وُلِد الكاتب الإنجليزي كولن ولسون ( 1931_
2013 ) في مدينة ليسِستر الإنجليزية ، لعائلة فقيرة من الطبقة العاملة .
تأخَّرَ في دخول المدرسة ، وتركها
مُبَكِّرًا في سن السادسة عشرة ليساعد والده . عمل في وظائف مختلفة، ساعدته بعضها
على القراءة في وقت الفراغ .
نشر كتابه الأول ( اللامنتمي ) عام 1956 ،
وهو في سن الخامسة والعشرين . تناولَ فيه عُزلة المبدعين من شعراء وفلاسفة عن
مجتمعهم وعن أقرانهم ، وتساؤلاتهم الدائمة . وعزا ذلك إلى الرغبة العميقة في إيجاد
دِين موضوعي وواضح يمكن له أن ينتقل إلى الآخرين ، دون أن يقضوا حياتهم في البحث
عنه .
كان الكتاب ناجحًا جِدًّا ، وحَقَّقَ أصداء
نقدية قوية، وجعل من الشاب الفقير ولسون نجمًا في دوائر لندن الثقافية ، وصارت
أخباره الخاصة تتصدر أعمدة النميمة الصحفية .
أثَّرَ ذلك على ولسون كثيرًا ، وصار يتَّخذ
موقفًا من الصحفيين والنُّقاد ، الذين سُرعان ما بادلوه نفْس الموقف ، وهاجموا
كتابه على أساس أنه " مُزيَّف " ومليء بالنفاق . ورغم ذلك ، لا يزال
يُنظَر إلى الكتاب على أنه ساهمَ بشكل أساسي في نشر الفلسفة الوجودية على نطاق
واسع في بريطانيا .
نُظِر إلى
ولسون على أنه ينتمي إلى مجموعة " الشباب الغاضبين " . وهم مجموعة من
الشباب المثقف المتمرد ، قدَّموا عِدَّة أعمال مسرحية في الخمسينيات، رغم أن
قليلاً جِدًّا مِنهم كان ولسون يرتبط بهم من الناحية الفعلية .
كتابه
الثاني " الدين والتمرد " ( 1957 )،
قُوبِل بهجوم شديد مِن النُّقاد الذين كرَّروا وصفه بالمزيَّف والكَذاب . كذلك ظَل
النقاد معَ مُعظم كُتبه التالية ، لكن الرواج التجاري ظَل مُلازِمًا لمعظم كُتبه
التي نالت هجوم النقاد أو لامُبالاتهم .
واصلَ ولسون الإنتاج دون اهتمام لهجوم
النُّقاد ، وقد تنوَّعت موضوعات كُتبه بين الفلسفة، وعِلم النفس الإجرامي،
والرواية .
في الفلسفة ، أكملَ سلسلة اللامنتمي : عصر
الهزيمة ( 1959)، قوة الحلم ( 1961 ) . أصول الدافع الجنسي ( 1963 ) . ما بعد
اللامنتمي ( 1965) .
في الرواية ، كتب عِدَّة مُؤلفات روائية ،
مِنها : طقوس الظلام ( 1960 ) . ضياع في سوهو
( 1961 ). رَجل بلا ظِل ( 1963 ). القفص الزجاجي ( 1966). طُفيليات العقل (
1967).
والجديرُ بالذِّكر أن عدد مؤلفات ولسن يزيد
الآن على مئة كتاب . وقد أُلِّفَت عنه عِدَّة مؤلفات نقدية .
يقول كولن
ولسون : (( اللامنتمي هو الإنسان الذي
يُدرِك ما تنهض عليه الحياة الإنسانية مِن أساس واهٍ ، وهو الذي يشعر بأن الاضطراب
والفوضوية أكثر عُمْقًا وتجذرًا من النظام الذي يؤمن به قَومه . إنه ليس مجنونًا !
. هو فقط أكثر حساسية من الأشخاص المتفائلين صحيحي العقول . مُشكلته في الأساس هي
مشكلة الحرية . هو يريد أن يكون حُرًّا ، ويرى أن صحيح العقل ليس حُرًّا ، ولا
نقصد بالطبع الحرية السياسية ، وإنما الحرية بمعناها الروحي العميق . إن جوهر
الدِّين هو الحرية، ولهذا، غالبًا ما نجد اللامنتمي يَلجأ إلى مِثل هذا الحل إذا
قُيِّضَ له أن يجد حَلاًّ ! )).
ومِن الغريب أن ولسون قد حَقَّقَ شهرة كبيرة
في العالَم العربي ، لأنه يكاد لا يكون معروفًا في بلدان أوروبية عديدة ، ولَم
يُعترَف به ككاتب جاد وحقيقي .
اتَّجَهَ بعد كتاباته الأدبية إلى الكتابة
عن التصوف والسِّحر وعالَم ما بعد الموت . ويُصنَّف ولسون في الغرب باعتباره
كاتبًا دَجَّالاً .
تميَّزت حياة ولسون الشخصية بتعدد العلاقات
التي أقامها في كل محيط عمل أقام فيه ، ولعل أبرز ما مَيَّز أسلوبه في التفكير
فكرة تبدو شاذة ، وهي أنه يجب على المبدع أن يُوفِّر جميع متطلباته وحاجاته
الطبيعية كي يتمكن مِن الانطلاق في عالَم الإبداع ، لذلك لا تكاد تجد كتابًا له
إلا وفيه ذِكر لموضوع الجنس ، ولو تلميحًا . وهذا يتَّضح في حياته العملية ، فقد
تعدَّدت علاقاته مع عِدَّة نساء ، وتزوَّجَ أخيرًا بالفتاة جوي الذي وصف تأثره بها
في سيرته الذاتي . وهذا الزواج "الناجح" جاء بعد تجربة زواج فاشلة مع
مُمرِّضة أكبر منه في السِن .