القمر يبكي في حِضن الشمس / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
.............
في غَابةِ الحِبْرِ مَلِكَةٌ
تَسْمَعُ نِداءَ غَرِيزَتِهَا / وَكُلُّ أجهزةِ التَّنَصُّتِ التي زرعها التُّفاحُ
في جَسَدي هِيَ رُمُوشُ اليَمَامِ / لا تاريخٌ في ظِلالِ الغَيْمِ / وَلا بُرتقالٌ
في أطْيَافِ الموْتَى / عَلَّقْنَا حَبْلَ المِشْنقةِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ/ مَاتَ
النَّهارُ مَاتَ الليلُ / انطَفَأَتْ شُمُوعُ عِيدِ المجازرِ / فما نَفْعُ
العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟/ أَسِيرُ إِلى مِشْنَقتي بِسُرْعَةِ الضَّوْءِ
/ فما نَفْعُ الرُّومانسِيَّةِ في سَاعةِ الاحتضارِ؟/
أنا العَريسُ المقتولُ في لَيْلَةِ العُرْسِ / والجنديُّ المهزومُ في مَعْرَكةِ
العِشْقِ / دَمُ الشُّموسِ على بِزَّتي العَسكرِيَّةِ / وَفَوْقَ جَثامينِ الضَّحايا
تَطِيرُ الأُغْنِيَاتُ الْمُبْتَلَّةُ بالشَّايِ الباردِ / الذي تَرَكَهُ
العُشَّاقُ عَلى تَابوتِ البَحْرِ ورَحَلُوا / التفاحةُ رَصاصةٌ / فَاكْسِرْ
ظِلَّكَ الحجَرِيَّ يَا قَصْرَ الرِّمالِ / أطيافُ القَتْلَى عَلى نوافذِ
القِطَاراتِ/ أنا البَحْرُ الْمُخْتَبِئُ في أجفانِ البُحَيرةِ / بُكائي خَارِطَةٌ
لِجُرُوحِ النَّوْرَسِ الْمُحَنَّطِ في مَساميرِ نَعْشي الزُّجَاجِيَّةِ / شَرِبْتُ
دِمَاءَ رَمْلِ البَحْرِ / فَصِرْتُ غَامِضَاً كَغُرفةِ الإِعدامِ /
يا صَديقي المقتول / مَا زِلْتَ تَمْشي في أزِقَّةِ الملاريا / فَاحْفَظْ بَكَارَتَكَ
الرُّومانسِيَّةَ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَلَكُ الموْتِ / سَيَحْصُدُ الموْتُ البَكَارَةَ
والرُّومانسِيَّةَ مَعَاً / يَا كَوْكَبَ الدُّموعِ / ارْمِ ذِكْرَياتِ الرَّحيلِ
في قَلْبي/ واحْرِقْ أوْرِدتي بالعِشْقِ الجارحِ/ ارْمِ مَناديلَ الوَداعِ في
شَهيقي / سَأَصْلُبُ أجنحةَ النَّسْرِ العَجُوزِ عَلى ألواحِ صَدْري / لا قَشٌّ في
إِسْطَبْلاتِ النِّسيانِ لِتَحْرِقَهُ أعصابي الْمُحْتَرِقَةُ / ولا دُموعٌ على
أرصفةِ الموانئِ في انتظارِ مَوْعِدِ الرَّحيلِ / حُمِّلَت السَّبايا في عَرَبَاتِ
القِطَارِ كالتَّبْغِ الْمُهَرَّبِ / وانكسرَ صَوْتُ المطرِ في صَوْتِ الدُّموعِ /
ولَم يَعُدْ هُناكَ أحَدٌ يَبكي عَلى أحَدٍ /
أنا الماءُ والحريقُ / لكنَّ أحزاني لا تَنطفِئُ / لا قِصَصٌ غَرَامِيَّةٌ
تَحْتَ قَمَرِ الاحتضارِ / ولا قصائدُ حُبٍّ عَلى نَصْلِ المِقْصَلَةِ / رَحَلَ
النَّخَّاسُونَ إلى دُوَارِ البَحْرِ / ونِقَاطُ التَّفتيشِ تَأكُلُ الشَّوارعَ /
وَقُلُوبُ الإِمَاءِ مَخْتُومةٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / لَكِنَّ فُرُوجَهُنَّ
مَفتوحةٌ للخُلَفَاءِ والوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ/ لا مَكَانَ للعِشْقِ في خِيَامِ
الْمَذْبَحَةِ / سَتَبْقَى آثارُ الرَّصاصِ عَلى الحِيطَانِ النُّحَاسِيَّةِ والبَراويزِ
الخشَبِيَّةِ / وتَبْقَى آثارُ أسنانِ الجواري عَلى تُفاحِ الاحتضارِ / ويَبْقَى
صَوْتُ المطَرِ عَلى أوتادِ خِيَامِ اللاجِئينَ /
ضِعْتُ أيَّتُها الوَردةُ البرونزِيَّةُ بَيْنَ رِئَتي اليُمْنَى وَرِئَتي
اليُسْرَى / كَمَا ضَاعَت الدَّولةُ الأُمَوِيَّةُ بَيْنَ قَميصِ عُثمانَ وَشَعْرَةِ
مُعَاوِيَة / تَبِيتُ الرِّياحُ جَائعةً / وَالشَّمْسُ تَأْكُلُ لَحْمَ الضَّبابِ/
وَالنُّسُورُ تَحُومُ حَوْلَ جُثمانِ قَوْسِ قُزَحَ / رُبَّمَا أُقْتَلُ أنا
والفراشةُ في لَيْلَةٍ بَاردةٍ / تَنْقُرُ عَصافيرُ الشَّفَقِ الجائعِ جَسَدي
الطَّرِيَّ / وَالأمطارُ تَخْلَعُ مَساميرَ نَعْشي تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ .