وُلد الفيلسوف الألماني ماكس شيلر ( 1874 _ 1928 ) في ميونخ بألمانيا . كان
والده لوثريًّا ، ووالدته أرثوذكسية يهودية ، وكمراهق ، انعطف إلى الكاثوليكية ، ربما
بسبب مفهومها عن الحب . حوالي عام 1921 أصبح _ على نحو متزايد _ حياديًّا .
درس شيلر الطب في ميونخ وبرلين كما درس
الفلسفة وعلم الاجتماع في عام 1895 . حصل على الدكتوراة في عام 1897، وعمل كأستاذ
مساعد ( تأهيل الأطروحة ) عام 1899 في جامعة يينا . كان مُشرفه رودلف أُوكن ( الحائز على جائزة نوبل للآداب
1908 ) . وطوال حياته، أبدى شيلر اهتمامًا قويًّا بالفلسفة البراغماتية الأمريكية .
في عام 1902 ، التقى الفيلسوف
الفينومينولوجي إدموند هوسِّرل . لكنه لَم يكن طالبًا أو تلميذًا لدى هوسِّرل .
وعمومًا ، استمرَّت علاقتهما متوترة .
كان شيلر حاسمًا في رسالة الماجستير تحت عنوان " التحقيقات المنطقية"(
1900_ 1901). وقال إنه أيَّد تحفظات هايدغر في " الوجود والزمان " الذي
التقاه أيضًا في أوقات مختلفة. ومع ذلك بعد وفاة شيلر، لاحظَ هايدغر"أن جميع
فلاسفة القرن الآخرين مَدينون لشيلر"، ورأى الكثيرون في موت شيلر المفاجئ
" خسارة لا تُعوَّض للفكر الأوروبي .
في الفترة ( 1907 _ 1910 ) درَّس في جامعة
ميونخ . وانضمَّ إلى دائرة علم الظواهر، وأُلْقِيَ القبض عليه بطريقة ظالمة بسبب
أمور شخصية بين الجامعة الكاثوليكية ووسائل الاعلام المحلية الاشتراكية ، مِمَّا
أدى إلى فقدان منصبه في التدريس في ميونخ عام 1910 .
في الفترة ( 1910 _ 1911 ) حاضرَ شيلر في
الجمعية الفلسفية في غوتنغن، حيث أدلى بآخر أفكاره وأحدث معارفه هناك . وعن غير
قصد أثَّرَ شيلر في الأوساط الكاثوليكية حتى يومنا هذا ، بما في ذلك تلميذته إديث
شتاين والبابا يوحنا
بولس الثاني الذي كتب أطروحته الافتتاحية ومقالات عديدة عن فلسفة شيلر .
انتهى زواج شيلر الأول بالطلاق ، فتزوَّجَ للمرة الثانية في عام 1912 .
وخلال الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918 ) ، كان مُجَنَّدًا ، ولكنه أُعْفِيَ من التجنيد بسبب مرض في عينيه. وفي عام 1919 ، أصبح
أستاذًا للفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة كولونيا . ومكث هناك حتى عام 1928 . وفي مطلع ذلك
العام ، قَبِلَ وظيفة جديدة في جامعة فرانكفورت .
في عام
1927، في مؤتمر في دارمشتات قُرب فرانكفورت ، ألقى شيلر محاضرةً مُطوَّلة ، نُشرت لاحقًا في شكل
مختصر بعنوان " مكانة الإنسان في الكون". وكان معروفًا بأسلوب الخطابة،
وكانت رسائله تأسر جمهوره لمدة أربع ساعات ! .
قُرب نهاية حياته ، وُجِّهت له عدة دعوات ، من الصين والهند واليابان
وروسيا والولايات المتحدة . ومع ذلك ، بناءً على نصيحة من طبيبه ، اضْطُر إلى
إلغائها .
ركَّز شيلر بصورة متزايدة على التنمية
السياسية . وكان الباحث
الوحيد بين المثقفين الألمان الذين حَذَّروا في وقت مبكر ، وفي خُطب عامة ، من
مخاطر تنامي الحركة النازية والماركسية .
كانت مواضيع الخطابات التي ألقاها في برلين
عام 1927 ، تتحدث عن السياسة والأخلاق، وفكرة السلام الأبدي ومبدأ السلام .
وتحليلاته عن الرأسمالية كشفت_ وَفْقَ حساباته _ أنها توجُّه عقلي
للنمو على الصعيد العالمي بدلاً مِن كَونها نظامًا اقتصاديًّا . ومع ذلك ، تظهر
جذورها في العصر الحديث في اللاوَعْي ، حيث القلق واللهفة التي يُعبَّر عنها في
الاحتياجات المتزايدة للمال، والحماية والضمانات الشخصية ، فضلاً عن الإدارة
الرشيدة للوجود . ومع ذلك ، فإن تبعية قيمة الفرد لهذا الاتجاه العقلي كان سببًا
كافيًا لشيلر ، لشجبها والتنبؤ بحقبة جديدة من الثقافة والقيم ، وهو ما يُسمَّى بـ
" العصر العالمي للتَّكَيُّف " .
دعا شيلر أيضًا إلى قيام جامعة دولية تنشأ
في سويسرا . وفي ذلك الوقت كان يدعم برامج مثل "التعليم المستدام" ،
وعلى ما يبدو أنه أول من دعا إلى " الولايات المتحدة الأوروبية". وأعربَ
عن أسفه للفجوة الموجودة بين القوة والعقل في ألمانيا ، واعتبر أن الفجوة قد تكون
مصدرًا لدكتاتورية وشيكة ، وأكبر عقبة لإرساء الديمقراطية الألمانية . وبعد خمس
سنوات من وفاته، طَمست النازيةُ الدكتاتوريةُ ( 1933 _ 1945 ) عملَ شيلر .