روائحُ الحبوبِ تَغْلي في عِظامي . يا نشيداً أقوى من الأحجار الكريمةِ ، أقوى من رقصات ظَلامي . كشميرُ ياقوتةٌ في كَفِّ النهرِ . وِشاحُكِ يُغرقني في إيقاعات السِّكين . يا لَكِ من زُمُرُّدةٍ حمراءَ أبراجاً ! . قُتِلْتِ ألفَ مرةٍ وما زلتِ تمشينَ . جَدِّفي في أبخرةِ زفيري حتى فلسطينَ ، لأني سأُغنِّيكِ مدىً صارخاً للصُّبح. وأنتِ سُلالةُ أقمارٍ حُذِفَ من قاموسها لفظة الاغتصاب.تَوَضَّئي بماء عيوني المقذوفتين في نظراتكِ. قالت : (( دَعْنا نتيمَّمْ ونُصَلِّ ركعتين )). ورَكِبْنا أشرعةَ الضبابِ .
كانت جبهتكِ ترتفعُ على المراكز الحدودية في نخلاتي . أتخيلُ جِلدي كشميرَ ، وفمي وقلمي. وكشمير هي أنا في رعشةِ الجهاتِ . يومَ أضاء حِجَابُكِ في دنيا القمرِ كان الناسُ سَلَّمُوا مفاتيح عيونهم للنعاس، أما أنا فانتظرتكِ لآخذ عن خدودكِ أنهارَ السَّفر . ترافقنا في حدائق المشنقة لأن التعبَ يُراوغُنا على سطوحِ القطارات الكهربائية . أَنْفُكِ يُشْبِهُ أَنْفِي ، لم يبقَ إلا وجهان طَرِيَّان بنى الصخبُ بينهما سوراً من الفراشات الرافضةِ .
زئبقٌ في عيونِ المنفى ، وأنتِ وجهي حين ينصهرُ المساءُ في حماقاتِ الهديلِ في شبابه. دفاترُ من صوف النِّعاجِ . وأحلامٌ مُسَمَّمَةٌ تلفُّ المواشي الساذجةَ. هِيَ صباحٌ كشميرُ أو دمُ المجرة. أحب الشِّعْرَ لأكره السلاطين ، وأتوقعَ خياناتِ الغدير الهاربِ . أُسَمِّي عظماتي بأسماء تلالكِ ، وأنظر في مرايا عينيكِ كي أُصفِّفَ شَعْري ، وأُرتِّبَ ثيابَ القتالِ المغسولةَ ، وأُجَهِّزَ التوابلَ للقتلى القادمين من الشَّفقِ .
أنتِ عُشِّي ، وأنا الصقرُ الذي ينهشني عشقُكِ . كنتُ مُتعَباً من الإبحارِ في جدائلكِ ، فحملتُ جثتي على ظهري المشقَّقِ، وتنقلتُ في حِنَّاء كَفَّيْكِ الناعمتَيْن . شَريدٌ لحنُ وريدكِ، وأنا شريدٌ . لعل رفاتَ الجديلةِ على شفتي بركان وحيدٌ. مشتاقاً إلى نسيمِ نبضاتكِ المملوكةِ، حاصريني بالقُبُلاتِ العابرةِ. تلتصقُ يدانا وينسابُ الماءُ بينهما، لأن بِرَكَ السِّباحةِ في دماء الشهداء سَلبتْ حَقَّنا في الشُّربِ ومغازلة الأنهر .
قضيتُ حياتي في الشرايين اليابسةِ كمن يبحثُ عن جثةٍ تتناولُ العَشاءَ في عُرسها. هَشَّمت الفصولُ براويزَ لقائنا، فأضحيتُ بعدَكِ بروازاً لتذكاراتِ السنونو. أتلمحين هُدُبِي خارجةً من إشبيليةَ وأبوابِ السَّحَرِ عليها آبارٌ ميتة مَثَّلَ بِهَا المساءُ الضَّيقُ ؟ . إن صورتها مخدةٌ للعرائسِ من بناتِ آوى. جروحي البذرةُ والدمعاتُ شجرتي اليتيمة . وضرب الصمتَ الزهريَّ أمكنةٌ منكسرة.
طعمُ الكواكب على أحطابِ العِناقِ . أستلُّ من لحم القمر قطعةً ، فتنتفض جبهةُ يمامةٍ وتأسرني أشواقٌ. الأمسُ المستقبلي ، والريحُ الجريحة تَصرعُ اسْمَها . كيفَ سارت الحيطانُ على حِبالٍ لَفُّوها حولَ اللاشيء ؟ . وأنادي في الشوارع القتيلة ، فارغةٌ أنتِ إلا من الضحايا والأوراقِ البيضاء . وغابت الحقولُ عن مؤتمر الصُّلْحِ بين السراب والضباب . وأدورُ على أبواب الأرامل المذبوحات ، تدق كياناتي أجراسُ القحطِ . كأنَّكَ الشفقُ يُنزِلُ دَلْواً ممتلئاً بسُعالي إلى قاع نَفْسي . فالنارُ غير عالمةٍ بأن حتفَها على يَدِ ما يخرج منها من رمادٍ .