قصيدة/ حَدَثَ في رمضان المبارك
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد .
لا أجدُ ما أُفطرُ عليه . أعطاني إمامُ المسجد سَبْعَ حَبَّاتٍ من التَّمْر . فرحتُ وذهبتُ إلى المقبرةِ وجلستُ بين القبور . وما إن سمعتُ أذانَ المغربِ حتى التهمتُ الحباتِ بعد التَّسْمية . انتظرتُ عبدَ القادر الجيلاني كي يُفطرَ معي لكنه لم يأتِ . وانتظرتُ والدي لكنني تذكرتُ أنه مات .
كُلُّ الفتياتِ اللواتي أحببتهنَّ تَزَوَّجْنَ غَيْري ، وَذَهَبْنَ إلى السكن في شققِ الأحياءِ الراقية . أمَّا أنا فأمسحُ القبورَ من الأغبرةِ ، وأُنظِّف الغبارَ من عَرَق الأعشاب السامة . أحب الموتى وهم يحبونني . وأحس أنني أجيدُ التحدثَ مع الموتى أكثر من الأحياء . وفي العيدِ يأتي الأغنياءُ بسياراتهم الفارهةِ . أراهم من بعيدٍ ولا أقتربُ منهم لكيلا يظنوني شحَّاذاً أو مُتَسَوِّلاً .
لا أملكُ إلا ثوباً واحداً. وعندما يتسخُ أغسله بماءٍ مليء بدمعي خالٍ من الصابونٍ. ثم أضعه على الحائطِ وأختبئ في القش . لستُ نعَّامةً . كان الأطفالُ يأتون مع أهلهم ويلعبون معي يركبون على ظهري قائلين : (( امشِ أيها الحصان )) ثم يرحلون . لهم أهلٌ وليس لي أهلٌ إلا الأموات . حتى الأحصنةُ لها إسطبلاتٌ تعيشُ فيها .
لا تقتليني . إنكِ قَتَلْتِنِي ولم تدفعي دِيَتِي . هُدُبِي قوافلُ من البَدْوِ الرُّحَّلِ . الترابُ المشرَّدُ ودموعي ، وعمالٌ يموتون وهم يحفرون قناةَ السويسِ، وبوارجُ تمر منها لتحرقَ الجوامعَ وتخطفَ خُبزي وكوفيةَ أبي .
لا تقتليني. عيناكِ تَخُطَّان في برتقال قتلي حَربةً . أنينكِ يُكَهْرِبني . اقرئي الفاتحةَ المقدَّسة على جثماني. والسلامُ علينا . انظري إلى دب الباندا يحاول مسح حزني وهو في القفص . تذهبين مع الصخورِ المذهبة إلى بُكاء اللوز كوني مخلصةً له .
لا أطلبُ منك إلا رغيفَ خُبزٍ وكوبَ ماءٍ . لا تضربي القططَ لأن وجعَ النيازك يأكل معها وهي تحبني . وقولي للبكاءِ أن لا يُلوِّثَ البيئةَ بأدخنةِ مصانعه . فأنا أعتني بالنِّسْرين في نحيب البرية . الجنيد والغزالي وأنا مُحلِّقون في أرضِ مولانا تعالى .