أتمنى لكِ حياةً خارجَ الحياةِ . أنتِ مغرورةٌ . لا أعتبر رفضكِ هزيمةً لي، فالذهبُ لا يبكي عادةً إلا عند وفاةِ النارِ . أرحلُ بصمتٍ عالي الصوتِ قليلاً ، أعودُ لأستكمل ما بدأتُه من انقلاباتٍ على قلبي الوحيد . لكِ قلادةٌ من العاجِ، كم فيلاً قَتَلَتْهُ أُسْرَتُكِ لئلا تتضايقي وأنت تنامين في أوصالِ شعوبِ الغابِ ؟ . لكِ خَدَمٌ من الثعالبِ الخائنةِ . هل فكَّرتِ بالليلِ يغسلُ دمعَ البلحِ ؟ .
احتضاراتُ الصقيعِ أقامت مصنعاً لتكرير الملحِ على ضفةِ دموعي . إنْ أَخُنْ قلبي أَخسرْ وجهي. إنْ أَعشقِ الرَّصاصاتِ أفقدْ لافتاتِ المجاعةِ . فعودي إلى أسنانكِ ونظِّفيها بسعف النخيلِ، فالأرضُ شمعةُ الغرباءِ إذا انطفأتْ أشعلتُها بذكرياتي في الممالكِ المنسيةِ على خطوطِ جِلْدي السوداء.
لحنٌ خافتٌ يطلعُ من الشوكِ . والشوكُ لم تلمسه أنثى منذ مصرعِ أُمِّهِ. ولا أذكرُ أن أنثى لَمَسَتْني إلا والدتي . كُنْ يا غُبَارِي عند حسن ظن الميناءِ المحطمِ بكَ . بَحَّارٌ صُداعُ التَلِّ الحافي . والطاعونُ يحتل ذاكرةَ القش . يسيلُ دمُ الولادةِ ، إنني سأموتُ ، وقد يأتي عمالُ مناجمِ الفحمِ إلى مغارتي ويتناولونَ خُبْزِي، ويسخرونَ من تاريخِ عائلتي في الأدغالِ . وربما ينظرون إلى قَبري باستهزاء . فهل ستبكين عليَّ ؟ ، هل ستقولين إن نمراً أحبني يوماً ما ، إن نمراً مَرَّ من هنا وكانت عيناه تدمعان حنيناً ؟ .
أيتها اللبؤةُ . عيونكِ تنقشُ فِيَّ رحلةَ اللاعودةِ . أريدُ منكِ حين تصطادين السَّوسنَ المجروحَ أن تتذكري أحاسيسَ جذوره لكي تتذكري ملامحي . أنا المنسيُّ في قائمةِ عشاقكِ الكثيرين . أصبحتِ مرضاً بالنسبةِ لي أقصدُ وباءً .
أنت هَوَسِي . صارت الفئرانُ والحمائم تضحك عليَّ . أنا الأب الروحي للباديةِ . أنا مثارُ سخريةٍ في الغابةِ، صرتُ نَبَاتِيَّاً. ماذا سأقول لأبي وأنا أرجعُ كُلَّ ليلةٍ بدون فريسةٍ ؟. وما زادَ لحمي ظلالاً أني استقلتُ من السِّيركِ واعتزلتُ الحياةَ السياسيةَ . ما كنتُ أظن أن أنثى من الحيواناتِ ستفعل بي هذا . ولكنني سأقفُ ضِدَّ حُبِّكِ ما دام حُبُّكِ حَربةً تُشرِّحني .
ما زال في تفاصيلي ضوءُ تمردٍ ، ورفضٌ لسَيَّافي الأرضِ . رياحاً تأتي أعضائي المسعورةُ . أتذكرين لقاءنا الأول في المقبرةِ ، وزعيمة الجراد والعناكبُ تقفز سعيدةً بوجودنا . شعرتُ أنه حبٌّ من الرصاصةِ الأولى. فكرتُ يومها أن أُقَبِّلَ تاريخاً حافلاً بالمرايا المشروخةِ في الرماد . كدتُ أقولُ لكِ خَبِّئيني في يَدَيْكِ من الصَّيادين وعلماءِ الأحياء . لكنني أدركتُ أنني حيوانٌ وأن الحيواناتِ ألعوبةٌ تستمتع بها بناتُ الأغنياء . أغارُ من شوكةٍ تلمسكِ . أصبحت الحيواناتُ كتفاحةٍ بائسة تُؤجرُ رَحِمها للريحِ .
ما عساكِ أن تفعلي في هذا العَالَم ؟ ، تعالي أتزوجك فتنجبين أنصافَ نمورٍ وأنصافَ أُسودٍ ، ثم نُشعلُ الانقلاباتِ على أناشيد الغابة . نحن خاسرون إن لم نُرسِلْ قاتلينا إلى سلالِ القُمامةِ . فلنبدأ من دمكِ ودمي من موتي وموتكِ .
يغمرني المكانُ فأصحو . ينتحرُ الطغاةُ على بوابات اكتئابي . ألفُ مستنقعٍ يغفو في أعمدةِ انهياري . ناسفةَ حُطامي عشيقةَ ذُبولي ، مَن الخاسرُ فينا ؟ . لا أُصَدِّقُ أنَّا جَرَحْنا أحزانَ الغصون ، وتبادلنا الدموعَ بدل الهدايا ، ولم ننتبه إلى أننا قتلنا الفرحَ في معاطفنا ، وبذرنا الكراهيةَ في طرودٍٍ ملغومةٍ تتأرجح فينا . وفجأة أصبحت قصتنا فُكاهةً على ألسنةِ القُرودِ ودببةِ الباندا .
إنها الأمطارُ فيذهبُ الجميع إلى مخبئه وأظل هائماً مبللاً بلا مأوى. أنالَ عطفاً مؤقتاً من مُخرجِ أفلامٍ وثائقيةٍ يجني الملايين والتصفيق ثم يرميني في الشَّارعِ . رجولةُ الزَّوْرقِ ، وامرأةٌ تُذبَحُ في الستائرِ الرماديةِ كُلَّ ليلةٍ ، تُذبَحُ في أحضان زوجٍ لا تريده .
أنا حيوانٌ ، وهذا لا يعني أنه ليس لي شعورٌ أو إحساسٌ. أحتاجُ إلى أنثى تشاركني مسيرةَ التوحشِ ، وجنونَ الاندفاع الشرس . ليكن الحبُّ بَيْنَنَا حَرْبَاً تتعانقُ فيها بقايانا . لن أخرجَ من جِلدي لكني سأُجَهِّزُ على شطآنه مقعداً يتسعُ لجثةٍ نتقاسمها وتتقاسمنا ، ونضم أجسادَ موتانا ونموتُ. أَعْطَيْتِني دمَ الفريسةِ تذكاراً . تَذَوَّقْتُه فَوَجَدْتُه مُرَّ المذاقِ كمساميرِ نعشي المهترئةِ .
أنا وأنتِ قاتلان . كلانا سَرَقَ براءةَ الغزلان . فلا تلبسي الأنوثة .
مَلِكُ الغابةِ غير المنتخَب
النمر