الأمنية الأخيرة للمحكوم بالإعدام / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.............
سَقَطْتُ في قَاعِ نفْسي / وَقَعَ الليلُ في
بِئْرِ شَهيقي / تتساقطُ دُموعُ أُمِّي في فِنجانِ القَهْوةِ / وَيُقاتِلُ قَلبي
في الصَّحراءِ بِلا رَايةٍ ولا طُبولٍ / بُكائي طَبْلُ الْحَرْبِ / اسْتَعَارَتْهُ
الفِرْقَةُ الموسيقِيَّةُ / وَضَعَتْهُ بَيْنَ خَشَبَةِ المسْرَحِ وخَشَبَةِ
الإعدامِ/والكُهَّانُ يُصَفِّقُونَ للحَمَامِ الزَّاجِلِ عَلى خَشَبَةِ الصَّليبِ/
عادَ الجنودُ المهزومونَ مِنَ الأعلامِ الْمُنَكَّسَةِ إلى سُوبر ماركت
العَوانسِ / يَتَحَرَّشُ القَسَاوِسَةُ بالرَّاهباتِ/ والبَقُّ يَأكُلُ زُجاجَ
كَنائِسِ القُرونِ الوُسْطَى / يَتكاثرُ الجرادُ عَلى تُحَفِ الكاتِدْرَائِيَّاتِ
/ والكاهنةُ تَبكي في الصَّدى الوَحْشِيِّ الصَّوْتِ الْمُوحِشِ/ والمساءُ
يُنَظِّفُ قَميصَ الرِّياحِ مِنَ الكُوليرا / وحِجَارةُ النَّيازكِ تَصْرُخُ في
هَوْدَجِ الغريبةِ / صَارَت الحضارةُ بَعُوضةً عَلى خُدودِ رَاقصةِ الباليه /
نَسِيَت الصَّبايا الواثقاتُ مِنْ صَلْبِهِنَّ الرَّسائلَ الغراميةَ عَلى مَقاعِدِ
الكَنيسةِ / وَالغُروبُ لا يَسْمَعُ بُكَاءَ البُوسنِيَّاتِ تَحْتَ جُسورِ
سَراييفو/ فَاضْحَكْ أيُّها الغريبُ/ لا زَوْجَةٌ تَفتخِرُ بِكَ أمامَ أُمَرَاءِ
الْحُرُوبِ/ ولا عَشيقةٌ تَفتخِرُ بِكَ أمامَ مُلوكِ الطوائفِ /
دُمُوعُ النِّساءِ في دَلْوِ البِئْرِ/ والرِّيحُ تَرْمِي حِبَالَ المشانقِ
للغَرْقَى في آبارِ الغروبِ/ بِدايةُ القَصيدةِ هِيَ نِهايةُ العَالَمِ / فَابْدَأْ
مِن نِهَايَةِ الرِّياحِ في خَريفِ الأشلاءِ / أَكْمِلْ مَا بَدَأَهُ المساءُ الذي
يُشَرِّحُ جُثتي تَحْتَ أشجارِ السِّنديان / إِنَّ الموْتَ هُوَ الضَّوْءُ في
آخِرِ النَّفَقِ /
أَذْهَبُ إلى مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / تارِكاً وُجوهَ الشَّرْكَسِيَّاتِ
عَلى حِيطانِ زِنزانتي / يَا وَحْشَتِي/ يا وَحْشَةَ النُّسورِ حِينَ تَحترِقُ
أجْنِحَتُهَا في شَهيقي / تتكاثرُ في أشلائي رُمُوشُ الفَتَيَاتِ السَّائراتِ في
غَرْناطَة / وتتكاثرُ السُّجونُ في سَقْفِ حَلْقي / ظِلالُ الإِمَاءِ عَلى أساوِرِ
الزَّوبعةِ / والرَّمْلُ يَظُنُّ البُحَيرةَ حَامِلاً مِن انتفاخِ جُثتها /
يَا وَرْدَةَ النَّزيفِ / أيَّتُها السُّنبلةُ التي تَنتظِرُ وَقْتَ
الحصَادِ / يَكْتُبُ النَّهْرُ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ حُكْمِ الإعدامِ/ صَغيرةٌ أنتِ
على الْحُبِّ يَا قَاتِلَتِي/ كَبيرةٌ عَلى المِقْصَلةِ يَا صَغيرتي / أنتِ سِجْني
وَسَجَّانتي/ حَرِّرِيني مِن أجفاني / احْرِقِي أشرعةَ السُّفُنِ التي تُبْحِرُ في
شَراييني / لَم يَعُدْ في أحلامِ الطفولةِ غَيْرُ كُحْلِ البُحَيراتِ وزَعْتَرِ
المذابِحِ / فيا وَطَنَ الخِيَامِ / كَم عَدَدُ الخِيَامِ في طَريقِ البَحْرِ ؟ /
يَسْقُطُ دَمْعي الأزرقُ في الشَّايِ الأخضرِ / كُوني يَا أطلالَ القَلْبِ
المهجورِ طُفولةَ أشلائي / لأظَلَّ شَابَّاً إلى الأبَدِ / كُونِي طُفولتي يا
جَدَائِلَ النَّيازكِ/ لأكْتُبَ رَسائلَ العِشْقِ للنَّوارِسِ/ أنامُ عَلى سَطْحِ
بَيْتِنَا المهجورِ في الأندلسِ / أنتظِرُ الأمطارَ القديمةَ / والطائراتُ
تَقْصِفُ خِيَامَ اللاجِئينَ / يا وَطَنَ الأنهارِ اللاجِئَةِ /
سَأصِيرُ بَعْدَ اغتيالي قَصْراً رَمْلِيَّاً تَبْنِيهِ العَوَانِسُ
وتَهْدِمُهُ الأرامِلُ/ تَبْنِيهِ الأراملُ وتَهْدِمُهُ العَوَانِسُ/ سأظلُّ
بَيْنَ الوَرْدِ والشَّوْكِ غَريباً مَطْرُوداً مِن دِمائي / أعْطَاني مُعَلِّمُ
الرِّياضِيَّاتِ رَقْمَ خَيْمَتي ورَقْمَ قَبْري / وَمَاتَ عَلى رَصيفٍ بِلا
رَقْمٍ في شَارعٍ بِلا اسْمٍ / تُولَدُ الفَرَاشَاتُ عَلى أكتافِ النِّساءِ الْمُغْتَصَبَاتِ/
وَتَبْقَى الْجُثَثُ الْمُتَحَلِّلَةُ في عَصيرِ الليْمُونِ / يُصْبِحُ ذُبُولُ نِسائِنا
أقواسَ النَّصْرِ في مُدُنِ الهزيمةِ / فَاحْمِلِي جُثمانَ البُحَيرةِ عَلى ظَهْرِ
حِصَاني / بُوصَلَةُ ضَريحي تَتَّجِهُ نَحْوَ الْحُزْنِ في عَيْنَيْكِ / مَن المرأةُ
المدفونةُ في رَبطةِ عُنُقي ؟ / لا شُيُوخُ
القَبائلِ يَنتظِرُونني في حَرْبِ البَسُوسِ / ولا الْهُنُودُ الْحُمْرُ يَحْفَظُونَ
جَدْوَلَ الضَّرْبِ لِيَحْسِبُوا عَدَدَ القَتْلَى/ اكتشفَ البَدْوُ الرُّحَّلُ
آبارَ النِّفْطِ في نُهُودِ نِسَائِهِم / وجُثماني هُوَ الحاجِزُ العَسكرِيُّ بَيْنَ
البُوسنِيَّاتِ والصِّرْبِيَّاتِ /
خَطَبْتُ الأمواجَ / تَزَوَّجْتُ الشُّطآنَ / طَلَّقْتُ الرِّمالَ / وَدَقَّاتُ
قَلْبي تَخْلَعُ هَيْكلي العَظْمِيَّ / أنا الصَّحراءُ التي تَنتظِرُ المطرَ / وَتَشْرَبُ
الأحلامَ الضائعةَ / وَتَأكُلُ الطفولةَ الْمُهَشَّمَةَ / أنا صَخْرَةُ الرَّحيلِ
التي تَنتظِرُ زَهْرَاً يُفَتِّتُهَا / سَوْفَ أُدْفَنُ تَحْتَ الشَّجرةِ التي
كُنْتُ ألعبُ تَحْتَهَا في طُفُولتي /
لا زَوْجَاتُ النَّهْرِ يَنتظِرْنَ اكتئابي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / ولا
رَاهِبَاتُ النَّزيفِ يُوَزِّعْنَ الماريجوانا على الزَّوْجاتِ الخائناتِ /
فازْرَعُوا خِيَامَ البَدْوِ بَيْنَ شَراييني ونَعْنَاعِ المقابرِ / سَتَذْهَبُ
اللبُؤةُ مَعَ النَّمِرِ / وَيَبْقَى الأسَدُ وَحيداً يَصطادُ الأُغْنِيَاتِ
الحزينةَ /
يَا أرْمَلَتِي / خُذي حَبْلَ مِشْنَقَتِي تِذْكَاراً / الوَطَنُ تائِهٌ في
عُرُوقي كُحْلاً للأراملِ / والزَّوابعُ تَصْعَدُ مِن سُعالِ الزَّنابقِ خِيَامَاً
للغَجَرِ / كُنْ قَريباً مِنَ الْمُسَدَّسَاتِ بَعيداً عَن الفَرَاشَاتِ/ سَتَظَلُّ
البَغايا وَاقفاتٍ تَحْتَ المطَرِ يَنْتَظِرْنَ أحلامَ الطفولةِ/وَالسَّنَاجِبُ تَقْلِي
نَوْبَاتِ اكتئابي في زَيْتِ الزَّيتونِ/ وأحزانُ الطفولةِ تَسْتَلْقِي عَلى
تَنُّورةِ البُحَيرةِ العَرْجَاءِ /
أَخْرِجُوا رُفَاتَ اليَاسَمِينِ مِن عَطَشِي/ سَأَغْرَقُ مَعَ السَّفينةِ
التي أحْبَبْتُهَا / يَا بِلادي الضَّائعةَ بَيْنَ شَهيقي وزَفيري / يَفْتَحُ
الجنودُ المهْزُومُونَ قُبُورَهُم أمامَ السَّائحاتِ / وتَفْتَحُ الأراملُ أفخاذَهُنَّ
أمامَ البَحْرِ القَتيلِ / ويُغْلِقْنَ قُلُوبَهُنَّ أمامَ السُّنونو / فَكُنْ يَا
صَديقي أنيقاً عِندَما تُصْبِحُ رَبطةُ عُنُقِكَ حَبْلَ مِشْنَقَتِكَ / وَاغْفِرْ
للنِّساءِ اللواتي يَجْلِسْنَ عَلى ضَرِيحِكَ / يَشْرَبْنَ صَهيلَ البُكاءِ /
ويَغْسِلْنَ عُشْبَ المقابرِ بالدَّمْعِ السَّاخِنِ / وَيُنَاقِشْنَ الضَّعْفَ الجِنْسِيَّ
لأزْوَاجِهِنَّ / اكْتَشَفْتُ مُسْتَقْبَلِي السِّيَاسِيَّ في الحياةِ
العاطِفِيَّةِ للرِّمالِ/ يَرْتَدِي الليْلُ نَظَّارَاتٍ سَوْدَاءَ لِيَهْرُبَ مِن
جِلْدِهِ الأخضرِ / يَبْكي الْمُهَرِّجُ تَحْتَ المطَرِ لِكَيْلا تَرَى لاعباتُ
السِّيركِ دُمُوعَهُ / فَيَا أيَّتُها السُّنبلةُ الْمُحْتَرِقَةُ في خَوَاتِمِ
الملوكِ / اترُكي العَباءةَ التي تَحْمِلُ لَوْنَ كُحْلِكِ في الخِزَانةِ قَبْلَ
انتحارِكِ /
العَذْرَاءُ تَخْلَعُ العَدَسَاتِ اللاصِقَةَ / وتَدْخُلُ إلى غُرفةِ
الاعترافِ / والعصافيرُ تَنْقُرُ جَمَاجِمَ الأسيراتِ / لَن أَصْرُخَ في زِنزانتي / فَلْتَسْمَع الحِيطانُ صَوْتَ المطَرِ /
سَأَشُمُّ أجفانَ الأمواجِ البِكْرِ / وأنامُ في حُفرتي/ ويَنامُ حِصَاني في
الفَراغِ العاطفِيِّ / سَتُصْبِحُ الأمواجُ مَخَازِنَ أسْلِحَةٍ / يُخَزِّنُ
الشِّتاءُ الدَّامي في قَارورةِ الحِبْرِ ذِكْرَياتِ الجنودِ الْهَارِبِينَ مِنَ
المعركةِ / فَلا تُمَارِسِي الجِنْسَ مَعَ جُثةِ عَشيقِكِ أيَّتُها الكَاهِنَةُ /
مَصْلُوبةٌ أنتِ بِلا صَليبٍ / والوَحْلُ يَسِيلُ عَلى قَارُورةِ العِطْرِ / وَالتاريخُ
يُعِيدُ السَّكاكينَ التي اسْتَعَارَهَا مِن مَطْبَخِ الأراملِ / غَابَاتُ رِئَتي
هِيَ الأحزانُ الْمُعَلَّبَةُ / بِطِّيخةٌ تَتَقَاسَمُهَا الخناجرُ المسمومةُ /
كالشَّوارعِ الخلفِيَّةِ في مَسْرَحِيَّةِ تَزْوِيرِ الانتخاباتِ /
للدُّودِ أجسادُنا /
فَقُلْ أيُّها الدُّودُ كَلِمَةَ السِّرِّ / وانْهِ اللعبَةَ القَاتِلةَ / أحزانُ
البَراري تَصُبُّ في رِئَةِ البَحْرِ / والموْجُ البَرِّيُّ هُوَ نشيدُ الإعدامِ /
والمطرُ يَكتبُ وَصِيَّتَهُ الأخيرةَ عَلى شَظَايا جُمْجُمَتي / كَتَبَ الصَّقيعُ
في صَالةِ الرَّقْصِ قَوانينَ الطوارِئِ / يَدْخُلُ الثلجُ في أكفانِ الأنهارِ
نَقِيَّاً كَالدَّمِ الْمُقَطَّرِ / دُمُوعُ الأمطارِ سَاخنةٌ عَلى جَدائلِ
البَناتِ / الخارِجاتِ مِنَ التاريخِ / الذاهباتِ إلى الوَأْدِ / وَاثِقَاتٍ مِنَ
الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ /
أُطْلِقُ قَلَمَ
الرَّصاصِ عَلى مُسَدَّسي / تُشْرِقُ أجفاني في شِتَاءِ الْهَلَعِ / أموتُ كُلَّ
يَوْمٍ في بِلادي / طِفْلٌ يَمشي تَحْتَ أشجارِ الأرَقِ في لَيْلِ الشِّتاءِ
الطويلِ / يُذَوِّبُ النَّزيفُ جُثةَ أُمِّهِ في كُوبٍ حَليبٍ مُلَوَّثٍ
بالذِّكرياتِ / طَلَبَت البُحَيرةُ الطلاقَ مِنَ البَحْرِ / دَمي مَسْكُوبٌ في
حُفَرِ المجاري / دَمْعي يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / لَكِنَّ
جُثماني يَصْعَدُ مِنْ تَحْتِ الأرضِ / كَي يُعيدَ بِنَاءَ حَضَارةِ الدَّمِ عَلى
نوافذِ القُصورِ الرَّمْلِيَّةِ / تُسْحَقُ جَدائلُ النِّساءِ تَحْتَ حَوَافِرِ
العَصافيرِ / وعَرَبَاتُ نَقْلِ الجنودِ تُحَطِّمُ الرُّموشَ الصِّناعِيَّةَ
للنِّساءِ النُّحَاسِيَّاتِ /
سَلامٌ عَلى المشْنُوقِينَ يُولَدُونَ في مِعْطَفِ
الرِّياحِ/والزَّوابعُ تَحْصُدُ الذِّكرياتِ كالحطَبِ الأخضرِ/ والمطَرُ يَحْصُدُ
الأحياءَ والأمواتَ/ أيُّها الغريبُ/ سَتَمُوتُ وَحْدَكَ في غَابَةِ الأظافرِ/ وَحْدَهَا
السَّناجِبُ سَتَبْكِي أمامَ نَعْشِكَ الزُّجَاجِيِّ / تَنْشُرُ الملِكَاتُ الغسيلَ عَلى الحِبَالِ الصَّوْتِيَّةِ
للضَّحايا / تَصيرُ مَلِكَةُ النَّحْلِ عَامِلَةَ نَظَافَةٍ/ تُخَطِّطُ لانقلابٍ
عَسكرِيٍّ في حَاويةِ القُمامةِ/ وَالزَّوابِعُ تَحْتَجِزُ جُثماني في ثَلاجَةِ الموْتَى / وَأُمِّي تُضَيِّعُ وَقْتَهَا في
الانتظارِ / نَحْنُ مَحْكُومُونَ بالإِعْدَامِ والحنينِ والانتظارِ .