ألتوسير والشرح الجديد للماركسية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
.....................
وُلد الفيلسوف الفرنسي
لوي ألتوسير ( 1918 _ 1990 ) في مستعمرة
الجزائر الفرنسية في بلدية بئر
مراد رايس الواقعة بجانب
مدينة الجزائر .
سُمِّيَ باسم عَمِّه الذي قُتل في الحرب
العالمية الأولى. بعد وفاة والده،انتقلَ ألتوسير
معَ أُمِّه وأخته الصغيرة إلى مارسيليا
حيث قضى بقية طفولته. انضمَّ عام 1937 إلى منظمة الشبيبة الكاثوليكية. وجُنِّد
للجيش في الحرب العالمية الثانية بعد
احتلال فرنسا ، وسُجن في معسكر ألماني لأسرى الحرب . في المعسكر ، التقى بجاك
مارتن ، وبدأ بالانتقال نحو الفكر الماركسي . قضى ألتوسير في المعسكر باقي سنوات
الحرب ، وساهمت هذه التجربة بإصابته بنوبات من الاضطراب النفسي لاحقًا. بعد الحرب
استطاع ألتوسير أن يبدأ تعليمه في مدرسة الأساتذة العليا، لكنه كان بوضع صحي
سَيِّئ نفسيًّا وجسديًّا. وعام 1947 تلقى علاجًا بالتخليج
الكهربي. ومُنذ
تلك الفترة عانى ألتوسير من أمراض
عقلية حتى وفاته. أبدت المدرسة
تفهمًا لحالته وسمحت له بالسكن في غرفة خاصة في عيادة المدرسة. سكن ألتوسير أغلب
سِنِيِّ حياته في مدرسة الأساتذة العليا ، باستثناء فترات دَخَلَ فيها المستشفى.
حصل على شهادة في الفلسفة عام 1948 ، وما لبث أن أصبح منذ ذلك الحين مُعيدًا في
المعهد العالي للمعلمين . وانضمَّ في العام ذاته إلى الحزب الشيوعي الفرنسي ، في
فترة بدأ فيها العديد من المثقفين بفقدان ثقتهم بالحزب. في نفس السنة اجتاز
ألتوسير امتحانات قَبول المعلمين في سلك التعليم الحكومي في فرنسا في موضوع
الفلسفة كاتبًا أطروحة عن هيغل ،
مِمَّا سمح له أن يصبح مُعَلِّمًا في مدرسة
الأساتذة العليا. وكان من بين طلابه
الفيلسوفان ميشيل فوكو وألان باديو .وفي عام 1946 التقى ألتوسير بهيلين ريتمان ،
ثَورية من أصل لاتفي _
يهودي . كانت تكبره بثماني سنوات . ومُنذ ذلك الحين صارت
شريكة حياته حتى قام بقتلها في 16 نوفمبر 1980 خَنْقًا،بعد فترة من الاضطراب
العقلي. لَم يكن هنالك شهود ، وهنالك جدل على الظروف ، ادَّعى البعض أن القتل كان
مُتَعَمَّدًا،بينما ادعى الآخرون أنه كان حادثًا. زعم ألتوسير أنه لا يتذكر ما حدث
قائلاً إنه بينما كان يدلك عُنق زوجته اكتشف أنه خنقها. قُرِّرَ أن ألتوسير لا
يتحمل المسؤولية القانونية عن أعماله، ولَم يُحاكَم ، بل أُدخِل إلى مستشفى سانت
آن النفسي ، وبقي في المستشفى حتى عام 1983. بعد خروجه من المستشفى انتقل إلى شمال
باريس حيث عاش منعزلاً،فلم يلتقِ سِوى بِقِلَّة من الأشخاص.وقد استمر بالكتابة إلا
أنه لَم ينشر سوى القليل من الأعمال أهمها ترجمته الذاتية " المستقبل يدوم
إلى الأبد". لا تزال العديد من مواقف ألتوسير النظرية مُؤثِّرة على الفلسفة
الماركسية. وفي مقدمة مجموعته عن ماركس يقول إن هناك انقطاعًا معرفيًّا بين كتابات
ماركس المبكرة وبين المتأخِّرة التي كانت ماركسيةً حقًّا. وقد بيَّنت مقالة
ألتوسير"الماركسية والإنسانية"وجود توجُّه لاإنساني في"النظرية
الماركسية "، مُنتقدًا فكرة " الطاقة الكامنة الإنسانية " التي
يطرحها أحيانًا ماركسيون، مُعتبرًا إيَّاها نتاج أيديولوجية برجوازية . يُعتبَر
ألتوسير أحد أهم المنظِّرين الماركسيين في القرن العشرين . وقد بنى أُطروحاته على
الأسس النظرية للماركسية.مِنها تأثيرات الإمبريقية( التجريبية ) على النظرية
الماركسية،والتوجهات الاشتراكية الإنسانية والإصلاحية التي بانت في انحرافات
الأحزاب الشيوعية الأوروبية. بالإضافة، إلى مشكلات عبادة الشخصية ،
وعبادةِ الأيديولوجية نفسها . وَضَعَ ألتوسير خطة لعمله
الفكري الذي استغرق كل حياته،كما وضع أُسَسًا فلسفية لتحديد" النظرية
الماركسية" مكَّنته من فهم ماركس فهمًا خاصًّا ، فقد رأى أن مؤلفات ماركس
الشاب وليدة تأثير هيغل ، وأن حياة ماركس الفكرية كانت محاولة مستمرة للخروج من
هذا التأثير، وأنها لَم تصل إلى تحققها واستقلالها إلا بكتابه " رأس المال ". لهذا رأى ألتوسير أنه لا بد
من فصل مؤلفات ماركس الشاب عن " رأس المال "، والنظر إلى هذا الكتاب على
أنه عُمدة الماركسية، وأن ما عداه من مؤلفات ماركس ليس ماركسيًّا إلا بِقَدْر ما
يوافق مضمونه مضمون " رأس المال " . أدَّت هذه النظرة إلى الماركسية
بألتوسير إلى مخالفة خط الحزب الشيوعي الفرنسي ، وما لبثت أن أدخلته في نزاع سياسي،
كان من حصاده نص تَقَدَّمَ به إلى المؤتمر الثاني والعشرين للحزب عام1977،ثم نص
آخر تَقَدَّمَ به بعنوان"ما لا يمكن له أن يستمر أبَدًا في الحزب
الشيوعي" (1978). يُحاول ألتوسير شرح ماركس شرحًا جديدًا. وهو يرى أن ماركس
لَم يكن ماركسيًّا بالفِطرة بل أصبح كذلك بعد مسيرة تتبُّع طويلة للفكر الاشتراكي،
قادته إلى تبنِّي تلك الآراء الثورية التي تَوَّجَها كتابه "رأس
المال". ويُلِح ألتوسير على نقطتين في فهم ماركس وشرحه ، أُولاهما أن الجدل
الماركسي ليس استمرارًا للجدل الهيغلي،وأن هناك قطيعة معرفية بينهما. وثانيهما أن
ماركس يُعطي المادةَ أولوية فلسفية، فما يجب تحليله هو الوقائع المادية من حيث هي
مادية، ويجب دراستها دراسة علمية.قسَّم ألتوسير فكر ماركس إلى مرحلة أيديولوجية
انتهت عام1845ومرحلة علمية بدأت بانتهاء المرحلة الأيديولوجية. ويضع ألتوسر القارئ
هنا أمام طورَيْن ماركسيين مختلفين : أحدهما أيديولوجي يُعنَى بما هو إنساني
وفلسفي وأنثروبولوجي ، وثانيهما عِلمي يُعنَى بالدراسة النظرية البنيوية التي تقوم
على مفهومات علمية دقيقة . وهو يعتقد أن هذه المرحلة الأخيرة هي التي تُمثِّل
الماركسية .