يخرج الياسمين إلى الميادين / قصيدة
(إلى شهداء الربيع العربي )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
أَمْشي في دُموعِ الشَّوارعِ / كَي يَسْمَعَ
الموْجُ ضِحْكَةَ أُمِّي في الموانِئِ المهجورةِ / أيُّها اليَاسَمِينُ الأحمرُ/ جَاءَ
رَبيعُ الدِّماءِ / فَافْتَح النَّوافِذَ لِمَطَرِ الكَلِمَاتِ / مَن هَؤُلاءِ
الفُرْسانُ يَفْتَحُونَ صُدُورَهُم العاريةَ للمَوْجِ ؟ / مَن هَؤُلاءِ الصَّبايا
يَحْمِلْنَ الْجَرْحَى عَلى أجنحةِ الحمَامِ ؟ /
يَا وَطَني الْمُوَزَّعَ بَيْنَ الخفافيشِ
والسُّجونِ الباردةِ / اخْرُجْ مِنَ الْمَزْهَرِيَّاتِ الكِلْسِيَّةِ/ اعْتَنِقْ
ضَوْءَ النَّهارِ حُرَّاً مِثْلَ ذَاكرةِ البَرْقِ / جَاءَ مَوْعِدُ العُرْسِ / فَاضْحَكْ
كالأنهارِ اليَتيمةِ /
كُلُّ الأشجارِ تُغَنِّي للحُرِّيةِ / كُلُّ
الميادِينِ تُغَنِّي للحُرِّيةِ / وَطَنٌ يُولَدُ مِن جَديدٍ / أعْلَى مِن نَوَافِذِ
السُّجُونِ / أعْلَى مِن صَوْلَجَانِ الجنونِ / يَا بَلَدَاً يَغْتَسِلُ في شَرايينِ
الشُّهداءِ / اكْسِرْ حَديدَ النوافذِ / لَم يَعُدْ للطغاةِ سُجُونٌ / كَي يَحْبِسُوا
الشُّموعَ / فَاحْتَفِلُوا بِعِيدِ مِيلادِ الفَرَاشَاتِ يَا أصدقائي /
الزَّنابقُ الكريستالِيَّةُ / والدِّماءُ
السَّاخنةُ / تِلْكَ الصُّدورُ العَارِيةُ أمامَ قُطعانِ الرَّصاصِ الْحَيِّ /
إِنَّهُ الشَّعْبُ الْحَيُّ / فَاتْرُكْ ذِكرياتِ الأمواتِ للأمواتِ / افْتَخِري بِي
أيَّتُها الرِّياحُ / أنا عَرَبِيٌّ / جِلْدي مَيَادِينُ الْحُرِّيةِ / أُحَرِّرُ
الذِّكرياتِ مِن سَطْوَةِ الوَهْمِ / فَلْتَقْرَأ الأمطارُ اسْمي عَلى لافتاتِ الشَّوارعِ
/ فَلْتَقْرَأ المسدَّساتُ اسْمي في صَفحةِ الوَفَيَاتِ / هَذِهِ أبجدِيَّةُ البُرتقالِ
الْمُتَمَرِّدِ عَلى دُستورِ الإِبادةِ / وأجنحةُ الجرادِ تُغَطِّي أوْعِيتي
الدَّمَوِيَّةَ /
جَاؤوا مِن كُلِّ الأزِقَّةِ شَجَرَاً
فِضِّياً للغَدِ / الذي يَكْسِرُ صَمْتَ الضَّحايا / يَرْتَدُونَ الوَرْدَ وَاقِياً
ضِدَّ الرَّصاصِ / كُلُّ السُّجَناءِ في الشَّفقِ يُغَنُّونَ للحُلْمِ الضَّائعِ /
كُلُّ الْمُدُنِ السَّجينةِ في الزَّوابعِ تَحْلُمُ بالغِنَاءِ / فَلْتُولَدْ
ثَوْرَتي مِن عُيونِ الرِّيحِ / وَلْتَخْرُجْ مِن جِلْدي العصافيرُ الْمُسَيَّجَةُ
بالسَّنابلِ الْخَرْسَاءِ / قُولِي أيَّتُها الشَّوارعُ / مَا أسماءُ الْجُثَثِ
المجهولةِ الْهُوِيَّة ؟ / أسْمَعُ رَنينَ دُموعِ الأرصفةِ عَلى الأجسادِ
الطَّرِيَّةِ/ تَرْكُضُ الخِيَامُ إلى الخِيَامِ/ أيُّها الْمُعْتَصِمُونَ في
صَوْتِ النُّسورِ/ دَمي لَيْسَ زَمَنَ اللاجئينَ أو الْمُتَسَوِّلِينَ/ أنا زَمَنٌ
عَرَبِيٌّ مَكَانٌ عَرَبِيٌّ/ أُصَدِّرُ دِمَائي للعُقْبَانِ/ وأرْتَدِي نَشِيدَ
الطُّرُقَاتِ/ لأكْسِرَ خَوْفَ الصَّبايا مِنَ الحِكَاياتِ / وأزْرَعَ الكَرَزَ في
صُداعِ الْمَرَافِئِ الْمَنْسِيَّةِ / افْتَحِي نَوَافِذَ الْحُلْمِ يَا أُمِّي /
أنا ابْنُكِ الثائِرُ في ضَوْءِ البُروقِ / الشَّاهِدُ عَلى وِلادةِ المطَرِ /
الشَّهيدُ تَحْتَ المطَرِ /
أُصَمِّمُ رَايَةً لأحْلامِي / وَآخُذُ
حُرِّيتي مِن فَمِ الرَّصاصِ الْحَيِّ / لا وَقْتَ يَا بُكَاءَ البَلابِلِ كَي نَحْضُنَ
الشُّهداءَ / بِلادي زَهْرَةُ الرُّعودِ في الْمَزْهَرِيَّاتِ المكسورةِ / انتَهَى
دُسْتُورُ الإِبَادَةِ / بَدَأَ مُسْتَقْبَلٌ لا يُولَدُ في الشَّظايا / وَهَؤُلاءِ
القَادِمُونَ مِنَ الفَجْرِ / يَقْرَؤونَ أبجديةَ وُجُوهِهِم خَارِجَ المرايا /
والرَّصاصُ في صُدورِ الفَراشاتِ يَنْبُتُ قَمْحَاً وأزْمِنَةً / أحْمِلُ عَلَمَ
بِلادي/ لِتَنْبُتَ عَلى ضَريحي ثَوْرَةُ اليَمَامِ / أَشْعِلْ شُمُوعَ الاستقلالِ
بِصَوْتِ الأمواجِ / لا مَكَانٌ لأوسمةِ الطاغيةِ في نَشيدي / ولا هُوِيَّةٌ لِبِلادي
سِوَى انتفاضةِ الحمَامِ /
وَدِّعِيني يَا نَوَافِذَ بَيْتي / سَأَخْرُجُ
مِن أجفانِ الرِّعشةِ / لأحْرِقَ الْخَوْفَ بأبجدِيَّةِ الصُّمودِ / والطُّرُقَاتُ
سَتَذْكُرُ بَصَمَاتِ سُعالي في الليالي البَاردةِ / كَسَرْتُ قَيْدِي / اكْتَشَفْتُ
صَوْتي في صُراخِ الأمطارِ / شَعْبي يَخْرُجُ مِن كَهْفِهِ يَخْتَرِعُ ذَاكرةً
للحُرِّيةِ /
اترُكِيني يَا أوراقَ الشَّجَرِ/أسْمَعُ
نِدَاءَ أرْضي/ كُلُّ حِجَارَةِ النَّيازكِ تُنادي عَلَيَّ/ بِلادي يَا كِسْرَةَ
خُبْزٍ مَنْسِيَّةً عَلى كَراسي القِطَاراتِ / أرى صَوْتَكِ الْمَبْحُوحَ يَا
بِلادي الجريحةَ / في دُموعِ البَناتِ / في أُغْنِيَاتِ الفَلاحِين / في حَنينِ
النَّيازكِ / في عُيُونِ
العَاطِلِينَ عَنِ العَمَلِ /
لا تَمْنَعِيني يَا أُمِّي مِنَ الذَّهابِ
إلى مَيادِينِ الْحُلْمِ/ يَا شَمْسَ الْحُرِّيةِ/لا تَرْفُضِي وَجْهي/أنا
عَرَبِيٌّ/ أكتبُ تاريخاً جَديداً للمَسْحُوقِينَ / فَلْتُولَدْ شُعُوبُ الرَّفْضِ
كالزَّلازلِ / أرْضُ الْحُرِّيةِ هِيَ بِطَاقتي الشَّخصيةُ /
انتَهَت اللعبةُ أيُّها السَّجَّانُ الأنيقُ / رَبْطَةُ عُنُقِكَ حَبْلُ مِشْنَقةٍ للشُّعوبِ/ لَكِنَّ الشُّعوبَ خَرَجَتْ مِن جِلْدِها كالزَّيتونِ الماحِي / انتَهَتْ حِصَّةُ التَّعذيبِ يَا فَخَامَةَ الرَّئيسِ الْمَخْلُوعِ / عَرْشُكَ جَمَاجِمُ
الزَّوابعِ / وَعَقَارِبُ السَّاعةِ لَدَغَتْكَ / وانتَهَت اللعبةُ / فَابْكِ عَلى حُطَامِ الرُّوحِ في الْهَدِيلِ الْمَعْدَنِيِّ/ لَن نَبْكِيَ عَلى
شُهداءِ الْحُرِّيةِ /
جَاءَ الرَّبيعُ العَرَبِيُّ / فَلا تَسْأَلْ عَنِّي يَا صَيْفَ
العُشَّاقِ / أنا العَاشِقُ الصَّاعِدُ مِن آبارِ الانطفاءِ / لأُضِيءَ طَرِيقَ
السُّنونو بِلا حَوَاجِزَ أمْنِيَّةٍ/ كُلُّ الْمُظَاهَرَاتِ هِيَ
اسْمي الحقيقِيُّ/ وَالعُرُوشُ الْمُتَسَاقِطَةُ هِيَ
الْهُوِيَّاتُ الْمُزَوَّرَةُ / لَيْسَ نِظَامَاً حَاكِمَاً / بَلْ عِصَابةً حَاكِمَةً
/
أيُّها الطاغِيَةُ / أنتَ الْهُوِيَّةُ الْمُسْتَحِيلَةُ / فَارْحَلْ .