غرباء في قطارات الشفق الجريح / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
................
سَلامٌ للصَّبايا
اللواتي يَنْشُرْنَ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / اصطدمَ ضَوْءُ
الشَّمعةِ بأشجارِ الدَّمِ / وَالزَّيتوناتُ تَحْبَلُ بأكفانِ السُّنونو / سَتَمْشِي
الغاباتُ إلى حِصَارِ ستالينغراد / وسَاعي البَريدِ أضاعَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ
/ بَيْنَ حِصَارِ بَيْرُوتَ وحِصَارِ سَراييفو /
نُؤْنِسُ وَحشةَ الغُبارِ عَلى أثاثِ بُيُوتِنا المهجورةِ في غَرْناطَة / نَبيعُ
دُمُوعَنا الأندلسِيَّةَ في بَلاطِ الملِكَاتِ السَّبايا / كُلَّما حَرَسَ الغُروبُ
جَدَائِلَ أُمَّهَاتِنَا / ذَوَّبَ المطرُ أجفانَنا في عَصيرِ التُّوتِ الذي
سَيَشْرَبُهُ الغُرَباءُ / لا مَكَانٌ في أشلائِنا للحُبِّ ولا زَمَانٌ / نَضْحَكُ
مَعَاً / وَنَضْحَكُ على أنفُسِنَا / وَيُصْبِحُ الموْتُ أحَدَ أفرادِ العَائِلَةِ
/ كُلُّ الشَّاحناتِ مُحَمَّلَةٌ بِالإِمَاءِ / فَلا تَنْظُري في عُيُوني يَا كَاهِنَةَ
النَّعناعِ / حُبُّكِ أَفْيُونُ الظِّلالِ / والرِّيحُ تُنَقِّي دُموعَ النَّهْرِ
مِنْ ذِكْرياتِ الْحُبِّ الأوَّلِ /
انثُرْني أيُّها القَمَرُ في الكَرَزِ
تابُوتاً لليَتَامَى / وَاجْمَعْنِي في نشيدِ الرُّعاةِ مملكةً للفَراغِ العاطفِيِّ
/ أنا الاحتضارُ الجديدُ بَيْنَ الْحُبِّ القَديمِ والمطَرِ القَديمِ / غَسَلَ البَحْرُ
يَدَيْهِ مِنَ الذِّكرياتِ / فابْكِي يا
زَوْجةَ الملِكِ المخلوعِ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحواجِبِ /
يا غُربةَ المعْنَى في اليَاقُوتِ / أيُّها
الغريبُ المنبوذُ المطرودُ مِنْ دَمِكَ / سَتَمُوتُ في الشِّتاءِ الدَّامي وَحيداً
/ سَيَبْقَى جُثمانُكَ عَلى رَصيفِ الوَحْلِ / وتَغْسِلُ الأمطارُ مَساميرَ
نَعْشِكَ / فَاحْمِلْ أكفاني أَحْمِلْ أكفانَكَ / الزَّوابعُ تَضَعُ السَّبايا في
عَرَباتِ القِطارِ / سَتَدْخُلُ أُمْنِيَّاتُ المشنوقينَ في الْمُقَايَضَةِ / وَيُقَامِرُ
التُّوتُ بأضرحةِ آبائِنا / فَكُنْ فَيْلَسُوفاً كاللوْزِ لِنَدْرُسَ فَلسفةَ الزَّوجاتِ
الخائناتِ/ العَبيدُ يُذَوِّبُونَ ضَفائِرَ أُمَّهَاتِهم في الْمُوميَاوَاتِ الملَكِيَّةِ
/ أنتَ الْمَلِكُ الْمُشَرَّدُ في مِصْيدةِ الفِئرانِ / فَاخْتَرْ حِمَاراً وَحْشِيَّاً
لِيَحْمِلَ عَلى ظَهْرِهِ حَضارةَ الأحزانِ / وَلا تُنَكِّسْ رَايةَ قَلْبي /
نزيفي مَلِكٌ لا يُخْلَعُ / لأنَّ قُلوبَ اليَتامَى عَرْشي / كُلُّ الطُّرُقِ تُؤَدِّي
إلى صَلْبِكَ / فَاكْسِرْ صَلِيبَكَ / وَامْشِ وَراءَ حُزني / ولا صَليبَ سِوَى
أهدابِ الكَاهنةِ / ثِقْ بِضَوْءِ الهاويةِ في أجنحةِ الحمَامِ / سَأَحْرِقُ كُوخي
بِدُموعي / لا طِفْلٌ يُولَدُ مِنَ الغُيومِ بِلا دِمَاء / ولا وَطَنٌ يَأتي مِنَ
السَّنابلِ بِلا أشلاء/ يُطْلِقُ القَنَّاصُ النَّارَ على القِطَطِ الضَّالَّةِ/
وأتقمَّصُ بُكاءَ النَّسْرِ العَجُوزِ فَوْقَ تِلالِ الذاكرةِ / والدُّموعُ
تَسِيلُ في حُفَرِ المجاري/ تَحْتَ الْجُسُورِ التي قَصَفَتْهَا الْمَدَافِعُ/ نَسِيَ
العَاشِقُونَ دَمي في عَصيرِ البُرتقالِ الْمَنْسِيِّ عَلى الطاولةِ/ وَرَحَلُوا /
العَدَسَاتُ اللاصِقةُ / والرُّموشُ الصِّناعيةُ / والأزهارُ الصِّناعيةُ عَلى القُبورِ
الزُّجاجيةِ / وقُمَاشُ الأكفانِ مِنَ
البلاستيك /
ذِكْرَياتُ بَيْتِنا في الأندلسِ مَنْسِيَّةٌ بَيْنَ حَبْلِ
المِشْنقةِ وَحَبْلِ الغسيلِ / ذَهَبَت الإِمَاءُ إلى أحضانِ الخريفِ/ وَبَقِيَتْ
قُمصانُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / سَوْفَ تَتَبَرَّعُ الزَّوبعةُ بأعضائِها
للنَّهْرِ بَعْدَ مَوْتِها/ ولا يَقْدِرُ
الشَّاطئُ أن يَتَحَمَّلَ دَلَعَ البُحَيرةِ / كُونِي صَديقتي يَا قَارُورةَ
الحِبْرِ / يَوْمَ تَقِفِينَ وَحْدَكِ أمامَ ضَريحي / خَلْفَكِ الأعلامُ الْمُنَكَّسَةُ / وَطُبُولُ
القَبائلِ الْمُهَاجِرَةِ مِنْ كَرْبَلاءَ إلى آبارِ النِّفْطِ / كُن أيُّها
الألَمُ جَوَازَ سَفَرِي الْمُزَوَّرَ/ عِندَما تَرْحَلُ الْمُعْجَبَاتُ مِن
مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ إلى بَلُّوطِ الجِنازةِ / ويَلْعَبْنَ البُولنغ
في شَمَالِ الويسكي / هَذا الرَّعْدُ يَبْحَثُ عَن وَطَنٍ خَرَجَ وَلَم يَعُدْ /
وأنا أبْحَثُ عَن وَجْهي في مَرَايا الأسْمَنْتِ / وأحزانُ الصَّبايا تَتَسَاقَطُ
بَيْنَ أنيابِ الضَّبابِ الجائعِ /
سَقَطَتْ طُيورُ البَحْرِ في الغروبِ / وأحزانُ البُحَيراتِ في مَسَاءِ
الانقلاباتِ العَسكريةِ / صَبَاحُ الخيْرِ يا سجَّاني/ الطائراتُ العَسكريةُ
تَقْصِفُ حِبَالَ الغسيلِ/ ومَلابِسُ الأيتامِ عَلى سُطوحِ القِطَاراتِ التي
تَذْهَبُ ولا تَعُودُ / تَحْمِيلُ الجواري في عَرَبَاتِ القِطَاراتِ كالبَضائعِ
الْمُهَرَّبَةِ / والنَّيازكُ تَسْقُطُ في دِمَاءِ الضَّحايا / والجنودُ الذينَ
لَم يَجِدُوا استراحةَ الْمُحَارِبِ / مُشْتَاقُونَ إلى مِكْيَاجِ زَوْجَاتِهِم /
نَسِيَت الفَتَيَاتُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ في دَفاترِ الرِّياضياتِ/ وضَاعَت
الْجُثَثُ المجهولةُ في جَدْوَلِ الضَّرْبِ/ سَتَنْكَسِرُ ضَفائرُ الرَّاهباتِ
بَيْنَ خَشَبَةِ الصَّليبِ وخَشَبَةِ الْمَذْبَحِ / يُولَدُ في تَوابيتِ
النَّعناعِ ضَوْءٌ / وَقَعَتْ الْخُيُولُ في أطيافِ القَتْلَى / العَوَاصِفُ
الفِضِّيةُ / والمجازرُ اليَوْمِيَّةُ في الوَطَنِ الذي يُولَدُ في أخشابِ
النُّعوشِ / رَحَلَ العُشَّاقُ إلى الصَّدى الوَحْشِيِّ / وَبَقِيَتْ دُمُوعُهُم
في ظِلالِ النَّخيلِ /
الصَّدَمَاتُ العاطفِيَّةُ في كافتيريا الأسْرَى عَلى الطريقِ
الصَّحراوِيِّ / الوَحْدَةُ الوَطنيةُ في وَطَنٍ يَبْصُقُ عَلى الشَّعْبِ / ويَشْنُقُ
الفَلاسِفَةَ / لَكِنَّهُ يَحترِمُ أفخاذَ الرَّاقصاتِ / زِيَادةُ الدَّخْلِ القَوْمِيِّ
في المقابرِ الجماعِيَّةِ / دُوَيْلَةٌ لَقيطةٌ تُحْتَضَرُ / النَّشيدُ الوَطنيُّ
أُغْنِيَةٌ عاطفِيَّةٌ لِوَصْفِ نُهُودِ النِّساءِ / هَتَفَتْ فِئرانُ التَّجارُبِ
للقَادةِ الفَاتِحِينَ / الذينَ لَم يَفْتَحُوا غَيْرَ أغشيةِ البَكارةِ للسَّبايا
/
يَلْتَقِطُ الضِّفدعُ المنبوذُ الصُّوَرَ التِّذكارِيَّةَ عِندَ
الْمُسْتَنْقَعَاتِ / أشِعَّةُ القَمرِ عَلى حُفَرِ المجاري الْمُغَطَّاةِ
بِرُمُوشِ العَوَانِسِ / فَيَا أيُّها الوَهْمُ الذي يُطَلِّقُ الملِكَاتِ / وَيَتَزَوَّجُ
الخادِمَاتِ / طُيورُ البَحْرِ دَخَلَتْ في عُزلةِ النَّيازكِ / تَنتظِرُ أوْرِدتي
الخشَبِيَّةُ في مَقْهَى الطحالبِ / والبِكْتِيريا مُوسِيقَى تَصويرِيَّةٌ للنَّشيدِ
الوَطنيِّ / يَنامُ طَيْفي تَحْتَ أشجارِ الدَّمْعِ / وَدُودةُ القَزِّ تَخِيطُ
أكفانَ الأنهارِ في عِيدِ مِيلادِ حَفَّارِ القُبورِ / نَباتاتُ الزِّينةِ في
مَنَافي المطَرِ / أحرقتُ بِدَمْعِي سَنابلَ الذِّكرياتِ / حَضَنْتُ الأمطارَ
القديمةَ عَلى خَشَبَةِ الْمَذْبَحِ/ وأصابعي حُقولُ الْحُزْنِ الْمَنْفِيِّ/
سَيَقُومُ نُمورُ التَّاميلِ بِعَمَلِيَّةٍ انتحارِيَّةٍ / والخادِمةُ
السِّريلانكِيَّةُ تُصَفِّقُ في مُبَارَاةِ الكريكِت /
خَرَجْنَا مِنَ التاريخِ وَلَم نَعُدْ / فَلا تَبْحَثْ عَن الفَرْقِ بَيْنَ
حِصارِ بَيْرُوتَ وحِصارِ سراييفو / جُثتي هِيَ المسافةُ بَيْنَ الحِصَارِ
والأمطارِ / وَحُزني هُوَ التَّشَابُهُ بَيْنَ الصَّدى والصَّدَأ /
أيَّتُها الغَيْماتُ العَطْشَى/ اشْرَبِي قِصَصَ الْحُبِّ الفَاشِلةَ /
مَضَغَ الجِيَاعُ أجفانَهُم في بَنَادِقِ الكَرَزِ/
فَاتْرُكْ جَمَاجِمَ عَشِيقَاتِكَ في الْمَتْحَفِ
/ سَيَجْرِفُ المساءُ مَشَاعِرَ زَوْجَاتِ الجنودِ الخاسرين / وَلَن يَعترِفَ بِدُمُوعِنا
غَيْرُ التفاحِ المدفُونِ في الغُيومِ / يَا سَجَّاني العَاطِفِيَّ / يا مُسَدَّسَ
جَدِّي الوَاقِعَ في غَرَامِ السَّنابلِ / سَتَذْهَبُ السِّنابلُ إِلى مَلَلِ
الحياةِ الزَّوجيةِ / وَيَسْهَرُ الغُزاةُ في حُقولِ الحِبْرِ / أجراسُ الكَنائسِ
تُصَفِّي دُمُوعَ الكَهَنَةِ مِن عُلَبِ البِيرةِ / جَدائلُ الرَّاهباتِ السَّبايا
على خَشَبَةِ الْمَذْبَحِ / وَغُرفةُ الاعترافِ فارغةٌ/ هَتَفَ العَبيدُ للجَيْشِ
المكسورِ/والجاريةُ تَرْقُصُ في الأحزانِ الفاصلةِ بَيْنَ بَلاطِ السُّجونِ وبَلاطِ
القُصورِ / أشلائي أجنحةٌ للعَصَافيرِ اليَتيمةِ / وَإِشارةُ الْمُرُورِ دَائِمَاً
حَمْرَاءُ /
كُلُّ جَوَارِحِي مَجروحةٌ / لَم أَكُنْ مَوْجُوداً
يَوْمَ وَلَدَتْنِي الهزيمةُ/وَأَرْضَعَتْنِي طَحالبُ الأسْفَلْتِ/ أتغطى
بالسُّيولِ / مَاتَ عُمَّالُ المناجِمِ تَحْتَ الأرضِ / ومَاتَ عُمَّالُ
النَّظافةِ تَحْتَ المطَرِ/ خُذْ أصابعَ الأمواتِ/ خُذْ مَا تَبَقَّى مِن طِلاءِ
أظافرِ التِّلالِ / وَاتْرُكْنِي أيُّها النَّزيفُ في مُنْتَصَفِ الطريقِ قُرْبَ سُجُوني
/ ولا تُكْمِلْ دَائرةَ الذِّكرياتِ القاتلةِ / صَارَ سُورُ المقبرةِ بُرْجَاً
للحَمَامِ / وهِضَابُ البُكاءِ انْتَخَبَتْنِي أرشيفاً لِجَدَائلِ اليَتيماتِ/ سَيُكْمِلُ
الغُرباءُ هَندسةَ الخِيَامِ للقِطَطِ الْمُشَرَّدَةِ / كَسَرَت الرِّيحُ أوتادَ
العِشْقِ في القُلوبِ المكسورةِ / يَمْتَصُّ البَجَعُ آبارَ النِّفْطِ تَحْتَ
أظافري / فَلا تَبْكِ عَلَيَّ يَا جَلادي / كُلُّنَا في سُجُونِ الْمَوْجِ أقفاصٌ
/ تَتَحَلَّلُ الْجُثَثُ في لُعابي زِلْزَالاً يَكْسِرُ مِقْيَاسَ رِيختَر /
أقِيسُ مَنسُوبَ البَارودِ في دَمْعِ السُّنونو / والأحزانُ في جِلْدي تُقَاسُ
بِكُحْلِ النَّوارسِ /
أيَّتُها الشَّرْكَسِيَّةُ
السَّائرةُ في غَابَةِ اللازَوَرْدِ / حَرِّرِيني مِنْ طَيْفِكِ / أَطْلِقِي سَرَاحِي
كَي أرى وَجْهي في مَرايا النَّهْرِ وَمَزْهَرِيَّاتِ المطَرِ / تَبْتَلِعُ
الأمواجُ القُصورَ الرَّمْلِيَّةَ في خَريفِ الرُّعْبِ / يَخْرُجُ الدُّودُ مِن
ثُقوبِ كَبِدي / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ / لَكِنَّ الكِلابَ البُوليسِيَّةَ تَمْشي
تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / كُلَّمَا عَزَلْتُ نفْسي عَن نفْسي وَجَدْتُ نفْسي / تَنْسَلِخُ
صِفَاتي عَن ذَاتي / لَم أَدْخُلْ في حُلْمِ الزَّنابقِ واحتضارِ السَّنابلِ /
فِرَاشُ الموْتِ عَلى الأثاثِ الْمُسْتَعْمَلِ / والنَّوافذُ تُطِلُّ على أحزانِ
البَحْرِ / إِنَّهُم يَشْرَبُونَ نِفْطَ السَّبايا في جَمَاجِمِ عَشيقاتِهِم /
والعَنَاكِبُ تَبْني بُيُوتَهَا في ثُقوبِ جِلْدي المهجورِ / تَتَبَوَّلُ الحضَارةُ
عَلى نَصْلِ مِقْصَلَتي / لَكِنَّ رَائحةَ دُمُوعي تَجْرِفُ المكانَ / أَبْنِي إِسْطَبْلَ
الصُّراخِ في بَراري الكُوليرا / وَالصَّهيلُ يُمَزِّقُ لَحْمَ الفَراشةِ / وأحصنةُ
الشَّفَقِ مَاتتْ / ذَهَبَت النِّساءُ إلى شاطئِ الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ فَساتينُ
السَّهرةِ عَلى فِرَاشِ الموْتِ .