وُلد
الأديب الإسباني لوبي دي فيغا ( 1562 _ 1635 ) في مدريد ، وتُوُفِّيَ فيها . ينتمي
إلى عائلة متواضعة أصولها تعود لوادي كارييدو في جبل كانتابريا . وأبوه كان يعمل
مُطَرِّزًا للثياب .
بدأت موهبة دي فيغا مُنذ صغره . أتقن قراءة
اللاتينية والقشتالية في وقت مبكر جدًّا من طفولته حيث كان في الخامسة من عُمره
فقط، وفي العُمر ذاته بدأ بنظم الشِّعر . وفي الثانية عشرة من عُمره التفت لكتابة
المسرحيات، ومن المحتمل كَوْن أولى أعماله " العاشق المخلص " ، والتي
أكَّد دي فيغا أنه تفانى في كتابة هذا العمل. موهبته العظيمة كانت السبب في
التحاقه بمدرسة الشعراء والموسيقى في مدريد .
يُعتبَر دي فيغا الأكثر غزارة في الأدب
الإسباني ، فقد كان يتمتع بقدرات مذهلة على ارتجال الأشعار قبل أن يتعلم الكتابة .
كان حالة استثنائية في عالَم الأدب وفي حياته الخاصة، فأُطلِق عليه لقب"
عنقاء العباقرة الإسبان "، وأطلقَ عليه مُعاصره ثيربانتس لقب " وحش
الطبيعة " . وهو لقب ينطبق على قدراته الإبداعية وسيرته الحياتية على السواء،
ذلك أنه عاش حياة مغامرات صاخبة، فبعد أن درس في طفولته في مدرسة يُديرها الرهبان
اليسوعيون ، انتقل لتلقِّي العلم في جامعة ألكالا ( 1577 _ 1581 ) ، لكنه لَم
يتمكن من نيل شهادته ، ربما بسبب سلوكه غير المنضبِط وحُبِّه للنساء ، ما جعله غير
صالح للكهنوتية ، هذا ما دفع أولياء أمره للتوقف عن دفع تكاليف دراسته ، لذلك لَم
يحصل دي فيغا على درجة البكالوريوس ، وكان عليه أن يعمل لكسب قُوت يَومه ، فعمل في
كتابة المسرحيات والمقطوعات الأدبية . وشارك في حملات عسكرية ، وتطوَّعَ في
الأسطول الإسباني الملقَّب بـِ " الأرمادا الذي لا يُقهَر " .
أحبَّ إيلينا أوسوريو ، التي ذكرها في
أشعاره بلقب فيليس ، ولكنه حين علم أن هناك مَن حَلَّ محله في حب إيلينا، هجا
العشيق بأشعار جارحة، مثلما هجا والد إيلينا، فحُكم عليه بالنفي أربع سنوات خارج
مدريد وسنتين أخريين خارج حدود مملكة قشتالة . وعندما وصله العفو الذي كان يتلهف
إليه في عام 1595، رجع إلى مدريد، وانتقل فورًا للعمل في خدمة دوق ألبا ، وعاشَ
معظم الوقت في بلدة ألبا دي تورمِس ،
في أجواء راقية وشاعرية . ثم انتقل بعد ذلك للعمل في خدمة المركيز دي مالبيكا ،
ودوق سِسَّا الذي كان منغمسًا في اللهو والملذات، وكان لعلاقة دي فيغا به نتائج
وخيمة . وبسبب نفوذ هذا الأخير عُيِّنَ الشاعر ضمن أسرة محكمة التفتيش. ويبدو أن
دي فيغا أحسَّ بالندم في السنوات الأخيرة من حياته ، ومرَّ بأزمة دينية حادة بسبب
ما اقترفه من ذنوب، فحاول إصلاح حياته، وانضمَّ إلى " أخوية عبيد السر الأقدس
" ، وعُيِّنَ أسقفًا ، بل إن البابا أوربانو الثامن منحه لقب دكتور في
اللاهوت، وتفرَّغَ لمنْزله الذي ما لبث أن انهار، فقد ماتت زوجته مجنونة وعمياء ،
ثم مات ابنه في حادث غرق سفينة، وفرَّت ابنته مع عشيق يعمل في البلاط، فامتلأت
حياة دي فيغا باليأس والقنوط وتأنيب الضمير، فكان يمارس عقاب الذات بالجلد، ظَنًّا
منه بأنه يُكفِّر بذلك عن ذنوبه وخطاياه .
كان دي فيغا رجلاً واسع الثقافة الأدبية ،
وحالة استثنائية من الحيوية وسَيْلاً متدفقًا من الإبداع . كتب في كل الأجناس
الأدبية التي كانت معروفة في زمانه باستثناء رواية الصَّعلكة .
ومعَ أن وفرة أعماله المسرحية المذهلة (
يُقال إنه ألَّفَ أكثر من 1800 عمل مسرحي ) ، قد طغت على جوانب إبداعه الأدبي
الأخرى ، إلا أن له مؤلفات واسعة في الشِّعر لا تقل ضخامة وأهمية عن مسرحه، بل إن
أعماله الشعرية كانت من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها وتصنيفها .
وهو واحد من أفضل الشعراء الغنائيين في
الشعر الإسباني ، وتتبدى حساسيته الغنائية في القصائد التي كتب كلماتها لِتُغنَّى
.
وله قَدْر كبير من القصائد القصصية والوصفية
المطوَّلة ، منها ما هو تاريخي ملحمي، مِثل : " دراغونتيا " ( 1598 ) التي يتغنى فيها بمغامرات القرصان
الإنجليزي فرانسيس دريك وهزيمته ومَوته ، و " تاج مأساوي " ( 1627 ) حول موت ماريا ستيوارت ومصيرها المأساوي
. وقصص شعرية أخرى مُستوحاة من تقاليد مدريد الشعبية والدينية والتاريخية، مِثل:
" إيسيدرو " (1599) وهي قصيدة مخمسَّات مُترَعة بالورع الديني الشعبي، ويتغنى
فيها بالقديس إيسيدرو الفلاح، شفيع مدريد ، ومِثلها قصيدة "عذراء ألمودين " ( 1623 ) .
وهناك
أشعار يُحاكي فيها الشِّعر الملحمي الإيطالي في عصر النهضة، مِثل : جمال أنخيليكا
( 1602 ) ، و " غَزو أورُشَليم " ، وصوَّر فيها عالم الحروب الصليبية .
كما نظم قصصًا شِعرية ذات موضوعات أسطورية ، إضافة إلى ملحمة تهكمية يروي فيها
مغامرات قِطَّيْن مُغرَمَيْن بقطة طائشة ، وهي بعنوان : " الملحمة القِطِّية
" ( 1634 ) .