوافلُ الإسبان المصلوبة في جذوع الوهم تمشي على رموش الصخور إلى ضوء باهت تحمله بغايا بني إسرائيل لإرشاد زبائن آخر الليل . أتى هولاكو من أبراج المراقَبة في كنائس روما ، ومن مقاصل حجريةٍ حَفَرَتْها على الأجساد الذابلة أصنامٌ بأسماء مستعارة . دمُ الحيضِ لنساء روما المغتصَبات يختلطُ بالشوارع الوحشية . شعراءُ يموتون يومياً على أقدامِ الإسكندر المقدوني بعد أن يُوقِّعوا على وثائقِ اغتيال أُغنياتِ الإجاصِ المسحوقِ .
وجراحُنا عانقتْ صوتَ الرعودِ عند كهوفِ الرُّعاة . نباحٌ يجيء من أوثان تُطبقُ شفاهَها على هياكل كلاب مشقَّقة . حطبٌ منسوبٌ إلى حقولنا يخرجُ عند المغيب من نعالِنا ، و يُجَمِّعُ الهيكلَ العظمي لبطيخة أَبَتْ الاستلقاءَ في ولائمِ استقبالِ غربان الوحلِ النحاسي للدود الخارج من أمعائنا.
باح السرابُ بكلامه لصدرِ المرفأ المهدَّم . حُمُرٌ وحشيةٌ تلقي قصائدَها في سيناريو المذبحة .جوائزُ الأدب تُمنَح لمهرِّبي البضائع في السوقِ السوداء .
يا وطناً يَبْسطُ حدقاتِ العُمْيانِ على أرضِ المطار لاستقبال القاتِلين . اخْرُجْ منكَ كي تلمحَني رَسَّامَ أنهارٍ في عُنفوانكَ . يا وطناً يُخفي مجاعةَ خيوله في فناجين عذاباتي . عِشْ خارجَ مصفاة النفط كي نلتقيَ في عشقِ خيامكَ . لونُ البنكرياسِ الخافتُ يَنصب فَخَّاً لناقةِ جَدِّي على أنقاض ديارِ بنات آوى . طاولةٌ تَبْذر الدلافينَ الساذجة في بنطالِ الشوكِ الماسي . للعاجِ مقبرةُ الفِيَلةِ وسُورٌ عالٍ يدل على شيخوخةِ أحزاني .
وقال الشِّعْرُ للزنجبيل الكَهْل : (( مَارِسْني ! )) . فردَّ بِصِدْق : (( لستُ أهلاً أن أُمارسَكَ )) . أطيافُ اللامعنى بقراتٌ عقيمةٌ ، والكوكبُ الغريبُ مَشرحتي. ذَكَرَ السَّرْوُ في إفادته أن المرفأ القرمزي مسقطُ رأس النحيب . وهذا رأيُ المجراتِ . لستُ المتنبي أَرْصف جِلْدي على أعتاب الخلفاء . لستُ ثوبَ اللغوِ في الجهاز التناسلي لسنديانةٍ .
البرقُ يحصدُ كلامَ الشَّرر في صمتِ الزُّراعِ ، عند الساعةِ التي تبكي فيها الخلجانُ اليتيمةُ . تُقلعُ أعشابُنا وتطيرُ في انتفاضةِ أعشاشِ الأسماكِ . يختفون في حروفنا ، ولكنهم يتحدثون بغير لغتنا. يقولون وُلدنا في بغداد ، ولكنهم يُدافعون عن روما . يستلقون على أوسمةِ القائدِ المهزوم في انحناءاتِ الورقِ الشجري . قَدَّمُوا موتهم للصَّحافةِ الأجنبيةِ على أنه روحُ الحداثة. عَرَضوا سوائلهم المنويةَ وأعينَ أمهاتهم في متحفِ جائزةِ نوبلَ . عُودوا إلى وجوهكم . خُذوا أسماءكم من الشمس .
يا ذُباباً يمتطي طيفَ النرجسِ على كاهلِ ماعزٍ . لا تضعفْ أمامَ دموعِ ماري أنطوانيت . لا تنخدعْ إذا تَنَزَّهَ الأباطرةُ في اكتئاب الحقول . أعذارُ الميرميةِ في لغةِ المسامير ، فاعذرني . تَذَكَّرْنِي ، وتَذَكَّرْ صورتي على الحائطِ وتحتها أثاثٌ مجنونٌ . مُخَيِّلةُ تمساحٍ على مِقَصِّ أظافر ناعمٍ . كأن الياقوت يمصُّ رائحةَ الزَّعْفَرانِ في ضباب المقابر .
هُمْ يزرعون في أعصابنا ماءَ الثَّورةِ قرب اتحاد الهيدروجين بالأكسجين . جاؤوا من شِعابِ الريح يحملون دمهم على الزِّنادِ المندفع . كَسَروا صمتَ لؤلؤ الجدارِ ، صَعدوا إلى لحمهم كي يقذفوه على الطُّغاةِ . إن أرضي سَرْوةٌ لا يقطفها الشَّيطانُ ولا سبايا الرُّومانِ . فلتطلق النارَ أنهارُ بلادي صَوْبَ الأساطير .
وسار الشجرُ شلالاً يَهزُّنا يُخرِجُ النيرانَ من بطن أمها . لم يعد في حقائبي غيرُ الديناميتِ وجُمجمتي . سقاني العاصفةَ تينٌ مجففٌ على رقبةِ شَمْسٍ . شمعٌ يُضرِب عن الطعام، ويذهب إلى ذهابهِ و يعملُ سائقَ تكسي . قَدِّمْ أحلامكَ لُغماً يَخْمِشُ حواسَّ الوثن . أنشأ الصُّبْحُ مصنعاً للسياراتِ المفخخةِ في بُؤْبُؤِ القرصانِ. أنا قَزَحِيَّتِي كرةُ نارٍ تتدحرجُ على جباهِ أُمراء الحروب .
اغْتَصَبَتْني سمكةٌ غَازَلَتْني حَشرةٌ . فَتَّشُوا أجندةَ الثَّلْجِ لكي ينقذوني . غديرٌ أعزبُ يموتُ على المسرحِ وحيداً. اقْطُف الرَّصيفَ قبل أوانه . إنَّ النَّخاسين يُطفئون سجائرَهم في أجسادِ زوجاتهم الضائعاتِ في حنين الرِّجالِ المسافرين . يُخفون براميلَ البارود في أجنحةِ ديكٍ رُوميٍّ .
فَمُ طِفْلَةٍ مَصلوبٌ . أخبريني من صَلَبَهُ ؟! . بسكويتٌ يابسٌ مِثْلُ بُكاءِ البُنْدُقِ وحيداً ، في فُنْدُقٍ فخمٍ مملوءٍ بالنَّمل ورجالِ الأعمالِ . كيف سنأكل من تَمْرِنا وهم يُحاكمون نخلَنا في الدوائرِ الرَّسْمِيَّةِ ؟! . ملوكُ الغَبَرَةِ أجسادهم خارج أجسادهم أين سيحاكمونهم ؟ .
يا ثائرُ مُدَّ يَدَيْكَ خُذْني إِلَيْكَ خُذ استراحةً في قلب حمامة ، ثم عَاوِدْ قتالَ الصدى في فصولِ اللهيبِ . ولا تَعْبأ بأحصنة المستحيل الدائرة مع طواحين البكاء .
ضاعَ الوطنُ وهو يبحث عنَّا . هل نشكر المخبِرِين في مطاعم الوجبات السريعة أم المراهقاتِ العاشقات في ممالك الجمجمة كافتيريا العنوسة . الوطن ضاع . أي الموتى أحق بالرثاء مَلِكٌ لص أم لِصٌّ مَلِك ؟ . لم يضع الوطن . وما زِلْتَ تُكابِرُ يا نَبْضي ! .
نِسوةٌ حطامٌ لحميٌّ يُلقينَ بياضهنَّ على ألسنة المشاة . لكن رائحةَ القطن تنخرُ فخذَ مَوْجةٍ .
أَنْقِذُوا الأشجارَ البرمائيةَ الطافية على عَرَقِي . رَجُلُ أَمْنٍ يَرْقب مكافأةً ماليةً تتفجر من دموعه في ليالي الخريف ، والغرباءُ يعانقون الغرباءَ في الكهوفِ . وأَسمنتُ عمودي الفقري يُعِدُّ رسالةَ دكتوراة في تاريخ المجاعات . وما إن لمستُ إمضاءَ اليمامِ على خَصْرِ الهضبةِ حتى سالت من عيوني غيمةٌ وبعضُ الأزقةِ . رُموشي انقلابُ الأنوثة على الأنوثة ، والقمحُ يخون رئتي اليمنى مع رئتي اليسرى .
أينَ المرأةُ التي ترفضُ أن تكون لوحةَ شظايا ؟. أَلْقِي القَبْضَ على زَرْعٍ بلا مكياجٍ ثم انسخيه على وجهكِ . لا تكوني فريسةَ غُزاةٍ يُرضِعون دمي سِهاماً مكتئبةً في حفلٍ لاغتيالي . بَقِيَتْ مناديلُ الخزامى على عَرَبَةٍ من صَدَىً أَطرشَ .
واستخرجَ أرخبيلُ الجنونِ الكهرمانَ من جنازة الموانئ . أكتبُ كي أكسرَ زجاجَ قطارات أَوْردتي في صَيْف الإبادة الجماعية ، كي تتحولَ أكبادُ شَعْبي إلى جِسْرٍ تَعبرُ عليه شمسُ الله . سَاعِدي لم يكن مكتبةً للأحكامِ العُرفية . غَزَلَ الثَّرى دولةً من الصرخاتِ والأجسادِ المحروقةِ . أسواقُ الجماجمِ في أوطانٍ تتسعُ للمرابين . لن أدعَ فأرةَ الصدى الخشبي تُجَهِّز للحبوبِ وليمةً . أهزوجةُ الأوحالِ قبيلةُ الخاسرين ، وأنتَ لستَ منهم يا ضَوْءَ الصَّنوبر. فَمُدَّ يَدَيْكَ خُذْني إِلَيْكَ .